الجواب: هذه المرأة كما قال السائل ورثت من أبيها، ثم أعطت أخاها جميع ما ورثته من أبيها، وأحد أبنائها يسأل هل هذه العطية جائزة فنقول: إذا كانت هذه العطية في حال صحتها فإنها جائزة، فلها: أن تتصرف في مالها بما شاءت غير أنها لا تفضل أحداً من أولادها على الآخرين، أما أن تعطي أخاها أو أحداً من أقاربها سوى أولادها فلها الحق في ذلك ولا أحد يمنعها منه.
وأما سؤاله ما نصيبه من إرثها: فإن أراد ما نصيبه من إرثها من أبيها فليس لهم حق فيه مادامت الأم على قيد الحياة، وإذا ماتت فإن إرثها يقسم على حسب ما تقتضيه الشريعة في وقت موتها ولا يمكن الحكم عليه الآن، أما إذا كانت أعطت أخاها هذا الميراث الذي ورثته من أبيها في مرض موتها المخوف أو ما في حكمه، فإنه ليس لها أن تتصرف فيما زاد على الثلث، فإن كان إرثها من أبيها أكثر من ثلث مالها فإنه يتوقف على إجازة الورثة، وأما إذا كان أقل من ثلث مالها عند موتها فإن عطيتها تامة.
الجواب: السؤال هنا يشتمل على مسألتين:
المسألة الأولى: ما يعطى عند الختان مساعدة لولي أمر المختون.
والثانية: ما يعطى المتزوج مساعدة له على زواجه.
أما في الختان فما يعطاه ولي الأمر لا بأس به إذا كان يتحمل مالاً كثيراً فيعطى مساعدة له، وأما إذا كان لا يتحمل مالاً كثيراً كما هو المعروف، فإنه لا حاجة إلى أن يعطى إعانة على ذلك.
أما في مسألة الزوج أو المتزوج فإنه أيضاً لا بأس من إعانته، والإعانة لا تعتبر قرضاً، ولذلك لو مات المتزوج الذي أعين، لم تبق هذه الإعانة ديناً في ذمته ولم تؤخذ من تركته، فدل هذا على أنها ليست قرضاً ولا في حكم القرض وإنما هي مجرد مساعدة، والزوج إذا أعان المتزوج الآخر بعد ذلك بمال أكثر مما أعين به فإنه لا حرج فيه؛ لأن هذا من باب المعروف والإحسان والمكافأة، والإنسان لا حرج عليه أن يكافئ من أسدى إليه معروفاً بأكثر من معروفه، فإن ذلك غاية الكرم، ولهذا ( لما استقرض النبي صلى الله عليه وسلم بكراً ولم يجدوا لوفائه إلا خياراً رباعياً قال النبي عليه الصلاة والسلام: أعطوه -أي: أعطوا المقرض- فإن خياركم أحسنكم قضاء ).
الجواب: هذا الموضوع من أهم الموضوعات وأشدها إلحاحاً لبيان الحق فيه في هذا العصر الذي كثر فيه الخوض في مسألة النساء حتى كان بعض دعاة السفور يأتون بشبهات يدعونها حججاً وليست بحجج في الواقع، وكثير منهم يعلم إذا لم يتجاهل ما وقع فيه النساء اللاتي بنين تبرجهن وسفورهن على رأيٍ يراه بعض أهل العلم، مع أن بعض أهل العلم الذين يرون هذا الرأي تحفظوا أشد التحفظ في المنع مما وصلت إليه حال النساء في هذا العصر، فليت الأمر اقتصر على كشف الوجه والكفين، ولكن بدا الرأس، وبدت الرقبة، وبدا النحر، وبدا الذراعان، وبدا العضدان، وبدت الأقدام والسيقان، حتى أصبح الأمر أمراً منكراً بإجماع المسلمين، بناءً على ما فتح لهؤلاء من قول بعض أهل العلم بجواز كشف الوجه والكفين، وقد ذكر بعض أهل العلم أنه إذا خيفت الفتنة أو كان القول ذريعة إلى أمر محرم فإن القول بالإباحة ينقلب إلى محرم؛ لأن من القواعد المقررة في علم الشريعة سد الذرائع أي: سد ما كان ذريعة إلى حرام، فالمباح حتى لو كان مباحاً صريحاً إذا كان منتجاً ولابد لأمر محرم صار ذلك الأمر محرماً، ألا ترى إلى قوله تعالى: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:108] كيف نهى الله تعالى عن سب آلهة المشركين مع أن سبها أمر مشروع بل واجب، إذا كان سبها يؤدي إلى سب الله تبارك وتعالى المنزه عن كل عيب ونقص، وقد ذكر بعض أهل العلم أنه بإجماع المسلمين إذا خيفت الفتنة من كشف الوجه واليدين -أعني: الكفين- فإن كشفهما يكون حراماً، والفتنة في زماننا هذا محققة في كشف الوجه والكفين، وعلى هذا فيكون مقتضى هذا القول الذي لاشك فيه، فإن العلماء قد قيدوا جواز كشف الوجه والكفين بأمن الفتنة، فإذا خيفت الفتنة فهو حرام وبعد هذه المقدمة نجيب على هذا السؤال بإذن الله تعالى فقرةً فقرة:
فقول السائل: هل يجوز للمرأة أن تكشف عن وجهها وكفيها أمام إخوان زوجها من الرجال أم أن هذا حرام؟ نقول: إن هذا حرام فإن إخوان زوجها كغيرهم من الأجانب لا يحل لهم أن ينظروا إلى زوجة أخيهم، ولا يحل لها أن تكشف عن وجهها وكفيها أمامهم كما لا يحل ذلك في غيرهم أيضاً، بل إن إخوان الزوج وأقاربه أشد خطراً من الأجانب، ولهذا لما ( حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الدخول على النساء، فقالوا: يا رسول الله! أريت الحمو؟ قال: الحمو الموت )، يعني: أنه يجب الفرار منه كما يفر من الموت، وبهذا يتبين الجواب عن الفقرة التالية:
وهي أن زوجها يتوعدها بالطلاق إذا لم تكشف وجهها لإخوته، فنقول: إن هذا أمر بمعصية، والأمر بالمعصية لا يجوز للإنسان أن يمتثله؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وأني لأعجب من هذا الرجل كيف يأمر زوجته بأن تكشف وجهها لإخوانه، فإن هذا دليل على عدم الغَيرة إذ أن الإنسان ذوي الفطرة السليمة يغار من أن يرى أحداً وجه امرأته مكشوفاً أمامه، وعليه فنقول: تصمم هذه المرأة على عدم كشف وجهها لإخوانه ولو هددها بالطلاق، والرجل الذي لا يحسم بينه وبين زوجته إلا مثل هذه المسألة معناه أنه ليس له رغبة في زوجته، إذ لو كان له رغبة في زوجته لكان تصميمها على أن تحتجب عن إخوته مما يدعوا إلى إمساكها والتمسك بها نعم.
وأما الفقرة الثالثة: هل الآيات الكريمة وهي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59] تدل على فرض الحجاب على المرأة؟ نقول: نعم هي تدل على ذلك؛ لأن الجلابيب: جمع جلباب وهو بمنزلة العباءة للمرأة، وإذا كان الواجب أن تدني عليها منه فمعنى ذلك أنه لابد أن تستر وجهها، ولهذا قال ابن عباس : أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة، هذا تفسير ابن عباس كما ذكره عنه ابن كثير رحمه الله، ومعنى هذا: أن الآية تدل على أنه يجب على المرأة أن تستر وجهها، أما ما ذكره السائل من حديث أسماء بنت أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن المرأة إذا بلغت سن المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه)، فالحديث ضعيف، قال أبو داود : خالد بن دريك لم يدرك عائشة فيكون منقطعاً، وفي أحد رواته ضعفٌ أيضاً فيجتمع فيه علتان: الانقطاع وضعف السند، وفيه أيضاً علة ثالثة وهي: أن أسماء بنت أبي بكر لا يمكنها أن تدخل على النبي صلى الله عليه وسلم بثياب رقاق يصفن بشرتها وهي في سن كبير حين دخلت عليه، هذا من أبعد ما يكون؛ لأنه مخالف للحياء الذي هو من الإيمان، فهو معلول متناً وسنداً فلا يحتج به، وأما ما ذكره السائل في حديث أم سلمة و ميمونة حين دخل عليهما ابن أم مكتوم فأمرهما النبي عليه الصلاة والسلام أن يحتجبا منه، فالحديث ضعيف أشار إلى ضعفه الإمام أحمد رحمه الله، ويدل لضعفه أنه مخالف للأحاديث الصحيحة الدالة على جواز نظر المرأة إلى الرجل إذا لم يكن فتنة، فإن عائشة رضي الله عنها كان النبي عليه الصلاة والسلام يسترها فتنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد و فاطمة بنت قيس أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم ، وقال: ( إنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده )، وكذلك عمل الناس يدل على هذا، فإن المرأة تمشي في السوق محتجبة لكنها ترى الرجال من وراء حجابها ولو كان نظرها إلى وجه الرجل محرماً لوجب على الرجال أن يحتجبوا عن النساء كما يحتجب النساء عن الرجال، وهذا أمر خلاف المعلوم والمعهود في أعراف المسلمين، فالصحيح أن المرأة يجوز لها أن تنظر إلى وجه الرجل بشرط ألا يكون هناك فتنة، فإن كان هناك فتنة فهو محرم، وبهذا يتبين الجواب عن الفقرة الأخيرة التي ذكر فيها حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى وليست لك الثانية )، فإن هذا يؤيد ما ذكرناه من تحريم نظر الرجل إلى وجه المرأة، وأنه يجب على المرأة أن تستر وجهها عن الرجال.
مداخلة: وهل حديث علي بن أبي طالب صحيح؟
الشيخ: لا يحضرني الآن هل هو صحيح أو حسن، ولكن على إيراد السائل له نقول له: إنه يؤيد ما ذكرناه ولا يعارضه.
الجواب: هذا الذي جرى من المحكمة لا يعتبر طلاقاً وإنما هو فسخ إلا أن يكون صدر من القاضي بلفظ الطلاق واعتبره طلاقاً فهو طلاق، ويحكم بالعدة من صدور الحكم، أي: من تاريخ صدور الحكم لا من علمها بها، أي: علمها بهذه المفارقة، وأما وجوب النفقة عليه لمدة تعليقها فإن هذا لا يرجع إلينا وإنما يرجع إلى المحكمة إذا شاءت أن تطالبه بذلك، فإن المحكمة هي التي تفصل بينهما وإن تركته فلا حرج عليها؛ لأن الأمر يرجع إليها هي.
مداخلة: لكن هو ألا يأثم بتركها هذه المدة الطويلة دون أن يطلقها؟
الشيخ: يأثم إذا لم يكن منها سبب فإن كان منها سبب فإنه لا إثم عليه؛ لأننا في الحقيقة لا ندري ما هو سبب هذا الخلاف وسبب مفارقتها لبيت زوجها، قد تكون هي السبب في ذلك، فإذا كانت هي السبب في ذلك فإنه ليس لها نفقة وليس عليه إثم في هجرها مادامت هي التي هجرته.
الجواب: هذه المسألة يعبر عنها: بتزوج امرأة المفقود، فإذا فقد الزوج ومضت المدة التي يبحث عنه فيها ثم حكم بموته واعتدت منه وتزوجت آخر ثم قدم، فإن له الخيار بين أن يبقي الزواج بحاله، وبين أن ترد زوجته إليه، فإن بقي الزواج بحاله فالأمر ظاهر والعقد صحيح، وإن لم يختر ذلك وأراد أن ترجع إليه زوجته فإنها ترجع إليه ولكنه لا يجامعها حتى تنتهي عدتها من الثاني، ولا تحتاج إلى عقد بالنسبة للزوج الأول؛ لأن نكاحه الأول لم يوجد ما يبطله حتى تحتاج إلى عقد، وأما ولده من الزوج الثاني فهو ولد شرعي ينسب إلى أبيه؛ لأنه حصل من نكاح مأذونٍ فيه، وما ترتب عن المأذون فهو حق صحيح.
مداخلة: إنما الزوج الثاني ليس له خيار فيما إذا أراد الزوج الأول؟
الشيخ: الزوج الثاني ليس له خيار فيما إذا أراد الأول.
الجواب: لا يؤثر على شرطية التتابع؛ لأنه انقطاع بعذر شرعي، وهكذا نقول في غيرها، فمن كان عليه صيام شهرين متتابعين فقطع التتابع بعذر شرعي أو بعذر حسي فإنه لا ينقطع التتابع، فإذا قدر أن شخصاً عليه صيام شهرين متتابعين فسافر في أثنائهما، فإن سفره هذا الذي أفطر فيه لا ينقطع به التتابع؛ لأنه فطر مأذون فيه، وكذلك لو انقطع بعذر شرعي كما لو صادف في هذين الشهرين شهر رمضان، أو صادفت أيام عيد الأضحى، أو أيام التشريق وما أشبه ذلك، فإنه لا يقطع التتابع.
مداخلة: إنما عليه فور انتهاء هذا العذر أن يستأنف صيامه؟
الشيخ: نعم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر