الجواب: الإسراف: هو مجاوزة الحد في كل شيء، وقد قال الله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا [الأعراف:31]، فأمر بالأكل والشرب ونهى عن الإسراف، ثم ختم النهي بقوله: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31]، ونفي الله تعالى المحبة عن المسرفين تدل على كراهته له -أي: للإسراف- وعلى هذا فيكون الإسراف محرماً في المآكل والمشارب والملابس والمساكن وغيرها، وكذلك أيضاً بالنسبة للغسل وبالنسبة للوضوء لا يتجاوز الإنسان ما حده الشرع في ذلك، والنبي عليه الصلاة والسلام توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، وتوضأ وضوءاً متفاوتاً، بعض الأعضاء ثلاثاً، وبعضها مرتين، وبعضها مرة، فلا ينبغي للمرء المؤمن أن يتجاوز ما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء ولا في الغسل.
الجواب: لبث الجنب في المسجد لا يجوز؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ [النساء:43] ، فإذا كان عابر سبيل بأن دخل من باب وخرج من آخر فلا حرج، وأما بدون ذلك فلا يجوز أن يلبث في المسجد إلا إذا توضأ، فإذا توضأ جاز له اللبث في المسجد ولو انتقض وضوءه بعد ذلك؛ لأنه إذا توضأ خفت الجنابة، ولهذا سُئل النبي عليه الصلاة والسلام: ( أيرقد أحدنا وهو جنب؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إذا توضأ فليرقد )، فدل هذا على أن الوضوء يخفف الجنابة، فإذا توضأ فله أن يمكث في المسجد.
الجواب: صفة التيمم: أن يضرب التراب بيديه ضربة واحدة، فيمسح وجهه كله بباطن كفه ثم يمسح يده اليمنى باليسرى وبالعكس، هذه هي الصفة المشهورة، قال أهل العلم: وينبغي أن يخلل أصابعه، وأما ما يبطل به التيمم فإن التيمم إن كان عن جنابة بطل بكل ما يوجب الغسل، وإن كان عن وضوء بطل بما يوجب الوضوء، هذا ما دامت إباحة التيمم قائمة، فأما إذا لم يبح التيمم، مثل: أن يتيمم لفقد الماء ثم يجده فإنه يبطل تيممه بوجود الماء، وكذلك لو تيمم لمرض ثم شفي منه فإنه يبطل تيممه بشفائه من هذا المرض، ولا يبطل التيمم بخروج الوقت على القول الراجح؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً )، والطَّهور بالفتح: ما يتطهر به كالوضوء بالفتح ما يتوضأ به، والسحور بالفتح ما يتسحر به، والله عز وجل بعد أن ذكر الطهارة بالماء والتيمم قال: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ [المائدة:6] فدل هذا على أن التيمم مطهر، وإذا كان مطهراً فإنه لا تبطل طهارته إلا بما تبطل به طهارة الماء؛ لأن التيمم بدل عنه، والبدل له حكم المبدل، فلو تيمم الإنسان عن جنابة مثلاً فإنه يرتفع حدثه ولا يعيد التيمم عن هذه الجنابة إلا إذا حصل له جنابة أخرى أو موجب للغسل سواها، وإذا تيمم عن ناقض من نواقض الوضوء فإنه يبقى على طهارته حتى يوجد أحد النواقض، فلو تيمم الرجل لصلاة الفجر وبقي على طهارته إلى صلاة الظهر أو إلى صلاة العصر لم يأت بناقض من نواقض الوضوء من بول ولا نوم ولا غائط ولا أكل لحم إبل ولا غيرها مما ينقض الوضوء، فإنه في هذه الحال يصلي بالتيمم الذي تيمم به لصلاة الفجر.
الجواب: من وجد ماءً يكفي لبعض وضوئه فإنه يستعمله ويتيمم للباقي، بناءً على قوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )، وهذا الرجل استطاع أن يستعمل الماء في بعض أعضاء وضوئه فلزمه استعماله وعجز عن استعماله بالبقية لفقد الماء فيتيمم لذلك.
الجواب: حكم من صلى بالتيمم في أول الوقت ثم وجد الماء في آخر الوقت أنه لا إعادة عليه، وصلاته الأولى صحيحة؛ لأنها جاءت على وفق الشريعة، وما جاء على وفق الشريعة برئت به الذمة، فإذا برئت ذمته فإنه لا يطالب بها مرة أخرى، هذا الرجل الذي صلى بالتيمم لعدم وجود الماء مثلاً نقول له: إن صلاتك هذه صحيحة وإذا صحت برئت ذمته منها، فإذا وجد الماء فلا إعادة عليه.
مداخلة: حتى لو كان التيمم عن جنابة؟
الشيخ: حتى لو كان عن جنابة لا يعيد الصلاة، ولكنه كما أسلفنا قبل قليل يغتسل.
الجواب: صفة غسل الفرش الكبيرة من النجاسة أن يزيل عين النجاسة أولاً إذا كانت ذات جرم، فإن كانت جامدة أخذها، وإن كانت سائلة كالبول نشفه بإسفنج حتى ينتزعه ثم بعد ذلك يصب الماء عليه حتى يظن أنه زال أثره أو زالت النجاسة، وذلك يحصل في مثل البول بمرتين أو ثلاث، وأما العصر فإنه ليس بواجب إلا إذا كان يتوقف عليه زوال النجاسة، مثل: أن تكون النجاسة قد دخلت في داخل هذا المغسول ولا يمكن أن ينظف داخله إلا بالعصر فإنه لابد أن يعصر.
الجواب: في المسألة الأولى: وهي ما إذا رضعت امرأة من أم رجل ورضع الرجل من أمها نقول: بالنسبة لهذا الرجل يكون أبناء المرأة التي رضع منها وبناتها إخوة له، وكذلك أبناء زوجها وبناته من غيرها يكونون إخوة له، ولا يحل له أن يتزوج أحدٌ من بنات هذه المرأة التي أرضعت ولا من بنات الرجل الذي كان زوجاً لها؛ لأن الرجل أبوه وهي أمه، وأما البنت التي رضعت من أمه فيحرم عليه نكاحها لسببين: أولاً: أنه كان أخاً لها حين رضع من أمها، والثاني: كانت أختاً له حين رضعت من أمه، ويحرم على إخوته أن يتزوجوا بهذه البنت، سواء كانوا إخوة له من الأم أو إخوة له من الأب؛ لأنهم إن كانوا إخوة له من الأم صاروا إخوة لهذه البنت من الأم، وإن كانوا إخوة له من الأب صاروا إخوة لهذه البنت من الأب، وإن كانت الأم لم يتزوج زوجها عليها وكل الأولاد أولادهما جميعاً صارت البنت أختاً لهم شقيقة من الأم والأب. وخلاصة القول أن هذا الرجل الذي رضع من أم البنت لا يحل له أن يتزوج بأحد من بناتها ولا من بنات زوجها، وأن البنت التي رضعت من أمه لا يحل لأحد من إخوته أن يتزوج بها.
مداخلة: الفقرة الثانية يقول: هل صحيح أن الأخ الأكبر إذا رضع من امرأة وصارت أمه من الرضاع يحجب ويمنع إخوتهم الباقين الأصغر منه من الزواج ببنات هذه المرأة التي هي أمه؟
الشيخ: جواب هذه الفقرة اتضح مما سبق: وهو أن إخوة الراضع لا يؤثر الرضاع فيهم شيئاً، فيجوز لإخوته -أي: إخوة هذا الراضع- أن يتزوجوا من البنات -أي: من بنات المرأة التي أرضعت- سواء كانوا أكبر منه أم أصغر منه؛ لأنهم ما رضعوا من هذه المرأة.
مداخلة: شروط الرضاع المحرم؟
الشيخ: شروط الرضاع المحرم: أن يكون من آدمية، وأن يكون قبل الفطام أو قبل الحولين، وأن يكون خمس رضعات فأكثر، واشترط بعض العلماء أن يكون ناشئاً عن حمل أو وطء، ولكن ظاهر الأدلة أن ذلك ليس بشرط وهو قول جمهور أهل العلم، وأن المرأة البكر لو در لبنها على طفل فأرضعته فإنها تكون أماً له وإن لم تتزوج؛ لعموم قوله تعالى: وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ [النساء:23] فصارت شروط الرضاع: أن يكون من آدمية، وأن يكون قبل الفطام أو قبل الحولين، وأن يكون خمس رضعات فأكثر، فإن كان من غير آدمية كما لو ارتضع طفلان من لبن شاة مثلاً فإنهما لا يكونان أخوين، وكذلك لو كان الرضاع بعد الحولين والفطام فإنه لا أثر له، فرضاع الكبير لا يؤثر، وكذلك لو كان رضعة واحدة أو رضعتين أو ثلاث رضعات أو أربع رضعات فإنه لا يثبت به التحريم؛ لحديث عائشة رضي الله عنها الذي رواه مسلم قالت: ( كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، فنسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي فيما يتلى من القرآن )، وقولها رضي الله عنها: (وهي فيما يتلى من القرآن) لا يعني: أن أحداً حذفها بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما معناه أن نسخ هذه الآية كان متأخراً فلم يعلم بعض الناس بنسخها فصار يتلوها بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم.
مداخلة: هل يشترط مباشرة المرتضع لثدي المرضعة؟
الشيخ: لا. هذا ليس بشرط، وعلى هذا فلو أن المرأة حلبت من لبنها في فنجان أو نحوه وشربه الطفل وتمت الشروط التي أشرنا إليها من قبل صار ولداً لها.
مداخلة: كيف نعتبر العدد في مثل هذه الصورة التي ذكرت؟
الشيخ: نعتبر العدد إذا رضع هذا الطفل من هذا الفنجان ثم انفصل وجاء مرة أخرى ورضع في وقت آخر ثم انفصل وجاء في مرة ثالثة في وقت آخر ثم انفصل حتى يتم خمس مرات.
مداخلة: كل شربة يشربها نعتبرها مرة؟
الشيخ: يعني: كل جغمة منها؟ لا, لو نعتبر كل جلسة مرة.
مداخلة: إذا رضع ولد من جدته لأمه أو لأبيه فهل يجوز لإخوته وأخواته وإن نزلوا أو علوا الزواج من بنات أولاد جدته التي رضع منها؟
الشيخ: إذا رضع الإنسان من لبن جدته صار أخاً لأمه إن كانت جدته من جهة الأم، أو أخاً لأبيه وأعمامه إن كانت جدته من قبل الأب، وعلى هذا فإن بنات أعمامه إذا كان قد رضع من جدته من قبل الأب، فإن بنات أعمامه يكون هو عماً لهن، فلا يحل له أن يتزوج بهن ولا بذريتهن أيضاً؛ لأنه عم، وأما أبناؤه فيحل لهم أن يتزوجوا ببنات أعمامهم.
مداخلة: وإخوانه الذين لم يرتضعوا؟
الشيخ: إخوان المرتضع يحل لهم أن يتزوجوا من بنات أعمامهم وإن كانوا أعمامه إخوة لأخيه من الرضاع؛ لأن القاعدة في باب الرضاع أن أقارب المرتضع لا ينتشر إليهم التحريم ما عدا فروعه -أي: ذريته- وإلا فجميع أقارب المرتضع لا ينتشر إليهم التحريم، ولهذا يجوز لأخ المرتضع من النسب أن يتزوج أم المرتضع من الرضاع مع أنها أم لأخيه، وأن يتزوج أخت المرتضع من الرضاع مع أنها أخت لأخيه.
وبناءً على هذه القاعدة التي أشرنا إليها وهي: أن الرضاع لا ينتشر حكمه إلا إلى المرتضع نفسه وإلى من تفرع منه من ذريته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ).
الجواب: هذا الحديث لا أعلم صحته ولا أظنه يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الاجتماع على العلم لاشك أنه من أفضل الأعمال؛ لأن العلم نوع من الجهاد في سبيل الله، فإن الدين إنما قام بالعلم والبيان والقتال لمن نابذه وعارضه ولم يخضع لأحكامه، وأما الذكر فإن الاجتماع أيضاً على الذكر لا بأس به، ولكنه ليس الاجتماع الذي يفعله بعض الصوفية يجتمعون جميعاً ويذكرون الله تعالى بصوت واحد أو ما أشبه ذلك، إنما لو اجتمعوا على قراءة القرآن أو ما أشبه هذا مثل أن يقرأ أحد والآخرون ينصتون له ثم يديرون القراءة بينهم فهذا ليس فيه بأس ولا حرج فيه.
الجواب: الطريقة التي تتبعها هي ما أمر الله به في قوله: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] ، وأما المجالات فهي مجامع النساء كالمدارس وغيرها تحضر إليهن وتدعوهن إلى الله عز وجل ولكل مقام مقال، وبإمكانها أن تعرف هل المقام يقتضي الترغيب أو الترهيب أو الجمع بينهما بحسب الحال، فمجالات عملها إنما هو مجامع النساء فقط، أما مجامع الرجال فإنه للرجال.
الجواب: إذا نزل المطر وكان في الحضور إلى المسجد مشقة من أجل المطر فإنه يجوز الجمع إما تقديماً وإما تأخيراً، وذلك لما ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر )، فقوله رضي الله عنه: (من غير خوف ولا مطر)، يدل على أنه كان من عادته أن يجمع في المطر، فقيل لـ ابن عباس : لم فعل ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته، فدل قوله: (ألا يحرج أمته) على أنه متى حصل بالصلاة في كل وقت مشقة فإنه يجوز الجمع.
الجواب: هذه المسألة إذا سافر الإنسان إلى بلد غير بلده ونوى الإقامة لغرض من الأغراض فلا يخلو: إما أن ينوي مدة معينة أو لا ينوي، فإن لم ينو مدة معينة فإن له أن يقصر ويترخص برخص السفر مهما طالت المدة مادام ينتظر هذا الشيء الذي جاء من أجله، وأما إذا عينه بمدة فقد اختلف أهل العلم في ذلك: فجمهور العلماء يحددون ذلك بمدة: إما بأربعة أيام أو بخمسة عشر يوماً أو نحوها، وقد ذكر النووي رحمه الله في شرح المهذب: أن فيها للعلماء عشرة أقوال أو أكثر وسردها، ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لم يجعل لذلك حداً، وقال: إنه ليس في الكتاب ولا في السنة دليل على أن الإنسان إذا نوى مدة معينة انقطع بها حكم سفره، بل الإنسان المسافر مادام ينتظر حاجة متى انتهت رجع إلى بلده، سواء عين المدة التي يقيمها أم لم يعين؛ لأن عمومات الكتاب والسنة تدل على ذلك، فإن قوله تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:101] ، عام لم يخصص الله فيه ضرباً دون ضرب، وكذلك إقامات النبي عليه الصلاة والسلام مدداً مختلفة دون أن يقول للناس: من أقام هذه المدة فلا يقصر، يدل على أنه ليس هناك تقدير، ومعلوم أن التقدير بمدة معينة يحتاج إلى توقيف وليس في المسألة نص يدل على التحديد بمدة معينة، فهذا وجه اختياره رحمه الله، وقد بسط فيها القول في عدة مواضع من الفتاوي التي جمعها محمد بن قاسم فمن أراد أن يطلع عليها فليطلع.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر