الجواب: أولاً: نوجه النصيحة إلى هذا الزوج، فإذا كان هذا الزوج قد هجر زوجته بلا سبب شرعي، وفضل عليها زوجته الأخرى، فليبشر بما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل )، فعلى هذا الزوج أن يتقي الله، وأن يعدل بين زوجاته ليتفادى هذا الإثم العظيم، وهذا الخزي والعار يوم القيامة، يأتي يوم القيامة وشقه مائل، وإذا كان ما قالته هذه المرأة صدقاً في إضاعته لحقها وهجرها بلا موجب شرعي، فإنه ليس له عليها حق، فلها أن تصوم ولها أن تصلي ولها أن تخرج لحاجاتها، أذن في ذلك أم لم يأذن، لأن الله تعالى قال في كتابه: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228].
ولكنني أشير على هذه المرأة أن تسعى في الإصلاح بينها وبين زوجها، إما بضم بمعروف وإما بتسريح بإحسان، وألا يبقى الأمر هكذا معطلاً ليست مطلقة ولا مزوجة، لأن هذا ضرر عليها، وتفويت لحياتها، ولعل الله أن يرزقها خيراً منه إذا قدر الفراق بينهما؛ لقوله تعالى: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ [النساء:130].
الجواب: إذا كانت الفتوى الأولى عن اجتهاد، وكان هو جديراً بأن يجتهد، ثم بعد البحث والمناقشة تبين له خطأ اجتهاده الأول، فإنه لا شيء عليه، وقد كان الأئمة الكبار يفعلون مثل هذا، فتجد أن للواحد منهم في المسألة الواحدة عدة أقوال، أما إذا كانت فتواه الأولى عن غير علم، وعن غير اجتهاد، ولكنه يظن ظناً، وبعض الظن إثم، فإنه يحرم عليه أصلاً أن يفتي بمجرد الظن أو الخرص، لأنه إذا فعل ذلك فقد قال على الله بلا علم، والقول على الله بلا علم من أكبر الذنوب؛ لقوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]، وعليه أن يبحث عن الذي استفتاه حتى يخبره بأن فتواه خطأ وغلط، فإذا فعل هذا فأرجو أن يتوب الله عليه.
ومسألة الفتيا بغير علم مسألة خطيرة، لأنه لا يضل بها المستفتي وحده، بل ربما ينشرها المستفتي بين الناس فيضل بها فئام من الناس، وهي خطأ وظلم.
مداخلة: ونحن نتحدث عن الفتوى لا بد أن هناك شروطاً يجب أن تتوفر في المفتي حدثونا عنها؟
الشيخ: الشروط في المفتي هي أن يكون مطلعاً على غالب أقوال أهل العلم، ومطلعاً على الأدلة الشرعية في هذا الحكم الذي أفتى به، وأما مجرد الظن والتقليد فإنه لا يفتى به، والتقليد لمن ليس مجتهداً وليس بإمكانه أن يجتهد، وهو من طلبة العلم الذين يعرفون ما كتبه العلماء، فلا حرج عليه أن يفتي به للضرورة.
الجواب: السؤال عن هذا كثير جداً، وقد بينا فيما سبق أن المساجد التي فيها أضرحة لا تخلو من حالين: الحال الأولى: أن يكون المسجد مبنياً على القبر، وفي هذه الحال يجب هدم المسجد، ولا تجوز الصلاة فيه، ومن صلى فيه فصلاته باطلة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )، وهذا يدل على أن اتخاذ القبور مساجد موجب للعنة الله عز وجل، وكبيرة من كبائر الذنوب، وما كان كبيرة فإن الواجب التخلص منه، والتوبة إلى الله منه.
وأما الحال الثانية: فهو أن يكون المسجد سابقاً على القبر، بمعنى أنه إذا مات شخص دفن في نفس المسجد، فهنا يجب أن ينبش هذا القبر، وأن يدفن صاحبه في المكان الذي يدفن فيه مثله، وإذا تعذر هذا فالصلاة في هذا المسجد جائزة، لكن لا يكون القبر أمام المصلين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة إلى القبور.
الجواب: نعم إذا جمع الإنسان بين الظهر والعصر جمع تقديم أو جمع تأخير، فإنه لا حرج عليه أن يصلي سنة الظهر البعدية بعد صلاة العصر، لأن هذه السنة لها سبب، والصلوات التي لها سبب لا تدخل في الصلوات المنهي عنها، وإنما النهي عن الصلاة المطلقة التي يقوم الإنسان ليتطوع بالصلاة في أوقات النهي لغير سبب، أما ذوات الأسباب فالقول الراجح من أقوال أهل العلم أنه ليس عنها نهي، فيجوز للإنسان أن يصلي تحية المسجد بعد العصر وبعد الفجر، وأن يصلي سنة الوضوء كذلك بعد العصر وبعد الفجر، وكل صلاة لها سبب فهذه قاعدتها لا تدخل في أوقات النهي.
الجواب: الحلف بالله كاذباً حرام، بل عده بعض العلماء من كبائر الذنوب، سواء حلف على المصحف أم لم يحلف على المصحف، والحلف على المصحف من الأمور البدعية التي لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنها أحدثت فيما بعد، فمن حلف بالله كاذباً، سواء على المصحف أو بدونه، فإنه آثم، بل فاعل كبيرة عند بعض العلماء، فعليه أن يتوب إلى الله فيندم على ما مضى، ويعزم على أن لا يعود في المستقبل، ومن تاب تاب الله عليه؛ لقول الله تبارك وتعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]، فإن هذه الآية نزلت في التائبين.
الجواب: يريد السائل أن الجمعة هل تنعقد بعشرة أشخاص؟
وجوابنا على هذا أن نقول: إن هذا موضع اختلاف بين العلماء، فمنهم من قال: إن الجمعة لا تنعقد بأقل من أربعين، ومنهم من قال: إنها لا تنعقد بأقل من اثني عشر رجلاً، ومنهم من قال: تنعقد بثلاثة رجال، والصحيح أنها تنعقد بثلاثة رجال وبأربعة وبخمسة وبعشرة فما زاد إذا كانوا مستوطنين في هذه القرية، فإنهم يقيمون الجمعة، لأن الثلاثة جمع، يكون إمام يخطب ومؤذن يؤذن ومأموم يتابع، فيتقدم الإمام ويصلي بالرجلين، وكذلك ما زاد، هذا هو القول الراجح في هذه المسألة، أن الجمعة تنعقد بثلاثة فأكثر إذا كانوا مستوطنين في بلد، سواء كان كبيراً أم صغيراً.
وقد يقول قائل: كيف يكونون مستوطنين في بلد كبير وهم ثلاثة؟
نقول: نعم يمكن هذا فيما لو كان البلد بلد كفر، وهؤلاء الثلاثة مسلمون لا يوجد غيرهم، وهم ممن لا تجب عليهم الهجرة للعجز عنها، أو لكونهم يستطيعون أن يقوموا بشعائر دينهم في هذا البلد، ففي هذه الحال يقيمون الجمعة وهم ثلاثة ولو كانت البلدة كبيرة.
الجواب: القنوت في صلاة الصبح سنة عند أصحاب الشافعي ، وهو من الأمور التي يسوغ فيها الاجتهاد، فإذا كان هذا الإمام يقنت بناء على ما ظهر عنده من الدليل فلا حرج عليه في ذلك، وعلى المأموم أن يتابعه، ولا يتخلف عنه ولا يسجد قبله، ويؤمِّن على دعائه أيضاً، فإن الإمام أحمد رحمه الله سئل عن الرجل يأتم بقانت في الفجر؟ فقال: يتابعه ويؤمِّن، يعني: يؤمِّن على دعائه، وإذا لم يؤمن فإن صلاته صحيحة، لكن كونه يؤمن ويتبع الإمام ولا يؤثر مخالفته، أحسن وأولى.
الجواب: رأينا في هذا الدعاء أنه دعاء بدعي، فإن ذلك لم يكن معروفاً في عهد النبي عليه الصلاة والسلام أن الناس يقومون يدعون الله دعاء جماعياً قبل الإقامة أو بعد الصلوات أيضاً، وما كان محدثاً فإنه ضلالة، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار )، فنصيحتي لهؤلاء الإخوة أن يرجعوا إلى سنة الرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ينظروا ماذا كان يفعل فيتبعوه في فعله، وماذا كان يترك فيتبعوه في تركه، فإن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فعل وترك، فما وجد سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله، علم أن تركه هو السنة، وهم إذا رجعوا إلى ما جاء في السنة في هذا المسألة علموا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعل ذلك، ولا فعله خلفاؤه الراشدون فيما نعلم، والمؤمن حقاً هو الذي إذا قضى الله ورسوله أمراً لم يكن له الخيرة من أمره.
الجواب: تغطية المرأة وجهها عن الرجال الأجانب الذين ليسوا من محارمها واجبة، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة والنظر الصحيح، ففي كتاب الله يقول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59]، ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء بالخروج إلى مصلى العيد قلن: ( يا رسول الله! إحداهن ليس لها جلباب؟ قال: لتلبسها أختها من جلبابها ). ولا ريب أن السنة دالة على ذلك أيضاً، ففي حديث فاطمة بنت قيس قال لها النبي عليه الصلاة والسلام: ( اعتدي في بيت
وأما بالنسبة للخاطب فله أن ينظر من المرأة ما يرغبه في نكاحها، من الوجه والرأس والكفين والقدمين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، أمر الخاطب إذا خطب امرأة أن ينظر منها ما يدعوه إلى نكاحها.
وأما كيف يخطب الإنسان المرأة؟ فإن الأفضل أن يكلم أولياءها، ثم يطلب النظر إليها، ولا بد أن يكون النظر بحضور وليها، أو أحد من محارمها، ولا يجوز أن ينظر إليها في محل خلوة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم )، وكذلك لا يحل له أن يتخاطب معها في الهاتف؛ لأنها أجنبية منه حتى يعقد عليها، والمخاطبة معها في الهاتف تؤدي إلى فتنة وإلى تحرك الشهوة، وهذا أمر محذور شرعاً، لكن إذا عقد عليها فلا حرج أن يتكلم معها في الهاتف وغيره.
مداخلة: التحري عن الخاطب ما رأيكم فيه؟
الشيخ: لا بد أن يسأل عن الخاطب قبل أن يجيبوه، لا سيما في هذا الوقت الذي كثر فيه الخداع، فإن الواجب التحري تحرياً كاملاً، بحيث يسأل عن دين الرجل قبل كل شيء، عن صلواته ومماشاته ثم عن أخلاقه وعن طبائعه وسجاياه، ثم عما يريد أن يسألوا عنه من الأمور الأخرى التي تعتبر فرعاً عن هذين الأمرين، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه )، ولا بد من التحري غاية التحري، فإن كثيراً من النساء يشكون بأنهن تزوجن برجال يعتقدن فيهم الصلاح، فيتبين أنهم ليس عندهم صلاح، حتى إن بعض النساء تشكو من أن الزوج الذي تزوج بها لا يصلي، وبعض النساء تشكي بأنه لا يصلي الصلاة في وقتها، وبعضهن تشكي بأنه لا يصلي مع الجماعة، وبعضهن تشكي بأنه مغرم بالغزل مع النساء، وبعضهن تشكو بأنه مغرم بالأغاني، وما أشبه ذلك، فالواجب التحري قبل الإجابة، وإذا قدر أنهم يجيبونه في يوم فليتأخروا يومين أو ثلاثة أو عشرة، حتى يتأكدوا تماماً من أن هذا الرجل كفؤ، وإذا تبين أنه كفء فليتكلوا على الله ويزوجوه.
الجواب: الصحيح أن المسبوق يقضي ما فاته على أنه آخر صلاته، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا )، وإتمام الشيء يكون في آخر الشيء، وعلى هذا فإذا أدرك الإمام في الركعة الثانية من صلاة العشاء فقد أدرك مع الإمام ثلاثاً، فإذا قام يقضي الباقي عليه، الباقي عليه وهي ركعة واحدة، فإنه يقتصر فيها على قراءة الفاتحة فقط، وتكون قراءته سراً، لأن هذه الركعة هي آخر ركعة.
الجواب: الذي يظهر من حال السائل أنه مريض مرضاً لا يستطيع معه الصوم على وجه مستمر، وبناء عليه فإنه لا يلزمه الصوم في هذه الحال، وإنما يلزمه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً، وذلك لأن العاجز عن الصوم له حالان؛ الحالة الأولى: أن يكون عجزه طارئاً بحيث يرجو أن يشفى من مرضه فيقضي ما فاته، فهذا ينتظر حتى يشفى ثم يقضي ما فاته، والحالة الثانية: أن يكون مرضه مرضاً مستمراً لا يرجى منه الشفاء، ففي هذه الحال يطعم عن كل يوم مسكيناً.
والإطعام له صفتان؛ الصفة الأولى: أن يجمع المساكين بعدد الأيام في آخر يوم من رمضان فيعشيهم، والصفة الثانية: أن يعطيهم شيئاً غير مطبوخ، وهو ما يقرب من كيلو من الرز لكل واحد.
الجواب: لا شيء أحسن من كتاب الله عز وجل في باب الزهد ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الزهد له مفهومان: مفهوم شرعي ومفهوم عرفي، فالمفهوم الشرعي أن الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، وليس المراد به أن يترك الإنسان الدنيا كلها ويتقشف ويكون في بيته لا يعرف ولا يُعرف، بل أن يترك ما لا ينفعه في الآخرة ولو عمل أعمالاً دنيوية، ولو خالط الناس، ولو ماشاهم.
وأما الزهد العرفي فهو التقشف، وكون الإنسان لا يتمتع بما أحل الله له، وإن كان نافعاً له في الآخرة، وكونه يقتصد على نفسه وينزوي في بيته، وهذا الزهد ليس مشروعاً، ولا يؤجر الإنسان عليه، لأنه قد يضيع فيه واجبات كثيرة، وقد يحرم نفسه من مباحات كثيرة لغير سبب، والإنسان الذي يحرم نفسه من المباحات التي أباحها الله بلا سبب شرعي يعد مذموماً لا ممدوحاً.
لهذا ينبغي أن نقول لهذه السائلة ولغيرها ممن يستمع: يجب أن نعرف معنى الزهد أولاً حتى نبحث عن الكتب التي تعين على الزهد، أو التي تبين الزهد، فالزهد قاعدته كما أشرت إليه: ترك ما لا ينفع في الآخرة، فممارسة شيء من أمور الدنيا وهو نافع في الآخرة لا يخرج به الإنسان عن الزهد، والانطواء على النفس وعدم الاختلاط مع الناس وكون الإنسان يتقشف ويمتنع مما أحل الله له ليس هذا من الزهد المحمود، بل هو من الزهد المذموم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر