وأخيراً يا فضيلة الشيخ أخبرك بأنني أحبك في الله كثيراً.
الجواب: إني أشكر الأخ السائل على محبته لي في الله, وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون ذلك حقيقةً وأني ممن يحبُ ويُحب في الله عز وجل, وأسأل الله تعالى أن يحبه كما أحبني فيه, وأقول له ولمن يستمع إلى كلامي: إن من أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله, فعلى الإنسان أن تكون محبته تابعةً لمحبة الله ورسوله, أي: بأن يحب ما يحبه الله ورسوله من الأقوال والأعمال والأحوال والأزمان والأمكنة والأشخاص حتى يكون من أولياء الله عز وجل الذين يحبهم ويحبونه.
أما ما يتعلق بسؤاله فإنه سأل عن عدة أشياء: سأل هل للأرض حركتان أم لا؟ وهل فيه آياتٍ تدل على ذلك أم لا؟
فأقول: إن البحث في هذا من فضول العلم, وليس من الأمور العقدية التي يجب على الإنسان أن يحققها ويعمل بما تقتضيه الأدلة, ولهذا لم يبين هذا الأمر في القرآن الكريم على وجهٍ صريح لا يحتمل الجدل, فمن الناس من يقول: إن للأرض حركتين: حركة تختلف بها الفصول وحركة أخرى يختلف بها الليل والنهار, ويقول: إن قول الله تعالى: وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ [النحل:15] يدل على ذلك, ووجه الدلالة عنده أن نفي الميدان دليلٌ على أصل الحركة, إذ لو لم يكن أصل الحركة موجوداً لكان نفي الميدان لغواً من القول لا فائدة منه. ويقول: إن هذا دالٌ على كمال قدرة الله, أن تكون هذه الأرض وهي هذا الجرم الكبير تتحرك بدون أن تميد بالناس وتضطرب, مع أن الله عز وجل إذا شاء حركها حصلت الزلازل والخسوفات.
ومن العلماء من يقول: لا, الأرض لا تتحرك بل هي ثابتة؛ لقوله تبارك وتعالى: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ [الملك:16] أي: تضطرب؛ ولقوله تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً [البقرة:22] ولأن الله تعالى جعل الأرض قراراً يقر الناس عليه, وهذا ينافي أن تكون لها حركة.
وأياً كان هذا أو هذا فإن إشغال النفس بمثل ذلك ليس فيه كبير فائدة, فيقال: إن كانت تتحرك وهي في هذا القرار التام فهذا دليلٌ على كمال قدرة الله عز وجل, وإن كانت لا تتحرك فالله تعالى هو الذي خلقها وجعلها ساكنةً لا تتحرك, لكن الشيء الذي أرى أنه لا بد منه هو أن نعتقد بأن الشمس هي التي تدور على الأرض, وهي التي يكون بها اختلاف الليل والنهار؛ لأن الله تعالى أضاف الطلوع والغروب إلى الشمس؛ فقال عز وجل: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ [الكهف:17] فهذه أربعة أفعال أضيفت كلها إلى الشمس, إذا طلعت، إذا غربت، تزاور، تقرض، كلها أفعال أضيفت إلى الشمس, والأصل أن الفعل لا يضاف إلا إلى فاعله أو من قام به هذا الفعل, فلا يقال: مات زيدٌ ويراد مات عمرو, ولا يقال: قام زيدٌ ويراد قام عمرو, فإذا قال الله: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ [الكهف:17] ليس المعنى أن الأرض دارت حتى طلعت حتى رأينا الشمس؛ لأنها لو كانت الأرض هي التي تدور وطلوع الشمس يختلف باختلاف الدوران ما قيل: إن الشمس طلعت بل يقال: نحن طلعنا على الشمس أو الأرض طلعت على الشمس.
وكذلك قال الله تبارك وتعالى في قصة سليمان: إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ [ص:32] أي: الشمس بِالْحِجَابِ [ص:32] ولم يقل: حتى توارى عنها بالحجاب, وقال النبي عليه الصلاة والسلام لـأبي ذر عند غروب الشمس: ( أتدري أين تذهب؟ قال: الله ورسوله أعلم, قال: فإنها تذهب فتسجد تحت العرش ) فأضاف الذهاب إلى الشمس.
فظاهر القرآن والسنة أن اختلاف الليل والنهار يكون بدوران الشمس على الأرض, وهذا هو الذي يجب أن نعتقده, ما لم يوجد دليلٌ حسيٌ قاطع يسوغ لنا أن نصرف النصوص عن ظواهرها إلى ما يوافق هذا النص القاطع, لأن الأصل في أخبار الله ورسوله أن تكون على ظاهرها حتى يقوم دليل قاطع على صرفها عن ظاهرها؛ لأننا يوم القيامة سنسأل عما تقتضيه هذه النصوص بحسب الظاهر, فالواجب علينا أن نعتقد ظاهرها إلا إذا وجد دليلٌ قاطع يسوغ لنا أن نصرفها عن هذا الظاهر. هذا هو الجواب عن السؤال الأول.
وأما قوله: (أفيدوني أين توجد الجنة والنار؟) فالجواب عليه أن نقول: الجنة في أعلى عليين, والنار في سجين, وسجين في الأرض السفلى؛ كما جاء في الحديث: ( الميت إذا احتضر يقول الله تعالى: اكتبوا كتاب عبدي في سجين في الأرض السفلى ) وأما الجنة فإنها فوق في أعلى عليين, وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام: ( أن عرش الرب جل وعلا هو سقف جنة الفردوس ) جعلنا الله تعالى من أهلها.
الجواب: هذا حديثٌ لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم, ولا يجوز للإنسان أن ينشره بين الناس لا بالكتابة ولا بالقول إلا إذا كان الحديث مشهوراً بين الناس, وأراد أن يتكلم ويبين أنه موضوع فهذا طيب, وأما إذا لم يكن مشهوراً بين الناس فالإعراض عنه أولى حتى لا ينتشر بين الناس وهو ليس صحيحاً إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
الجواب: هؤلاء جماعة من الخرافيين السفهاء في عقولهم الضالين في عملهم؛ لأن الملائكة لا يمكن أن تكون أماكنها الأماكن الخربة، الأماكن الخربة يمكن أن تكون مأوى الجن أو الشياطين.
أما الملائكة فإن مأواها في الأرض هي بيوت الله عز وجل؛ كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيمن أكل بصلاً أو ثوماً قال: ( فلا يقربن مساجدنا, فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ) فالطيبات للطيبين والطيبون للطيبات, وأضل من ذلك أن يبخروا هذه الأماكن وكذلك يجعلون قطعاً من القماش ويبخرونها, وكل هذا ضلال في الدين وسفه في العقل.
والواجب على من علم بذلك أن ينكر على من فعلها, ويبين له أن هذا خطأ عظيم, وأن الملائكة عليهم الصلاة والسلام أجل وأكرم عند الله من أن يجعل مأواهم هذه البيوت الخربة.
الجواب: هذا من مقتضيات الإيمان؛ لأن المؤمن يألم لألم أخيه, ويحزن لحزنه ويسر لسروره ويفرح لفرحه؛ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد, إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ). وكون الإنسان يألم بما يألم به المؤمنون, ويحزن بما يحزنون به, ويسر بما يسرون به دليلٌ على أنه مؤمنٌ خالص يحب لإخوانه ما يحب لنفسه, وسوف يثاب على ذلك إن شاء الله تعالى.
الجواب: اختلف العلماء رحمهم الله في جواز كشف الكفين والقدمين للمرأة في الصلاة, فمنهم من قال: إنه لا بد من ستر الكفين والقدمين؛ لأن المرأة عند هذا القائل كلها عورة في الصلاة إلا وجهها. ومنهم من قال: إنه يجوز للمرأة أن تكشف كفيها وقدميها في الصلاة كما يجوز لها كشف الوجه, ولم يتحرر عندي أي القولين أولى؟
وعلى هذا؛ فنقول: من أرادت أن تصلي فإن الأحوط في حقها أن تستر كفيها وقدميها, ومن جاءت تسأل بعد أن صلت كاشفةً كفيها وقدميها فإننا لا نأمرها بالإعادة, فيكون هناك فرق بين كون الشيء واقعاً أو كون الشيء لم يقع, فمن لم يفعل الشيء نأمره بالاحتياط, ومن فعله فإننا لا نلزمه بالإعادة مع تعارض الأدلة.
وهذا الذي قلناه من أن المرأة في الصلاة عورة إلا وجهها, أو إلا وجهها وكفيها وقدميها يراد به ما إذا صلت في بيتها, أو صلت وليس عندها إلا رجالٌ من محارمها, أما إذا صلت في المسجد, أو كان حولها رجالٌ من غير محارمها فإن الواجب عليها أن تستر وجهها, ولا يحل لها أن تكشفه.
وما يفعله بعض النساء من كشف الوجه إذا صلت في المسجد ولاسيما في المسجد النبوي أو المسجد الحرام زاعمةً أن المرأة في الصلاة كلها عورة إلا وجهها فهو خطأ في الفهم, يعني: هناك فرق بين العورة في الصلاة والعورة في النظر, ويشبه هذا ما تتوهمه بعض النساء إذا أحرمت، حيث إن المشروع في حق المحرمة أن تكشف وجهها, فيظن بعض النساء أن هذا هو المشروع ولو كان عندها رجالٌ غير محارم فتجدها كاشفة وجهها من حين أن تحرم إلى أن تحل, وهذا خطأ, بل المرأة المحرمة إذا مرت من عند رجالٍ غير محارم أو مر من عندها رجالٌ غير محارم وجب عليها أن تستر وجهها, ولا يضرها إذا لمس الستر وجهها؛ لأنه لا دليل على أنه يحرم مس الوجه.
الجواب: إذا عطس الإنسان في الصلاة وخارج الصلاة فحمد الله تعالى ليس بواجبٍ عليه, بل هو أفضل وأكمل, ولو لم يحمد الله لم يكن آثماً بذلك, والحمد عند العطاس مشروعٌ للإنسان في حال الصلاة وفي حال عدم الصلاة, إلا أنه إذا كان في الصلاة وخاف أن يشوش على من معه من المصلين فليسر بالحمد ولا يجهر به؛ لأنه يخشى إذا جهر به أن يشوش على المصلين, أو أن يستعجل أحدٌ من الناس فيقول: يرحمك الله.
وإذا قال أحدٌ لمن عطس فحمد الله: يرحمك الله والقائل يصلي فإن صلاته تبطل؛ لأن الكاف للخطاب, وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إنه لا يصلح -يعني: في الصلاة- شيءٌ من كلام الناس أو قال: من كلام الآدميين ) فلينتبه لذلك.
وقد ثبت في الصحيح: ( أن
الجواب: إذا شاهدت المرأة امرأة أخرى تطوف وعليها قفازات فلتسألها قبل أن تنكر عليها, ولتقل لها هل أنت محرمة؟ إذا قالت: نعم, فلتقل لها: اخلعي القفازات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرمة: ( لا تلبس القفازين ), وإن قالت: إنها غير محرمة وإنما هذا طواف تطوع فلا حرج عليها أن تلبس القفازين في طواف التطوع.
وبهذه المناسبة أود أن أنبه على هذه المسألة في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وهو أنك لا تنكر على أحدٍ فعلاً حتى تعلم أنه منكر؛ لأن إنكارك قبل ذلك تعجل وتسرع, ولهذا لم ينكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الرجل الذي دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم جمعة وجلس, لم ينكر عليه الجلوس حتى سأله ( أصليت؟ قال: لا, قال: قم فصلِ ركعتين وتجوز فيهما ).
فانظر كيف كان هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مخاطبة من فعل فعلاً يحتمل أنه منكرٌ في حقه ويحتمل أنه غير منكر؟ وهو صلى الله عليه وعلى آله وسلم خير أسوة, وأما من أنكر على الشخص بمجرد فعل ما يراه منكراً فإن هذا تسرعٌ وتعجل.
الجواب: يعني: مسألة الجواز وعدم الجواز لا أستطيع أن أفتي في هذا بشيء, فالإنسان طبيب نفسه, ولا أدري لو كان يخصم على الإنسان إذا تغيب, هل يتغيب أو لا؟
وأما النصيحة فنصيحتي لكل إنسان دخل في جامعةٍ يطلب فيها العلم الشرعي وما يسانده من العلوم الأخرى أن يخلص لله تعالى في طلب العلم بأن ينوي بذلك رفع الجهل عن نفسه وعن غيره من المسلمين, وأن ينوي بذلك حفظ شريعة الله وحمايتها من أعدائها, وأن يذود عنها بقدر المستطاع بمقاله وقلمه حتى يؤدي ما يجب عليه.
وقد قال الإمام أحمد رحمه الله: العلم لا يعدله شيءٌ لمن صلحت نيته, قالوا: وكيف ذلك يا أبا عبد الله ؟ قال: ينوي بذلك رفع الجهل عنه وعن نفسه. وقال رحمه الله: تذاكر ليلةٍ أحب إلي من إحيائها.
وهذا يدل على فضيلة طلب العلم لكن بشرط الإخلاص, ولو لم يكن من فضل العلم إلا أن الله سبحانه وتعالى جعل العلماء شهداء على ألوهيته وتوحيده في قوله تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ [آل عمران:18] والعلماء ورثة الأنبياء ورثة في العلم وورثةٌ في العمل وورثةٌ في الأخلاق وورثةٌ في الدعوة إلى الله عز وجل, فليعط الإنسان هذا الإرث حقه وليقم بواجبه حتى يكون مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين, نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم وأن يجمعنا بهم في جنات النعيم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر