الجواب: هذه الصلاة التي تسمى صلاة التسبيح والتي رواها أبو داود وغيره, اختلف العلماء رحمهم الله في مشروعيتها, واختلافهم هذا مبني على اختلافهم في صحة الحديث الوارد فيها, فإنهم اختلفوا في هذا الحديث, فمنهم من صححه، ومنهم من حسنه, ومنهم من ضعفه, ومنهم من قال: إنه موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم, وممن قال بهذا ابن الجوزي ، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: إن حديثها كذب, وإنه لم يستحبها إمام من الأئمة, والذي يترجح عندي أنها ضعيفة وأنها غير مشروعة, ولا ينبغي للإنسان أن يقوم بها, وذلك من وجوه:
الوجه الأول: أن الأصل في العبادات المنع والحظر حتى يقوم دليل صحيح على مشروعيتها, وهذه الصلاة ليس فيها دليل صحيح خالٍ من المعارضة تطمئن إليه النفس, ويكون للإنسان جواب إذا سئل عن عمله هذا يوم القيامة.
ثانياً: أن حديثها فيه اضطراب واختلاف كثير منتشر, وهذا يؤدي إلى قلق النفس منه والشك في صحته.
ثالثاً: أن فيها شذوذاً وخروجاً عن كيفية الصلاة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم, والشاذ الخارج عن الصفات المعروفة لا يمكن أن يقبل إلا بدليل قوي يثبت وجوده حتى يثبت به شذوذه عن القاعدة المعروفة والصفة المألوفة في هذه العبادة, أعني الصلاة التي يتقرب بها الإنسان إلى ربه, والتي هي من أفضل تطوعات البدن.
رابعاً: أن نقول: لو كان هذه الصلاة صحيحة أو لو كان الحديث صحيحاً لانتشر بين الأمة؛ لأن فيه فضلاً عظيماً تدعو النفس إليه, لأن فيه فضلاً عظيماً يدعو الإنسان إلى القيام به رجاء ذلك الفضل.
ومن المعلوم عادة أن الشيء إذا كان فيه فضل عظيم وكان خارجاً عن المعروف المألوف أن ينتشر ويظهر للناس ظهوراً كبيراً, ولا يكون كهذا الذي حصل في هذه الصلاة, بل يكون نقله نقلاً واضحاً ظاهراً لتوافر الدواعي والهمم على نقله.
وعلى هذا فإن الأسلم للإنسان أن لا يقوم بهذه الصلاة, وألا يتعبد لله بها, وفيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من التطوع بالنوافل من الصلوات كفاية تغني عن هذا العمل الذي اختلف الناس فيه, واختلفوا في صحته عن النبي صلى الله عليه وسلم, والله الموفق.
الجواب: الصداق الذي فرضته لزوجتك هو حق لها, وإذا كان حقاً لها فالمرجع في ذلك إليها, فلو أسقطته عنك سقط إلا إذا كانت غير رشيدة, ولو أسقطت عنك بعضه سقط, ولو اتفقت معها على عوض يكون بدلاً عن الإبل التي وجبت في ذمتك صح هذا الاتفاق, فالحق بينكما فأي شيء اتفقتما عليه جاز.
الجواب: أولاً: نقول: إن تحدث الإنسان عن نفسه بما يقوم به من عبادة الله عز وجل إن كان لغرض صحيح، بأن يقصد لذلك التحدث بنعمة الله سبحانه وتعالى عليه, أو يقصد في هذا أن يقتدي الناس به, فهذا لا حرج فيه, وإن كان تحدثه عن نفسه بما يقوم به من عبادة الله يقصد به تزكية نفسه وإظهار عبادته للناس فليس على خير؛ لأن الله تعالى يقول: فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [النجم:32] .
والذي أرجوه أن يكون هذا السائل إنما تحدث عن نفسه بما يقوم به من عبادة الله على سبيل الإخبار والتحدث بنعمة الله، لا مراعاة للناس ولا قصداً لمدحهم.
وسؤاله عن ترك الزواج خوفاً من أن يفتتن بالدنيا, جوابه أن نقول:
إن الزواج من عبادة الله عز وجل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به فقال: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج, فإنه أغض للبصر, وأحصن للفرج ), وهو على الأقل مستحب, وقد يكون واجباً إذا قصد الإنسان بنفسه التبتل والانقطاع, ولهذا ( لما اجتمع نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وسألوه عن عباداته في السر, كأنهم تقالوها, وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر, وطمعوا أن يقوموا بما هو أشق من العبادة, فقال بعضهم: أصوم ولا أفطر, وقال الثاني: أقوم ولا أنام, وقال الثالث: لا أتزوج النساء, فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: أما أنا فأصوم وأفطر, وأقوم وأنام, وأتزوج النساء, فمن رغب عن سنتي فليس مني ).
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم ( أنه نهى عن التبتل )، وهو الانقطاع عن الزواج.
فأشير على هذا السائل إذا كان لديه قدرة واستطاعة أن يتزوج, وأبشره بأن الزواج من عبادة الله, حتى صرح أهل العلم بأن الزواج مع الشهوة أفضل من نوافل العبادة، وعلى هذا فإني أحثه على أن يتزوج ليحصن فرجه وفرج امرأته, ولعل الله أن يجعل بينهما رجلاً صالحاً ينفع الله به الناس وينفع به والديه.
الجواب: هذه القضية اشتملت على أمور:
أولاً: أنهم تركوا استعمال الماء خوفاً من أن يكون نجساً مع أنه ماء نزل من السماء؛ وقد قال الله تعالى: وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا [الفرقان:48]، فالماء النازل من السماء من أطهر المياه, فهو طهور مطهر, والشك الذي وقع في نفوسهم من أجل قرب العمال حوله وهم غير مسلمين شك لا يمنع من استعماله؛ لأن الأصل بقاء طهارته, وكان الواجب عليهم أن يتوضئوا بهذا الماء دون اللجوء إلى التيمم؛ لأنه إذا شك الإنسان في طهارة الماء أو نجاسته فإنه يبني على الأصل، وهو اليقين, فإذا كان أصل الماء طاهراً لم يؤثر الشك في نجاسته, وإن كان أصله نجساً فالأصل بقاؤه على نجاسته، وهذا الماء الذي في الغدير الأصل فيه الطهارة فهو طاهر, بل هو طهور مطهر.
ثانياً: قال السائل: إن الأرض كانت رطبة فتيمموا عليها وليس فيها غبار, وجوابه أن نقول:
إن التيمم على الأرض رطبة كانت أم يابسة ترابية كانت أم رملية أم صخرية جائز؛ لعموم قوله تعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6]، والصعيد كل ما تصاعد على الأرض؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً, فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل )، فالتيمم على الأرض جائز على أي صفة كانت.
ثالثاً: قال هذا الرجل السائل: إنهم صلوا ثم وجدوا الماء, والإنسان لو تيمم وصلى وهو عادم للماء ثم وجد الماء ولو في الوقت فإنه لا يعيد؛ لأن ذمته قد برئت حيث فعل ما أوجب الله عليه من التيمم عند فقد الماء والصلاة.
لكن هؤلاء القوم تيمموا في حال لا يحل لهم فيه التيمم؛ لأن الواجب عليهم أن يتطهروا بهذا الماء الذي في الغدير, فالاحتياط في حق هؤلاء أن يعيدوا الصلاة التي صلوها إذا لم يكونوا قد أعادوها في ذلك الوقت, وإعادتهم لها تكون على صفة ما وجبت عليهم, فإن كانت صلاة مقصورة فإنهم يعيدونها مقصورة ولو كانوا في بلادهم؛ لأن القول الراجح أن من أعاد صلاة مقصورة قصرها, ومن أعاد صلاة تامة أتمها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها, لا كفارة لها إلا ذلك ) فإن قوله صلى الله عليه وسلم (فليصلها) يشمل أداءها على صفتها.
الجواب: قبل الجواب على هذا السؤال أحب أن أنبه إلى ما نبهت عليه كثيراً من هذا البرنامج, وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر, وقال: ( إنه لا يأتي بخير, وإنما يستخرج به من البخيل )؛ لأن النذر هو إلزام الإنسان نفسه بطاعة غير واجبة عليه, وهو في عافية منها فيذهب يلزم نفسه بها, ولاسيما إذا كان النذر مشروطاً بنعمة من الله عليه أو بدفع ضرر عنه, إذ مقتضى الحال أن هذا الناذر ينذر لله هذه العبادة كجزاء لله تعالى على نعمته بحصول مقصوده أو دفع ضرره, كأن الله تعالى لا ينعم عليه إلا بهذا الجزاء .
وما أكثر الذين نذروا ثم ندموا ولم يوفوا بنذورهم, وهذا خطر عظيم بين الله تعالى عقوبته في قوله: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [التوبة:75-77]، فاحذر إخواني المسلمين من النذر على أي حال كان.
وأما الجواب على سؤال هذا الرجل: فإن هذا الرجل نذر لله تعالى طاعة معلقة بشرط, وقد حصل الشرط, وإذا حصل الشرط وجب المشروط, وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ).
وهذا الرجل الذي نذر صيام يوم الإثنين والخميس نذر طاعة, فيجب عليه أن يصوم كل دهره يوم الإثنين والخميس, وتركه للصيام حين قرأ ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: ( كفارة النذر كفارة يمين ) يكون تركاً بتأويل, وإن كان هذا التأويل فاسداً؛ لأن المراد بالحديث كفارة النذر الذي لم يسم, مثل أن يقول: لله علي نذر فقط, فهنا يكفر كفارة يمين, أما نذر الطاعة فقد سماه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ).
وإذا كان قد ترك الصوم مستنداً إلى دليل متأول فيه وإن كان مخطئاً فإنه لا يلزمه قضاء ما مضى, بناء على تأويله, لاسيما إذا كان ممن يمارس العلم وعنده شيء من طلب العلم, فعليه الآن أن يتوب إلى الله, وأن يوفي بنذره في المستقبل.
الجواب: الرضاع يثبت به التحريم كما يثبت بالنسب؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب), والتحريم ينتشر إلى المرتضع وذريته, ولا ينتشر إلى من هم في درجته كالأخوة والأخوات.
وعلى هذه القاعدة نقول: أما بنت خالتك التي رضعت من أمك فإنه لا يحل لأحد منكم أن يتزوجها؛ لأنها صارت أختاً لكم من الرضاع, وأما أخوك الذي رضع من خالتك فإنه لا يحل له أن يتزوج واحدة من بنات خالته؛ لأنه صار أخاً لهن من الرضاع, وما عدا ذلك فليس فيه تحريم, فيجوز لكم أن تتزوجوا من بنات خالتكم اللاتي لم يرضعن من أمك, ويجوز كذلك لأولاد خالتك أن يتزوجوا من أخواتكم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب), وليس بينكم رابطة في مثل هذه الحال التي ذكرنا.
أعود فأقول: إن بنت خالتك التي رضعت من أمك صارت أختاً لكم فلا يحل لكم أن تتزوجوها, وإن أخاك الذي رضع من خالتك صار أخاً لأولادها فلا يحل له أن يتزوج أحداً من بناتها، وما سوى ذلك فيجوز التناكح بينهم, فيجوز لكم أنتم أن تأخذوا من بنات خالتكم، ويجوز لأبناء خالتكم أن يأخذوا من أخواتكم, ولكن يجب أن نعلم أن الرضاع لا يؤثر إلا إذا كان خمس رضعات فأكثر, وكان قبل الفطام في الحولين, فإن كان دون خمس رضعات فإنه لا تأثير له, فلو رضع الطفل من امرأة أربع مرات لم يكن ابناً لها, ولو رضع خمس مرات فأكثر بعد الفطام بعد الحولين فإنه لا أثر لرضاعه.
دليل ذلك حديث عائشة رضي الله عنها الذي رواه مسلم : ( أنه كان فيما أنزل من الرضاع عشر رضعات يحرمن, فنسخن بخمس رضعات معلومات يحرمن, فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهي فيما يقرأ من القرآن). وقوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما الرضاعة من المجاعة), فالأول يدل على عدد الرضعات, والثاني يدل على زمن الرضعات, وأنه لا يكون الرضاع مؤثراً إلا في المجاعة, أي في الحال التي يكون الطفل فيها محتاجاً إلى اللبن, يجوع بفقده ويشبع بوجوده.
ولا عبرة بالشبع أو عدم الشبع, فلو رضع الطفل خمس مرات ولو بدون شبع في كل مرة صار ابناً للتي أرضعته, ولو رضع مرة واحدة وشبع لم تكن إلا مرة واحدة ولو شبع. فالعبرة بعدد الرضعات التي ينفصل بعضها عن بعض, ولا عبرة بالشبع أو عدم الشبع.
وفي هذه المناسبة أحب أن أنبه إلى أمر هام, وهو أن تحرص المرضعة على إحصاء من أرضعت وتقييدهم حتى لا ينسى الأمر منها أو من غيرها, وما أكثر ما يرد من المسائل التي يحصل فيها الشك في عدد الرضاع، أو في الرضيع، أو في المرضعة أيضاً بسبب عدم التقييد والضبط.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر