الجواب: قبل الجواب على هذا السؤال: أود أن أنصح هذا وأمثاله ممن يقسمون أموالهم على ورثتهم في حياتهم ألا يفعلوا ذلك؛ لأن الله تعالى إنما جعل هذه القسمة بعد الموت؛ ولأن الإنسان قد يحتاج في المستقبل إلى ماله فيكون أخذه واسترداده منهم بعد أن أخذوه وملكوه يكون فيه شي من الصعوبة؛ ولأنه قد يموت أحد من هؤلاء قبل موت هذا المورث الذي قسم ماله بين ورثته، فلينتظر الإنسان وليبقِ ماله بيده فإذا ارتحل عن الدنيا ورثه من يرثه على حسب ما تقتضيه الشريعة الإسلامية.
وأما بالنسبة لعمل هذا الرجل الذي وزع ماله أثلاثاً: جعل لأحد الأبناء مع ثلاث من أخواته ثلثاً، وللثاني مع الثلاث ثلثاً وللثالث مع اثنتين وزوجته ثلثاً.
أقول: إن هذا التوزيع فيه نقص وهضم للأخيرين وهما الزوجة ومن معها وهو الابن وأختاه؛ لأن حقهم مع الأم أكثر من الثلث، إذ أن هذه المسألة تقسم من ستة عشر سهماً: سهمان للأم لأنها زوجة، والباقي أربعة عشر سهماً تقسم على الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين، فيكون للذكور الثلاثة: ستة أسهم، وثمانية أسهم للبنات لكل واحدة سهم، وبهذا يتبين أن نصيب الزوجة مع الابن والبنتين أكثر من الثلث، فإذا رضيت الزوجة ومن معها بذلك وكان من معها بالغين عاقلين فلا حرج وإلا فليعدل القسمة على حسب ما قلناه في هذه المسألة، إذا كان يريد أن يقسم على حسب الفرائض التي قسمها الله عز وجل، على أني أحب أن يعيد النظر في هذا المسألة، وأن يبقي ماله في ملكه حتى يقضي الله عليه ما أراد، فلا يدري ربما يطلق الزوجة أو تموت أو ربما يموت أحد من الأولاد من الذكور أو الإناث فتختلف المسألة.
مداخلة: لو أراد أن يقسمها قسمة شرعيةً كما تفضلتم وفصلتم هل يجوز هذا قبل موته هو؟
الشيخ: هو كما قلت: يجوز ذلك كما ذكر ذلك أهل العلم، لكني لا أشير به ولا أنصح به، بل الذي أنصح به أن يبقي المال في يده للأسباب الثلاثة التي ذكرتها في صدر الجواب.
الجواب: هذه المسألة تسمى: مسألة الخلع أو الطلاق على عوض كما هو عند أكثر أهل الفقه، وإن كان بعض أهل العلم يقولون: إن الطلاق على عوض خلع ولو وقع بلفظ الطلاق، وذلك أن المرأة إذا لم تستطع البقاء مع الزوج ولم يرغب أن يطلقها بدون عوض فلا جناح عليهما فيما افتدت به، واختلف أهل العلم: هل يجوز أن يطلب منها في الخلع أكثر مما أعطاها أو لا يجوز؟ فمنهم من قال: إنه لا يجوز أن يأخذ أكثر مما أعطاها، بل ليس له الحق إلا أن يأخذ ما أعطاها فقط؛ وذلك لأن أكثر مما أعطاها فيه شيء من الظلم لها، واستدلوا بأن هذا الرجل أخذ مقابل ما أعطاها بما استحل من فرجها، فإذا أخذ منها أكثر كان ظلماً، وقال بعض أهل العلم: إنه يجوز أن يخالعها بأكثر مما أعطاها؛ لعموم قوله تعالى: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229]، وما: اسم موصول فهو من صيغ العموم إلا أن القائلين بأنه لا يأخذ أكثر قالوا: إن هذا الاستثناء عائد على ما سبق وهو قوله: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229] ، أي: فيما افتدت به مما أعطاها، ولاشك أن هذا القول -أعني: أنه لا يأخذ أكثر مما أعطاها- أبرأ لذمته وأسلم، اللهم إلا أن يكون قد تزوجها في وقت المهور فهي رخيصة، ولو اقتصر على ما أعطاها لم يجد به زوجة وهو لا يجد ما يكمل المهر، فهنا قد نقول بأنه لا حرج عليه في طلب أكثر مما أعطاها.
أما ما ذكره السائل من كون العوض إسقاط حقها من حضانتها فظاهر الآية أنه يصح؛ لعموم قوله: فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229]، ولكن المعروف عند أهل العلم أنه لا يصح إلا بالمال بما يصح مهراً، وإسقاط حقها من الحضانة ليس من هذا الباب، وعلى هذا فنقول: إذا أراد أن يخالعها فليجعل عوضاً ولو يسيراً كعشرة دراهم أو ما أشبهها وحينئذٍ يتم الخلع، وإذا أسقطت حقها من الحضانة فلا حرج في ذلك.
الجواب: هذه القسمة إذا كانت قد وقعت برضا منكم، وكان كل منكم بالغاً عاقلاً رشيداً فلا حرج على أبيكم فيها، وأما إذا كانت قد وقعت بغير رضا منكم فإنه لا يجوز للأب أن يتصرف هذا التصرف ويفضل بعض أولاده على بعض؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال حينما أخبره بشير بن سعد بأنه نحل ابنه النعمان نحلة قال له عليه الصلاة والسلام: ( أفعلت ذلك بولدك كلهم؟ قال: لا، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم )، فعطية الأب لأولاده الذكور والإناث يجب أن تكون على سبيل العدل، فإذا أعطى الذكر سهمين أعطى الأنثى سهماً، وإذا أعطاها سهماً أعطاه سهمين، أما أن يحابي أحدهم دون الآخر فإن هذا حرام عليه ولا يصح، وإذا كانت وقعت هذه القسمة برضا منكم وإجازة ثم طلبت من أخواتك أن تصلح شيئاً من البيت لتستقر فيه أنت وزوجتك ورضين بهذا فلا حرج، سواء على سبيل العارية أو على سبيل التمليك، وأما إذا أردن بيعه فإنك أنت وغيرك سواء؛ لأنك لا تملك منه شيئاً حتى نقول: إنَّ لك حق الشفعة، وإذا كنت لا تملك فأنت وغيرك سواء، لكن لاشك أن من صلة الرحم إذا كان لك رغبة فيه أن يراعينك في هذا، فلا يبعن إلا بعد مراجعتك ومشاورتك إن كان لك نظر فيه أخذته وإلا تركته.
الجواب: ائتمام المفترض بالمتنفل جائز، ودليل ذلك أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة، فتكون نافلة له وفريضة لهم، وهذا وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وما وقع في عهد النبي عليه الصلاة والسلام وأقره الله تعالى أو أقره النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن علمه فإنه يكون جائزاً ومشروعاً إذا كان من العبادات، وعلى هذا نقول: إن ائتمام المفترض بالمتنفل جائز ولا حرج فيه بدليل حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، وقال بعض أهل العلم: إنه لا يجوز أن يأتم المفترض بالمتنفل؛ لأن صلاة المأموم حينئذ أكمل من صلاة الإمام، ولا ينبغي أن يكون المؤتم أكمل من الإمام، ولكن هذا التعليل في مقابلة النص فلا عبرة به، وجواب بعضهم عن حديث معاذ بأنه يمكن أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم به، جواب غير سديد؛ وذلك لأننا لو فرضنا أو سلمنا جدلاً أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم به، فإن الله تعالى قد علم به بلا شك ولو كان مما لا يرضاه الله عز وجل ما أقرهم على ذلك، ولهذا إذا وقع شيء يخفى على النبي عليه الصلاة والسلام وهو مما لا يرضاه الله بينه كما في قوله تعالى: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا [النساء:108] ، وبهذه الآية نعلم أن كل فعل يقع في عهد النبي عليه الصلاة والسلام وفي زمن نزول الوحي لم ينكره الله عز وجل فإنه يكون من الأمور الجائزة، وإذا ثبت الدليل وانتفى المعارض المقاوم فإنه يجب
القول بمقتضى الدليل، وأنه يجوز أن يأتم المفترض بالمتنفل، أما هل تكون جماعة؟ فنقول: نعم إن صلاتك معهم تكون جماعة، وذلك أنه ينبغي إذا دخل جماعة في مسجد قد فاتتهم الصلاة ينبغي لهم أن يصلوا جماعةً حتى يحصلوا أجر الجماعة، ولكن أجر هذه الجماعة لا تكون كأجر الجماعة السابقة الأصلية؛ لأنها في الغالب أقل ولأنها متخلفة عنها، وإنما قلت: يستحب أن يصلوا جماعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل )، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله وهذا عام يشمل صلاة الجماعة الأولى الأصلية وصلاة الجماعة الثانية التي كانت من أجل الضرورة لفوات الجماعة الأولى.
وأما قول من قال من أهل العلم: إن من أتوا إلى المسجد بعد انتهاء الجماعة فإنهم لا يصلون جماعة فإنه قول لا دليل عليه، بل والأثر الذي رووه عن ابن مسعود رضي الله عنه قضية عين تحتمل أوجهاً وأسباباً قد تكون معلومة لنا أو لا، فلعل ابن مسعود رضي الله عنه رجع فصلى في بيته لأمور اعتبارية اعتبرها في ذلك الوقت وهو أنه يخشى لو صلى وشاهده العامة ظنوا أن هذا في صلاة مشروعة أو أنه لا يريد الصلاة خلف ذلك الإمام أو ما أشبه ذلك من الأسباب، ويدل لهذا أن صاحب المغني رحمه الله ذكر أن ممن روي عنهم استحباب الجماعة لمن فاتتهم الجماعة الأولى، ممن رأى ذلك ابن مسعود رضي الله عنه كما هو معلوم لمن اطلع عليه، وعلى هذا فالقول بأن الجماعة بعد الجماعة إذا فاتت أنها بدعة وتكره أو ما أشبه ذلك قول لا وجه له، لا سيما وأنه قد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن رجلاً دخل فأراد أن يصلي وحده، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من يقوم مع هذا فيتصدق عليه )، فقام معه أحد الصحابة، وهذا دليل على أن الجماعة بعد الجماعة مشروعة؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها، وأما قول من قال: إن هذا فيه متصدق ومتصدق عليه فلا يقاس عليه من دخل بعد صلاة الجماعة، فنقول: إذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام أمر من صلى جماعة من قبل أن يعيد الجماعة مع هذا من أجله فكيف بمن لم يصل جماعة أصلاً؟ فاستحباب الجماعة بحقهما أولى، ولا حرج أن نقول: كل منكما متصدق ومتصدق عليه، نعم إن اعتيدت الجماعة الثانية في المسجد بحيث جعلت عادة راتبة يصلي هؤلاء ثم يأتي بعدهم قوم يصلون فإن هذا لا شك أنه من الأمور التي ينهى عنها؛ لأنها تؤدي إلى تفرق المسلمين والتواني عن الجماعة الأولى ويحصل فيها مفاسد، فيفرق بين الأمر العارض وبين الأمر الدائم المستمر، فاتخاذ جماعة أخرى في المسجد بشكل راتب لاشك أنه ينهى عنه؛ لأنه ليس من هدي الصحابة رضي الله عنهم، وأما إذا فاتت الجماعة نفراً بغير قصد ولكن من أجل الضرورة فإنه في هذه الحال لاشك أنه يستحب أن يصلوا جماعة ولا يصلوا فرادى، ولاشك أن كل واحد من الناس إذا دخل جماعة في المسجد بعد أن سلم الإمام ثم قالوا: ما نصلي جماعة كل واحد يصلي وحده، لا شك أن في هذا تفرقة بين المسلمين، فإن اجتماعهم على إمام وصلاتهم جميعاً أقرب إلى الائتلاف والاجتماع من كون كل واحد منهم يتفرق عن الآخر، وهذا ظاهر لمن تدبره وتأمله، بل إنه صريح في الأحاديث فيما ذكرناه من قول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( من يتصدق على هذا )، وفيما ذكرناه من قوله: ( صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده )، والله الموفق.
مداخلة: صلاة الاثنين وحدهما هل تعتبر جماعة؟
الشيخ: صلاة الاثنين وحدهما تعتبر جماعة.
الجواب: هذا لا بأس به، ولكن لا نقول: إنَّ هذا من المستحب؛ لأن الأول قد أدرك جماعة وصلى في جماعة فكان مأموماً بالأول، ولا أعلم في هذا سنة تدل عليه، وإن كان بعض العلماء نصوا على جوازه وقالوا: إنه لا بأس به، والتسلسل الذي ذكرت ليس بمحرم ولا بممتنع.
الشيخ: نقول: هذا لا بأس به، يعني: انتقال الإنسان من انفراد إلى إمامة لا حرج فيه، وانتقاله أيضاً من انفراد إلى ائتمام لا حرج فيه؛ وذلك لأنه لا دليل على المنع، وقد وردت مسائل تدل على جوازه، فالرسول عليه الصلاة والسلام قام يصلي من الليل وعنده ابن عباس رضي الله عنهما، فقام ابن عباس فصلى معه، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد في البداية أن يكون إماماً لـ ابن عباس رضي الله عنهما، والقصة هذه مشهورة وهي ثابتة في الصحيحين وغيرهما، وهو دليل واضح على أنه يجوز للإنسان أن ينتقل من انفراد إلى إمامة، وقد قال من منع ذلك: إن هذا في صلاة الليل وهو نفل فيجوز في النفل دون الفرض، والجواب عليه أن يقال: ما ثبت في النفل فإنه يثبت في الفرض إلا بدليل، ولهذا لما ذكر الصحابة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته حيث ما توجهت به قالوا: غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة، فدل ذلك على أن الأصل أن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل يدل على تمييز أحدهما من الآخر، وقد ثبت انتقال الإنسان من إمامة إلى ائتمام حينما خلف النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه أن يصلي بالناس فدخل في الصلاة، وفي أثنائها وجد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة من المرض فخرج وجلس إلى يسار أبي بكر رضي الله عنه، وجعل يصلي بالناس و أبو بكر يبلغهم، وهذا انتقال من إمامة إلى ائتمام، والأصل الجواز حتى يقوم دليلٌ على المنع.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر