الجواب: هذه المسألة -أعني: مسألة الهلال- مختلف فيها بين أهل العلم, فمنهم من يرى أنه إذا ثبت رؤية الهلال في مكان على وجه شرعي فإنه يلزم جميع المسلمين الصوم إن كان هلال رمضان والفطر إن كان هلال شوال, وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد , وعليه فإذا رؤي في المملكة العربية السعودية مثلاً وجب على جميع المسلمين في كل الأقطار أن يعملوا بهذه الرؤية صوماً في رمضان وفطراً في شوال, وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
واستدلوا لذلك بعموم قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185]، وعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا رأيتموه فصوموا, وإذا رأيتموه فأفطروا ) قالوا: والخطاب للمسلمين فيشمل جميع المسلمين في جميع أقطار الأرض.
ومن العلماء من يقول: إنه لا يجب الصوم في هلال رمضان ولا الفطر في شوال إلا لمن رأى الهلال أو كان موافقاً فيمن رآه في مطالع الهلال؛ لأن مطالع الهلال تختلف باتفاق أهل المعرفة في ذلك, فإذا اختلفت وجب أن يحكم لكل بلد برؤيته، والبلاد الأخرى إن وافقته في مطالع الهلال فهي تبع له وإلا فلا.
وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ واستدل لهذا القول بقوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185]، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا رأيتموه فصموا, وإذا رأيتموه فأفطروا ) أي بنفس الدليل الذي استدل به من يرى عموم وجوب الصوم على كل أحد إذا ثبتت رؤيته في مكان من بلاد المسلمين.
لكن الاستدلال يختلف, وجه الاستدلال أن شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الآية والحديث أن الحكم علق بالشاهد والرائي, وهذا يقتضي أن من لم يشهد ولم ير لم يلزمه حكم الهلال, وعليه فإذا اختلفت المطالع فإن البلاد المخالفة لبلاد الرؤية لا يكون قد شوهد فيها الهلال ولا رؤي, وحينئذ لا تثبت أحكام الهلال في حقهم, وهذا لاشك وجه قوي في الاستدلال وأقوى من الأول, ويؤيده النظر والقياس؛ فإنه إذا كان الشارع قد علق الإمساك للصائم بطلوع الفجر والفطر بغروب الشمس؛ فقال تعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187] فالشارع علق الحكم بتبين طلوع الفجر إمساكاً وبالليل إفطاراً, والنبي عليه الصلاة والسلام قال: ( كلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان
والمعلوم بإجماع المسلمين أن هذا الحكم ليس عاماً في جميع البلدان, بل هو خاص في كل بلد يثبت فيه هذا الأمر, ولهذا تجد الناس في الشرق يمسكون قبل الناس في الغرب ويفطرون قبلهم حسب تبين الفجر وغروب الشمس, فإذا كان التوقيت اليومي متعلق بكل بلد بحسبه فهكذا التوقيت الشهري يتعلق بكل بلد بحسبه, وبهذا يتبين أن القول الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هو القول الراجح أثراً ونظراً.
هناك قول ثالث: أن الناس يتبعون إمامهم, فإذا قرر الإمام -وهو صاحب السلطة العليا في البلد- دخول الهلال وكان ذلك بمقتضى الأدلة الشرعية وجب العمل بمقتضى هذا الهلال صوماً في رمضان وإفطاراً في شوال, وإذا لم يقرر ذلك فإنه لا صوم ولا فطر؛ واستدل لهذا القول بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الفطر يوم يفطر الناس, والأضحى يوم يضحي الناس )؛ وهذا هو الذي عليه العمل في وقتنا الحاضر.
ولهذا فنقول للسائل: الأولى أن لا تظهر مخالفة الناس, فإذا كنت ترى أنه يجب العمل بالقول الأول وأنه إذا ثبت رؤية الهلال في مكان من بلاد المسلمين على وجه شرعي وجب العمل بمقتضى ذلك, وكانت بلادك لا تعمل بهذا وترى أحد الرأيين الآخرين فإنه لا ينبغي لك أن تظهر المخالفة؛ لما في ذلك من الفتنة والفوضى والأخذ والرد, وبإمكانك أن تصوم سراً في هلال رمضان وأن تفطر سراً في هلال شوال, أما المخالفة فهذه لا تنبغي وليست مما يأمر به الإسلام.
الجواب: صلاة الجمعة لا تجوز إقامتها في البراري سواء كان الإنسان مسافراً أو مقيماً؛ ولهذا لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقيم الجمعة في أسفاره, وذكر أهل العلم أن البوادي التي كانت في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام لا تقام فيها الجمعة وإنما تقام الجمعة في القرى والأمصار.
وعليه فإنكم معشر القوم سواء كنتم ثلاثة أو أربعة أو أكثر لا تلزمكم الجمعة بل ولا تصح منكم صلاة الجمعة؛ لأن مكانكم لا يصح أن تقام فيه الجمعة, ولو كان مثل هذا المكان تقام فيه الجمعة لأقيمت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه إذا كان هذا المكان مكاناً للجمعة صارت إقامة الجمعة فيه من شريعة الله, وإذا كانت من شريعة الله فلا بد أن تكون قائمة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ثم تنقل إلى الأمة؛ لأن الله تعالى تكفل بحفظ دينه, ولما لم تكن قائمة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام علم أنها ليست من دين الله ولا من شريعة الله, وإذا لم تكن من دين الله ولا شريعة الله فقام بها أحد من الناس فإنها مردودة عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، وعليكم أن تقيموا صلاة الظهر قصراً إن كنتم في حكم المسافرين, وإتماماً إن كنتم مقيمين.
الجواب: إذا كان السائل يريد الأذان فالأولى أن يعبر به بالأذان؛ لأنه التعبير الشرعي به، ولأنه أوضح للناس.
وأما الجواب على سؤاله: فإنه إذا كان الإنسان في بلد فلا ينبغي أن يتأخر عن أول الوقت؛ لأن ذلك يؤدي إلى الفوضى واختلاف المؤذنين والاشتباه على الناس أيهما أصوب هذا المتقدم أو المتأخر؟
أما إذا كان في غير بلد وكان جماعة في سفر مثلاً فالأمر إليهم, لكن الأفضل أن يؤذنوا في أول الوقت؛ لأن تقديم الصلاة في أول وقتها أفضل إلا ما شرع تأخيره، فما شرع تأخيره فإنه يؤخر فيه الأذان؛ ولهذا ثبت في صحيح البخاري : ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في سفر فقام المؤذن يؤذن, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبرد، ثم أراد أن يقوم، فقال: أبرد, ثم أراد أن يقوم، فقال: أبرد حتى ساوى التل ظله ثم أذن ) وهذا يدل على أن الأذان مشروع حيث تشرع الصلاة، فإذا كانت الصلاة مما ينبغي تقديمه قدم في أول الوقت, وإن كانت الصلاة مما ينبغي تأخيره كصلاة الظهر في شدة الحر وصلاة العشاء فإنه يؤخر إذا لم يشق هذا في غير المدن والقرى التي فيها مؤذنون, فلا ينبغي للإنسان أن يتخلف عن الوقت الذي يؤذن فيه الناس.
الجواب: مصاريف دراسة هذا الشاب مثل مصاريف أكله وشربه ولباسه ونكاحه تكون على ماله سواء كان من مال عنده سابق أو كان من حصته في ميراث والده, أما لو فرض أنه ليس عنده شيء, وأن والده لم يخلف شيئاً فإن مصاريفه تكون على من تلزمه نفقته من أقاربه.
الجواب: الختمة التي يدعى بها في آخر رمضان ليس لها أصل في سنة الرسول عليه الصلاة والسلام ولا عن خلفائه الراشدين ولا عن أحد من الصحابة، فلا أعلم إلى ساعتي هذه أنه ورد عنهم أنهم كانوا يدعون مثل هذا الدعاء في الصلاة, نعم ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله فدعا, وهذا في غير الصلاة, وليس كل شيء مشروع خارج الصلاة يكون مشروعاً فيها؛ لأن الصلاة محددة في أفعالها ومحددة في أذكارها.
ولكن بعض أهل العلم رأى أن هذا يقاس على ما ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه وأنه دعاء وخير والصلاة محل دعاء وخير, وإن كانت أمكنة الدعاء فيها معلومة مثل السجود والجلوس عند السجدتين والتشهد والقيام بعد الركوع، فرأى أنه يستحب الدعاء عند انتهاء القرآن ولو في الصلاة.
ولكن الذي أراه أنا أن ذلك ليس باب الاستحباب؛ لأن الاستحباب حكم شرعي, والأصل في العبادات الحظر والمنع حتى يقوم الدليل على مشروعيتها, ولكن إذا كنت خلف إمام يرى استحباب ذلك ودعا بعد انتهاء القرآن فلا ينبغي لك أن تخرج من الصلاة أو أن تدع الصلاة معه من أول الأمر من أجل هذه الختمة, وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على أن الإنسان إذا ائتم بإمام يقنت في صلاة الفجر فإنه يتابع الإمام ويؤمن على دعائه, مع أن الإمام أحمد رحمه الله لا يرى استحباب القنوت في صلاة الفجر, لكن كل هذا من أجل الائتلاف وعدم التفرق, وهي نظرة جيدة من الإمام أحمد رحمه الله.
فالذي أرى أن الإنسان لا يفعلها, ولكنه إذا ائتم بأحد يفعلها فليتابعه, وليؤمن على دعائه, وهو بهذه النية -أعني: نية الائتلاف وعدم التفرق- مثاب إن شاء الله تعالى.
الجواب: هذه الأشياء التي أقسم الله تعالى بها من آيات الله عز وجل الدالة على كمال قدرته وعظمته، فالفجر الساطع المنفلق بعد الظلمة الدامسة من آيات الله عز وجل؛ لأنه لا يقدر أحد أن يأتي بالشمس التي هذا مقدم ضوئها إلا الله عز وجل, وفي الفجر من آيات الله تغير الأفق وانفتاح النور على الناس وفتح باب معايشهم وغير ذلك من الأمور التي يخفى علينا كثير منها, لكنه من آيات الله العظيمة.
أما الليالي العشر فإنها إما الليالي العشر من رمضان التي فيها ليلة القدر, وليلة القدر خير من ألف شهر, وفي كل ليلة من الليالي العشر وغيرها أيضاً ينزل الله عز وجل حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى السماء الدنيا على وجه لا يعلم كيفيته إلا هو سبحانه وتعالى فيقول: من يدعوني فأستجيب له, من يسألني فأعطيه, من يستغفرني فأغفر له.
وإما أن تكون الليالي العشر عشر ذي الحجة التي قال فيها الرسول عليه الصلاة والسلام: ( ما من أيام العمل الصالح فيهنّ أحب إلى الله من هذه الأيام العشر ) فإن العمل الصالح في عشر ذي الحجة أفضل من العمل الصالح في عشر رمضان في أيام عشر رمضان.
وإنني بهذه المناسبة أود أن أذكر إخواني المسلمين إلى اغتنام الفرصة في هذه الأيام العشر, فإن أكثر المسلمين في غفلة عن فضلها وفضل العمل فيها, ولهذا تمر عليهم وكأنها أيام عادية لا تختص بفضل, فينبغي في عشر ذي الحجة كثرة الطاعة والعمل الصالح بالصلاة والصدقة والصيام وغير ذلك مما يقرب إلى الله تعالى.
وأما الشفع والوتر فقيل: إنه إقسام بالمخلوق والخالق, فالشفع المخلوق, والوتر الله عز وجل؛ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إن الله وتر يحب الوتر )، وأما الشفع فهو المخلوق؛ لقوله تعالى: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الذاريات:49].
وأما قوله: وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ [الفجر:4] فهو إقسام بالليل عند سريانه وشيوع ظلمته, وهو أيضاً من آيات الله وهو مقابل الإقسام بالفجر, فإن لليل ظلمة يسكن فيه الناس ويستجدون نشاطهم بالنوم الذي جعله الله تعالى سباتاً ليقطعوا التعب السابق وليجددوا القوة للعمل اللاحق.
فأقسم الله تعالى بهذه الأشياء، وقال بعدها: هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ [الفجر:5] وهذا الاستفهام للتقرير, أي: أن هذا قسم عظيم يعرفه كل ذي حجر, والحجر هنا بمعنى العقل, كل عاقل يتدبر ما في هذه الأشياء التي أقسم الله بها يتبين له عظمة هذا القسم.
وأما المقسم عليه فقد اختلف فيه النحويون, وليس هذا موضع بسطه, لكن أحب أن أنبه على فائدة مهمة لطالب العلم وهي أن الله تعالى أحياناً يقسم بأشياء دالة على عظمته وقدرته ليبين بهذا القسم عظمة هذه الأشياء وأنها من آيات الله سبحانه وتعالى العظيمة, وإن لم يكن هناك شيء مقسم عليه, ومن ذلك مثلاً قوله تعالى: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ * أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ [القيامة:1-3] فإن بعض النحويين يقول: إن في المقسم به دليل على المقسم عليه فلا يحتاج إلى قسم, ومن أراد التوسع في هذا فعليه بقراءة التبيان بأقسام القرآن لشمس الدين ابن قيم الجوزية أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهم الله.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر