الجواب: الاعتكاف: هو لزوم المسجد لطاعة الله عز وجل، هذا هو الاعتكاف الشرعي أن يلزم الإنسان نفسه البقاء في مسجد من مساجد الله عز وجل ليتفرغ للعبادة من صلاة وذكر وقراءة قرآن وغير ذلك مما يقرب إلى الله تعالى من العبادات، والاعتكاف المشروع المطلوب من الإنسان فعله هو الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان تحرياً لليلة القدر، وكان قبل ذلك قد اعتكف العشر الأول ثم الوسط، ثم قيل له: إنها -أي: ليلة القدر- في العشر الأواخر من رمضان، فاعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شرع لأمته الاعتكاف في غير رمضان، ولا أنه اعتكف في غير رمضان، إلا سنة ترك الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان ثم قضاه في شوال، هذا هو الاعتكاف المشروع أن يكون في العشر الأواخر من رمضان تحرياً لليلة القدر وتفرغاً للعبادة فيها، ولكن مع ذلك يصح الاعتكاف في غير رمضان، ودليل ذلك حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه استفتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ( يا رسول الله! إني نذرت أن أعتكف ليلةً أو يوماً في المسجد الحرام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوفِ بنذرك )، فدل هذا على جواز الاعتكاف في غير رمضان، ولكننا لا نطلب ذلك من الإنسان ولا نقول له: اعتكف في غير العشر الأواخر من رمضان؛ لأن ذلك لم يرد في السنة.
وأما ما ذكره بعض الفقهاء من أنه ينبغي للإنسان أنه إذا دخل المسجد أن ينوي الاعتكاف مدة اللبث فيه، فقول لا أصل له من السنة بل ظاهر السنة خلافه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رغب بالبكور إلى الجمعة وقال: ( من اغتسل ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، وفي الثانية كأنما قرب بقرة، وفي الثالثة كأنما قرب كبشاً أقرن، وفي الرابعة فكأنما قرب دجاجة، وفي الخامسة كأنما قرب بيضة )، ولم يشر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا إلى أن ينوي الإنسان المتقدم الاعتكاف مدة بقائه في انتظار الجمعة، ولو كان هذا من الأمور المشروعة لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليخفيه عن أمته؛ لأننا نعلم أنه صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على إبلاغ العلم، وأحرص الناس على نفع الخلق، فلا يمكن أن يدع شيئاً ينفعهم دون أن يخبرهم به، ولا أعلم إلى ساعتي هذه أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد الأمة إلى أن ينوي الرجل إذا دخل المسجد الاعتكاف مدة لبثه فيه، وعلى هذا فلا يسن لمن قصد المسجد للصلاة أو لقراءة العلم أو لدراسة أو ما أشبه ذلك أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه فيه.
ثم إن الاعتكاف يكون في المسجد الحرام، وفي المسجد النبوي، وفي المسجد الأقصى وفي غيرها من المساجد، وأما ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث حذيفة : ( أنه لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة )، فهذا إن صح فالمراد به الاعتكاف الأكمل والأفضل ما يكون في هذه المساجد الثلاثة؛ لأن هذه المساجد الثلاثة أفضل المساجد على وجه الأرض، وهي التي تضاعف فيها الصلاة وتشد إليها الرحال لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى ).
وقول السائل: هل الاعتكاف في المسجد الحرام أفضل من غيره؟ جوابه: نعم الاعتكاف في المسجد الحرام أفضل من الاعتكاف في المساجد الأخرى، ويليه الاعتكاف في المسجد النبوي، ويليه الاعتكاف في المسجد الأقصى، ثم المساجد الأخرى الأفضل منها فالأفضل.
ولكن هاهنا مسألة ينبغي أن نتفطن لها وهي أن مراعاة ذات العبادة أولى بمراعاة زمانها ومكانها أي: ما عاد إلى ذات العبادة من الفضائل أولى بالمراعاة مما عاد إلى مكانها أو زمانها، يعني: أن الإنسان لو كان اعتكافه في مسجد آخر غير المساجد الثلاثة أكمل وأشد خشوعاً لله عز وجل وأكثر في العبادة كان اعتكافه في هذه المساجد أفضل؛ لأن هذا الفضل يعود إلى ذات العبادة، ودليل هذا من السنة وكلام أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان )، ومقتضى هذا الحديث أن يؤخر الإنسان الصلاة عن أول وقتها حتى يقضي حاجته من مأكول أو تخلي، وهذا يستلزم تأخير الصلاة عن أول وقتها مع أن الصلاة في أول الوقت أفضل، لكن النبي صلى الله عليه وسلم ألغى مراعاة الزمان هنا من أجل إكمال العبادة ذاتها، وذكر أهل العلم أن رمل الطائف في طواف القدوم أولى من دنوه من الكعبة، وعللوا ذلك بأن الرمل فضيلة تتعلق بذات العبادة، والدنو من البيت فضيلة تتعلق بمكانها، ومراعاة ما يتعلق بذات العبادة أولى من مراعاة ما يتعلق بمكانها، وهذه نقطة ينبغي للإنسان -ولا سيما طالب العلم- أن يلاحظها وهي المحافظة على فضيلة ذات العبادة أكثر من المحافظة على مكانها وزمانها.
مداخلة: ما هي الأمور التي يجب أن يفعلها المعتكف؟
الشيخ: هو لا يجب عليه فعل شيء أكثر من غيره، لكنه يتجنب أشياء لا يتجنبها غيره، ومنه قوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187] فيحرم على المعتكف مباشرة النساء في حال الاعتكاف، ويحرم عليه أيضاً أن يخرج من معتكفه إلا لما دعت الحاجة إليه، كالخروج إلى الأكل والشرب إذا لم يتأت حصولهما عنده في المسجد، وكخروجه إلى البول أو الغائط، وكخروجه لغسل واجب لا يحصل له في المسجد، وما أشبه ذلك من الأمور الضرورية.
الجواب: نعم المرأة يشرع لها الاعتكاف كما يشرع للرجل، لكن بشرط ألا يترتب على ذلك مفسدة أو فتنة، فإن كان يترتب على ذلك مفسدة أو فتنة فإنها لا تعتكف، فلو كان يترتب على اعتكافها أن يضيع أولادها في بيتها، أو أن تهدر حق زوجها فليس لها أن تعتكف.
الجواب: الذي نرى أن حلق اللحية محرم؛ لأنه معصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن عصى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد عصى الله؛ ولأنه مشابهة للمشركين والمجوس، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بمخالفة المشركين والمجوس، وقال: ( من تشبه بقوم فهو منهم )، فلا يجوز للإنسان أن يحلق لحيته، بل الواجب عليه توفيرها وإرخاؤها وإعفاؤها كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الجواب: نعم لا حرج عليه في مثل هذه الحال أن تحج قبل الوفاء بالنذر إذا كان الوفاء بالنذر أمراً متيسراً بعد الحج وأنه قبل الحج لا يمكن؛ لأنه في بلدك وأنت الآن في بلد آخر لا يمكنك أن تذهب إلى بلدك قبل حلول موسم الحج، ولكن ليت السائل بين لنا لماذا لا يكون وفاء النذر إلا في بلده، هل هو لأنه نذره لأحد من أقاربه لا يوجد في البلد الثاني؟ ما أدري ما الذي جعله يكون متعيناً في بلده؛ لأنه إذا كان المقصود المكان فقط فإن وفاء النذر في مكة مثلاً أفضل من وفائه في أي بلد آخر، ويجوز للإنسان أن ينقل النذر من المكان المفضول إلى المكان الفاضل، ودليل ذلك أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( إني نذرت إن فتح الله عليك أن أصلي في المسجد الأقصى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: صل هاهنا )، يعني: في مكة فأعاد عليه فقال: ( صلي هاهنا ) فأعاد عليه فقال له: ( شأنك إذن )، وهذا يدل على أن نقل النذر من المكان المفضول إلى المكان الفاضل لا بأس به؛ لأن أصل النذر إنما يقصد به وجه الله، فكلما كان أشد تقرباً إلى الله كان أولى بأن يوفى به النذر.
الجواب: قال العلماء: إن وضع اليدين في حال السجود أن يضم الأصابع بعضها إلى بعض، وأن يوجهها إلى القبلة، وأن تكون اليد بحذاء المنكب أو بحذاء الأذنين، كل ذلك -أعني: كونها بحذاء المنكب أو بحذاء الأذنين- جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما بالنسبة للذراع والعضد فإن الذراع يكون قائماً لا منبطحاً على الأرض ولا مقرباً منها ولكنه يكون قائماً، والعضد يكون منفرجاً عن الجنب إلا إذا كان في الصف وكان تفريجه يؤذي من إلى جانبه فإنه لا يفعل ذلك؛ لأن إيذاء الغير إما مكروه أو محرم، وتفريج العضدين عن الجنبين أمر مستحب، ولا ينبغي للإنسان أن يقع في مكروه أو محرم من أجل المحافظة على أمر مستحب.
الجواب: إذا كان الإنسان مسافراً وصلى خلف إمام يتم فإنه يجب عليه الإتمام سواء أدرك الصلاة من أولها أم من آخرها، وإذا كان يريد أن يجمع فإنه يجمع الصلاة بعد أن يقضي ما يجب عليه من الصلاة الأولى، ويقصرها لأن وجوب الإتمام عليه في الصلاة الأولى إنما كان من أجل ائتمامه بمن يتم، فإذا صلى وحده بعد انتهاء الصلاة الأولى فإنه يقصر الصلاة.
الجواب: لا بأس بصيام يوم الجمعة تطوعاً إذا ضم إليه الخميس أو السبت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على إحدى نسائه وهي صائمة يوم الجمعة، فقال لها: ( أصمت أمس قالت: لا، قال: أتصومين غداً، قالت: لا، قال: فأفطري )، فدل هذا على أن صيام يوم الجمعة لا بأس به إذا ضم إليه الخميس أو السبت، أما إذا أفرده فإنه مكروه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام ).
الجواب: إذا بلع الصائم ريقه فإن صومه لا يفسد بذلك، ولا يمكن لأحد أن يقول: إن الصائم إذا بلع ريقه أفطر؛ لأن تحاشي بلع الريق أمر شاق جداً، ولا يمكن أن تأتي الشريعة بمثله، وعلى هذا فإننا نقول: إذا بلع الصائم ريقه فإن صومه صحيح ولا يفسد بذلك.
الجواب: إذا كان الإنسان معتمراً وكان فيه جرح فخرج منه دم فإن ذلك لا يؤثر على عمرته شيئاً، وكذلك لو كان حاجاً وكان فيه جرح فخرج منه دم فإن ذلك لا يؤثر في حجه شيئاً، وكذلك لو انجرح أثناء إحرامه فخرج منه دم فإن ذلك لا يؤثر في نسكه شيئاً، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه احتجم وهو محرم ولم يؤثر ذلك على نسكه شيئاً.
وأما بالنسبة لنقض الوضوء مما خرج من الجرح من الدم فإننا نقول: إنه لا ينقض الوضوء مهما كثر فالدم الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء ولو كثر؛ وذلك لعدم الدليل الصحيح الصريح في نقض الوضوء بذلك، وإذا لم يكن هناك دليل صحيح صريح في نقض الوضوء به فإن الأصل بقاء طهارته، ولا يمكن أن نعدل عن هذا الأصل وننقض الطهارة إلا بشيء متيقن؛ لأن القاعدة: أن اليقين لا يزول بالشك، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال فيمن وجد في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا قال: ( لا يخرج -يعني: من المسجد وكذلك من صلاته- حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً )؛ وذلك لأن هذا الشك الطارئ على يقين الطهارة لا يؤثر، وكذلك الحدث المشكوك في ثبوته شرعاً لا يؤثر على الطهر المتيقن.
وخلاصة القول: إن الدم الخارج من الجرح في أثناء الإحرام بحج أو عمرة لا يؤثر، وأن الدم الخارج من غير السبيلين من غير القبل أو الدبر لا ينقض الوضوء سواء قل أم كثر، وكذلك لا ينتقض الوضوء بالقيء أو بالصديد الخارج من الجروح أو غير ذلك؛ لأن الخارج من البدن لا ينقض منه الوضوء إلا ما كان من السبيلين، أي من القبل أو من الدبر.
الجواب: ظاهر الحديث أن المراد بذلك القراءة سواء كان عن ظهر قلب أو من مصحف وفضل الله تعالى واسع يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:21].
الجواب: الصحيح فيمن اغتاب أحداً من الناس أنه لا يمكن أن يكون منه فيه من حل حتى يستحله شخصياً إذا كان هذا الذي اغتيب قد علم بالغيبة، فإن كان لم يعلم بذلك فإنه يكفي أن يستغفر له، ويذكره بالخير في المجالس التي اغتابه فيها؛ لأن الغيبة من كبائر الذنوب وهي: ذكرك أخاك بما يكره؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الغيبة: ( الغيبة ذكرك أخاك بما يكره ).
وقد نص الإمام أحمد رحمه الله: على أن الغيبة من كبائر الذنوب التي لا تغفر إلا بتوبة فلا تكفرها الصلاة ولا الصدقة ولا الصيام ولا الحج بل لا بد فيها من توبة، وليعلم أن الغيبة من كبائر الذنوب لعامة المسلمين، فإذا كانت لخاصتهم كاغتياب العلماء أو ولاة الأمور كانت أشد إثماً وكبراً؛ لأن اغتياب العلماء ليس اغتياباً لهم شخصياً ولكنه اغتياب لهم شخصياً، وتقليل لقيمتهم العلمية وهم هداة الأمة، فإذا قلّت قيمتهم العلمية قلّ اهتداء الناس بهم، وكان ذلك إضعافاً لمصدر من مصادر الشريعة، وهم العلماء.
وأقول: لمصدر من مصادر الشريعة لأننا لا نعلم الشريعة إلا عن طريق أهل العلم؛ فإنهم ورثة الأنبياء، فإذا قلنا قولاً يقلل من شأنهم، ثم قلت قيمتهم بين الناس، قل قبول الناس لقولهم، وانجرحت الشريعة بسبب ذلك، وأما اغتياب ولاة الأمور ففيه أيضاً تقليل لهيبتهم، وإضعاف لامتثال الناس أمرهم، وسبب للتمرد عليهم، فكانت غيبتهم أعظم من غيبة عامة الناس، وأشد خطراً وأكبر إثماً؛ فلذلك أحذر إخواني المسلمين من غيبة العلماء وغيرهم من ولاة الأمور، ولست بذلك أقول كفوا عن مساوئهم، ولا أن هؤلاء العلماء أو الأمراء معصومون، بل هم يخطئون كغيرهم، ولكن الطريق السليم أن نتصل بالعلماء الذين رأينا منهم ما ينبغي التنبيه عليه، أو يجب التنبيه عليه، فنذكر لهم ما أخطئوا فيه، وهم بخطئهم قد يكونوا معذورين إما بتأويل أو بجهل في الواقع، أو لغير ذلك من الأعذار، فإذا اتصلنا بهم وبينا لهم ما نرى أنه خطأ، وناقشناهم فيه، فقد يكون الصواب معهم ونكون نحن المخطئين، وقد يكون الصواب معنا، وحينئذٍ يلزمهم أن يرجعوا إلى الصواب.
والخلاصة: أن الغيبة من كبائر الذنوب لأي واحد من المسلمين، وإنها لتتعاظم ويكبر إثمها فيما إذا كانت للعلماء أو ولاة الأمور، فنسأل الله تعالى أن يحمي ألسنتنا مما يغضبه، ونسأل الله تعالى على أن يكفنا عن مساوئ غيرنا، ويكف غيرنا عن مساوئنا، وأن يجعلنا ممن رأى الحق حقاً واتبعه، ورأى الباطل باطلاً واجتنبه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر