الجواب: سجود التلاوة إذا مر الإنسان بآية سجدة سنة وليس بواجب على القول الراجح، ودليل ذلك: ما ثبت في الصحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( أنه قرأ على المنبر آية السجدة في سورة النحل فسجد، ثم قرأها في الجمعة الثانية ولم يسجد )، ثم قال رضي الله عنه: ( إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء )، قال ذلك بمحضر الصحابة رضي الله عنهم، ولم ينكر عليه أحد؛ ولكنها سنة مؤكدة لا ينبغي للإنسان إذا مر بآية السجدة أن يدعها، وهي سنة للقارئ وللمستمع لقراءته، فإذا كان رجل يستمع إلى قراءة قارئ إلى جنبه، ثم مر القارئ بآية السجدة وسجد، فإنه يسن للمستمع أن يسجد، فإن لم يسجد القارئ فإن المستمع لا يسجد؛ لأن سجود المستمع تبعٌ لسجود القارئ، وإذا كان القارئ يقرأ في الصلاة فإنه يكبر للسجود إذا سجد، ويكبر إذا رفع، هذا ما يدل عليه ظاهر السنة، فقد ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم: قرأ في صلاة العشاء سورة الانشقاق وسجد فيها ).
وثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه وعن غيره من الصحابة رضي الله عنهم: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في صلاته في كل رفع وخفض )، وعموم هذا يشمل سجود التلاوة إذا كان في الصلاة، فإذا مرت بك آية السجدة وأنت تصلي فكبر واسجد، وإذا قمت من السجود فكبر، وسجود التلاوة يقال فيه ما يقال في سجود الصلاة: سبحان ربي الأعلى، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، اللهم لك سجدت، وبك آمنت، وعليك توكلت سجد وجهي لله الذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، فتبارك الله أحسن الخالقين، اللهم اكتب لي بها أجراً، وحط عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود.
أما إذا كنت في خارج الصلاة، فإنك تكبر للسجود ولا تكبر للرفع ولا تسلم، هذا هو القول الراجح.
واعلم أنك إذا مررت بآية السجدة في أي وقت كان من ليل أو نهار فإن المشروع لك أن تسجد، حتى بعد العصر وبعد الفجر؛ وذلك لأن كل صلاة لها سبب فإنها تفعل في وقت النهي وليس عليها نهي، ولهذا لو دخلت المسجد بعد صلاة الفجر وأنت قد صليت الفجر تريد الجلوس فيه لاستماع ذكر أو قراءة قرآن، فلا تجلس حتى تصلي ركعتين، وكذلك لو دخلت المسجد بعد العصر لا تجلس حتى تصلي ركعتين، وهكذا جميع النوافل ذوات الأسباب إذا حصل سببها في أي وقت من ليل أو نهار فإنك تصليها.
الجواب: نفيدك بأن زواجك بهذه المرأة التي قد تزوجت من قبلك لا بأس به، ولا لوم عليك فيه، وهؤلاء الذين يلومونك، أو يعيبون عليك هم الذين يلامون ويعابون، وليس لهم التعرض أو التدخل بين الرجل وزوجته، وما أشبههم بمن قال الله فيهم: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ [البقرة:102]، ونصيحتي لك: أن تبقى مع زوجتك ما دمتما في سعادة وبينكما أولاد، وأن لا تطمح إلى زوجة أخرى لهذا السبب الذي عابك فيه من عابك من الجهال، والنبي عليه الصلاة والسلام أشرف الخلق، وأتقاهم لله، وأشدهم عبادة له، كان أول من تزوج بها امرأة ثيب، وهي خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، بل إن جميع زوجات النبي صلى الله عليه وسلم كن ثيبات سوى عائشة رضي الله عنها، فلا لوم ولا عيب على الإنسان إذا تزوج امرأة كانت ثيباً من زوج قبله، وما دمت في سعادة مع أهلك فاستمسك بهم، ولا تطمح لغيرهم.
وأما تزوج الرجل على امرأته من حيث هو زواج فليس به بأس، فالإنسان له أن يتزوج بواحدة، أو باثنتين، أو بثلاث، أو بأربع؛ ولكن كونه يتزوج من أجل لوم هؤلاء الجاهلين لا وجه له، وقبل أن أختم الجواب على هذا السؤال أود أن أنبه على كلمة جاءت في سؤاله وهي قوله: وقد تزوجتها بعد طلاقها منه مباشرة، فإن ظاهر هذه العبارة أنه تزوجها قبل أن تعتد من زوجها الأول، فإن كان ذلك هو الواقع، فإنه يجب عليه الآن أن يعيد عقد النكاح؛ لأن نكاح المعتدة باطل بالنص، والإجماع، قال الله تعالى: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ [البقرة:235].
وقد أجمع العلماء رحمهم الله: على فساد نكاح المعتدة من الغير، وإن كانت هذه العبارة يراد بها بعد طلاقها منه مباشرة، يعني: وانتهاء عدتها فالنكاح صحيح ولا إشكال فيه، فأرجو أن ينتبه الأخ السائل لهذه المسألة، وإذا فرض أن الاحتمال الأول هو الواقع، وأنه تزوجها بعد الطلاق مباشرة قبل انقضاء العدة، فإنه يجب إعادة العقد كما قلت، وأولاده الذين جاءوا من هذه المرأة أولاد شرعيون؛ لأن هؤلاء الأولاد جاءوا بوطء شبهة، وقد ذكر أهل العلم: أن الأولاد يلحقون الواطئ بشبهة سواء كانت شبهة عقد، أم شبهة اعتقاد.
الجواب: قبل الإجابة على سؤاله أرجو من جميع إخواننا المسلمين أن يتجنبوا مثل هذه الكلمات، وأن لا يتساهلوا في إطلاق الطلاق؛ لأن الأمر خطير عظيم، وإذا أرادوا أن يحلفوا فلا يستهوينهم الشيطان، فليحلفوا بالله عز وجل أو ليصمتوا، والحلف بالطلاق سواء كان على الزوجة أو على غيرها، اختلف في شأنه أهل العلم: فأكثرهم يرون أنه طلاق، وليس بيمين، وأن الإنسان إذا حنث فيه وقع الطلاق على امرأته، ويرى آخرون: أن الطلاق، أو أن الحلف بالطلاق إن قصد به اليمين فهو يمين، وإن قصد به الطلاق فهو طلاق، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى )، وهذا السائل الذي قال: لزوجته عليّ الطلاق أن تخرجي إلى بيت أبيك وتنزلي فيه، أو تنامي فيه، إذا كان غرضه بهذه الصيغة إلزام المرأة، والتأكيد عليها بالخروج، فإنه لا يقع عليه الطلاق سواء خرجت أم لم تخرج؛ لكن إذا لم تخرج، فعليه كفارة يمين، وهي إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة، وإن قصد به الطلاق، فإن خرجت لم تطلق، وإن لم تخرج، أو خرجت، ثم عادت، فإنها تطلق، وإذا كانت هذه آخر طلقة له، فإنها لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره، فالمسألة إذاً: خطيرة، فعليه وعلى غيره أن يحفظ لسانه، وألا يتسرع في إطلاق الطلاق.
وخلاصة الجواب: أن نقول: إذا كان هذا الرجل قصد بالطلاق، أو بعبارة أصح قصد بقوله: علي الطلاق اليمين، فإن ذلك له حكم اليمين، إن حنث فيه فعليه كفارة اليمين، وإن لم يحنث فلا شيء عليه، وإن قصد به الطلاق كان طلاقاً، فإذا حنث فيه وقع الطلاق على امرأته.
الجواب: إذا ذبح الإنسان خروفاً أو غيره من بهيمة الأنعام ليتصدق به عن شخص ميت فهذا لا بأس به، وإن ذبح ذلك تعظيماً لهذا الميت، وتقرباً إلى هذا الميت كان شركاً أكبر؛ وذلك لأن الذبح عبادة وقربة، والعبادة والقربة لا تكون إلا لله كما قال الله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163].
فيجب التفريق بين المقصدين، فإذا قصد بالذبح أن يتصدق بلحمه ليكون ثوابه لهذا الميت، فهذا لا بأس به، وإن كان الأولى والأحسن أن يدعو للميت إذا كان أهلاً للدعاء بأن كان مسلماً، وتكون الصدقة للإنسان نفسه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرشد أمته إلى أن يتصدقوا عن أمواتهم بشيء، وإنما قال: ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له )، ولم يقل يتصدق عنه، أو يصوم عنه، أو يصلي عنه، فدل هذا على أن الدعاء أفضل وأحسن، وأنت أيها الحي محتاج إلى العمل فاجعل العمل لك، واجعل لأخيك الميت الدعاء، وأما إذا كان قصده بالذبح لفلان التقرب إليه وتعظيمه، فهو شرك أكبر؛ لأنه صرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله تعالى.
الجواب: إن إزالة شعر المرأة من بدنها ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: منهي عنه بل ملعون فاعله، وذلك النمص: وهو نتف شعر الوجه، كنتف شعر الحواجب لترقيقها وتخفيفها، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن النامصة، والمتنمصة.
والقسم الثاني: شعر مطلوب إزالته كشعر الإبطين والعانة.
والقسم الثالث: شعر مسكوت عنه، كشعر الساقين، والذراعين، والصدر ونحو ذلك.
فالأولى في هذا القسم الثالث المسكوت عنه أن لا يزال الشعر، اللهم إلا أن يكون كثيراً تقبح به المرأة، فلا بأس من تخفيفه، بل إن تخفيفه إذا كان أدعى لمحبة الزوج لها أحسن وأولى، وأما إذا كان غير كثير ولا مشوه فالأفضل إبقاؤه على ما هو عليه؛ لأنه يخشى أن يكون داخلاً في قوله تعالى عن الشيطان: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [النساء:119]؛ ولكن إزالة الشعر من الساقين، والذراعين، والصدر ونحو ذلك، لا يصل إلى درجة الكراهة أو التحريم؛ لعدم ورود النهي عنه، فهو من الأمور المسكوت عنها؛ ولكن الأولى تركه إلا أن يقبح المرأة.
وإنني بهذه المناسبة أيضاً: أحذر بعض النساء اللآتي زين لهنّ الشيطان سوء أعمالهن من إبقاء الأظفار وتطويلها، وبعضهن يطول ظفر الخنصر فقط؛ لأن ذلك خلاف الفطرة، وخلاف ما وقته النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأمته في الأظافر والعانة والإبط والشارب للرجل أن لا تترك فوق أربعين يوماً، ومن العجب أن يزين للإنسان سوء عمله، فيبقي هذه الأظافر التي تجمع الأوساخ والأنتان، وتشوه المنظر، وتلحق الرجل بمشابهة الحبشة، فإن الحبشة هم الذين يطيلون أظفارهم؛ لتكون مدىً لهم، قال النبي عليه الصلاة والسلام ( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل إلا السن والظفر، فإن السن عظمٌ، والظفر مدى الحبشة )، فلا يليق بالإنسان أن يفعل هذا، ولا يترك الظفر ولا العانة ولا الإبط ولا شارب الرجل أكثر من أربعين يوماً.
الجواب: إذا لم يكن في المدرسة ماءٌ ولا في قربها، فإنه ينبه على الطلبة أن لا يأتوا إلا وهم متطهرون؛ لأن المصحف لا يمسه إلا الطاهر؛ لأن في حديث عمرو بن حزم الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم له: ( أن لا يمس القرآن إلا طاهر ) والطاهر هنا: الرافع للحدث بدليل قوله تعالى في آية الوضوء والغسل والتيمم: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة:6].
ففي قوله: (لِيُطَهِّرَكُمْ)، دليل على أن الإنسان قبل أن يتطهر لم تحصل له الطهارة، وعلى هذا فلا يجوز لأحد أن يمس القرآن إلا وهو طاهر متوضئ، إلا أن بعض أهل العلم رخص للصغار أن يمسوا القرآن لحاجتهم لذلك، وعدم إدراكهم للوضوء؛ ولكن الأولى أن يؤمر الطلاب بذلك، أي: بالوضوء حتى يمسوا المصحف وهم على طهارة.
وأما قول السائل: لأن القرآن لا يمسه إلا المطهرون، فكأني به يريد أن يستدل بهذه الآية على وجوب التطهر لمس المصحف، والآية ليس فيها دليل لهذا؛ لأن المراد بقوله: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:79] الكتاب المكنون: وهو اللوح المحفوظ، والمراد بالمطهرون الملائكة، ولو كان يراد بها المتطهرون، لقال: لا يمسه إلا المطهرون، أو إلا المتطهرون، ولم يقل: إلا المطهرون، وعلى هذا فليس في الآية دليل على أنه لا يجوز مس المصحف إلا بطهارة؛ لكن الحديث الذي أشرنا إليه آنفاً هو الذي يدل على ذلك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر