الجواب: تعليق الآيات على صدور الصبيان منهيٌ عنه؛ لأنه داخلٌ في التمائم في عمومها، إذ إن الأحاديث الواردة في ذلك لم تستثن شيئاً مما يعلق، ثم إن فيه عرضة لامتهانه؛ لأن الصبي لا يحترز من وقوع الأذى على هذا الذي علق عليه من القرآن، وربما يتلطخ بشيء نجس، وربما يدخل به بيت الخلاء وما أشبه ذلك؛ لهذا ينهى عن هذا العمل، ويقال: إذا أردت أن تعوذ أبناءك بشيء فعوذهم بالقراءة عليهم، ومن العلماء من رخص في تعليق المكتوب من القرآن على المريض للاستشفاء به، واستدل بعموم قوله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا [الإسراء:82] والاحتياط ألا يفعل ذلك لا لدفع البلاء كما ذكره السائل، ولا لرفعه كما أشرنا إليه، وليكن مستعملاً لما جاءت به السنة من تعويذ الإنسان بالقراءة، والقراءة على المريض كذلك بما جاءت به السنة.
الجواب: نعم المعاصي يعاقب عليها الإنسان، إلا إذا كانت دون الشرك فإنها داخلةٌ تحت مشيئة الله عز وجل، وهذه المعاصي لا شك أنها واقعة بعلم الله ومشيئة الله، وأنها مكتوبة على العبد في اللوح المحفوظ، ومكتوبة على العبد وهو في بطن أمه، ولكن هذه الكتابة ليست معلومة حتى يكون الإنسان بنى عمله عليها، لو كان يعلمها فبنى عمله عليها لقلنا: إن له حجة لكنه لم يعلمها، فمن يعلم أن الله تعالى قدر له أن يعصي الله وهو لم يعصه حتى الآن، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا [لقمان:34] ولهذا يكون إقدام العاصي على المعصية إقداماً بلا علمٍ أن الله قدرها عليه حتى تقع منه، والحجة لا تكون حجةً حتى تكون سابقةً على العمل الذي احتج بها عليه؛ ولهذا قال بعض العلماء: إن القدر سرٌ مكتوم لا يعلم حتى يقع، وهذا صحيح، من يعلم أن الله قدر أن ينزل المطر غداً حتى ينزل غداً ونعلم أن الله قدره، من يعلم أن فلاناً يعصي الله غداً حتى يعصي الله هذا الرجل فنعلم أن الله قدره؛ ولهذا لا حجة للإنسان العاصي بقدر الله على شرع الله، فالشرع لا يحتج عليه بالقدر أبداً؛ ولهذا قال الله تعالى مبطلاً هذه الدعوى -أي: دعوى القدر- سَيَقُوْلُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا [الأنعام:148] ، ولو كانت الحجة صحيحة لم يستحقوا أن يذوقوا بأس الله.
وقال الله تعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165] ، ولو كان القدر حجة لم يرفعها إرسال الرسل، ولما أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( أنه ما من أحدٍ إلا كتب مقعده من الجنة أو من النار، قالوا: يا رسول الله! أفلا ندع العمل ونتكل قال: اعملوا فكلٌ ميسرٌ لما خلق له، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:5-10] ).
فنحن نقول للإنسان: القدر علمه عند الله عز وجل، وهو سرٌ مكتوم، وأنت مأمورٌ بأن تعمل العمل الصالح، وأن تتجنب العمل السيئ، فقم بما أمرت به، اعمل عملاً صالحاً، واجتنب العمل السيئ، وهذا هو المطلوب منك، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
الجواب: الواجب على من كان له قرناء فيهم بدعة أن ينصحهم، ويبين لهم أن ما هم عليه بدعة، لعل الله أن يهديهم على يديه، حتى ينال أجرهم، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام لـعلي بن أبي طالب : ( لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم )، فإن أصروا على ما هم عليه من البدعة فإن كانت البدعة مكفرة وجب عليه هجرهم والبعد عنهم، وإن لم تكن مكفرة فلينظر هل في هجرهم مصلحة؟ إن كان في هجرهم مصلحة هجرهم، وإن لم يكن في هجرهم مصلحة فلا يهجرهم؛ لأن الهجر دواء إن كان يرجى نفعه فليفعل، وإن لم يرج نفعه فلا يفعل؛ لأن الأصل أن هجر المؤمن محرم، والعاصي من المؤمنين لا يرتفع عنه اسم الإيمان، فيكون هجره في الأصل محرماً، لكن إذا كان في هجره مصلحة لكونه يستقيم ويدع ما يوجب فسقه فإنه يهجر وإلا فلا، هذا هو الضابط في الهجر الذي تجتمع فيه الأدلة.
وخلاصته: أن هجر الكافر المرتد واجب إذا لم يفد فيه النصيحة، وهجر الفاسق ليس بجائز إلا إذا كان في هجره مصلحة، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( لا يحل لأحدٍ أن يهجر أخاه المؤمن يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام )، إلا إذا كان في هجره مصلحة فيهجر كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في كعب بن مالك وصاحبيه حين تخلفوا عن غزوة تبوك.
الجواب: الرقية الشرعية ما جاءت به السنة، مثل: اللهم رب الناس أذهب البأس واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقماً.
وغير الشرعية هي البدعية أو الشركية، فما كان بدعة أو شركاً فإن الرقى به محرمة، ولا تزيد الإنسان إلا ضرراً ومرضاً، وإن قدر أنه شفي بها فهو لم يشف بها في الواقع، وإنما كان الشفاء عندها لا بها امتحاناً من الله سبحانه وتعالى لهذا الرجل الذي رقى بالشرك أو بالبدع.
وأما الأدعية المباحة التي ليست ببدعة فالرقى بها جائزة.
فتبين بهذا أن الرقى أربعة أقسام: ما جاءت به السنة فالرقية به مشروعة مستحبة، وما كان شركاً أو كان بدعة فالرقية به محرمة، وما كان دعاءً مباحاً لا شرك فيه ولا بدعة لكنه ليس مما ورد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالرقية به جائزة؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في الرقى: ( لا بأس بها ما لم تكن شركاً ).
الجواب: التوسط في الدين أو الوسطية أن يكون الإنسان بين الغالي والجافي، وهذا يدخل في الأمور العلمية العقدية، وفي الأمور العملية التعبدية، فمثلاً في الأمور العقدية انقسم الناس فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته إلى ثلاثة أقسام: طرفان ووسط، طرفٌ غلا في التنزيه فنفى عن الله ما سمى ووصف به نفسه، وقسم غلا في الإثبات، فأثبت لله ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات لكن باعتقاد المماثلة، وقسمٌ وسط أثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات لكن بدون اعتقاد المماثلة بل باعتقاد المخالفة، وأن الله تعالى لا يماثله شيءٌ من مخلوقاته، مثال الأول الذين غلوا في التنزيه: الذين يقولون: إن الله تعالى لا يوصف إلا بصفاتٍ معينة حددوها وادعوا أن العقل دل عليها، وأن ما سواها لا يثبت؛ لأن العقل بزعمهم لم يدل عليها، فمثلاً أثبتوا صفة الإرادة لله وقالوا: إن الله تعالى مريد، لكنهم نفوا صفة الرحمة عنه، وقالوا: معنى الرحمة الإحسان أو إرادة الإحسان، وليست وصفاً في الله عز وجل، فتجد هؤلاء أخطئوا حيث نفوا ما وصف الله به نفسه، بل نفوا ما كانت دلالة العقل فيه أظهر من دلالة العقل على ما أثبتوه، فإن إثباتهم للإرادة بالطريق العقلي أنهم قالوا: إن تخصيص المخلوقات بما تختص به مثل هذا سماء وهذه أرض، وهذه بعير وهذه فرس، وهذا ذكر وهذا أنثى، هذا التخصيص يدل على إرادة الخالق أنه أراد أن يكون الشيء على هذا فكان، فنقول لهم: إن دلالة نعم الله عز وجل ودفع نقمه تدل على الرحمة أكثر مما يدل التخصيص على الإرادة، لكن مع ذلك نفوا الرحمة وأثبتوا الإرادة بناءً على شبهةٍ عرضت لهم.
القسم الثاني: الذين غلوا في الإثبات وهم أهل التمثيل، قالوا: نثبت لله عز وجل الصفات لكن على وجهٍ مماثل للمخلوق، وهؤلاء ضلوا وغفلوا عن قول الله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] .
والقسم الثالث الوسط: قالوا: نثبت لله كل ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو فيما صح عن رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الأسماء والصفات مع اعتقاد عدم المماثلة، وأن ما يثبت للخالق من ذلك مخالفٌ لما يثبت للمخلوق، فإن ما يثبت للخالق أكمل وأعلى، كما قال تعالى: وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [النحل:60] ، هذا في العقيدة.
كذلك أيضاً في الأعمال البدنية من الناس من يغلو فيزيد ويشدد على نفسه، ومن الناس من يتهاون ويفرط فيضيع شيئاً كثيراً، وخير الأمور الوسط، والوسط الضابط فيه ما جاءت به الشريعة فهو وسط، وما خالف الشريعة فليس بوسط، بل هو مائل إما للإفراط وإما إلى التفريط، وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في العقيدة الواسطية خمسة أصول، بين فيها رحمه الله أن أهل السنة فيها وسطٌ بين طوائف المبتدعة، فيا حبذا لو أن السائل رجع إليها لما فيها من الفائدة.
الجواب: الذي أرى أنه إذا كان الخطاب عليها كثيرين وهو خلاف ما ذكر في السؤال فلتصبر، وعمرها الآن لم يفت كثيراً، وأما إذا كان الخطاب عليها قليلين كما هو سؤالها فأرى أن تتزوج الرجل الكبير صاحب الدين؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه )، فجعل المدار على الدين والخلق.
وأما الشاب الذي ليس على الوجه المرضي في دينه فلا أرى أن تتزوج به ما دام قد خطبها من هو كفءٌ في دينه وخلقه، وكثيرٌ من الناس من النساء وأولياء أمورهن يغرهم الأمل في تزويج من هو ضعيفٌ في دينه فيقولون: لعل الله يهديه إذا تزوج، ولكن هذا الأمل ضعيف.. ضعيف.. ضعيف، والإنسان غير مخاطب بما يستقبل لأنه لا علم له به، الإنسان مخاطبٌ بما هو بينه حاضر ومنظور، فإذا كان هذا الرجل الخاطب ليس مستقيماً في دينه كيف يزوج على أمل أن يهديه الله، ربما يبقى على ضلاله ويضل هذه المرأة الصالحة؛ لأن الرجل له الكلمة على زوجته، أو لا يضرها ولا تنفعه هي فيبقيان في مشاكل دائماً، ونسأل الله الهداية للجميع.
ثم إني أحث أولياء الأمور والنساء على عدم التعجل في القبول، بل يصبرون حتى يبحثوا عن الخاطب من جميع الجوانب؛ لأن الوقت الحاضر ضعف فيه أداء الأمانة، بالنسبة للزوج الذي يُخفي كثيراً من حاله، وبالنسبة لمن يسألون عن الزوج، فإن بعض الناس تغلبهم العاطفة فلا يتكلمون بالحق الذي يعلمونه من حال الزوج، فالتريث خيرٌ من التعجل، وإذا قدر أن نقبل بعد أسبوع فلنؤخر أسبوعاً آخر.
كما أحث أيضاً الأولياء والبنات على قبول من يعلم فيه الخير والصلاح في دينه وخلقه بدون النظر إلى أمورٍ أخرى؛ لأن المدار كله على الخلق والدين، فمتى كان الخاطب ذا خلقٌ ودين فإن قبول خطبته خير وامتثالٌ لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيكون في ذلك جمعٌ بين مصلحتين: الخير العاجل للمرأة، وامتثال أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
الجواب: نصيحتي لهذه السائلة ولغيرها ممن يستمع إلى كلامي ألا يتعجلوا في اليمين، بل إذا غضبوا فليستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم، ولا يتعجلوا ويتسرعوا في اليمين، وأدهى من ذلك وأشر من يتعجل في طلاق امرأته، إذا غضب أدنى غضب طلق امرأته وهذا خطأ، وقد ثبت في صحيح البخاري : ( أن رجلاً قال: يا رسول الله! أوصني، قال: لا تغضب، فردد مراراً قال: لا تغضب ).
وأما فيما يتعلق بسؤال السائلة فنقول: اذهبي إلى أخيك في بيته الأول أو البيت الذي ينتقل إليه وكفري عن يمينك، سواءٌ كفرتي قبل الذهاب أو بعد الذهاب، والكفارة قبل الحنث تسمى تحلة، وبعد الحنث تسمى كفارة، وهي إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، وهذه الثلاثة على التخيير، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر