الجواب: أما عند السحور فلا أعلم في ذلك أدعية خاصة، لكن هناك أدعية عامة عند الأكل والشرب في جميع الأحوال، مثل: التسمية عند الأكل أو الشرب، ومثل الحمد إذا فرغ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ ابن أبي سلمة وهو ربيبه: ( يا غلام! سمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك )، وأخبر عليه الصلاة والسلام ( أن الله تعالى يرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها)، وأما ما يفعله بعض العامة عند انتهائه من السحور، فيقول: اللهم إني نويت الصيام إلى الليل، فإن هذا من البدع، لأن التكلم بالنية في جميع العبادات بدعة، لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول عند فعل العبادة: نويت أن أفعل كذا وكذا، فلم يكن يقول عند الوضوء: نويت أن أتوضأ، ولا عند الصلاة: نويت أن أصلي، ولا عند الصوم: نويت أن أصوم، وذلك لأن النية محلها القلب، لأنها قصد الشيء عازماً عليه، والله عز وجل عالم بما يكون في قلب العبد، كما قال الله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:16-18]، وأما الدعاء عند الفطر فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أحاديث، منها: ( ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله )، وإن دعا الإنسان بشيء آخر عند فطره بما يحب من سؤال المغفرة والرحمة والقبول وغير ذلك فهو حسن، لأن دعوة الصائم عند فطره حرية بالإجابة إن شاء الله.
مداخلة: وقولهم: (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت)، هل ورد عنه الحديث؟
الشيخ: هذا ورد أيضاً، لكنه أُعل بالإرسال، لأنه عن أحد التابعين عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو معاذ بن زهرة وهو تابعي فالحديث مرسل، وعند علماء الحديث أنه إذا كان الحديث مرسلاً، يعني رفعه التابعي أو الصحابي الذي لم يسمع من الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يكون منقطعاً، فلا يحكم بصحته حتى يعلم من الواسطة بين هذا الرجل وبين النبي صلى الله عليه وسلم.
الجواب: هذه الآية في سورة آل عمران، وقد بين الله سبحانه وتعالى أنه أنزل الكتاب على نبيه صلى الله عليه وسلم وجعله على نوعين، فقال تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران:7]، فجعله سبحانه وتعالى على نوعين: نوع محكم واضح المعنى لا اختلاف فيه ولا احتمال، وهذا هو أم الكتاب، أي: مرجع الكتاب الذي يرجع إليه، بحيث يحمل المتشابه على المحكم ليكون جميعه محكماً، وأخر متشابهات، وإنما أنزله الله تعالى كذلك امتحاناً للعباد، حيث يعلم سبحانه وتعالى من يريد الفتنة وصد الناس عن دينهم، والتشكيك فيه، ومن كان مؤمناً خالصاً، يعلم أن القرآن كله من الله، وأنه لا تناقض فيه ولا اختلاف، يقول الله تعالى: وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران:7]، أي: متشابهة في المعنى، ليس صريحة واضحة، بل تحتاج إلى تأمل ونظر وحمل لها على ما كان واضحاً بيناً، فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ [آل عمران:7]، أي: ميل عن الحق، واتباع للهوى فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ [آل عمران:7]، أي: يتابعونه ويتتبعونه حتى يجعلوا ذلك وسيلة إلى الطعن في كتاب الله عز وجل، ولهذا قال: ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ [آل عمران:7]، (ابتغاء الفتة) يعني: صد الناس عن دينهم، كما قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ [البروج:10]، يعني: إن الذين صدوا المؤمنين عن دينهم وفتنوهم، وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ [آل عمران:7]، أي: طلب تحريف القرآن وتغييره عن مكانه، وعن ما أراد الله به، يقول الله عز وجل: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [آل عمران:7]، والتأويل هنا اختلف فيه أهل العلم بناء على اختلاف القراءتين وصلاً ووقفاً، فإن في الآية قراءتين: قراءة الوصل: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [آل عمران:7]، فيكون المراد بالتأويل هنا التفسير، ولهذا روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله. أي: يعلمون تفسيره، وكان ابن عباس رضي الله عنهما من أعلم الناس بتفسير كلام الله، أما القراءة الثانية: فهي قراءة الوقف على قوله: (وما يعلم تأويله إلا الله) وعلى هذا فيكون المراد بالتأويل: العاقبة التي يئول إليها ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر، فإن حقائق هذه الأمور لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، وعليه فيكون الوقف على قوله: إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:7]، وهذا هو ما ذهب إليه أكثر السلف في القراءة، ويكون معنى قوله: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ [آل عمران:7]، أن الراسخين في العلم يؤمنون بالمحكم والمتشابه، ويقولون: إنه كلٌ من عند الله، وإذا كان كلٌ من عند الله فإنه لا يمكن أن يكون فيه تناقض أو تعارض، لقول الله تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82]، ثم ختم الله الآية بقوله: وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ [آل عمران:7]، أي: ما يتذكر ويتعظ بآيات الله إلا من كان ذا عقل يحجزه عن المحرمات، واتباع الشبهات والشهوات.
الجواب: نعم يجوز للمرأة ولغيرها أيضاً أن تكتحل في نهار رمضان، وأن تقطر في عينها، وأن تقطر في أذنها، وأن تقطر في أنفها أيضاً، ولكن القطور في الأنف يشترط فيه أن لا يصل إلى الجوف، لأنه إذا وصل إلى الجوف عن طريق الأنف كان كالأكل والشرب، قال النبي عليه الصلاة والسلام لـ لقيط بن صبرة : ( وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً )، وهذا دليل على أن ما وصل عن طريق الأنف فحكمه حكم ما وصل عن طريق الفم، ويجوز لها كذلك ولغيرها أن تمس الطيب، وأن تستنشق الطيب من دهن العود ونحوه، وأما البخور فإنه يجوز للصائم أن يتبخر لكن لا يستنشق الدخان، لأن الدخان جرم يصل إلى الجوف لو استنشقه، وعلى هذا فلا يستنشق، والحاصل أنه يجوز للصائم أن يكتحل، ويقطر في عينه، ويقطر في أذنه، ويقطر في أنفه بشرط أن لا يصل ما يقطره في الأنف إلى جوفه، ويجوز له أن يتطيب بجميع أنواع الطيب، وأن يشم الطيب، إلا أنه لا يستنشق دخان البخور، لأن الدخان ذو جرم يصل إلى المعدة، فيخشى أن يفسد صومه بذلك.
الجواب: ذكر السائل في هذا الحديث: ( غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر )، ولكن الزيادة وهي قوله: ( وما تأخر )، لا تصح، والثابت قوله صلى الله عليه وسلم: ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه )، ومعنى قوله: ( إيماناً واحتساباً )، أي: إيماناً بالله عز وجل، وتصديقاً بخبره، ومعنى (احتساباً) أي: تحسباً للأجر والثواب المرتب على صوم رمضان، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ( غفر له ما تقدم من ذنبه )، فالمراد ما تقدم من صغائر الذنوب وليس من كبائرها، هذا هو رأي الجمهور في مثل هذا الحديث، حملاً له على قوله صلى الله عليه وسلم: ( الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن، ما اجتنبت الكبائر )، وعلى هذا فلا يكون في الحديث دلالة على مغفرة كبائر الذنوب، ومن العلماء من أخذ بعمومه، وقال: إن جميع الذنوب تغفر، ولكن بشرط أن لا تكون هذه الذنوب موصلة إلى الكفر، فإن كانت موصلة إلى الكفر فلا بد من التوبة والرجوع إلى الإسلام.
وبهذا يتبين الجواب عن الفقرة الثانية في السؤال: وهي قوله: هل هذا الحديث يغني عن بقية العبادات، بحيث إن الرجل إذا كان يصوم ولا يصلي فإنه يغفر له، نقول إتماماً للجواب: إن الإنسان الذي لا يصلي لا يقبل منه صوم ولا زكاة ولا حج ولا غيرها من العبادات، لأن من لا يصلي كافر، والكافر لا تقبل منه العبادات، لقول الله تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ [التوبة:54]، وقد أجمع العلماء على أن من شرط صحة العبادة أن يكون الإنسان مسلماً، فإذا كان هذا يصوم ولا يصلي فإن صومه لا ينفعه، كما لو أن أحداً من اليهود أو النصارى صام فإنه لا ينفعه الصوم، بل إن حال المرتد أسوأ من حال الكافر الأصلي، فنقول لهذا الذي يصوم ولا يصلي: صل أولاً، ثم صم ثانياً، وقد تقدم لنا في هذا البرنامج عدة مرات بيان الأدلة الدالة على كفر تارك الصلاة من كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، والنظر الصحيح، ولا مانع من إعادة ذلك لأهميته، فنقول: قد دل كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة رضي الله عنهم على كفر تارك الصلاة كفراً أكبر مخرجاً عن الملة، فمن أدلة القرآن: قول الله تعالى عن المشركين: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [التوبة:11]، فإن الله تعالى جعل لثبوت أخوتهم لنا في الدين ثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يتوبوا من الشرك، فإن بقوا على الشرك فليسوا إخوة لنا في الدين.
الشرط الثاني: إقامة الصلاة، فإن لم يقيموا الصلاة فليسوا إخوة لنا في الدين.
الشرط الثالث: إيتاء الزكاة، فإن لم يؤتوا الزكاة فليسوا إخوة لنا في الدين.
أما الأول: وهو أنهم إذا لم يتوبوا من الشرك فليسوا إخوة لنا فأمر هذا ظاهر ولا إشكال فيه.
وأما الثاني: وهو إذا لم يقيموا الصلاة فليسوا إخوة لنا في الدين، فهو أيضاً ظاهر من الآية، ويؤيده نصوص أخرى منها قوله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا [مريم:59-60]، فقوله تعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ [مريم:60]، يدل على أنهم في حال إضاعتهم للصلاة ليسوا بمؤمنين.
ومن الأدلة الدالة على كفر تارك الصلاة، قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة )، والكفر المحلى بأل الدالة على الحقيقة لا يكون إلا الكفر المخرج عن الملة، وبهذا يتبين الفرق بين هذا اللفظ وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت )، فإنه قال: ( هما بهم كفر )، أي: من الكفر، وهذا غير محلى بأل فلا يكون دالاً على الكفر الحقيقي المخرج من الإسلام، وإنما يدل على أن هذا من خصال الكفر، وقد أشار إلى هذا المعنى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه: (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم).
ومن الأدلة الدالة على كفره، قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر )، فهذه الأدلة من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم تقتضي أن من لم يصل فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة، وأما قوله تعالى: وَآتَوُا الزَّكَاةَ [التوبة:11]، فإن دلالاتها على أن من لم يزك فليس أخاً لنا في الدين عن طريق المفهوم، ولكن هذا المفهوم معارض بمنطوق صريح في أن تارك الزكاة الذي يمنع إعطاؤها مستحقها ليس بخارج من الإسلام، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار )، فقوله: ( حتى يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار )، دليل على أنه ليس كافراً، لأنه لو كان كافراً لم يكن له سبيل إلى الجنة، وأما أقوال الصحابة الدالة على كفر تارك الصلاة كفراً مخرجاً عن الملة فكثيرة، ومنها قول عمر رضي الله عنه: لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة.
وقد حكى بعض أهل العلم إجماع الصحابة رضي الله عنهم على كفر تارك الصلاة، وقال عبد الله بن شقيق : كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة.
وأما المعنى المقتضي لكفر تارك الصلاة فإن كل إنسان يعلم أهمية الصلاة، واعتناء الله بها، وما رتب على فعلها من الثواب، وما رتب على تركها من العقاب، لا يمكنه أن يدعها تركاً مطلقاً وفي قلبه مثقال ذرة من الإيمان، فإن تركها تركاً مطلقاً يستلزم فراغ القلب من الإيمان بالكلية، وعلى هذا فإن الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والمعنى كل هذه الأدلة تقتضي كفر تارك الصلاة، وإذا كان كافراً فإن صيامه رمضان لا ينفعه ولا يفيده، لأن الإسلام شرط لصحة الأعمال وقبولها. نعم.
الجواب: العلم الذي وردت الشريعة بالثناء على أهله والترغيب فيه، إنما هو العلم بأحكام شريعة الله عز وجل، وقبل ذلك العلم بالله عز وجل، بأسمائه وصفاته، وما له من الصفات العليا والأفعال الحميدة المبنية على الحكمة والرحمة، ولهذا قال الله تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، أي: العلماء به تبارك وتعالى، وبما له من العظمة التي تقتضي الخشية منه، وليس كما يفهمه بعض العامة وأشباههم، من أن المراد بالعلماء في هذه الآية العلماء بالكون الذين أحاطوا بشيء من علمه، وما أوتوا من العلم إلا قليلاً، فإن من الناس من علم شيئاً من الكون مما علمه الله، ومع ذلك فإنه من أشد الناس استكباراً، وأبعدهم عن خشية له تبارك وتعالى.
وإنما المراد بالعلماء العلماء بالله، وبما له من العظمة والكبرياء، اللذين بهما تكون الخشية لله سبحانه وتعالى، وخلاصة الجواب: أن العلم الذي ورد في الكتاب والسنة فضله والترغيب فيه، إنما هو العلم بالله تبارك وتعالى وبأحكامه الشرعية التي تعبد عباده بها، وأما العلم بما أودع الله تعالى في الكون من الأسرار والحكم، فإنه داخل في العلم بالله سبحانه وتعالى.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر