الجواب: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أبين لإخواني المستمعين أن الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وأن تركها كفر مخرجٌ عن الملة، وذلك لأدلةٍ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، أما من كتاب الله فقد قال الله سبحانه وتعالى عن المشركين: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [التوبة:11]، فهذه الآية تدل على أن المشركين لا يكونون إخوةً لنا في الدين إلا إذا تابوا من الشرك وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، ومن المعلوم أن الحكم المعلق على الشرط ينتفي بانتفاء هذا الشرط، فالأخوة في الدين لا تكون إلا باجتماع هذه الأمور الثلاثة: التوبة من الشرك، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإذا لم تتوافر هذه الثلاثة لم يكونوا إخواناً لنا في الدين، ولا تنتفي الأخوة إلا بالكفر، لا تنتفي الأخوة في الدين بالمعاصي وإن عظمت، ولهذا قال الله تعالى في آية القصاص فيمن قتل مؤمناً عمداً، قال عز وجل: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ [البقرة:178]، فجعل الله سبحانه وتعالى القاتل أخاً للمقتول مع أنه فعل كبيرةً عظيمة من كبائر الذنوب، وقال الله تعالى في الطائفتين المقتتلتين: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:9-10]، وهذا يدل على أن الأخوة في الدين لا تنتفي بالمعاصي، وإنما تنتفي بالكفر، وعليه فإن الذي لا يقيم الصلاة ليس مسلماً، بل هو كافر، لأن الله سبحانه وتعالى رتب الأخوة في الدين على إقام الصلاة.
وأما من السنة ففي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة )، وفي السنن من حديث بريدة بن الحصيب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ).
وأما أقوال الصحابة فقد قال عبد الله بن شقيق: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة.
وهذا شبه إجماع من الصحابة رضي الله عنهم، ولهذا حكى إجماعهم جماعةٌ من أهل العلم ومنهم الإمام المشهور إسحاق بن راهويه.
والمعنى أيضاً يؤيد هذا، فإن رجلاً لا يصلي مع أهمية الصلاة في دين الله، وكونها عمود الإسلام وسهولة القيام بها، دليلٌ على أنه ليس في قلبه شيء من الإيمان، إذ لو كان في قلبه شيء من الإيمان ما ترك هذه الصلاة العظيمة اليسيرة السهلة، فيكون إذاً: كفر تارك الصلاة ثابتاً بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة والمعنى الصحيح.
ولم يأتِ أحدٌ ممن يرى أنه لا يكفر بترك الصلاة بدليلٍ ينفي كفره، وغاية ما في ذلك أن الأدلة التي ظاهرها عدم الكفر بترك الصلاة لا تخلو من إحدى حالاتٍ أربع: فإما أن لا يكون فيها دلالةٌ أصلاً، وإما أن تكون مقيدة بوصفٍ يمتنع معه ترك الصلاة، وإما أن تكون واردةً في حالٍ يعذر فيها من ترك الصلاة، وإما أن تكون عامة تخصص بالنصوص الدالة على الكفر بترك الصلاة، وبناءً على ذلك فإن الزوج إذا ترك الصلاة انفسخ نكاحه، ولا يجوز للزوجة أن تبقى معه حتى يعود إلى إسلامه ويصلي، فإن أصر على ترك الصلاة وجب عليها الهرب منه، ولها حضانة أولادها وبنات أولادها من ذكورٍ وإناث دونه، إذ ليس له حقٌ في الحضانة ما دام قد ارتد عن دين الإسلام، لأن الله عز وجل لن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً، وبمعرفة هذا التقرير يتبين جواب هذه السائلة، وأن الواجب عليها أن تهرب من زوجها بأي وسيلةٍ كانت إلا أن يهديه الله ويعود إلى دينه بإقامة الصلاة.
الجواب: المقدم في القبول المرأة الزوجة، فإذا عينت الزوجة المخطوبة شخصاً، وعين أبوها أو أمها شخصاً آخر، فإن القول قول المخطوبة، لأنها هي التي سوف تعاشر الزوج، وتبقى معه حياتها، وتنجب منه الأولاد، نعم لو فرض أنها اختارت من ليس كفؤاً في دينه أو خلقه، فحينئذٍ لا يؤخذ بتعيينها، وإذا أبت أن تتزوج الآخرين المرضيين في دينهم وخلقهم، إلا هذا الرجل الذي رضيته، وهو ليس بكفء، فإنها تمنع منه، وتبقى وإن كانت بغير زوج؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكون فتنة في الأرض وفساد كبير )، وكذلك لو اختلف الأب والأم في الخاطبين فاختارت الأم واحداً، واختار الأب واحداً، فإنه يرجع إلى البنت المخطوبة في هذا الأمر.
الجواب: لا بد أن ينظر، فإذا كان الواقع يوافق هذه الرؤيا فهي رؤيا حق، وإذا كان يخالفه أو يخالف هذه الرؤيا، فإنها أضغاث أحلام، وربما يضرب الملك في النوم مثلاً لشخص في تزوجه بامرأة فلان، ويذكر له من أوصافها ما يجعله يقدم عليها، ومع هذا لا يعتمد على ما رأى في المنام، بل يبحث عنها بحثاً دقيقاً في اليقظة، فإذا رأى أنها ذات خلقٍ ودين فليقدم؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها وحسبها وجمالها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك ).
وإنني بهذه المناسبة أحب أن أوجه كلمة نصح لأولياء النساء الذين يتخذون النساء سلعاً لا يزوجونهن إلا من يكثر العطاء لهم، ولا يهتمون بخلق الخاطب ولا بدين الخاطب، وإنما ينظرون إلى ما يأخذونه من يده، وإذا كان الخاطب أكثر عطاءً لهم من خاطبٍ آخر زوجوا هذا الأكثر عطاءً، وإن كان الثاني أقوم في خلقه ودينه، ولا شك أن هذا من الخيانة، وأنه لا يحل للإنسان أن يمنع ابنته أو أخته أو من له ولايةٌ عليها من تزويجها بمن هو كفؤٌ في خلقه ودينه من أجل المال، ولا يحل له أيضاً أن يزوج ابنته أو أخته أو موليته من شخصٍ ليس كفواً في خلقه أو دينه من أجل المال، فإنه مسئولٌ عن ذلك يوم القيامة، وقد قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [الأنفال:27-28]، وإذا قدر أن المرأة خطبها كفؤٌ في دينه وخلقه، ووافقت وامتنع الأب أو الأخ، فإنه لا حق له في ذلك، وتنتقل الولاية إلى من بعدهم، لأنهم لم يقوموا بواجب الأمانة التي حملهم الله إياها، فإذا قدرت أن بنتاً خطبت من أبيها وأبى أن يزوجها والخاطب كفؤ، فلها أن تعدل من أبيها إلى أخيها إن كان صالحاً للولاية، أو إلى عمها أو إلى أحدٍ من عصبتها، فإن لم يقوموا بالواجب في تزويجها، فلها أن ترفع الأمر إلى المحكمة من أجل أن تتولى المحكمة ذلك.
الجواب: من المعلوم أن الذي سيعاشر الزوج زوجته فقط، فإذا كانت مستقيمةً في دينها وخلقها، فإنه لا يضره أن يكون أهلها منحرفين عن دين الله عز وجل، وله في هذه الحال أن يمنعها من الذهاب إليهم إذا خاف عليها من الفتنة في دينها، أو خاف على أولاده من الفتنة في دينهم، ولكن لو كان يرجو بالذهاب إليهم أن يستقيموا ويهديهم الله عز وجل، وصار يذهب إليهم ليعرض عليهم الحق، ويحذرهم من المخالفة، فإن هذا من باب الدعوة إلى الله عز وجل ولا بأس به، لكن إذا لم يجد تقبلاً، ولم يجد إلا استهزاءً وسخرية، فإن له الحق في أن يهجرهم، ولا يذهب إليهم، وأن يمنع زوجته وأولاده منهم إذا خاف عليهم الفتنة.
الجواب: إذا كانت السنوات الماضية لا تصوم فيها، فإنك لا شك مذنبٌ ذنباً عظيماً، وتارك لركن من أركان الإسلام، والواجب عليك أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وأن تعتذر مما صنعت إلى ربك، وأن تندم على ما حصل، وأن تصلح عملك في المستقبل، ولا يلزمك القضاء لما مضى، لأن القضاء لا تستفيد منه شيئاً، فإن القاعدة الشرعية التي دل عليها النص: أن كل عبادةٍ مؤقتة إذا تركها الإنسان بدون عذر حتى خرج وقتها، فإن قضاءها لا ينفعه، لأن العبادة المؤقتة موقوتة بزمنٍ ذي طرفين، فكما لا تصح لو قدمها على وقتها، فلا تصح أيضاً لو أخرها عن وقتها بلا عذر، ولو فرض أنه أخرها عن وقتها بلا عذر ثم صلاها بعد ذلك، فإنها لا تقبل منه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، ومعلومٌ أن تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها عملٌ ليس عليه أمر الله ورسوله، فيكون مردوداً غير مقبول، قال الله تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103]، أي: فرضاً مؤقتاً بوقت، فإذا أخرجه الإنسان عن وقته لم يصح إلا بعذر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاةٍ أو نسيها فليصلها إذا ذكرها )، فتب إلى الله عز وجل مما تركت من صيام الأعوام الماضية، وأصلح العمل، ومن تاب تاب الله عليه.
الشيخ: من مكة وإلا من جدة؟
المقدم: يقول: فأحرمنا من مكة وطفنا وسعينا وأدينا شعائر الحج، فهل حجنا صحيح أم أن علينا شيئاً من ناحية عدم إحرامنا من الميقات الصحيح نرجو الإفادة؟
الجواب: أما بالنسبة للحج فإنه صحيح، لأن الإنسان أتى بأركانه، وأما لعدم الإحرام من الميقات فإنه إساءة ومحرم، ولكنه لا يبطل به الحج، ويجبر بفدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء هناك، ولو أن هذا الرجل لما قدم جدة أو لما قدم قدمت زوجته جدة، وقدم هو أيضاً جدة، وأراد أن يذهب إلى المدينة ليحرما من ذي الحليفة من أبيار علي، ثم لم يحصل ذلك، لو أحرم من جدة لكان هذا هو الواجب عليه، لكنه أساء حيث أحرم من مكة، إن كان ما ذكر في السؤال صحيحاً، وإن كان المقصود أنه أحرم من جدة فإنه ليس عليه دم، لأنه أحرم من حيث أنشأ.
وقد ذكر الأخ السائل أن امرأته أتت من مصر إلى الحج، وظاهر كلامه أنه ليس معها محرم، وهذا حرامٌ عليها لا يحل لها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم )، فقام رجلٌ فقال: يا رسول الله! إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (انطلق فحج مع امرأتك )، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يدع الغزوة التي اكتتب فيها، وأن يذهب مع زوجته، ولم يستفصل هل كانت الزوجة آمنة أم غير آمنة؟ وهل هي جميلة يخشى الفتنة منها أو بها، أم لم تكن؟ وهل معها نساء أم لم يكن؟ وهذا دليلٌ على العموم، وأنه لا يجوز للمرأة أن تسافر لا لحجٍ ولا لغيره إلا بمحرم، وإذا لم تجد المرأة محرماً فلتهنأها السلامة، فإنه لا يجب عليها الحج حينئذٍ؛ لقول الله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، وهي إذا لم تجد محرماً لا تستطيع الوصول إلى البيت لأنها ممنوعةٌ شرعاً من السفر بدون محرم، وحينئذٍ تكون معذورة في عدم الحج، وليس عليها إثم.
الجواب: لا يحل لزوجتي الولدين أن يكشفا لزوج أمهما، لأن هذا الرجل ليس أباً لهما، نعم لو كان أباً لهما لكان لزوجات الأبناء أن يكشفن لآباء أزواجهن، وعلى هذا فلا يحل لزوجات ابنيها أن يكشفا الحجاب عن زوجها هذا، لأنه ليس محرماً لهما.
الجواب: الرأي الصحيح أن حلي الذهب والفضة تجب فيه الزكاة؛ لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة في الذهب والفضة من غير تفصيل، ولأن هناك أحاديث خاصة تدل على وجوب الزكاة في الحلي المستعمل، ولكن لا تجب الزكاة حتى يبلغ نصاباً، وهو في الذهب خمسة وثمانون غراماً، وفي الفضة خمسمائة وخمسة وتسعون غراماً، فما دون ذلك ليس فيه زكاة، وإذا كان للإنسان بنات، ولكل واحدةٍ منهن حلي لا يبلغ النصاب، فإن كان هذا الأب قد أعطاهن الحلي على سبيل التملك، فإنه لا زكاة عليه ولا عليهن فيما عندهن من الحلي، لأن كل واحدةٍ منهن لا يبلغ ما عندها نصاباً، وإن كان قد أعطاهن على سبيل العارية والانتفاع، فالحلي ملكه، وعليه أن يضم بعضه إلى بعض، ويخرج زكاته إذا بلغ النصاب.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر