الجواب: أما تركة والدكم فإنه يؤخذ منها الثلث أولاً من أجل صرفه إلى الوصية ثم يقسم الباقي، فتأخذ والدتكم وهي زوجته إن كانت باقية في ذمته حتى مات تأخذ الثمن، والباقي يكون بينكم للذكر مثل حظ الأنثيين يكون لكل ذكر سهمان، ولكل أنثى سهم واحد.
وأما بالنسبة لتركة والدتكم فإنه ينزع منها الثلث أولاً من أجل صرفه فيما أوصت فيه، ثم يقسم الباقي وهو الثلثان بينكم أيها الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين.
الجواب: هذه القاعدة التي ذكرها أهل الأصول في أن دلالة المنطوق أقوى من دلالة المفهوم ظاهرة جداً؛ لأن دلالة المنطوق واضحة في محل النطق، أما دلالة المفهوم فإن اللفظ يدل عليها لا في محل النطق، وما دل عليه اللفظ في محل النطق فإنه أولى؛ ولأن دلالة المفهوم قد تكون غير مرادة وقد تصدق ببعض الصور دون بعض بخلاف دلالة المنطوق فإنها دالة على كل صورها دلالة مطابقة ودلالة تضمن ودلالة التزام، وأما ما ذكره السائل من التمثيل بآية المائدة مع آية الأنعام فإنه لا ريب أن غير أهل الكتاب لا تحل ذبيحتهم؛ لأن الله تعالى خصص ذلك بقوله: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة:5]، وهذا القيد ليس من باب اللقب كما قاله بعضهم، وإنما هو من قيد الوصف إذ إن صلة الموصول بمنزلة الوصف، فأنت إذا قلت: يعجبني الذي فهم فهو بمنزلة قولك: يعجبني الفاهم، والفاهم وصف وله مفهوم يعلق به الحكم، فطعام الذين أوتوا الكتاب هو كقولك: طعام المؤتَيْن الكتاب، وهذا وصف وليس لقباً كما ادعاه بعضهم، وبناءً على ذلك تكون دلالة المنطوق فيه ظاهرة ودلالة المفهوم فيه ظاهرة؛ لأن الحكم إذا علق على وصف ثبت بوجوده وانتفى بانتفائه، فيكون منطوق الآية: طعام الذين أوتوا الكتاب حل وطعام غير الذين أوتوا الكتاب ليس بحل، وبهذا يكون قوله تعالى: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:118] أي: مما ذبحه من هو أهل للذبح وهو المسلم والكتابي من اليهود والنصارى، هذا هو القول الراجح الذي عليه جمهور أهل العلم.
الجواب: هذه المسألة بناءً على أنه طلق ثلاث مرات وكل مرة يعتبرها طلقة ويعتد بها ما أستطيع أن أفتي فيها، وأرى أن يستفتي فيها أحداً من علماء بلده، وفيهم الكفاية إن شاء الله تعالى.
الجواب: لا ينبغي للإنسان إذا أراد أن يؤكد شيئاً أن يؤكده بالطلاق؛ لأن ذلك بمعنى اليمين، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت )، فإذا أردت أن تؤكد شيئاً فأكده باليمين بالله سبحانه وتعالى لا بالطلاق؛ وذلك لأن التأكيد بالطلاق خلاف المشهور؛ ولأن التأكيد بالطلاق يرى أكثر أهل العلم أنه يثبت به حكم الطلاق لا حكم اليمين، فيكون الإنسان بذلك مخاطراً فيما إذا ما حلف بالطلاق على زوجته أن تفعل شيئاً أو ألا تفعله، أما ما وقع لهذا الرجل من كونه حلف بالطلاق أربع مرات على زوجته إن فعلت هذا الشيء أن يضربها ضرباً شديداً فإنه ليس له حق في أن يضربها ضرباً شديداً، وإنما إذا فعلت ما يقتضي الضرب فإنه يضربها ضرباً غير مبرح، وعليه فإنه لما عادت إلى فعل هذا الشيء الآن لا يضربها ذلك الضرب الشديد الذي حلف بالطلاق عليه ولكن يكفر عن حلفه بطلاقه هذا، يكفر كفارة يمين، وكفارة اليمين كما ذكرها الله عز وجل: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، وإطعام العشرة مساكين له وجهان: الوجه الأول: أن يصنع غداءً أو عشاء ويدعو عشرة مساكين يأكلون.
والوجه الثاني: أن يطعمهم شيئاً غير مطبوخ، ومقداره ستة كيلو من الرز يعطيها العشرة وإذا أمكن أن يجعل معها شيئاً من الإدام من لحم أو غيره فإنه أكمل وأفضل.
الجواب: الحكم في ذلك أن قولك الأخير: أنت طالق إذا كنت في غضب شديد لا تدري ما تقول فإنه لا يقع الطلاق منك، أما إذا كنت في حال تملك نفسك ويمكنك أن تتصرف تصرفاً سليماً وقلت لها: أنتِ طالق وادعيت أن ذلك تذكير لها بما سبق فإن هذا يرجع فيه إلى المحكمة؛ لأنك ادعيت خلاف الظاهر، فإن الظاهر من هذه الجملة أنك أوقعت الطلاق عليها لمخالفتها ما ذكرت، وحيث إنك ادعيت خلاف الظاهر فإنه لابد من أن يكون ذلك راجعاً إلى المحكمة، إلا إذا صدقتك المرأة بما تقول فإنه يقبل منك تلك الدعوى، ولكن كلامك في الحقيقة خلاف الواقع، ادعاؤك أن هذا تذكير لما سبق خلاف ظاهر الكلام والأحوال المقترنة به.
فعليك يا أخي أن تتقي الله عز وجل وألا تلتمس الحيل في مثل هذه الأمور العظيمة الخطيرة، بل عليك أن تكون صادقاً فيما تقول، وأرى أنه لابد من رفع هذه المسألة إلى المحكمة لتنظر في الأحوال وفي إمكان صدقك فيما ادعيت من عدمه.
الجواب: طلاقك الأول الذي أرسلت إلى والدك في الشريط كان مبنياً على أنها فعلت ما نهيتها عنه، وإذا تبين أنها لم تفعله فإنه لا يقع عليك الطلاق؛ لأن الطلاق المبني على سبب إذا تبين عدم وجود السبب فإنه لا طلاق حينئذٍ، أما طلاقك الأخير فإذا كان نيتك بقولك: لابد أن تخرجي من البيت ونيتك الطلاق فإنه يقع الطلاق عليها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى )، وإذا كانت هذه الطلقة هي الثالثة فإنها لا تحل لك إلا بعد زوج بنكاح صحيح ثم يكون الفراق.
الجواب: الذي أرى أنه كما قلت يجب أن يبحثوا عن علماء في أماكنهم حتى يبتوا في الأمر؛ لأن هذا أولى وأحسن، والحمد لله لا تخلو بقاع الأرض من علماء يبينون للناس أحكام شريعة الله سبحانه وتعالى، ثم إني أيضاً أنصح هؤلاء الناس عن التلاعب العظيم بالطلاق، كون الإنسان يطلق على أدنى سبب ثم بعد ذلك يذهب إلى أكثر العلماء في كل مكان ليحصل له المخلص مما وقع فيه، فإن هذا خلاف العقل وخلاف الاتزان والإنسان إذا غضب يجب أن يملك نفسه؛ ( لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال له رجل: أوصني يا رسول الله! قال: لا تغضب، فردد مراراً قال: لا تغضب )، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه: ( ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب )، حتى لا ينفذ ما حمله غضبه عليه.
الجواب: لا شك أن الطعن في النسب أو الفخر به من أمور الجاهلية، والذي ينبغي أن يكون مصدراً للحمد والذم هو الدين والخلق، وهو الذي ينبغي أن يكون الرفض والقبول مبنياً عليه في مسألة التزويج، فإنه في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير )، فالذي ينبغي للإنسان أن يكون اعتباره للقبول والرفض مبنياً على هذين الأمرين: الدين والخلق، حتى المال لا ينبغي للإنسان أن يلتفت إليه التفاتاً كبيراً في هذا الموضوع، وإلا فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( تنكح المرأة لأربع: لمالها وحسبها وجمالها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك )، فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن من جملة المقاصد في الزواج أن تنكح المرأة لحسبها كما تنكح لجمالها ومالها ودينها، ولكنه حث على اعتبار الدين في قوله: (فاظفر بذات الدين)، ولا ريب أيضاً أن الحسب له أثره في العلاقات بين الناس ولكن كوننا نجعله هو الأول والأخير وهو الذي تبنى عليه الأمور في القبول أو الرفض هذا أمر لا ينبغي، والفقهاء رحمهم الله في هذا الباب اختلفوا، فمنهم من قال: إن المرأة التي تكون من قبائل معروفة لا تُزوج برجل ليس من القبائل، وبعضهم يقول: تزوج ولكن لمن لم يرض من أوليائها أن يفسخ النكاح، والذي أرى أنه لا ينبغي أن يعتبر إلا ما اعتبره الشرع من الدين والخلق، ولكن الناس إذا اعتادوا شيئاً لا يكون مخالفاً للشرع، ويكون موافقاً لقول من أقوال أهل العلم فإنه لا يعاب عليهم ولا ينكر عليهم ما دام قد قال به أحد من أهل العلم، وليس فيه مخالفة لنص.
وعلى كل حال فالذي ينبغي اعتباره هو الخلق والدين والله أعلم.
ثم الحديث الآخر والذي معناه أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج على جماعة من أصحابه، فقال لهم: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله، فلم ينكر عليهم ذلك، وواضح بأن الذكر هنا مطلق علماً بأن كل ذلك يتعارض ويتناقض مع ما جاء في آخر سورة الأعراف من قوله تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ [الأعراف:205] نرجو أن توضحوا لنا الصواب في هذا الموضوع وفقكم الله؟
الجواب: الصواب في هذا الموضوع أن الحديث الذي أشار إليه السائل -بل الحديثان- في الذين يتدارسون كتاب الله ويتلونه وكذلك في القوم الذين يذكرون الله أن هذا مطلق، فيحمل على المقيد المتعارف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولم يكن من المتعارف بينهم أنهم يذكرون الله تعالى بلفظ جماعي أو يقرءون القرآن بلفظ جماعي، وفي قوله: (ويتدارسونه بينهم)، يدل على أن هذه المدارسة تكون بالتناوب، إما أن يقرأ واحد فإذا أتم قراءته قرأ الثاني ما قرأ الأول وهكذا، وإما أن يكون كل واحد منهم يقرأ جزءاً ثم يقرأ الآخر من حيث وقف عليه الأول، هذا هو ظاهر الحديث.
وأما الحديث الآخر الذي فيه أنهم يذكرون الله تعالى، فإنا نقول: هذا مطلق فيحمل على ما كان متعارفاً عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولم يكن متعارفاً بينهم أن يجتمعوا وأن يذكروا بذكر واحد جماعة، ويدل على هذا أن الصحابة رضوان الله عنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحج كان منهم المكبر ومنهم المهلل ومنهم الملبي، فكل إنسان يذكر الله تعالى بنفسه وأما قوله تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ [الأعراف:205] فهذا مراد به الذكر الخاص للمرء، وهو أيضاً مخصوص بما دلت عليه السنة من الجهر به فإنه قد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ( أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم )، ولهذا يشرع الجهر بالذكر بعد الصلاة المكتوبة؛ لأن هذا هو المعروف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأما قول بعض أهل العلم: إن الإسرار به أفضل وإجابتهم عن حديث ابن عباس بأن ذلك للتعليم فإن فيه نظراً؛ وذلك لأن التعليم يحصل بدون هذا، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قد علم فقراء المهاجرين ماذا يقولونه دبر الصلاة، قال عليه الصلاة والسلام: ( تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين )، ثم إن التعليم يحصل بالمرة الواحدة لا بأن يحافظ عليه النبي عليه الصلاة والسلام في كل صلاة أو يحافظون عليه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام في كل صلاة، ثم نقول سلمنا أنه للتعليم فهو في التعليم في أصل الذكر وفي صفته، بمعنى: أن الرسول يعلمهم ما هو الذكر الذي يقال في أدبار الصلوات وما كيفية تلاوة هذا الذكر والإتيان به أنه يكون جهراً، وهذا هو القول الذي يؤيده حديث ابن عباس المذكور وهو في صحيح البخاري .
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر