الجواب: الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين:
سميت الكعبة بيت الله؛ لأنها محل تعظيم الله عز وجل, فإن الناس يقصدونها من كل مكان ليؤدوا الفريضة التي فرضها الله عليهم, وهي الحج إلى بيته؛ ولأن الناس يستقبلونها في صلواتهم في كل مكان ليؤدوا شرطاً من شروط صحة الصلاة؛ كما قال الله تعالى: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:150].
وأضافها الله إليه تشريفاً وتعظيماً وتكريماً لها, فإن المضاف إلى الله سبحانه وتعالى ينقسم إلى قسمين: إما أن يكون صفة من صفاته, وإما أن يكون خلقاً من مخلوقاته, فإن كان صفة من صفاته فإنما أضيف إليه لأنه قائم به, والله عز وجل متصف به, كسمع الله وبصره وعلمه وقدرته وكلامه وغير ذلك من صفات الله عز وجل, وإن كان مخلوقاً من مخلوقاته فإنما يضاف إلى الله عز وجل من باب التكريم والتشريف والتعظيم.
وقد أضاف الله تعالى الكعبة إلى نفسه في قوله تعالى: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ [الحج:26], وأضاف المساجد إليه في قوله: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ [البقرة:114].
وقد يضيف الله تعالى الشيء إلى نفسه من مخلوقاته لبيان عموم ملكه, كما في قوله تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ [الجاثية:13].
وخلاصة الجواب أن نقول: إن الله أضاف الكعبة إلى نفسه تشريفاً وتعظيماً وتكريماً لها, ولا يظن ظان أن الله أضاف الكعبة إلى نفسه لأنها محله الذي هو فيه, فإن هذا ممتنع عن الله عز وجل, فهو سبحانه وتعالى محيط بكل شيء, ولا يحيط به شيء من مخلوقاته, بل قد وسع كرسيه السماوات والأرض, وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67]، وهو سبحانه وتعالى فوق سماواته, مستو على عرشه, ولا يمكن أن يكون حالاً في شيء من مخلوقاته أبداً.
الجواب: عدة الوفاة ليست كما قالت السائلة: أربعة أشهر وعشراً, بل هي إما أربعة أشهر وعشر, وإما وضع الحمل إن كانت حاملاً, فإذا مات زوج المرأة عنها وهي حامل انقضت عدتها بوضع الحمل, وإن كان وضعها بعد موته بدقائق؛ لعموم قوله تعالى: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4] ، ( ولأن
والمرأة المتوفى عنها زوجها يجب عليها الإحداد, والإحداد هو أولاً: لزوم البيت فلا تخرج من البيت ليلاً ولا نهاراً إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك في الليل, أو إذا دعت الحاجة إلى ذلك في النهار, ومن دعاء الحاجة إلى ذلك في النهار إذا كانت مدرسة, ولم تعطَ إجازة في مدة العدة, وكان بقاؤها في بيتها يفضي إلى فصلها من التعليم وإلى انقطاع معيشتها وأولادها, فإن هذه لحاجة، ولا حرج عليها أن تخرج إلى المدرسة في النهار في هذه الحال ثم ترجع.
ثانياً: يجب على المحدة أن تجتنب جميع أنواع الزينة في اللباس, فلا تلبس الحلي ولا الثياب الجميلة التي تعتبر تزيناً وتجملاً, وأما ثياب المهنة والبذلة العادية فلا حرج عليها أن تلبسها, ولا تلبس الحلي لا بيد ولا برجل ولا بإذن ولا برقبة, ولا تستعمل التحسين كالاكتحال وتحمير الشفتين ونحو ذلك, ولا تستعمل الطيب بجميع أنواعه سواء كان دهناً أم بخوراً إلا إذا طهرت من الحيض, فإنها تطهر المحل بشيء من الطيب كالبخور لإزالة الرائحة الكريهة, وأعني بالمحل محل الحيض.
وأما مكالمتها الرجال فلا بأس بها, وكذلك مكالمتها في الهاتف لا بأس بها, وكذلك رؤية الرجال لا بأس بها, لكن لا تكشف أمام الرجال كغيرها من الناس, فهي بالنسبة لمكالمة الرجال وبالنسبة لرؤية الرجال كغيرها من النساء.
الجواب: إنه لا يحل أن يدفن شخص لا يصلي مع شخص مسلم, بل ولا يحل أن يدفن وحده في مقابر المسلمين, والواجب أن يدفن من مات لا يصلي في مكان غير مقابر المسلمين؛ لأنه ليس منهم, هذا القول الراجح الذي رجحناه بأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة رضي الله عنهم, وقد سبق لنا مراراً من هذا البرنامج ذكر الأدلة الدالة على كفر تارك الصلاة كفراً مخرجاً عن الملة، سواء كان مقراً بفرضيتها أم كان جاحداً, بل إذا كان جاحداً كفر وإن صلى, إلا أن يكون جاهلاً بأحكام الإسلام كحديث عهد بالإسلام فإنه يعرف ويبين له, فإن أقر بالوجوب وإلا كان كافراً.
المهم أنه لا يجوز أن يدفن من لا يصلي مع شخص مسلم، ولا في مقابر المسلمين.
بل إن المشروع ألا يدفن مسلم مع آخر في قبر واحد, وإنما يدفن كل واحد وحده في قبره, هذا هو المشروع, واختلف العلماء رحمهم الله: هل دفن الميت مع ميت آخر محرم لا يجوز إلا لضرورة أو مكروه يجوز عند الحاجة إليه ولو بدون ضرورة مع اتفاقهم على أن المشروع أن يدفن كل ميت وحده؟
وأما قول السائل: إنه يتأذى به فهذا أمر يحتاج إلى توقيف وإلى نص من الشرع أن الميت يتأذى بمن دفن معه إذا كان ممن يعذب في قبره, وهذا أمر لا أعلم عنه شيئاً من السنة, وإن كان بعض العلماء رحمهم الله يقولون: إن الميت قد يتأذى بجاره إذا كان يعذب, وقد يتأذى بفعل منكر عنده, ولكن لم أجد دليلاً من السنة يؤيد هذا, والله أعلم.
الجواب: المال لا شك أنه من نعم الله عز وجل, ولكن كل نعمة من الله فإنها ابتلاء من الله سبحانه وتعالى، قال الله عز وجل: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35]، وقال الله عز وجل عن سليمان عليه الصلاة والسلام حين أحضر عنده عرش بلقيس : قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ [النمل:40].
فالمال نعمة من النعم يبتلي الله بها العبد: هل يشكر الله عز وجل على هذه النعمة ويستعملها في طاعة الله أم يكفر هذه النعمة ويستعملها في معاصي الله؟
فإن كان الأول فإنه شاكر, والله سبحانه وتعالى يجزي الشاكرين, يجزيهم فضلاً في الدنيا وفي الآخرة؛ كما قال سبحانه وتعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم:7].
وإن كان الثاني -وهو الذي كفر النعمة واستعملها في معصية الله- فإنه كفور بها, والله عز وجل يقول: وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7] .
وليعلم من أنعم الله عليه بالمال ثم كفر هذه النعمة وبقي متنعماً به؛ ليعلم أن هذا لا يدل على رضا الله عنه, بل إن هذا استدراج من الله تعالى له, والله سبحانه وتعالى له حكمة, قد يملي الظالم ويستدرجه بالنعم حتى إذا أخذه لم يفلته؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته, وتلا قوله تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102] ).
فليحذر الذي أنعم الله عليه بالمال أن يستعمله في معصية الله عز وجل, وليكن شاكراً لربه قائماً بما أوجب الله عليه في هذا المال من زكاة ونفقات واجبة وغير ذلك مما تقتضيه الأدلة الشرعية.
الجواب: المحبة والبغضاء شيء يلقيه الله سبحانه وتعالى في قلب العبد, وقد لا يملك الإنسان أن يتصرف في نفسه في هذا الأمر, أعني أنه قد لا يملك أن يجعل حبيبه بغيضاً وبغيضه حبيباً, ولكن للمحبة أسباب, وللبغضاء أسباب, وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن كل شيء يكون سبباً للعداوة والبغضاء, وأمر بما يجب من المودة والألفة.
وعليه: فإن على الرجل ولاسيما بالنسبة لزوجته أن يحرص غاية الحرص على فعل الأسباب التي تجلب المودة والمحبة بينهما, ومنها أن يذكر محاسنها, ويتغاضى عن مساويها؛ كما أرشد إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ( لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر )، وهكذا يتعامل مع الزوجة, وهي كذلك تتعامل معه حتى تتمكن المحبة من قلوبهما فتحصل الألفة والقربة, ومسألة الزوجة ليست كغيرها، فإن انفصال الزوجين بعضهما عن بعض له خطره لاسيما إذا كان بينهما أولاد.
الجواب: النار التي يعذب بها الشياطين هي النار التي يعذب بها الكفار من بني آدم, ولا فرق بينهما, والإنسان إذا خلق من الشيء لا يلزم أن يكون هو الشيء, أرأيت نفسك أيها السائل خلقت من طين, فهل أنت طين؟ من المعلوم أن الجواب: لا, ليس الإنسان بطين, هكذا الشياطين خلقت من نار ولكنها ليست ناراً, وإذا لم تكن ناراً فإنها أجسام لها خصائصها التي خصها الله بها, وإذا كان يوم القيامة فإنها تعذب بالنار.
الجواب: الذي يفهم من هذا السؤال: أن هذا الولد قد مات, إذا كان قد مات فإن القول الراجح عندنا أن من ترك الصلاة هو كافر, وإذا كان الإنسان كافراً فإنه لا يحل أن يدعى له بالمغفرة أو الرحمة أو يتصدق له؛ لأن هذا لا يصل إليه, ولا ينتفع به, بل قد قال الله عز وجل: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ [التوبة:113-114].
لكن هذه القضية قد يكون هذا الذي لا يصلي ولا يصوم عاش في بيئة لا تدري شيئاً عن الإسلام ولا عن الصوم والصلاة، أو كان قد عاش في قوم لا يرون أن تارك هذه الأشياء كفر, أو عاش في قوم لا يرون أن تارك هذه الأشياء كافر.
وبناء على ذلك: فإنه لا يموت على الكفر لجهله أو تأويله بتقليد هؤلاء, فيبقى موضوعه مشكوك فيه, ولو أن والدته قالت: اللهم إن كان ابني في علمك مسلماً فاغفر له وارحمه, فعلقت الدعاء له بالشرط لكان ذلك جائزاً ونافعاً له إن كان في علم الله تعالى مسلماً, فإن الشرط في الدعاء لا بأس به قد جاء به القرآن في قوله تعالى في آيات اللعان: فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ [النور:6-9]، فهذا دعاء علق بالشرط.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه إعلام الموقعين عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه كان في نفسه إشكال في بعض المسائل, ومن جملتها أنه يقدم إليه جنائز يشك في إسلامهم, فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فسأله عن ذلك, فقال: عليك بالشرط يا أحمد ، عليك بالشرط يا أحمد يعني: أن تدعو لهذا الميت دعاءً مشروطاً فتقول: اللهم إن كان هذا الرجل مؤمناً فاغفر له وارحمه, أو إن كانت هذه المرأة مؤمنة فاغفر لها وارحمها.
وهذه الرؤيا لها أصل من الشرع كما أشرنا إليه آنفاً في آية اللعان, وإن كانت المرائي في الأصل لا تثبت بها الأحكام الشرعية؛ لأن الأحكام الشرعية ثبتت بالنصوص التي بين أيدي الناس والتي يقرءونها ويسمعونها في اليقظة, ولكن إذا وجدت قرينة تدل على صدق هذه الرؤيا, وليس فيها ما يخالف الشرع, فإنها تكون رؤيا صادقة, كما أن الإنسان إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام على الصفة المعروفة من أوصافه صلى الله عليه وسلم فقد رآه حقاً, كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والحاصل أن نقول لهذه المرأة السائلة التي مات ولدها وهو لا يصلي ولا يصوم: لا حرج عليك أن تدعي الله له, ولكن بشرط بأن تقولي: اللهم إن كان ابني في علمك مسلماً فاغفر له وارحمه، وما أشبه ذلك!
الجواب: تخصيص الفاتحة للقراءة للميت في أي وقت من الأوقات من البدع, وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( كل بدعة ضلالة )، ولا أعلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة أثراً في استحباب قراءة الفاتحة للأموات, وعلى هذا فلا ينبغي لنا أن نفعل ما لم يفعله أسلافنا الصالحون, فإن الخير في هديهم, نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أتباعهم.
وليعلم أن كل عبادة فإنه يشترط لقبولها وصحتها شرطان أساسيان:
الشرط الأول: الإخلاص لله عز وجل فيها، بأن لا يحمل الإنسان على فعلها مراءاة الناس أو سماعهم أو شيء من أمور الدنيا.
والثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا تتحقق المتابعة إلا إذا كانت العبادة موافقة للشرع في أمور ستة: موافقة للشرع في سببها وفي جنسها وفي قدرها وفي صفتها وفي زمانها وفي مكانها, فإن خالفت الشرع في واحدة من هذه الأمور الستة لم تكن موافقة له ولم يتحقق بها اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم, وحينئذ لا تكون مقبولة ولا صحيحة, بل تكون مبتدعة إذا قصد الإنسان التعبد لله بها, ولم يثبت أصلها في الشرع.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر