الجواب: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه أنه قال: ( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ) ولما أراد بشير بن سعد أن يشهد النبي صلى الله عليه وسلم على عطيةٍ نحلها ولده النعمان قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور ) وهذا يدل على أنه لا يحل لأحدٍ أن يفضل بعض أولاده على بعضٍ في العطية، وأن ذلك من الجور الذي أبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يشهد عليه، وقال في تحقيق التبرؤ منه: ( أشهد على هذا غيري ).
وعلى هذا إذا كان أبوك قد منحك أرضاً أو باع عليك أرضاً بثمنٍ رمزي فإن هذا البيع ليس بصحيح، ولا يحل له أن يبيعك أرضاً إلا كما يبيعها على غيرك بثمن المثل المعتاد في ذلك المكان وفي ذلك الزمن، وتصحيح هذا التصرف الآن أن تقدر الأرض بقيمتها حين باعها عليك في ذلك الوقت، وأن تجرى عليك بتلك القيمة إلا إذا أعطى أبوك إخوتك مثل ما أعطاك فلا بأس بذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى بشير بن سعد ليشهده على عطيته لابنه النعمان قال: ( ألك بنون؟ قال: نعم فسأله هل أعطى جميعهم مثل ما أعطى ابنه
والعطية عطية الأولاد تكون كما قسمه الله عز وجل في كتابه للذكر مثل حظ الأنثيين.
ها هنا أمرٌ يجب التفطن له وهو أن العدل في الإنفاق يكون بإعطاء كل واحدٍ منهم ما يحتاج إليه، فإذا كانت الأنثى تحتاج إلى حليٍ يلبسه مثلها فاشترى لها أبوها حلياً لتلبسه، فإنه لا يلزمه أن يعطي مثل قيمته للأبناء؛ لأنه إنما أعطاها لدفع حاجتها، وكذلك لو احتاج أحد الأولاد إلى علاجٍ فإنه لا يلزمه أن يعطي الآخرين مثلما أنفق على علاج هذا الولد الذي احتاج إليه، وكذلك لو احتاج أحدهم إلى زواج فزوجه فإنه لا يلزمه أن يعطي الآخرين مثل المهر والنفقات التي زوج بها الولد، ولكن العدل في ذلك أنه إذا بلغ الثاني مبلغ الزواج فإنه يزوجه، وقد كان بعض الناس إذا كان له أولادٌ كبار فزوجهم وأولادٌ صغار لم يبلغوا سن الزواج يوصي لهم بمثل المهر بعد موته وهذا خطأٌ ولا يجوز؛ لأن الوصية للوارث محرمة؛ لأن الله عز وجل لما قسم المواريث قال: آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:11] فأخبر عز وجل أن هذا القسم الذي تولاه سبحانه وتعالى بنفسه فريضة صادرة عن علمٍ وحكمة وغايةٌ محمودة، وقال تعالى في الآية الثانية لما ذكر المواريث: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ [النساء:13-14].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله أعطى كل ذي حقٍ حقه فلا وصية لوارث ) فهؤلاء الأولاد الصغار الذين زوج الوالد إخوتهم الكبار الذين بلغوا الزواج لا يجوز لوالدهم أن يوصي لهم بمثل المهر، ولكن إذا بلغوا الزواج في حياته فليزوجهم.
وخلاصة القول: أنه يجب على الإنسان أن يعدل بين أولاده في العطية وكذلك يجب عليه أن يعدل بينهم في النفقة، والعدل في النفقة أن يعطي كل واحدٍ منهم ما يحتاجه من النفقة قل ذلك أو كثر.
والنقطة الأخيرة التي نبهنا عليها هي أن بعض الناس إذا زوج أولاده الصغار في حياته أوصى بمثل ما زوجهم به للصغار من بعد موته وهذا لا يحل ولا يجوز؛ لأنه وصية لوارث والوصية للوارث محرمة باطلة لا يجوز تنفيذها، وقد علم السامع ما استدللنا به من القرآن والسنة في هذا الباب.
الجواب: الذي ينبغي للإنسان أن يكون حازماً في تصرفه وأن لا يكل الأمر إلا إلى شخصٍ يطمئن إليه في دينه بأن يكون أميناً عالماً بما يحتاج إليه في مثل ذلك العمل الذي أوكل إليه، فإذا أردت أن تعطي شخصاً ليحج عن أبيك المتوفى أو عن أمك فعليك أن تختار من الناس من تثق به في علمه ودينه؛ لأن كثيراً من الناس عنده جهلٌ عظيم في أحكام الحج، فلا يؤدون الحج على ما ينبغي وإن كانوا هم في أنفسهم أمناء، ولكن يظنون أن هذا هو الواجب عليهم وهم مخطئون كثيراً، ومثل هؤلاء لا ينبغي أن يعطوا إنابةً في الحج لقصور علمهم، ومن الناس من يكون عنده علم، لكن ليس عنده أمانة فتجده لا يهتم بما يقوله ويفعله في مناسك الحج لضعف أمانته ودينه ومثل هذا أيضاً لا ينبغي أن يعطى أو أن يوكل إليه أداء الحج.
فعلى من أراد أن ينيب شخصاً في الحج عنه أن يختار من أفضل من يجده علماً وأمانة حتى يؤدي ما طلب منه على الوجه الأكمل، وهذا الرجل الذي ذكره السائل أن الذي أعطاه ليحج عن والدته وسمع فيما بعد أنه أخذ حجاتٍ أخرى لغيره يُنظر فلعل هذا الرجل أخذ هذه الحجات من غيره وأقام أناساً يؤدونها وقام هو بأداء الحج عن الذي استنابه، ولكن هل يجوز للإنسان أن يفعل هذا الفعل؟ أي هل يجوز للإنسان أن يتوكل عن أشخاصٍ متعددين في الحج أو في العمرة، ثم لا يباشر هو بنفسه ذلك بل يكله إلى أناسٍ آخرين؟
نقول: إن ذلك لا يجوز ولا يحل وهو من أكل المال بالباطل، فإن كثيراً من الناس يتاجرون بهذا الأمر، تجدهم يأخذون عدةً من الحجج والعمر على أنهم هم الذين سيقومون بها، ولكنه يكلها إلى فلانٍ وفلانٍ من الناس بأقل مما أخذ هو فيكسب أموالاً بالباطل، ويعطي أشخاصاً قد لا يرضونهم من أعطوه هذه الحجج أو العمر، فعلى المرء أن يتقي الله عز وجل في إخوانه وفي نفسه؛ إذا أخذ مثل هذا المال فقد أخذه بغير حق؛ ولأنه إذا اؤتمن من قبل إخوانه على أنه هو الذي يؤدي الحج فإنه لا يجوز له أن يكل ذلك إلى غيره؛ لأن هذا الغير قد لا يرضاه من أعطاه هذه الحجج أو هذه العمر.
الجواب: قبل الإجابة على هذا السؤال أقول: إن إقسامه أن لا يتزوج امرأة بعد زوجته خطأٌ عظيم؛ لأن الزواج من سنن المرسلين، ومما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: ( يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج ) ثم إن إقسام الإنسان أن لا يتزوج بعد موت امرأته قد يكون سببه التسخط من قضاء الله وقدره بمنزلة الإضراب عن هذا الشيء احتجاجاً على القدر، وقد لا يكون هذا هو السبب، المهم أن هذا غلطٌ عظيم أن يقسم الإنسان أن لا يتزوج بعد امرأته، بل الذي ينبغي له أن يبادر بالزواج حتى يحصن فرجه ويحصل على المكاسب العظيمة التي تكون في الزواج، ومن المكاسب العظيمة تكثير نسل الأمة الإسلامية، فإنه ينبغي للمسلمين أن يكثروا من النسل ما استطاعوا تحقيقاً لرغبة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: ( تزوجوا الودود الولود ) ولأجل أن تستغني الأمة الإسلامية عن غيرها، ولأجل أن تكون مهيبةً أمام العالم، وكلما كثرت الأمة كان أشد هيبةً عند أعدائها وكان أشد اكتفاءً بنفسها عن غيرها.
ثم بعد ذلك نقول في جواب السؤال: إن هذا الرجل الذي أقسم أن لا يتزوج بعد امرأته ثم تزوج أختها بعدها بسبع سنوات عليه أن يقوم بالكفارة كفارة اليمين وهي على التخيير بين ثلاثة أشياء: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن لم يجد واحدة من هذه الثلاثة فإنه يصوم ثلاثة أيامٍ متتابعة لقول الله تعالى لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة:89].
الجواب: تعليقنا على هذا بأن هذه العلة عليلة، بل هي ميتة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رد التبتل على من أراده من أصحابه، وقال: ( أنا أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) وليعلم هذا أن النكاح من العبادة، بل هو من أفضل العبادات حتى صرح أهل العلم رحمهم الله بأن النكاح مع الشهوة أفضل من نوافل العبادة، وصرح كثير من أهل العلم بوجوبه أي النكاح، ولا شك أن ثواب الواجب أكثر من ثواب المستحب، والواجب أحب إلى الله عز وجل من النافلة، كما قال الله عز وجل في الحديث القدسي: ( ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ) ففي هذا الحديث دليلٌ واضح على أن الله تعالى يحب الفرض أكثر مما يحب النفل، والنظر شاهدٌ بذلك فإنه لمحبة الله له جعله واجباً على العباد لا بد لهم من فعله، وهذا يدل على تأكده عند الله سبحانه وتعالى.
فننصح هؤلاء الشباب الذين يعللون بهذه العلة العليلة بل الميتة ننصحهم أن يتقوا الله عز وجل وأن يتزوجوا امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم واتباعاً لسنته صلى الله عليه وسلم ولسنة إخوانه من المرسلين عليهم الصلاة والسلام، ومن أجل أن يكثروا الأمة الإسلامية وينفع الله بهم.
الجواب: هذا الحديث صحيح أخرجه البخاري وغيره؛ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة في رمضان وأقام فيها تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة وأفطر أيضاً بقية الشهر؛ لأنه فتحها في آخر الشهر، ذكروا أنه فتحها يوم الجمعة الموافق العشرين من شهر رمضان في السنة الثامنة من الهجرة، ولم يصم بقية الشهر كما ثبت ذلك في صحيح البخاري من حديث ابن عباس أيضاً، يقول ابن عباس : ( نحن إذا أقمنا تسعة عشر يوماً قصرنا، وإذا زدنا أتممنا ) وهذا رأيه رضي الله عنه في المدة التي ينقطع بها حكم السفر بالنسبة للمسافر، والعلماء مختلفون في هذه المسألة أي فيما إذا أقام المسافر متى ينقطع حكم السفر في حقه على أكثر من عشرة أقوال ذكرها النووي رحمه الله في شرح المهذب، وهذا يدل على أنه ليس هناك سنةٌ صحيحةٌ صريحة في تحديد المدة التي ينقطع بها حكم السفر، والمسألة مسألةٌ اجتهادية، وليس هذا موضع ذكر آراء العلماء في ذلك، لكن كأن السائل -والله أعلم- أشكل عليه ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما مع المشهور بين الناس في أن المدة التي ينقطع بها حكم السفر خلاف ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما، ولكن ليعلم السائل أن هذه من المسائل الخلافية.
الجواب: هذا أيضاً صحيح وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من المدينة لم يزد على ركعتين حتى يرجع سواء كان في الغزو، أو في الحج أو في العمرة؛ لأن الإنسان إذا خرج من بلده فهو مسافر حتى يرجع إليها إلا إذا نوى الإقامة في البلد الذي سافر إليه إقامةً مطلقة غير محددة، أو نوى الاستيطان والانتقال من بلده إلى هذا البلد الآخر الجديد فإنه يكون له حكم أهل البلد الذي سافر إليه، ثم لو عاد إلى بلده بغير نية الاستيطان فهو مسافر في بلده، ولهذا قصر النبي صلى الله عليه وسلم في مكة مع أنها كانت بلده الأول، وهذا كثيراً ما يحدث ويقع فيه التساؤل أن الإنسان يستوطن بلداً جديداً غير بلده الأول، فهل إذا رجع إلى بلده الأول يكون في حكم المسافر أو يكون في حكم المستوطن المقيم؟
نقول: إنه يكون في حكم المسافر ودليله ما أشرنا إليه، ولا فرق بين أن يكون قد تزوج في بلده الأول الذي تركه واستوطن غيره أو لم يتزوج؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقصر في مكة مع أنه قد تزوج فيها وأتاه أكثر أولاده وهو في مكة.
الجواب: المدة التي ينقطع بها حكم السفر مختلفٌ فيها كما أشرنا إليه آنفاً على أكثر من عشرة أقوال، والقول الراجح أنها لا تتحدد بمدة، فمتى كان الإنسان مسافراً عازمٌ على الرجوع إلى بلده ولكن حبسه حاجةٌ أو تجارةٌ أو نحو ذلك فهو في حكم المسافر كما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولكن إذا كان في بلد تقام فيها الجماعة وهو يسمع النداء فإنه يجب عليه حضور الجماعة وإذا حضر فإنه سيتم؛ لأن المسافر إذا ائتم بالمقيم وجب عليه الإتمام سواءٌ أدرك الصلاة من أولها أم أدرك الصلاة من أثنائها، وعلى هذا فلو أتم المسافر بمقيم في الركعتين الأخريين في صلاة الظهر، أو العصر، أو العشاء وجب عليه أن يأتي بركعتين بعد سلام الإمام ولا يحل له أن يسلم معه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا )، وهذا الحديث عام يشمل المسافر الذي صلى خلف المقيم والمقيم الذي صلى خلف المقيم أيضاً وهو واضح، وأما إذا فاتته الصلاة، أو كان في مكانٍ بعيد لا يسمع النداء فإنه يقصر حتى يرجع إلى بلده.
الجواب: هذا الكتاب رأيت فيه أشياء كثيرة غير صحيحة، ولا أرى أن يقتنيه الإنسان ولا أن يجعله بين أيدي أهله لما فيه من الأشياء المنكرة.
مداخلة: الروض الفائق وتنبيه الغافلين؟
الشيخ: الروض الفائق لا أعرفه، وأما تنبيه الغافلين فهو كتاب وعظ، وغالب كتاب المواعظ يكون فيها الضعيف وربما الموضوع ويكون فيها حكايات غير صحيحة يريد المؤلفون بها أن يرققوا القلوب وأن يبكوا العيون، ولكن هذا ليس بطريقٍ سديد؛ لأن فيما جاء في كتاب الله وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من المواعظ كفاية، ولا ينبغي أن يوعظ الناس بأشياء غير صحيحة سواءٌ نسبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، أو نسبت إلى قومٍ صالحين قد يكونون أخطئوا فيما ذهبوا إليه من الأقوال أو الأعمال، والكتاب فيه أشياء لا بأس بها ومع ذلك فإني لا أنصح أن يقرأه إلا شخص عنده علم وفهم وتمييز بين الصحيح والضعيف والموضوع.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر