الجواب: قبل أن أجيب على هذا السؤال: أود أن أبين أن من أسماء الله تعالى الحكيم، والحكيم معناه الحاكم المحكم، فهو سبحانه وتعالى حاكم على عباده شرعاً وقدراً، وهو سبحانه وتعالى ذو الحكمة البالغة التي لا تدركها ولا تحيط بكنهها العقول، وما من شيء يقدره الله سبحانه وتعالى أو يشرعه لعباده إلا وله حكمة، لكن من الحكم ما نعلم منه، ومن الحكم ما لا نعلم منه شيئاً، لأن الله تعالى يقول: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85]، وعلى هذا يجب على كل مؤمن أن يسلم لأمر الله الكوني والشرعي، ولحكمه الكوني والشرعي، وأن يعلم أنه على وفق الحكمة، وأنه لحكمة، ولهذا لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح قال الله تعالى: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85]، ولما سئلت عائشة رضي الله عنها عن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، قالت: ( كان يصيبنا ذلك، تعني: على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة )، تعني: أن الشرع هكذا جاء ولا بد أن لذلك حكمة، وإذا تقررت هذه القاعدة في نفس المؤمن تم له الاستسلام لله عز وجل والرضا بأحكامه.
ثم نعود إلى الجواب عن السؤال وقد تضمن السؤال عن شيئين؛ الأول: أصحاب الكهف، وقد قال السائل: ما الحكمة في أن الله سبحانه وتعالى لم يبين عددهم، فنقول: إن الله تعالى قد أشار إلى بيان عددهم في قوله: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ [الكهف:22]، فهذه الآية تدل على أنهم سبعة وثامنهم كلبهم، لأن الله تعالى أبطل القولين الأولين، وسكت عن الثالث، فدل على صحته: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ [الكهف:22]، هذا إبطال هذين القولين، أما الثالث فقال: وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف:22]، ولم يبطله الله عز وجل، وأما قوله: قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ [الكهف:22]، فلا يعني ذلك أن غير الله لا يعلم به، أو لا يعلم بها -أي: بالعدة- وإنما يراد بذلك أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم لا يعلم من الغيب إلا ما علمه الله سبحانه وتعالى، ويكون في ذلك إرشاد للنبي صلى الله عليه وسلم أن يفوض العلم إلى الله، ولو كان المعنى: لا يعلم عدتهم أحد لكان مناقضاً لقوله: مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ [الكهف:22]، فإن الآية تدل على أن قليلاً من الناس يعلمون عدتهم، وعلى هذا فعدتهم سبعة وثامنهم كلبهم، وهؤلاء السبعة فتية آمنوا بالله عز وجل إيماناً صادقاً، فزادهم الله تعالى الهدى، لأن الله عز وجل إذا علم من عبده الإيمان والاهتداء زاده هدى، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ [محمد:17]، هؤلاء الفتية كانوا مؤمنين بالله، وزادهم الله تعالى هدى وعلماً وتوفيقاً، وكانوا في بلد أهلها مشركون، فأووا إلى كهف يحتمون به من أولئك المشركين، وكان هذا الكهف وجهه إلى الناحية الشرقية الشمالية، كما يدل على ذلك قوله تعالى: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ [الكهف:17]، وهذه الوجهة أقرب ما يكون إلى السلامة من حر الشمس، وإلى برودة الجو، بقوا على ذلك ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً، والله عز وجل يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال في نومهم هذا، وقد ألقى الله الرعب على من أتى إليهم، كما قال تعالى: لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا [الكهف:18]، كل ذلك حماية لهم، ثم إن هؤلاء القوم بعد هذه المدة الطويلة أيقظهم الله من رقادهم، ولم يتغير منهم شيء، لا في شعورهم ولا في أظفارهم ولا في أجسامهم، بل الظاهر -والله أعلم- أنه حتى ما في أجوافهم من الطعام قد بقي على ما هو عليه، لم يجوعوا ولم يعطشوا، لأنهم لما بعثهم الله عز وجل تساءلوا بينهم: قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ [الكهف:19]، وهذا يدل على أنه لم يتغير منهم شيء، وأن ما ذكر من أن أظفارهم طالت وشعورهم طالت فهو كذب، لأنه لو كان الأمر هكذا لعرفوا أنهم قد بقوا مدة طويلة، هؤلاء القوم في قصتهم عبرة عظيمة، حيث حماهم الله عز وجل من تسلط أولئك المشركين عليهم، وآواهم في ذلك الغار هذه المدة الطويلة من غير أن يتغير منهم شيء، وجعل سبحانه وتعالى يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال، لئلا تتأثر الجنوب التي يكون عليها النوم، وحماهم الله عز وجل بكون من اطلع عليهم يولي فراراً ويملأ منهم رعباً، والخلاصة التي تستخلص من هذه القصة، هو أن كل من التجأ إلى الله عز وجل فإن الله تعالى يحميه، بأسباب قد يدركها وقد لا يدركها، وهو مصداق قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [الحج:38]، فإن مدافعة الله عن المؤمنين قد تكون بأسباب معلومة، وقد تكون بأسباب مجهولة لهم، فهذا يشدنا إلى أن نحقق الإيمان بالله عز وجل والقيام بطاعته.
وأما أصحاب السبت: فإن قصتهم أيضاً عجيبة وفيها عبر، أصحاب السبت أهل مدينة من اليهود، حرم الله عليهم صيد الحيتان يوم السبت وابتلاهم الله عز وجل، حيث كانت الحيتان يوم السبت تأتي شرعاً على ظهر الماء كثيرة، وفي غير يوم السبت لا تأتي، فضاق عليهم الأمر، وقالوا: كيف ندع هذه الحيتان، لكنهم قالوا: إن الله حرم علينا أن نصيدها في يوم السبت، فلجئوا إلى حيلة، فوضعوا شباكاً في يوم الجمعة، فإذا كان يوم السبت وجاءت الحيتان ودخلت في هذا الشباك انحبست بها، فإذا كان يوم الأحد جاءوا فأخذوها، فقالوا: إننا لم نأخذ الحيتان يوم السبت، وإنما أخذناها يوم الأحد، ظنوا أن هذا التحيل على محارم الله ينفعهم، ولكنه بالعكس، فإن الله تعالى جعلهم قردة خاسئين، قال الله تعالى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [البقرة:65]، ففي هذه القصة من العبر: أن من تحيل على محارم الله فإن حيلته لا تنفعه، وأن التحيل على المحارم من خصال اليهود، وفيه أيضاً من العبر ما تدل عليه القصة في سورة الأعراف: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف:163-165]، فقد انقسم أهل هذه القرية إلى ثلاثة أقسام: قسم اعتدوا وفعلوا ما حرم الله عليهم بهذه الحيلة، وقسم نهوهم عن هذا الأمر وأنكروا عليهم، وقسم سكتوا بل ثبطوا الناهين عن المنكر، وقالوا: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا [الأعراف:164]، وقد بين الله سبحانه وتعالى أنه أنجى الذين ينهون عن السوء، وأنه أخذ الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون، وسكت عن الطائفة الثالثة، وفيه دليل على خطورة هذا الأمر، أي: على خطورة من كان ينهى الناهين عن السوء، فيقولون مثلاً: إن الناس لم يبالوا بكلامكم ولم يأتمروا بالمعروف ولم ينتهوا عن منكر وما أشبه ذلك من التثبيط عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيه أيضاً دليل على أنه يجب على الإنسان أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، سواء ظن أنه ينفع أم لم ينفع، معذرة إلى الله ولعل المنهي يتقي الله عز وجل.
الجواب: لا يخلو تارك التسمية عند الذبيحة من حالين: إما أن يتركها لعذر من جهل أو نسيان، وإما أن يتركها لغير عذر، فإن تركها لغير عذر فإن الذبيحة لا تحل، وذلك لأنه ترك شرطاً من شروط حل الذبيحة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل )، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ذكر اسم الله شرطاً لحل الذبيحة، وقال الله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121]، وأما إذا تركها معذوراً بجهل أو نسيان، فإن جمهور أهل العلم على حل هذه الذبيحة لأنه معذور، وقد قال الله تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، فقال الله تعالى: قد فعلت.
وذهب بعض أهل العلم من السلف والخلف إلى أن الذبيحة لا تحل، ولو كان معذوراً بجهل أو نسيان، فإذا ذبح الذبيحة ونسي أن يسمي الله فإن الذبيحة لا تحل، وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو الراجح، على أن ما لم يذكر اسم الله عليه حرام أكله، وذلك لقوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121]، فنهى الله تعالى أن نأكل من شيء لم يذكر اسم الله عليه، ولم يقيد ذلك بالعمد، فلم يقل: مما لم يذكر اسم الله عليه عمداً، وهاهنا جهتان: جهة الذبح، وجهة الأكل، فالذابح الذي نسي أن يسمي الله على الذبيحة لا إثم عليه لأنه معذور، وأما بالنسبة للآكل فإنه لا يحل له أن يأكل مما لم يذكر اسم الله عليه، ولو نسي فأكل فلا إثم عليه لأنه معذور، فيجب علينا أن نعرف الفرق بين هاتين الجهتين، وأن نقول: نحن نسلم بأن الله تعالى لا يؤاخذ بالجهل والنسيان، ولكن هاهنا فعلان: فعل الذابح لا يؤاخذ به بالجهل والنسيان، ولا يعاقب على ذلك، وفعل الآكل، إذا تعمد أن يأكل من شيء لم يذكر اسم الله عليه وقد نهى الله عنه فقد وقع في الإثم، ثم إن قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلْ )، دليل على أن ذكر اسم الله على الذبيحة كإنهار الدم منها، وكلاهما شرط، والشرط لا يسقط بالجهل ولا بالنسيان، ولو أن أحداً من الناس كان جاهلاً فذبح الذبيحة على وجه لا ينهر به الدم لكنه جاهل، فإنه من المعلوم أن ذبيحته هذه لا تؤكل، لأنها داخلة في المنخنقة ونحوها التي حرمها الله عز وجل في قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ [المائدة:3]، إلى آخره، ولو أنه نسي أن يذكي بما ينهر الدم فقتلها بشيء لا ينهر به الدم، فإنها لا تحل، ولو كان هذا الرجل ناسياً، لكن هذا القاتل لا يأثم بنسيانه، لأنه معفو عنه، فكذلك إذا نسي أن يسمي الله، أو جهل أن يسمي الله، لأن الجميع في حديث واحد، ومخرجهما واحد، فلا يحل لأحد أن يأكل ذبيحة لم يذكر اسم الله عليها، وإن كان تركها -أي: التسمية- نسياناً، ولهذا لو أن الإنسان صلى بغير وضوء ناسياً لكانت صلاته هذه باطلة ووجب عليه إعادتها، مع أنه لا يؤاخذ بصلاته بغير وضوء لأنه ناسٍ، لكن عدم مؤاخذته بصلاته بغير وضوء ناسياً لا يعني أنه لا تلزمه الإعادة، وقد يقول قائل: إن في تحريم الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها نسياناً إضاعة للمال، فنقول: ليس في ذلك إضاعة للمال، بل في ذلك حماية للإنسان أن يأكل من غير ما ذكر اسم الله عليه، لأننا إذا قلنا لهذا الرجل الذي نسي أن يسمي: إن ذبيحتك الآن حرام، فإن ذلك يؤدي إلى أن يذكر التسمية في المستقبل ولا ينساها أبداً، بخلاف ما لو قلنا: إن ذلك معفو عنه وأنه يحل أكل هذه الذبيحة، فإنه إذا علم أن الأمر سهل، ربما يتهاون بتذكر التسمية، وقد بسط هذا الكلام في غير هذا الموضع.
وأما قول السائل: هل تكمل التسمية أم لا؟
فإن ظاهر النصوص أنها لا تكمل، وإنه يكفي أن نقول: باسم الله فقط.
الجواب: معنى هذه الآية أن الله أمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ ربه من همزات الشياطين، وهي ما تلقيه في قلب الإنسان من الوساوس، والإيرادات السيئة، وأن يستعيذ ربه من أن يحضروه في أفعاله في عبادته.. في مأكله.. في مشربه.. في جميع أحواله، وأخص شيء في ذلك حضورهم عند الموت، فإن الشيطان يحضر عند الموت، ويحرص غاية الحرص على أن يضل بني آدم، لأنه في تلك اللحظة تكون السعادة أو الشقاوة، نسأل الله أن يختم لنا وللمسلمين بحسن الخاتمة، وأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أمر له وللأمة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الرسول المتبع والإمام المطاع، وعلى هذا فيكون مشروعاً لنا أن نستعيذ بالله من همزات الشياطين، وأن يحضرون.
الجواب: لا شك أن من نعمة الله على العبد أن يوفقه الله تعالى لحفظ كتابه عن ظهر قلب، لما في ذلك من المصالح العظيمة، فإن الإنسان إذا كان حافظاً لكتاب الله عن ظهر قلب أمكنه أن يتلوه على كل حال، إلا في المواضع التي لا ينبغي فيها تلاوة القرآن، أو في الأحوال التي لا يمكن فيها قراءة القرآن كحال الجنابة، وإذا كان حافظاً للقرآن عن ظهر قلب أمكنه أن يتدبر معانيه، وأن يتذكر فيه كل وقت، ولهذا ينبغي للإنسان أن يحفظ كتاب الله عن ظهر قلب ما استطاع، وإذا حرص على ذلك ولكنه نسي شيئاً منه بغير تفريط فإن ذلك لا حرج عليه فيه، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ذات ليلة فقرأ وأسقط آية من القرآن نسيها، فذكره أبي بن كعب بعد سلامه، فقال: ( هلا كنت ذكرتنيها )، فإذا نسي الإنسان شيئاً مما حفظ من كتاب الله دون استهانة به، فإن ذلك لا حرج عليه فيه، لأنه من طبيعة البشر، أعني: أن نسيان الإنسان لما حفظه أمر طبيعي لا يلام الإنسان عليه، إلا ما كان من استهانة وعدم مبالاة، فهذا له حال أخرى.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر