وفي شهر رمضان المبارك يوم الثالث عشر طلبت منه أن أذهب للمدينة لرؤية أهلي فمانع في البداية, ولكن بعد إصرار مني ذهبت ومكثت عندهم يومين, وبعدها رجع لأخذي من عند أهلي, فطلبت منه البقاء يوماً آخر فقط؛ لأنني كنت محتاجة لقرب أهلي وأمي وإخواني؛ لأنني في بداية الحمل, وكانت نفسيتي مضطربة حتى أنني لم أطق رؤيته ولا الجلوس بجواره, وكنت قد كرهته كثيراً في بداية الحمل, وأوضحت له حالتي النفسية بغية مني أن يراعي ظروفي, لكنه لم يفعل, وقال لي وهو غاضب لعدم ذهابي معه: إذا لم تذهبي معي الآن إلى جدة فأنت طالق, ولم أذهب معه في تلك الليلة, وكانت الليلة الثانية, فذهبت إلى جدة وحصل الصلح بيننا وبينه.
وبعدها بيومين كانت حالتي النفسية سيئة جداً, حيث إنني لم أستطع الجلوس في بيتي, طلبت منه أن نسكن في مكان آخر مؤقتاً حتى تهدأ حالة الوحام أو أذهب إلى أهلي أو إلى أي مكان آخر ولو لمدة شهر, لكنه لم يوافق رغم رؤيته لحالتي النفسية والمرضية, مما اضطرني أن أقترح عليه الذهاب إلى المدينة المنورة عندما ضاقت بي الأسباب؛ لأنه لم يقف جنبي, ولم يراعني وأنا في هذه الحالة النفسية السيئة, علماً بأنني لأول مرة يحصل لي حمل ولم أكمل معه ثمانية أشهر من زواجي.
وعندما قررت الذهاب إلى المدينة قال لي: لو ذهبت فأنت طالق, فطلبت منه أن يذهب معي ليلة ونرجع سوياً, لكنه لم ينفذ رغبتي ولم يراع شعوري, وبدون وعي مني ذهبت إلى المدينة وجلست عند أهلي, ولم يسأل ولم يبحث عما حصل بيننا, ولكنني الآن والحمل في الشهور المتقدمة متندمة كثيراً, ولم أكن راغبة في الانفصال عن زوجي, وأتمنى من الله العلي القدير أن يكتب لي الرجوع إليه بالحلال, إنه سميع مجيب, نرجو منكم يا شيخ محمد معالجة لهذه الحالة؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين, وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, أما بعد:
فقبل أن أجيب على هذا السؤال أود أن أوجه نصيحتين: إحداهما للزوج, والثانية للسائلة الزوجة.
أما نصيحتي للزوج فإني أنصح الزوج هذا وجميع إخواننا المتزوجين بأن يضبطوا أعصابهم عند الغضب, وأن يتريثوا في أمور الطلاق ولا يتعجلوا, فإن الطلاق الأصل فيه الكراهة إلا إذا دعت الحاجة إليه, ولهذا أمر الله عز وجل أن يطلق النساء للعدة, فلا يطلقها الإنسان وهي حائض, ولا يطلقها في طهر جامعها فيه إلا أن تكون حاملاً, فإن الحامل يصح طلاقها بكل حال, كل هذا من أجل التريث وعدم التسرع في الطلاق.
وجعل للمرأة ثلاث حيض تعتد فيها لعل زوجها يراجعها في هذه المدة؛ كما قال الله تعالى: لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا [الطلاق:1]، والتسرع في الطلاق من الحمق والسفه؛ فإن الإنسان إذا طلق زوجته فإنه لا يفارق سلعة من السلع يشتري بدلها, وإنما يفارق امرأة قد تكون هي أم أولاده, أيضًا فيتفرق الأولاد ويتشتت الشمل.
فعلى الإنسان أن يتريث وأن لا يتسرع, وإذا قدر أنه عازم على الطلاق فليطلق بهدوء, وليطلق للعدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء, فيطلقها إما حاملاً وإما طاهراً لغير جماع.
أما نصيحتي للمرأة السائلة: فإني أنصحها وأنصح جميع المتزوجات أن يصبرن على أزواجهن, وأن يتحملن ما يحدث منهنّ من مثل هذه الأمور التي قد تؤدي إلى المعاندة؛ لأن المعاندة ربما يحصل بها الفراق, فيندم كل من الزوجين على ما فعل.
أما موضوع السؤال: فالذي يتبين لي أن هذا الرجل طلق زوجته الطلقة الأولى طلقة واضحة ليس فيها إشكال, وأما الثانية والثالثة فهما طلقتان معلقتان على فعل المرأة, وقد خالفت فيما علق الطلاق عليه, وفي هذه المسألة خلاف بين أهل العلم:
فمنهم من يقول: إنه يحنث ويقع عليه الطلاق في المرتين كلتيهما, وبناء على ذلك تكون المرأة هذه قد بانت من زوجها؛ لأنه طلقها ثلاث مرات, الطلقة الأولى التي ليست معلقة على شيء, والطلقتين الأخريين المعلقتين على عدم ذهابها إلى أهلها ولكنها ذهبت.
وذهب بعض العلماء إلى أن الطلقتين المعلقتين تكونان على حسب نية الزوج, فإن كان قد نوى الطلاق وقع الطلاق بمخالفتها إياه, وإن كان قد نوى اليمين وهو حملها على أن لا تذهب وتهديدها إن ذهبت بالطلاق فإنه لا يقع الطلاق, وتلزمه كفارة يمين؛ وهذا القول هو الراجح عندي, وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وإنما ذكرت القول الأول الذي هو قول جمهور أهل العلم -وهو وقوع الطلاق- ليتبين للسائل ولغيره ممن يستمع أن الأمر في هذه المسألة خطير, وأن الواجب على الإنسان أن لا يقدم على مثل هذا الفعل, فإن جمهور أهل العلم يرون أن الزوجة في مثل هذه المسألة حرام على زوجها؛ لأنها طلقت منه ثلاث مرات.
أقول: إنما ذكرت هذا الخلاف حتى يخاف الناس وحتى لا يكثروا من هذا الأمر الذي يمكنهم أن يحلفوا بالله عز وجل على زوجاتهم, والزوجة يجب عليها إذا نهاها زوجها عن شيء أن توافقه فيما نهاها عنه؛ لأن الله تعالى سمى الزوج سيداً؛ فقال الله تعالى: وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ [يوسف:25] يعني: زوجها, وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن النساء عوان عند الرجال, والعوان: جمع عانية، وهي الأسيرة, فللزوج الحق في أن يمنع زوجته مما يخشى منه العاقبة السيئة.
وعلى الزوج أيضاً أن يتقي الله عز وجل في مراعاة زوجته, وأن يعاشرها بالمعروف؛ كما قال الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] , وقال: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228].
وبناء على القول الراجح عندي في مسألة هذا الرجل فإني أقول له: إن كان نيتك بقولك: إن ذهبت لأهلك فأنت طالق, إن كان نيتك أنها تطلق إذا ذهبت؛ لأنها بعصيانها إياك غير مرغوبة عندك, فإن الطلاق يقع, أما إذا كان نيتك أن تخوفها وأن تحملها على ترك الذهاب فإن حكم هذا حكم اليمين, وعليك أن تطعم عشرة مساكين عشرة كيلوات من الرز ومعهن اللحم الكافي لهم, وإن شئت فاصنع الطعام أنت وغد المساكين أو عشهم.
الجواب: إذا كان على الإنسان جنابة واغتسل فإن ذلك يجزيه عن الوضوء؛ لقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6].
ولا يجب عليه إعادة الوضوء بعد الغسل إلا إذا حصل ناقض من نواقض الوضوء فأحدث بعد الغسل فيجب عليه أن يتوضأ.
وأما إذا لم يحدث فإن غسله عن الجنابة يجزئه عن الوضوء, سواء توضأ قبله أم لم يتوضأ, لكن لابد من ملاحظة المضمضة والاستنشاق فإنه لا بد منهما في الوضوء والغسل.
الجواب: هذا لا أصل له, ولم يكن في عهد الصحابة رضي الله عنهم ولا من هديهم, وفيه أيضاً تشويش على المصلين الذين مع الإمام, والتشويش على المصلين منهي عنه؛ لأنه يؤذيهم؛ كما خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة على أصحابه وهم يصلون ويرفعون أصواتهم بالقراءة فنهاهم عن ذلك وقال: ( لا يجهرنّ بعضكم على بعض في القرآن )، وفي حديث آخر: ( لا يؤذين بعضكم بعضاً في القراءة ) وهذا يدل على أن كل ما يشوش على المأمومين في صلاتهم فإنه منهي عنه؛ لما في ذلك من الإيذاء والحيلولة بين المصلي وبين صلاته.
أما بالنسبة للإمام فإن الفقهاء رحمهم الله يقولون: إذا أحس الإمام بداخل في الصلاة فإنه ينبغي انتظاره ما لم يشق على المأمومين, فإن شق عليهم فلا ينتظر, ولاسيما إذا كانت الركعة الأخيرة؛ لأن الركعة الأخيرة بها تدرك الجماعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ).
الجواب: أما ظهور الفرح والسرور في أيام العيد عيد الفطر أو عيد الأضحى فإنه لا بأس به إذا كان في حدود الشريعة, ومن ذلك أن يأتي الناس بالأكل والشرب وما أشبه هذا, وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل )، يعني بذلك الثلاثة الأيام التي بعد عيد الأضحى, وكذلك في العيد أيضاً الناس يضحون ويأكلون من ضحاياهم ويتمتعون بنعم الله عليهم.
وكذلك في عيد الفطر لا بأس بإظهار الفرح والسرور ما لم يتجاوز الحد الشرعي.
أما إظهار الفرح في ليلة السابع والعشرين من رجب، أو في ليلة النصف من شعبان، أو في يوم عاشوراء؛ فإنه لا أصل له, وينهى عنه, ولا يحضر إذا دعي الإنسان إليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إياكم ومحدثات الأمور, فإن كل بدعة ضلالة ).
فأما ليلة السابع والعشرين من رجب فإن الناس يدعون أنها ليلة المعراج التي عرج بالرسول صلى الله عليه وسلم فيها إلى الله عز وجل, وهذا لم يثبت من الناحية التاريخية, وكل شيء لم يثبت فهو باطل, والمبني على الباطل باطل.
ثم على تقدير ثبوت أن تلك الليلة ليلة السابع والعشرين، فإنه لا يجوز أن يحدث فيها شيء من شعائر الأعياد أو شيئاً من العبادات؛ لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم, فإذا كان لم يثبت عمن عرج به, ولم يثبت عن أصحابه الذين هم أولى الناس به، وهم أشد الناس حرصاً على سنته واتباع شريعته, فكيف يجوز لنا أن نحدث ما لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟
وأما ليلة النصف من شعبان فإنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في تعظيمها شيء ولا في إحيائها, وإنما أحياها بعض التابعين بالصلاة والذكر، لا بالأكل والفرح وشعائر الأعياد.
وأما يوم عاشوراء فإن النبي صلى الله عليه وسلم ( سئل عن صومه, فقال: يكفر السنة الماضية التي قبله )، وليس في هذا اليوم شيء من شعائر الأعياد, وكما أنه ليس فيه شيء من شعائر الأعياد فليس فيه شيء من شعائر الأحزان أيضاً, فإظهار الحزن وإظهار الفرح في هذا اليوم كلاهما خلاف السنة, ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا صومه مع أنه عليه الصلاة والسلام أمر أن نصوم يوماً قبله أو يوماً بعده حتى نخالف اليهود الذين كانوا يصومونه وحده.
الجواب: إن هذا العمل بدعة بلا شك, فإنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا عهد أصحابه, والقرآن إنما تخفف به الأحزان إذا قرأه الإنسان بنفسه بينه وبين نفسه, لا إذا أعلن به على مكبرات الصوت التي يسمعها كل إنسان حتى اللاهون في لهوهم الذين يستعملون المعازف وآلات اللهو تجدهم يسمع القرآن وتسمع هذه الآلات, وكأنما يلغون في هذا القرآن ويستهزئون به.
ثم إن اجتماع أهل الميت لاستقبال المعزين هو أيضاً من الأمور التي لم تكن معروفة, حتى أن بعض العلماء قال: إنه بدعة؛ ولهذا لا نرى أن أهل الميت يجتمعون لتلقي العزاء بل يغلقون أبوابهم, وإذا قابلهم أحد في السوق أو جاء أحد من معارفهم بدون أن يعدوا لهذا اللقاء عدته ودون أن يفتحوا الباب، فإن هذا لا بأس به.
وأما اجتماعهم وفتح الأبواب لاستقبال الناس فإن هذا شيء لم يكن معروفاً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حتى كان الصحابة يعدون اجتماع أهل الميت وصنع الطعام من النياحة, والنياحة كما هو معروف من كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمستمعة, وقال: ( النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب )، نسأل الله العافية.
فنصيحتي لإخواني المسلمين أن يتركوا هذه الأمور المحدثة, فإن ذلك أولى بهم عند الله, وهو أولى بالنسبة للميت أيضاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الميت يعذب ببكاء أهله عليه وبنياح أهله عليه يعذب, يعني يتألم من هذا البكاء وهذه النياحة, وإن كان لا يعاقب عقوبة الفاعل؛ لأن الله تعالى يقول: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]، والعذاب ليس عقوبة، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إن السفر قطعة من العذاب )، بل إن الألم والهم وما أشبه ذلك يعد عذاباً, ومن كلمات الناس العابرة يقول: عذبني ضميري! إذا اعتراه الهم والغم الشديد.
والحاصل: أنني أنصح أخواني عن مثل هذه العادات التي لا تزيدهم من الله تعالى إلا بعداً, ولا تزيد موتاهم إلا عذاباً.
الجواب: هذا العمل ليس بجائز, فإن هذه الطلاسم التي يحضرون بها الجن ويستخدمونهم بها لا تخلو من شرك في الغالب, والشرك أمره خطير؛ قال الله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72].
والذي يذهب إليهم ليغريهم ويغرهم: يغريهم بأنفسهم وأنهم على حق, ويغرهم بما يعطيهم من الأموال, فالواجب مقاطعة هؤلاء, وأن يدع الإنسان الذهاب إليهم, وأن يحذر إخوانه المسلمين من الذهاب إليهم.
والغالب من أمثال هؤلاء أنهم يلعبون على الناس, ويبتزون أموالهم بغير حق, ويقولون القول تخرصاً, ثم إن وافق أخذوا ينشرونه بين الناس ويقولون: نحن قلنا وصار كذا.. نحن قلنا وصار كذا, وإن لم يوافق ادعوا دعاوى باطلة أنها هي التي منعت هذا الشيء.
وإني أوجه النصيحة بهذه المناسبة إلى من ابتلوا بهذا الأمر وأقول لهم: احذروا أن تمتطوا الكذب على الناس والشرك بالله وأخذ أموال الناس بالباطل, فإن أمل الدنيا قريب والحساب يوم القيامة عسير, وعليكم أن تتوبوا إلى الله تعالى من هذا العمل, وأن تصححوا أعمالكم وتطيبوا أموالكم, والله الموفق.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر