الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قبل الإجابة على السؤال: أود أن أذكر أخوتي المستمعين ومنهم السائل: أن أهم ما ينبغي الاعتناء به، بل يجب الاعتناء به كتاب الله عز وجل، حيث كان الصحابة رضي الله عنهم لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، فالاعتناء بكتاب الله عز وجل أمرٌ واجب، وتدبر معناه هو الحكمة من إنزاله، والتذكر به حكمةٌ أخرى تتفرع على تدبره، قال الله تعالى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [ص:29].
كثيرٌ من الناس يعتني بالكتب الحديثية وبالسنة، ولا شك أن هذا خير، ولكن تجده مهملاً القرآن الكريم، لا يعرف معناه ولا يتدبره ولا يقرأ عليه ما كتبه أهل العلم في تفسيره، وهذا نقص، فالذي ينبغي للإنسان في ترتيب تعلمه: أن يبدأ قبل كل شيء في فهم كتاب الله عز وجل، ثم يثني بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كتبه أهل العلم فيها من المؤلفات.
وبعد هذا نرجع إلى الجواب على السائل فنقول: إن هذا الكتاب الذي أشار إليه -وهو رياض الصالحين- كتابٌ قيمٌ نافع، فيه آياتٌ يصدر بها المؤلف رحمه الله الأبواب في كثيرٍ من أبواب الكتاب، وفيه أحاديث صحيحة وحسنة، ويندر فيه جداً أن توجد أحاديث ضعيفة، لكن الكتاب مفيد لطالب العلم ومفيد للعامة.
وأما الكتب الذي يذكرها بعض الناس وأهوال القيامة وعلامات يوم القيامة والموبقات والمهلكات، فالذي يغلب على ظني أن مثل هذه الكتب وغيرها وما يتعلق بالملاحم والفتن وأهوال القيامة، أن فيها أحاديث كثيرة ضعيفة وبعضها قد تكون موضوعة، ولهذا ينبغي على الإنسان أن يكون منها على حذر وأن لا يعتمد عليها إلا بعد مراجعة أهل العلم، وإذا قُدِّر أنه ليس عنده أحدٌ من أهل العلم يسأله فإن الحق عليه منار أو له منارٌ بين، فإذا مر به شيء من الأحاديث يستنكره أو تشمئز منه نفسه فليتوقف فيه وليسأل عنه بخصوصه، وهو غير ملزم بأن يؤمن بما لا يتيقن أنه مما يجب الإيمان به، فليتوقف حتى يسأل أهل العلم عن ذلك.
الجواب: غيبة الإنسان عن زوجته لا تتعدى ستة أشهر، إلا إذا أذنت بذلك وكانت في محلٍ آمن فلا بأس أن يبقى على حسب ما تتهيأ له الفرصة فيه؛ لأن هذا حقٌ للزوجة، فإذا رضيت بإسقاطه سقط ولا حرج على الزوج في ذلك.
وأما العمل فإنه لا يصح أن نقول: إن العمل عبادة، إلا العمل الذي هو تعبد لله فهذا لا شك فيه، لكن العمل من أجل الدنيا ليس بعبادة، إلا أن يؤدي إلى أمرٍ مطلوبٍ شرعاً، مثل: أن يعمل لكف نفسه وعائلته عن سؤال الناس والاستغناء بما أغناه الله عز وجل، ولهذا جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (الساعي على الأرملة والمساكين كالمجاهد في سبيل الله، قال الراوي: أحسبه قال: كالصائم لا يفطر وكالقائم لا يفتر ).
والعمل في الدنيا على حسب نية العامل، فإن أراد به خيراً كان خيراً، وإذا أراد به سوى ذلك كان على ما أراد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى ).
الجواب: هنا نقول إن الجواب يتوجه على القائل وعلى المقول له، أما القائل: فإنه لا يحل لأحد أن يتكلم في أخيه لمجرد التهمة ويلطخ عرضه ويسيء سمعته، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا [الحجرات:12].
وكون الإنسان يرمي غيره بالعيوب والذنوب والفسوق بمجرد تهمةٍ طرأت على خاطره أو قرينةٍ ضعيفة لا تستلزم هذا الظن، هو أمرٌ محرمٌ عليه، داخلٌ فيما أمر الله باجتنابه في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ .
وليعلم الإنسان أنه لا يلفظ كلمةً واحدة إلا كانت مكتوبة؛ لقوله تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]، هذا بالنسبة للناقل عن الغير.
أما بالنسبة للمنقول إليه: فإنه لا يجوز له قبول خبر من يتهمه بفسق أو عداوة؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات:6].
فإذا حدثك أحدٌ عن شخصٍ بسوء فتثبت وتبين إذا كان غير عدلٍ عندك، فإن من الناس من يكون سريعاً ينقل الشيء بلا تروٍ ولا تثبت، ومن الناس من يكون فاسقاً يحب أن يرى العداوة بين المسلمين والبغضاء، ومن الناس من يكون عدواً لشخصٍ معين يحب أن يسقطه وينتهك عرضه حتى يبتعد الناس عنه، هذا ما أحب أن أوجهه تعليقاً على هذا السؤال.
الجواب: التسمية على الوضوء سنة، إذا سمى الإنسان فهو أكمل وأفضل، وإن لم يسمِ فلا إثم عليه ولا فساد لوضوئه، بل وضوءه صحيح، وذلك أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ) قد اختلف العلماء رحمهم الله في ثبوته وفي مدلوله، فمن العلماء من ضعفه، حتى قال الإمام أحمد رحمه الله: لا يثبت في هذا الباب شيء، ومن العلماء من قال: إنه حجة.
ثم اختلفوا أيضاً: هل هذا النفي نفي للكمال أو نفيٌ للصحة؟
فمنهم من قال: إنه نفيٌ للكمال، وإن الوضوء بالتسمية أتم ولا تتوقف صحته عليها، ومنهم من قال: إنه نفيٌ للصحة وإن الوضوء بدون التسمية ليس بصحيح؛ لأن هذا هو الأصل في النفي؛ لأن الأصل في النفي أن يكون المنفي معدوماً إما حقيقة وإما شرعاً، إلا أن يقوم دليلٌ على أن المراد بذلك نفيٌ للكمال.
والأقرب عندي أن التسمية عند الوضوء سنة؛ وذلك لأن جميع الواصفين لوضوء الرسول صلى الله عليه وسلم ليسوا يذكرون عنه التسمية، مع أنهم يذكرون وضوءه في مقام التعليم للناس، كما كان أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه يدعو بالطست فيه الماء فيتوضأ والناس ينظرون إليه؛ ليعلمهم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن يذكر التسمية.
فإن سمى الإنسان على وضوئه كان أكمل، وإن لم يسمِ لا إثم عليه ووضوءه صحيح.
ثم إن التسمية في الخلاء وشبهه لا بأس بها؛ لأن غالب المخليات عندنا نظيفة، فإن الماء يزيل النجاسة ويذهب بها، وإن أحب أن يسمي بقلبه بأن يستحضر التسمية بقلبه بدون أن ينطق بها بلسانه، فهذا طيب.
الجواب: هذا من الوساوس التي يلقيها الشيطان في قلب المصلي؛ لأن الشيطان لنا عدو كما قال الله عز وجل: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6].
ومن المعلوم أن عدوك الذي سُلط على بني آدم إلا عباد الله المخلصين، من المعلوم أنه سوف يحرص غاية الحرص على إضلالك وتفويت الفرص بقدر ما يستطيع، فهو يأتي إلى الإنسان في صلاته ويفتح عليه أبواب الوساوس من كل جانب، فيفكر في أشياء ليس له فيها مصلحة لا في دينه ولا دنياه، وإذا سلم وانصرف عن صلاته تطايرت عنه هذه الوساوس وأزالته وكأن لم تكن، ويكفي في هذا موعظة للإنسان وبياناً بأن هذا من عدوه، ولكن ما أنزل الله داءً إلى وأنزل له دواءً، ولله الحمد.
وقد شكي هذا الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر أن يتفل الإنسان عن يساره ثلاثة مرات، ويقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
والتفل عن اليسار ممكن إذا كان الإنسان إماماً أو كان منفرداً، لكن إذا كان مأموماً والناس على يساره فالتفل قد يكون متعذراً، وحينئذٍ يكفي الالتفات، وقد نقول: لا حاجة أيضاً إلى الالتفات، بل يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم بدون التفات؛ لأن الظاهر أن الالتفات كان من أجل التفل الذي يكون عند تعوذه بالله من الشيطان الرجيم، وذلك لأنه لا يمكن أن يتفل أمامه وهو يصلي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك.
الجواب: الجمع بين الصلوات الخمس من كبائر الذنوب، ومن تعمد إخراج صلاةٍ عن وقتها بدون عذرٍ شرعي فإن صلاته لا تقبل منه ولو صلى مائة مرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، أي: مردودٌ عليه غير مقبولٍ منه، والإنسان الذي يؤخر الصلاة عن وقتها بدون عذرٍ شرعي لا شك أنه عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله، فتكون صلاته مردودة عليه.
وعلى هذا فإن جمع الصلوات الخمس من كبائر الذنوب بل من أكبر الكبائر ما عدا الشرك بالله عز وجل، وعلى هذا فلا يجوز أن يفعل الإنسان ذلك من أجل العمل الذي هو مشغولٌ فيه، بل يجب عليه أن يدع العمل إذا حان وقت الصلاة ويصلي ثم يرجع إلى عمله.
وإني أقول لهذا السائل ولكل من يسمع: إن إقامة الصلاة من أسباب الرزق، كما قال الله تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132]، فعلى المؤمن أن يتقي الله عز وجل في نفسه، وأن يدع العمل إذا حانت الصلاة ليؤدي صلاة الفريضة في وقتها، وقد أشار الله عز وجل إلى مثل هذا في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [الجمعة:9-11].
فلا يجوز لمؤمن أبداً أن يؤخر الصلاة عن وقتها من أجل عملٍ أو تجارة، بل عليه أن يصلي ثم يرجع إلى عمله وتجارته.
مداخلة: ماذا يدخل ضمن العذر الشرعي يا شيخ محمد؟
الشيخ: يدخل في العذر الشرعي: النوم والنسيان والإغماء والجهل أيضاً، أريد بالإغماء: الإغماء الذي يكون بسببٍ من الإنسان كما لو بنج حتى مضى عليه أوقات فإنه يجب عليه قضاؤها.
وأما الإغماء الذي ليس للإنسان فيه سبب، كما لو أغمي عليه لشدة المرض أو لصدمة أو ما أشبه ذلك، فإن أكثر أهل العلم على أنه لا قضاء عليه، وهو القول الراجح.
الجواب: تلاوة القرآن بلا وضوء جائزة ولا حرج فيها، إلا أن يكون الإنسان جنباً فإنه لا يجوز له أن يقرأ القرآن وهو جنب، بل عليه أن يغتسل ثم إن شاء قرأ.
وأما الحائض فإنه اختلف العلماء رحمهم الله في جواز قراءتها للقرآن، فمنهم من قال: إنه حرام، لأحاديث وردت في ذلك، ومنهم من قال: إنه ليس بحرام؛ لأن الأحاديث الواردة في هذا إما صحيحةٌ غير صريحة وإما صريحةٌ غير صحيحة، وليس هناك حديثٌ صحيحٌ صريح يدل على منع الحائض من قراءة القرآن، وعلى هذا فلها أن تقرأ القرآن، ولكني أرى أن الأحوط أن لا تقرأ القرآن إلا إذا كانت لحاجة، كامرأة تقرأ من القرآن وردها، أو امرأةٍ تعلم أولادها، أو امرأةٍ تخشى نسيان القرآن الذي حفظته، أو امرأة تؤدي اختباراً أو ما أشبه ذلك مما تدعو الحاجة إليه فهذا لا بأس به، أما لمجرد حصول الأجر فالأحوط أن تمتنع منه، اتباعاً لقول أكثر أهل العلم.
وأما مس المصحف فالصحيح أنه لا يجوز مس المصحف إلا بوضوء، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور، حديث عمرو بن حزم: (لا يمس القرآن إلا طاهر )، والمراد بالطاهر هنا الطاهر من الحدث، لقوله تعالى في سورة المائدة حين ذكر الوضوء والغسل والتيمم: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة:6]، فدل هذا على أن الإنسان ما دام على حدث فليس بطاهر، وحمل الطاهر هنا على من تطهر من الحدث أولى من حمله على المؤمن؛ لأنه لم تجرِ العادة بالتعبير بطاهر عن مؤمن، فإن كل من تتبع الكتاب والسنة وجد أنه يعبر فيهما عن المؤمن باسم الإيمان والتقوى وما أشبه ذلك، وأما كلمة (طاهر) فلم يعبر بها -فيما نعلم- عن المسلم أو المؤمن.
السؤال: من هما الرجلان؟ وما تفسير هذه الآية؟ بارك الله فيكم.
الجواب: قبل الإجابة على السؤال: ينبغي أن نعلم أنه إذا جاء المسمى مبهماً في القرآن أو في السنة فإن الواجب إبقاؤه على إبهامه، وأن لا نتكلف في البحث عن تعيينه؛ لأن المهم هو القصة والأمر الذي سيق من أجله الكلام للاعتبار والاتعاظ، وكونه فلاناً أو فلاناً لا يهم، فالمهم الأمر الواقع، فالقرآن الكريم لم يبين الله تعالى فيه هذا الرجل في الآيتين الكريمتين، بل قال في سورة القصص: وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى [القصص:20]، وفي سورة يس قال: وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى [يس:20]، فقدم الرجل في سورة القصص وأخره في سورة يس ولم يبين ذلك، ومحاولة الوصول إلى تعيينه ليس وراءها فائدةٌ تذكر.
وعلى هذا فلا ينبغي أن يشغل الإنسان نفسه بتعيين مثل هذه المسميات، بل تبقى الآيات والأحاديث على إبهامها، ويوجه المخاطب إلى أن المقصود الاعتبار لما في القصة من أحكامٍ ومواعظ.
أما تفسير الآيتين ففي سورة القصص الله سبحانه وتعالى لموسى رجلاً ناصحاً جاء من أقصى المدينة، يخبر موسى عليه الصلاة والسلام بأن الملأ، وهم الأشراف والأكابر في المدينة يتشاورون ماذا يصنعون بموسى عليه الصلاة والسلام الذي قتل أحدهم -أي أحد الأقباط- وكان هذا من تيسير الله عز وجل لموسى صلى الله عليه وسلم، ولهذا أرشده الرجل بأن يخرج، قال: فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ * فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ [القصص:20-21]، وذكر الله تمام القصة.
أما في سورة يس فإن الله سبحانه وتعالى أرسل إلى أهل القرية رسولين فكذبوهما وأنكروا رسالتهما، فأرسل الله تعالى رسولاً ثالثاً يعززهما به، أي: يقويهما به؛ ولكن مع ذلك أصروا على الإنكار، وجرى بينهم وبين أهل هذه القرية ما جرى، فجاء من أقصى المدينة وهنا قدم الأقصى (من أقصى المدينة) للاهتمام بهذا الأمر، وقال: (مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ): يعني مع بعده جاء إلى قومه، قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [يس:20-22]، إلى تمام القصة.
كان هذا ناصحاً لقومه مرشداً لهم، وكان عاقبته أن قيل له: ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ [يس:26-27].
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر