الجواب: إن بيع التقسيط يكون على نوعين:
النوع الأول: أن تكون السلعة عند البائع مالكاً لها قبل عقد بيع التقسيط، فيبيعها بثمن مؤجل بأكثر من ثمنها حالاً، مثال ذلك: أن يكون عند شخص سيارة، فيأتي شخص آخر ليشتريها منه بثمن مؤجل، وتكون قيمة هذه السيارة بالثمن الحال ثلاثين ألفاً، وبالثمن المؤجل خمسة وثلاثين ألفاً، فيشتريها المشتري بالثمن المؤجل بخمسة وثلاثين ألفاً، فهذا البيع جائز؛ لدخوله في عموم قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282]؛ ولأن هذا نظير السلم الذي كان يُفعل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن السلم يعجل فيه الثمن ويؤخر فيه المثمن، وهذا بالعكس، عجل فيه المثمن وأخر فيه الثمن، لكن المعنى واحد، وهو تعجيل أحد العوضين وتأجيل أحدهم.
ولكن اختلف العلماء فيما إذا كان مقصود المشتري الدراهم، لكنه توصل إلى الحصول عليها بهذا العقد، فمن العلماء من منع ذلك، كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال: إن هذا حيلة على الربا، ومنهم من أجاز ذلك، وقال: إن المشتري له الحق أن يتصرف في السلعة بما شاء، من بيعها أو إبقائها، وهذه المسألة تسمى مسألة التورق، والورع بلا شك ترك التعامل بها، ولكن إن دعت الضرورة إليها، ولم يجد المشتري من يقرضه، ولا وجد وصولاً إلى السلم المعروف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان مضطراً إلى ذلك، فإنه بهذه الثلاثة الشروط أرجو أن لا يكون بها بأس.
أما النوع الثاني من بيع التقسيط، فهو أن لا تكون السلعة عند البائع، ولكن المشتري يعينها، ثم يأتي إلى تاجر من التجار ويقول: أنا أريد السلعة الفلانية فاشتريها لي وبعها علي بثمن مؤجل أكثر مما اشتريتها به، مثل: أن يكون المشتري يحتاج إلى سيارة يستعملها، فيجدها في المعرض، ولكن ليس عنده ثمنها، فيذهب إلى تاجر من التجار ويقول: أنا أريد السيارة الفلانية في المعرض الفلاني، وليس عندي ثمن، فيذهب التاجر ويشتري هذه السيارة بثمن حال، ثم يبيعها على هذا الطالب لها بثمن مؤجل أكثر مما اشتراها به، وهذا النوع حيلة على الربا، ووقوع في المحذور الذي يكون في الربا؛ وذلك لأن حقيقته أن التاجر أقرض هذا الطالب قيمة السلعة التي يريدها بزيادة، والقاعدة المعروفة عند أهل العلم أن كل قرض جر نفعاً للمقرض فإنه ربا؛ ولأن هذا العقد الذي صدر من التاجر عقد غير مقصود؛ لأنه لم يشتر هذه السلعة إلا بعد أن جاء هذا الطالب، فقد اشتراها من أجله، ومن أجل الزيادة الربوية التي يحصل عليها.
ودليل ذلك أن التاجر لم يكن يفكر أن يشتري هذه السيارة لولا أن هذا الطالب جاء وعرض عليه هذه الصفقة، واعتلال بعضهم بأن التاجر لا يُلزم الطالب بها إذا اشتراها له، اعتلال عليل؛ وذلك لأنه من المعلوم أن الطالب لم يعرض على التاجر شراء هذه السلعة له إلا وهو عازم على أن يتملكها، ولو كان عند التاجر شك حقيقي في أن هذا الطالب لا يقبل السلعة بعد شرائها ما اشتراها له، هذا من المؤكد المعلوم حسب العادة، وحسب الوضع الذي عليه حال هذا الطالب.
لذلك فإني أنصح إخواني المسلمين من تعاطي مثل هذه العقود التي ظاهرها الإباحة، ولكن مقصودها ما يوقع في التحريم، وليعلم أن الحيل على محارم الله لا تقلبها حلالاً، بل تزيدها خبثاً إلى خبثها، وتحريماً إلى تحريمها؛ لأن الحيل على محارم الله يقع فيها محذوران:
المحذور الأول: الوقوع في المعنى الذي حرمه الله ورسوله.
والثاني: الخداع لله عز وجل، والله سبحانه وتعالى لا تلتبس عليه الأمور، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وهو سبحانه وتعالى يوم القيامة يعذب الناس، بل هو سبحانه وتعالى يوم القيامة يحاسب الناس على ما في صدروهم، كما قال الله تعالى: إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ [الطارق:8-9]، أي: تختبر السرائر، وقال عز وجل: أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ [العاديات:9-10]، وبنو آدم لن يغنوا عن الإنسان شيئاً، فهو وإن تظاهر عندهم بالعمل المباح إذا كان المقصود به الشيء المحرم، لن يغنوا عنه من الله شيئاً، وليعلم اللبيب العاقل المؤمن أن رزق الله سبحانه وتعالى لا ينال بمعاصيه، وأن الله سبحانه وتعالى قد كتب على الإنسان وللإنسان ما اقتضته حكمته في الأزل، فالغني غني، والفقير فقير، فليتق الله وليجمل في الطلب، ولا ينال رزق الله تعالى بمعاصيه، يقول الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3]، ويقول الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4]، أسأل الله تعالى أن يعصمنا جميعاً من معاصيه، وأن يوفقنا لمراضيه.
الجواب: القول الراجح في هذه المسألة، أعني: مسألة الإغماء، إذا كان بغير اختيار من المريض فإنه لا قضاء عليه، أي: لا يقضي الصلاة التي فاتته؛ وذلك لأنه غير مكلف، حيث إن عقله قد غاب، ولا يصح قياسه على النائم الذي ثبت وجوب القضاء عليه بالسنة، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من نام عن صلاة نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك، ثم تلا قوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14] )، لأن الفرق بين المغمى عليه والنائم ظاهر جداً، فالنائم معه شيء من الإحساس، ولهذا يستيقظ إذا أوقظ، بخلاف المغمى عليه فإنه أشد منه تغطية للعقل، ولهذا لا يستيقظ إذا أوقظ.
أما إذا كان الإغماء بسبب من الإنسان، مثل أن يكون سببه تعاطي البنج أو نحو ذلك، فإنه يجب عليه القضاء؛ لأن الغيبوبة التي حصلت له كانت بفعله، فالقاعدة إذن أن من أغمي عليه بمرض أو حادث أو غير ذلك مما ليس له سبب فيه، فإنه لا يجب عليه قضاء الصلاة، وإذا كان إغماؤه بسبب منه، فإن عليه أن يقضي.
أما في الصوم، فإذا أغمي عليه في رمضان فإنه يقضي اليوم الذي أغمي عليه فيه، سواء كان يوماً واحداً أم أكثر، والفرق بين الصلاة والصيام ظاهر، فإن الحائض الممنوعة من الصوم شرعاً تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، كذلك هذا الذي منع من الصوم حساً، عليه أن يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة.
الجواب: لا يؤثر ذلك شيئاً، أي: أن مشي الأطفال على الأرض والفرش لا يستلزم نجاستها؛ لأن الشك لا يزول باليقين، واليقين هو أن هذه الأرض أو هذا الفرش طاهرة، فإذا شك الإنسان هل أصابتها نجاسة أم لم تصبها؟ فإنها لا تكون نجسة، بل هي طاهرة حكماً، ولا ينبغي للإنسان أن يوقع الشك في نفسه في مثل هذه الأمور؛ لأنه إذا أوقع الشك في نفسه فربما يتطور هذا الشك حتى يكون وسواساً يعجز عن التخلص منه، وقد ذكر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر على صاحب حوض، وأصابه هو وصاحب له من هذا الحوض، فطلب صاحبه من صاحب الحوض أن يبين له هل هو نجس أم طاهر؟ فقال له عمر : يا صاحب الحوض لا تخبرنا. هذا الأثر أو معناه، وهذا يدل على أنه لا ينبغي للإنسان التنطع فيما الأصل فيه الإباحة، أو الأصل فيه الطهارة، بل يبقى على الأصل حتى يزول هذا الأصل بيقين.
ويشهد لهذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يحس بالشيء في بطنه فيشكل عليه، هل خرج منه شيء أم لا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ( لا يخرج -يعني: من المسجد- حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً )، وهذه إشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البناء على الأصل وهو الطهارة، وعلى هذا فإذا كان عند الحمام نعال دخل بها ثم توضأ وخرج، ثم خلعها ثم مشى في بيته، فإنه لا بأس عليه في ذلك، ولا تنجس قدماه بوطئها على الأرض التي يطأها ويحس بها ويطأ عليها الصبيان.
وأنه بهذه المناسبة أقول: إنه لما كانت البيوت في غالبها اليوم مفروش بفرش يصعب حملها وغسلها، فإنه إذا وقعت نجاسة على هذه الفرش فإنها تجفف أولاً بالإسفنج، بحيث يُضغط على الإسفنج فوق المحل حتى يتشرب النجاسة، ثم يعصر في محل آخر في إناء أو غيره، ثم إذا نشف يصب عليه الماء ثلاث مرات، كلما صب عليه ماء فرك باليد ثم نشف، وبهذا يكون طاهراً.
الجواب: ذلك لا بأس به؛ لأنه من العادات المألوفة التي تنم عن تأدب من المتكلم، ولكن لو تركها لكان أحسن فيما أرى؛ وذلك لأن السلف الصالح يذكرون مثل هذه الأشياء، ولا يقولون للمخاطب: أعزك الله وأكرمك الله، ولكن الشيء الذي ينتقد أن بعض الناس إذا تحدث عن المرأة قال: أكرمك الله وما أشبه ذلك، فإن هذا ينهى عنه؛ لأن المرأة من بني آدم، والله عز وجل يقول: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا [الإسراء:70]، فإذا كان بنو آدم مكرمين عند الله عز وجل فكيف يقول المتكلم لمن خاطبه: أكرمك الله إذا ذكر المرأة؟! هذا شيء يُنكر، ولا ينبغي للإنسان أن يتفوه به.
الجواب: لا بأس به أيضاً، لا بأس أن يقول: فلان غفر الله له إن شاء الله؛ وذلك لأن هذه الجملة تفيد الرجاء وليست خبراً، إذ أن الخبر بهذه الصيغة لا يجوز؛ لأنه خبر عن أمر غيبي لا يعلمه إلا الله، فلا يجوز الإخبار بأن الله غفر لفلان أو رحم فلان أو ما أشبه ذلك؛ لأن هذا لا يعلم إلا بطريق الوحي، ولا وحي بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هذه الجملة يقصد بها الرجاء، أي: أرجو إن شاء الله أن يغفر الله لفلان، هذا هو معناها عند كل من يتكلم بها.
الجواب: الميت خارج بلده ليس بشهيد؛ لأن القول بأن موت الغريب شهادة ليس له مستند من الشرع، والشهيد هو الذي يقتل في سبيل الله، وهو الذي يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، وهذا نية -أعني: كونه يريد بقتاله أن تكون كلمة الله هي العليا- نية محلها القلب، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( ما من مكلوم يكلم في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله، إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً، اللون لون الدم والريح ريح المسك )، فأشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ( والله أعلم بمن يكلم في سبيله )، إلى أن الشهادة لا تنال إلا بنية صادقة، والنية الصادقة: هي ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ( سئل عن الرجل يقاتل حمية، ويقاتل شجاعة، ويقاتل ليرى مكانه، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله )، وعليه فإنه لا يجوز الجزم بأن من قتل في الجهاد يكون شهيداً بعينه؛ لأن هذا أمر يحتاج إلى توقيف، وأما على سبيل العموم، مثل أن يقال: من قتل في سبيل الله فهو شهيد فهذا جائز، وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بسند حسن أنه قال: إنكم تقولون: فلان شهيد وفلان شهيد، ولعله أن يكون قد أوقر راحلته، ولكن قولوا: من مات أو قتل في سبيل الله فهو شهيد. أي: على سبيل العموم، هذا بالنسبة للحكم عليه بالشهادة في الآخرة.
أما الحكم عليه بالشهادة في الدنيا، فإن هذا هو الأصل، أي: أن نعامل هذا الذي يقاتل في قتال يظهر منه أنه لإعلاء كلمة الله، أن نعامله معاملة الشهداء، في أنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، وإنما يدفن في ثيابه على ما هو عليه مع المسلمين.
أما بالنسبة للسؤال في القبر، فإنه قد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله لا يفتنون في قبورهم )، وقال: ( كفى ببارقة السيف على رأسه فتنة ).
الجواب: الصلاة عن المتوفى ليست بمشروعة، حتى وإن علم أنه قد ترك الصلاة، رجاء أن يشفى كما يفعله بعض الجهال من المرضى، يكون شديد المرض، وتصعب عليه الصلاة، أو يكون في ثيابه النجاسة، أو على فراشه نجاسة، ولا يستطيع أن يتطهر منها، فيؤخر الصلاة رجاء أن يشفى، ثم يقضي الصلاة، ولكنه يموت قبل ذلك، وهذا الفعل منكر، والواجب على المريض أن يصلي على حسب حاله، حتى ولو لم يتيسر له أن يتطهر في بدنه أو ثوبه أو مكان صلاته، فإنه يصلي ولو كان نجساً إذا لم يستطع أن يطهر ما أصابه من النجاسة، ولا يحل له أن يؤخر الصلاة، بل يصلي على حسب حاله؛ لقول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، وإذا قدر أنه مات وعليه صلوات فإنه لا يشرع قضاؤها؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن السلف الصالح، ولكن ينبغي لأهله وقرابته أن يكثروا من الاستغفار، وطلب التوبة من الله عز وجل لهذا الشخص.
وأما الحج والصوم فإنه يقضى عنه إذا فرط فيه، يعني: بحيث يكون قد قدر على أن يصوم، ولكنه لم يصم حتى مات، وهذا يقع كثيراً، مثل أن يكون الإنسان مسافراً في رمضان فيفطر، ثم ينتهي رمضان ويتمكن من القضاء، ولكنه يموت قبل القضاء، فهذا يقضى عنه؛ لحديث عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه )، فإن لم يصم عنه وليه فلا إثم عليه، ولكن يكفر عن الميت عن كل يوم بإطعام مسكين، وأما الحج فيقضى عنه أيضاً إذا كان قد فرط في أدائه، مثل أن يكون مستطيعاً على الحج، ولكنه مفرط فلم يحج، فإنه يقضى عنه.
الجواب: إذا شرع الإنسان في الصلاة وحده، ثم دخل معه آخر أو أكثر، فإنه لا حرج أن ينوي الإمامة بهم، وإذا نوى الإمامة فإنه يفعل ما يفعله الإمام، فإذا كانوا قد أدركوه في أول ركعة في صلاة جهرية فإنه يجهر بالقراءة، وإذا أدركوه في الثانية جهر بالقراءة أيضاً، وإن أدركوه في الثالثة فإنه لا يجهر بالقراءة، ولكن العلماء اختلفوا رحمهم فيما إذا بدأ الإنسان صلاته منفرداً، ثم دخل معه آخر أو أكثر، هل يصح أن ينوي الإمامة بهم أو لا؟ والصحيح أن ذلك جائز، وأن الإنسان إذا شرع في صلاته منفرداً، ثم دخل معه شخص أو أكثر، فلا حرج أن ينوي بهم الجماعة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر