الجواب: الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين:
وأسأل الله تعالى لي ولأخواني المسلمين التوفيق للصواب عقيدة وقولاً وعملاً, يقول الله عز وجل: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60].
ويقول السائل: إنه دعا الله عز وجل ولم يستجب الله له, فيستشكل هذا الواقع مع هذه الآية الكريمة التي وعد الله تعالى فيها من دعاه بأن يستجيب له, والله سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد.
والجواب على ذلك: أن للإجابة شروطاً لا بد أن تتحقق؛ وهي: الإخلاص لله عز وجل, بأن يخلص الإنسان في دعائه فيتجه إلى الله سبحانه وتعالى بقلب حاضر, صادق في اللجوء إليه, عالم بأنه عز وجل قادر على إجابة الدعوة, مؤمل الإجابة من الله سبحانه وتعالى.
الشرط الثاني: أن يشعر الإنسان حال دعائه بأنه في أمس الحاجة بل في أمس الضرورة إلى الله سبحانه وتعالى, وأن الله تعالى وحده هو الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء, أما أن يدعو الله عز وجل وهو يشعر بأنه مستغن عن الله سبحانه وتعالى وليس في ضرورة إليه, وإنما يسأل هكذا عادة فقط, فإن هذا ليس بحري بالإجابة, بل إن هذا ليس بحري بالإجابة.
الشرط الثالث: أن يكون متجنباً لأكل الحرام, فإن أكل الحرام حائل بين الإنسان والإجابة؛ كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً, وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين, ثم قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172], وقال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [المؤمنون:51], ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يطيل السفر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب! ومطعمه حرام, وملبسه حرام, وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك؟ ).
فاستبعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يستجاب لهذا الرجل الذي قام بالأسباب الظاهرة التي بها تستجلب الإجابة, وهي رفع اليدين إلى السماء، أي: إلى الله؛ لأنه تعالى في السماء فوق العرش, ومد اليد إلى الله عز وجل من أسباب الإجابة؛ كما جاء في الحديث الذي رواه أحمد في المسند: ( إن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً ).
ثانياً: هذا الرجل دعا الله تعالى بصيغة: يا رب يا رب! والتوسل إلى الله تعالى بهذا الاسم من أسباب الإجابة؛ لأن الرب هو الخالق المالك المدبر لجميع الأمور, وبيده مقاليد السموات والأرض, ولهذا تجد أكثر الدعاء الوارد في القرآن بهذا الاسم: رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ * فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ [آل عمران:193-195]، فالتوسل إلى الله تعالى بهذا الاسم من أسباب الإجابة.
ثالثاً: هذا الرجل كان مسافراً, والسفر غالباً من أسباب الإجابة؛ لأن الإنسان في السفر يشعر بالحاجة إلى الله عز وجل والضرورة إليه أكثر مما إذا كان مقيماً في أهله, وأشعث أغبر كأنه غير معني بنفسه, كأن أهم شيء عنده أن يلتجئ إلى الله ويدعوه على أي حال كان هو, سواء كان أشعث أغبر أم مترفاً, والشعث والغبر له أثر في الإجابة؛ كما في الحديث الذي روي عن النبي عليه الصلاة والسلام: ( إن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا عشية عرفة, يباهي الملائكة بالواقفين فيها, يقول: أتوني شعثاً غبراً, ضاحين من كل فج عميق ).
هذه الأسباب الأربعة لإجابة الدعاء لم تجد شيئاً لكون مطعمه حراماً وملبسه حراماً وغذي بالحرام, قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( فأنى يستجاب لذلك ).
هذه الشروط في إجابة الدعاء إذا لم تتوافر فإن الإجابة تبدو بعيدة, فإذا توافرت ولم يستجيب الله تعالى للداعي فإنما ذلك لحكمة يعلمها الله عز وجل, ولا يعلمها هذا الداعي: وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ [البقرة:216] .
وإذا تمت هذه الشروط ولم يستجب الله عز وجل, فإنه إما أن يدفع عنه من السوء ما هو أعظم, وإما أن يدخرها له يوم القيامة فيوفيه الأجر أكثر وأكثر؛ لأن هذا الداعي الذي دعا بتوافر الشروط ولم يستجب له, ولم يصرف عنه من السوء ما هو أعظم يكون قد فعل الأسباب, ومنع الجواب لحكمة, فيعطى الأجر مرتين.. مرة على دعائه, ومرة على مصيبته بعدم الإجابة, فيدخر له عند الله عز وجل ما هو أعظم وأكمل.
ثم إن من المهم أيضاً ألا يستعجل الإنسان الإجابة, فإن هذا من أسباب منع إجابته أيضاً؛ كما جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: ( يستجاب لأحدكم ما لم يعجل, قالوا: كيف يعجل يا رسول الله؟ قال: يقول: دعوت ودعوت فلم يستجب لي ) فلا ينبغي للإنسان أن يستعجل الإجابة فيستحسر عن الدعاء ويدع الدعاء, بل يلح في الدعاء, فإن كل دعوة تدعو بها إلى الله عز وجل فإنها عبادة تقربك إلى الله سبحانه وتعالى, وتزيدك أجراً.
فعليك يا أخي بدعاء الله سبحانه وتعالى في كل أمورك العامة والخاصة الشديدة واليسيرة, لو لم يكن من الدعاء إلا أنه عبادة لله سبحانه وتعالى لكان جديراً بالمرء أن يحرص عليه.
الجواب: إن العلماء رحمهم الله اختلفوا في جواز نظر المرأة إلى الرجل, فمنهم من قال: إنه لا يجوز؛ لعموم قوله تعالى: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور:31] إلى آخر الآية, ولحديث أم سلمة رضي الله عنها: ( أنها كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم هي و
ومن العلماء من قال: إنه يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجل بشرط ألا يكون نظرها لشهوة ولا لتمتع, وهذا القول هو الراجح؛ ( لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ
وأما الآية التي استدل بها من منع نظر المرأة إلى الرجل, فإن الله تعالى يقول فيها: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31] ومن للتبعيض, وهي صادقة بما إذا منعنا من النظر إلى الرجل بشهوة أو لتمتع, فإنه في هذه الحال يجب عليها غض البصر, ويبقى ما عدا ذلك على ما جاءت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما حديث أم سلمة فإن في صحته نظراً؛ لأن راويه عن أم سلمة وهو مولاها نبهان قال فيه ابن عبد البر : إنه رجل مجهول, وحديث تكون درجته هكذا لا يمكن أن يعارض الأحاديث الصحيحة الواضحة في جواز نظر المرأة إلى الرجل, لكن يجب كما أسلفنا ألا يكون نظرها إليه نظر شهوة أو نظر تمتع, فإن ذلك لا يجوز, والله أعلم.
الجواب: أولاً: نحن من هذا المنبر -منبر نور على الدرب- نكرر النهي عن النذر؛ آخذين بنهي النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر, وقال: ( إنه لا يأتي بخير, وإنما يستخرج به من البخيل )، وما أكثر السائلين الذين يسألون عن نذور نذروها! إما لوقوعهم في ضيق فينذرون إن نجاهم الله منه أن يتصدقوا أو يصوموا, وإما لمريض كان عندهم ينذرون إن شفاه الله أن يتصدقوا أو يصوموا, وإما لحصول الذرية ينذرون إن رزقهم الله أولاداً أن يفعلوا كذا وكذا من العبادات, كأن الله عز وجل لا يمن عليهم بنعمه إلا إذا شرطوا له هذا النذر.
وإنني من هذا المكان أحذر إخواني المسلمين عن النذر, وأنقل إليهم نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه؛ لأنهم دائماً ينذرون فيندمون, وربما ينذرون ولا يوفون, وما أعظم عقوبة من نذر لله سبحانه وتعالى ولم يوف! فلنستمع إلى قول الله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [التوبة:75-77].
ثم إن النذر أقسام: منه ما يجب الوفاء به, ومنه ما لا يجب الوفاء به لكونه جارياً مجرى اليمين, فإذا نذر الإنسان عبادة سواء كان نذراً مطلقاً أو معلقاً, قاصداً فعل تلك العبادة وجب عليه أن يأتي بهذه العبادة, مثال ذلك:
قال رجل: لله علي نذر أن أصلي ركعتين, هذا نذر عبادة مطلقاً, فيجب عليه أن يصليها فوراً ما لم يقيدها بزمن أو مكان, فإن قيدها بزمن لم يجب عليه أن يصلي حتى يأتي ذاك الزمن, وإن قيدها بمكان لم يلزمه أن يصلي إلا في ذلك المكان الذي نذره ما لم يكن فيه محظور شرعي، لكن يجوز له أن يصليها في مكان آخر إلا إذا كان المكان الذي عينه له مزية الفضل فإنه لا يجوز له أن يصليها في مكان ليس في ذلك فضل.
مثلاً: لو نذر الصلاة في المسجد الحرام لم تجز له الصلاة فيما سواه من المساجد, ولو نذر الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أجزأه أن يصلي في المسجد الحرام بدلاً عنه, ولو نذرها في المسجد الأقصى أجزأه أن يصليها في المسجد النبوي وفي المسجد الحرام أيضاً، فإذا نذر الأعلى لم تجز الصلاة فيما دونه, وإن نذر الأدنى أجزأ فيما هو أعلى منه.
المهم النذر العبادة يجب الوفاء به، سواء كان مطلقاً كما مثلنا, أم معلقاً كما لو قال: إن شفى الله مريضي فلله علي نذر أن أصوم شهراً, أو قال: إن نجحت في الامتحان فلله علي نذر أن أصوم ثلاثة أيام, أو أن أصوم يوم الإثنين والخميس من الشهر الفلاني أو ما أشبه ذلك فيجب عليه وفاء ذلك؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ).
أما إذا كان النذر جارياً مجرى اليمين, أي: لا يقصد التعبد لله بهذه العبادة المعينة, وإنما يقصد الناذر أن يمتنع من فعل معين, أو أن يلتزم بفعل معين, مثل أن يقول: لله علي نذر أن لا ألبس هذا الثوب, هذا يخير بين لبسه وكفارة اليمين, أو يقول: إن لبست هذا الثوب فلله علي نذر أن أصوم شهراً.
فهنا إذا لبس الثوب لم يلزمه أن يصوم شهراً, بل إن شاء صام شهراً, وإن شاء كفر عن نذره كفارة يمين؛ لأن كل نذر يقصد به المنع أو الحث أو التصديق أو التكذيب فإنه يكون جارياً مجرى اليمين.
بعد هذا نرجع إلى جواب السؤال الذي تقدم به السائل, وهو أنه نذر أن يصوم عشرة أيام من شهر ما, ثم لم يصمها في ذلك الشهر, وصامها في الشهر الثاني, فنقول له: إن عليك كفارة يمين؛ لأن نذرك تضمن شيئين:
تضمن صيام عشرة أيام, وأن تكون في هذا الشهر المعين, فلما فاتك أن تكون في هذا الشهر المعين لزمتك كفارة اليمين لفوات الصفة, وأما الأيام فقد صمتها.
وأخيراً: أرجو من إخواني المسلمين أن لا ينذروا، أن لا يكلفوا أنفسهم بهذه النذور, ألا يلزموها بما لم يلزمها الله به, ألا يفعلوا شيئاً يندمون عليه, وربما لا يوفون به فيقع عليهم ما وقع على من عاهد الله: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [التوبة:75-77].
أخشى أن يقع الإنسان إذا نذر لله نذراً كهذا الذي ذكره الله عز وجل ثم لم يوف به، أن يعقبه الله تعالى نفاقاً في قلبه إلى الممات, إنني أرجو وأكرر رجائي أن ينتبه إخواني المسلمون إلى هذه المسألة, وأن ينتهوا عن النذر كما نهاهم عنه نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم, والله المستعان.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر