الجواب: يقول العلماء: إن السلام على قارئ القرآن أو على غيره ممن هو مشتغل بقراءة كتاب أو نحو ذلك لا تنبغي؛ لأن هذا يشغله، وكثير من الناس الذين يقرءون القرآن ولا سيما الذين يقرءون عن ظهر قلب إذا سلم عليهم أحد ارتبكوا ثم نسوا أين وقفوا؛ لأن الأمر يأتيهم بغتة، فربما يكررون الآيات عدة مرات إذا كثر المسلمون عليهم، لهذا لا ينبغي أن تسلم على من كان مشغولاً إلا إذا انتهى شغله فبإمكانك أن تسلم، هذا ما لم يكن هذا المشغول من ذوي الإحساس والشعور المرهف الذي يظن أنك لم تسلم احتقاراً له، أو هجراً له فحينئذٍ سلم درأً لهذه المفسدة.
أما المصلي فقد ورد السلام عليه، إذا دخلت على شخص وهو يصلي وسلمت عليه فلا بأس، ولكن لا يرد عليك باللفظ، فيقول: عليك السلام؛ لأنه إذا رد عليك باللفظ قاصداً عالماً أن الكلام يبطل الصلاة فإن صلاته تبطل، ولكنه يرد بالإشارة، يرفع يده مشيراً إلى أنه أحس بك ورد عليك السلام، ولكن لا يرفعها كما يرفعها كثير من الناس حتى تكون حذو أذنيه، إنما يرفعها رفعاً يسيراً يعرف به المسلم أنه أحس به ورد عليه السلام، ثم إن بقي هذا المسلم حتى سلمت فرد عليه السلام لفظاً وتحدث إليه إذا شئت، أما إذا انصرف فتكفي الإشارة الأولى.
الجواب: إذا أذن المؤذن الأفضل أن تقطع القراءة وتجيب المؤذن؛ لأن هذا ذكر خاص في وقت خاص، وقراءة القرآن يمكن أن تقرأه في أي وقت، فالذكر الخاص في وقته عند وجود سببه أفضل من الذكر العام، وإن كان الذكر العام قد يكون أفضل في نفسه لكن الذكر الخاص في وقته الخاص عند سببه يفوت إذا لم تفعله.
وعلى هذا؛ فإذا سمعت المؤذن وأنت تقرأ القرآن فاقطع القرآن وأجب المؤذن، تقول مثل ما يقول إلا في حي على الصلاة حي على الفلاح فتقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وفي أذان الفجر إذا قال: الصلاة خير من النوم تقول مثل ما يقول أيضاً على القول الراجح، ثم إذا فرغت فصل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قل: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد.
وأما قول: رضيت بالله رباً، وبمحمدٍ رسولاً، وبالإسلام ديناً، فتكون عند الانتهاء من الشهادتين، يعني: في أثناء الأذان.
الجواب: ميقات أثيوبيا والصومال إذا جاءوا من جنوب جدة أن يحاذوا يلملم التي وقتها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأهل اليمن، وإن جاءوا من شمال جدة فميقاتهم الجحفة التي وقتها النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الشام، وجعل الناس بدلاً منها رابغ، أما إذا جاءوا من بين ذلك قصداً إلى جدة فإن ميقاتهم جدة؛ لأنهم يصلون إلى جدة قبل محاذاة الميقاتين المذكورين، فيحرمون من جدة، هذا إذا جاءوا للعمرة أو الحج، أما من جاء للعمل وقد أدى فريضة العمرة والحج فله ألا يحرم أصلاً؛ لأن الحج والعمرة لا يجبان إلا مرةً في العمر، فإذا أسقطهما الإنسان لم يجبا عليه مرةً أخرى اللهم إلا بنذر، ومن قدم للحج أو للعمرة ولم يحرم إلا بعد أن جاوز الميقاتين وهو قد مر بأحدهما، فإن أهل العلم يقولون: إن إحرامه صحيح، ولكن عليه دم يذبح في مكة ويوزع على الفقراء؛ لأنه ترك واجباً من واجبات الإحرام، وهو كونه من الميقات، فمن حصل له مثل ذلك فعليه دم في مكة ويوزع على الفقراء إن كان غنياً، وإن كان فقيراً فليس عليه شيء؛ لقول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
الجواب: لا شك أن العمرة كما قال السائل: لم تتم، حيث أن سعيها لم يتم، والواجب عليهم أن يعودوا محرمين إلى مكة، ويكملوا السعي، ولكنهم يبدءون به من الأول، فيسعون سبعة أشواط ويحلقون أو يقصرون، وما فعلوه من المحظورات قبل هذا فإنه لا شيء عليهم؛ لأنهم جاهلون، ولكنني آسف أن تمضي هذه المدة وهم قد عملوا هذا العمل ويعلمون أن عمرتهم لم تتم، ثم لم يسألوا عن ذلك في حينه؛ لأن الواجب على المسلم أن يحرص على دينه أكثر مما يحرص على دنياه، وإذا كان لو فاته شيء من الدنيا لبادر في استدراك ما فاته، فما باله إذا فاته شيء من عمل الآخرة لم يهتم به إلا بعد مدة، قد يمضي سنة أو سنتان أو أكثر وهو لم يسأل، وهذا من البلاء الذي ابتلي به كثير من الناس، بل من المؤسف حقاً أن بعض الناس يقول: لا تسأل فتخبر عن شيء يكون فيه مشقة عليك، ثم يتأولون الآية الكريمة على غير وجهها، وهي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ أن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ [المائدة:101] ، فإن النهي عن ذلك إنما كان وقت نزول الوحي الذي يمكن أن تتجدد الأحكام فيه أو تتغير، أما بعد أن توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فالواجب أن يسأل الإنسان عن كل ما يحتاجه في أمور دينه.
الجواب: الواجب عليك أن تقوم بنصحهم وإرشادهم، وتخويفهم من الله عز وجل، وإذا كنت تخشى ألا يثقوا بقولك فاستعن على ذلك بأقوال أهل العلم الذين يثق بهم هؤلاء، وائت إليهم بشيء من كتبهم إن كان لهم كتب، أو أجوبتهم، أو أشرطتهم، حتى يقتنعوا بهذا، فإن لم تتمكن من ذلك أو تمكنت وفعلت ولكن لم يستفيدوا شيئاً فحينئذٍ يجب عليك أن ترفع أمرهم إلى من له السلطة عليهم، بحيث يلزمهم بما يجب عليهم في حق الله سبحانه وتعالى.
وليعلم أن من أهم حقوق الجيران: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: ( إذا طبخت مرقةً فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك )، وإذا كان قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ).
فالواجب علينا أن نحرص على هداية جارنا؛ لأن هدايته غذاء للروح، وخير له في دينه ودنياه، ولا يقل أحد: أخشى إن نصحته أن يزعل علي أو يهجرني، فإن هذا من تخويف الشيطان، بل انصحه ومره بالمعروف وانهه عن المنكر؛ لأن هذا هو الواجب عليك، والواجب عليه قبول الحق من أي نفر كان، فإن لم يقبل برئت ذمة الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، وصار الإثم على من خالف.
الجواب: إذا فاتت الصلاة الجهرية فإنها تقضى جهراً ولو كان قضاؤها في النهار؛ لأن ذلك هو الذي جاءت به السنة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن من المعلوم أن الجهر في صلاة الليل إنما يسن لمن يصلون جماعة، أما المنفرد فإن جهره ليس بسنة وإسراره ليس بسنة، بمعنى أنه إن شاء جهر وإن شاء أسر، فلا نقول لمن قضى الصلاة وحده في النهار وهي صلاة ليلية: اجهر فيها، بل نقول: إنه مخير كما أنه مخير فيما لو صلاها ليلاً.
السؤال: عرفنا حكم حلق اللحية ولكن ما حكم من أخذ بعضاً من لحيته هل يدخل هذا في الحلق أيضاً؟
الجواب: حلق اللحية عرفنا أنه حرام من قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( خالفوا المجوس، وفروا اللحى، وحفوا الشوارب )، وفي لفظ: ( أرخوا اللحى )، وفي لفظ: ( أوفوا اللحى ).
والقص منها مخالفة لهذا الأمر؛ لأن من قصها فإنه لم يرخها، ولم يوفها، ولم يوفرها، ولكن لا شك أن القص أخف من الحلق؛ لأن الحلق إذهاب للشعر بالكلية، والقص إذهاب لبعضه، وإذهاب البعض ليس كإذهاب الكل، لكن هو داخل في المعصية إذا أخذ منها شيئاً.
وعلى هذا؛ فالواجب على من يتقي الله عز وجل أن يتجنب حلق اللحية والأخذ منها، وسيسهل عليه ذلك إذا كان قد عزم وصمم واحتسب الأجر من الله، فإنه يهون عليه الأمر، يهون عليه إعفاء اللحية وإبقاؤها ولو طالت؛ لأن الإنسان إذا كان يحتسب ما يقوم به على الله عز وجل وينتظر ثوابه بذلك فإنه يهون عليه كل شيء.
الجواب: نقول لمثل هؤلاء الذين يعملون السيئات ويتكلون على مغفرة الله ورحمته: إنهم على خطر عظيم، فإن الله تعالى يقول في كتابه: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ [الحجر:49-50] .
ويقول جل وعلا: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ [المائدة:98-99] .
فهذا الابتكار الذي يحصل من بعض الناس المفرطين المهملين لا شك أنه من إيهام الشيطان ووحي الشيطان، وما يدري هذا الرجل ما يدريه أن تكون هذه المعاصي التي هي في نفسه سهلة بريداً لمعاصي أكبر منها، ثم للكفر بالله عز وجل؛ ولهذا قال أنس بن مالك رضي الله عنه: كنتم تعملون أعمالاً هي في أعينكم أدق من الشعر، وإنها -يعني عند الصحابة- لمن الموبقات. وقال أهل العلم: الإصرار على الصغيرة كبيرة، والكبائر لا تغفر إلا بتوبة، مع أن الهمز واللمز إذا كان بالنسبة للمؤمنين فقد توعد الله عليه بالويل، فقال: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة:1] .
فالواجب على المؤمن أن يتقي الله عز وجل، وأن يعلم أن الله شديد العقاب، وأنه غفور رحيم، ففي جانب المعاصي يجب أن ينظر من زاوية العقاب حتى يرتدع عن المعصية، وفي جانب الأوامر إذا قام بها وحصل شيء من التقصير ينظر من زاوية المغفرة والرحمة، وبهذا السير على هذا النحو يتحقق أن يكون سيره على الوجه المطلوب، أي: بين الخوف والرجاء، فإن الإنسان إذا سار إلى الله عز وجل مغلباً جانب الرجاء فقد يغلب عليه الأمن من مكر الله، وإذا سار إلى الله مغلباً جانب الخوف فقد يغلب عليه القنوط من رحمة الله، وإذا سار إلى الله بين الخوف والرجاء فقد سار بجناحين متساويين، فيخاف عند الهم بالمعصية، ويرجو عند فعل الطاعة.
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: ينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه واحداً، فأيهما غلب هلك صاحبه.
وقال بعض أهل العلم: الأولى أن يغلب جانب الرجاء؛ لقوله تعالى في الحديث القدسي: ( أنا عند ظن عبدي بي )، وقال آخرون: ينبغي أن يغلب جانب الخوف حتى يعصمه ذلك من فعل الذنوب.
وقال بعض العلماء: يغلب في حال المرض جانب الرجاء حتى يلقى الله عز وجل وهو يحسن الظن به، وفي حال الصحة يغلب جانب الخوف حتى يحمله ذلك على ترك المحرمات وفعل الواجبات.
وقال آخرون: يغلب عند فعل الطاعة جانب الرجاء، وأن الله تعالى يقبلها منه كما يسر له فعلها، وعند الهم بالمعصية يغلب جانب الخوف حتى يردعه خوفه عن فعل هذه المعصية، وهذا الأخير هو أقرب الأقوال، أن يكون الإنسان عند فعل الطاعة مغلباً لجانب الرجاء، وأن الذي يسرها له سيمن عليه بقبولها، وعند الهم بالمعصية يغلب جانب الخوف ليمنعه ذلك عن فعل هذه المعصية، والإنسان في الحقيقة له أحوال، أحياناً يجد نفسه منشرحاً مقبلاً على الله مغلباً جانب الرجاء، وأحياناً بالعكس يكون خاملاً ساكناً فيغلب جانب الخوف، والإنسان كما يقول بعض الناس: طبيب نفسه، المهم ألا يصل إلى درجة يقنط من رحمة الله، ولا إلى درجة يأمن فيها مكر الله.
الجواب: الولي على المرأة من أب أو أخ أو عم مسئول عن ولايته أمام الله عز وجل، يجب عليه أداء الأمانة، فإذا تقدم إلى موليته شخص ذو خلق ودين، ورضيت المرأة بذلك فإن عليه أن يزوجه، ولا يحل عليه أن يتأخر؛ لأن ذلك خلاف الأمانة، بل هو خيانة، قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [الأنفال:27-28] .
فالواجب على المرء الذي ولاه الله على امرأة إذا تقدم لها خاطب كفء في دينه وخلقه أن يزوجه إذا رضيت، وليعلم أن المرأة تحس بما يحس به هو من الشهوة، فما أدري لو أن أحداً منعه من أن يتزوج وهو شاب ذو شهوة ما أدري هل يرى أنه ظالم له أم غير ظالم؟ أعتقد أنه سيقول: إنه ظالم لي، فإذا كان يقول ذلك بالنسبة لمن منعه أن يتزوج فكيف يعامل به هذه المسكينة التي لا تملك أن تزوج نفسها، ولا يمكن أن يقدم على تزويجها أحد من أقاربها، والولي الأقرب موجود، لقد ظلت فتيات عوانس وبلغن سناً كثيراً لم يحصل لهن الزواج بسبب هؤلاء الأولياء الظلمة، والعياذ بالله، ولقد حُدّثت عن امرأة شابة كان أبوها يمنعها أي: يمنع الخطاب من تزويجها، فتأثرت بذلك ومرضت المرأة، وبينما هي على فراش الموت قد احتضرت قالت للنساء حولها: أبلغن أبي السلام، وقلن له: إن بيني وبينه موقفاً بين يدي الله يوم القيامة، يعني: أنها ستطالبه يوم القيامة على ما فعل حيث منعها الرجال، وربما كان مرضها وموتها بسبب القهر.
ولهذا نقول: من منع موليته أن يزوجها كفواً قد رضيته فللزوجة أن تطالب عند القاضي، والقاضي يجب عليه إجابة طلبها ليزوجها هذا الكفء الذي رضيته، أن يوكل أقرب الناس إليها بعد وليها الذي امتنع، أو يعمل ما يرى أنه موافق للشرع، ولكن قد لا تتمكن المرأة من ذلك حياءً أو خوفاً من مخالفة العادات، أو ما أشبه ذلك، وحينئذٍ لا يبقى إلا سطوة شديد العقاب رب العالمين عز وجل، فليخف هذا الولي من الله وليتق ربه، وإني أقول كما قال العلماء رحمهم الله: إن الولي إذا تكرر رده الخطاب فإنه يكون فاسقاً تنتفي عنه العدالة، ولا يتولى أي عمل تشترط فيه العدالة، تنتقل الولاية منه إلى من كان بعده من الأولياء.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر