الجواب: يجب على من قصر في واجب وظيفته أن يتوب إلى الله, وأن يقوم بواجب الوظيفة, وألا يتخلف عنها تأخراً في الحضور أو تعجلاً في الخروج, وألا يهمل الواجب أثناء القيام به, هذا أمر لابد منه, فإن لم يفعل صار من المطففين الذين توعدهم الله تعالى بالويل فقال: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:1-6].
والتسويف الذي يحصل من بعض الموظفين في التأخر عن الحضور أو التعجل في الخروج من غرور الشيطان والعياذ بالله؛ لأنهم يعللون أنفسهم بأن العمل سهل, أو ربما يكون العمل قليلاً لا يستوعب الوقت, أو يقول بعضهم أيضاً: أنا مستحق لهذا الراتب وإن لم أعمل؛ لأنه من بيت المال، وما أشبه ذلك من التعليلات العليلات, فالموظف مؤتمن على وظيفته, والموظف يأخذ على وظيفته أجراً, فكيف يخون وكيف يأخذ ما لا يستحق؟ وحينئذ يدخل في الخيانة في الأمانة, وفي أكل المال بالباطل.
فعلى الموظف المعلم وغير المعلم أن يتقي الله أولاً بأداء الوظيفة على الوجه المطلوب, وإذا قدر أن نفسه سولت له وفرط في الواجب ثم هداه الله عز وجل, فعليه أن يرد مقابل تفريطه إلى المسئول في تلك الإدارة أو الوزارة أو الرئاسة بحيث يرد إلى بيت المال, فإن تعذر ذلك فليصرفه في مصلحة الجهة التي يعمل فيها, فإن كان معلماً ففي المدرسة, وإن كان في عمل آخر ففي نفس الجهة التي يعمل فيها, فإن تعذر ذلك تصدق به على الفقراء؛ لأن الفقراء لهم حق في بيت المال, ولكن يجب أولاً أن يحذر من التفريط ليقوم بالأمانة على الوجه المطلوب.
الجواب: الأضحية سنة مؤكدة, وقال بعض العلماء: إنها واجبة, ولكل قوم دليل استدلوا به, والاحتياط ألا يدعها الغني الذي أغناه الله تبارك وتعالى, وأن يجعلها من نعمة الله عليه حيث شارك الحجاج في شيء من النسك, فإن الحجاج في أيام العيد يذبحون هداياهم, وأهل الأمصار يذبحون ضحاياهم, فمن رحمة الله تبارك وتعالى أن شرع لأهل الأمصار أن يضحوا في أيام الأضحية ليشاركوا الحجاج في شيء من النسك.
ولهذا نقول: القادر عليها لا ينبغي أن يدعها, ثم الأضحية ليست للأموات الأضحية للأحياء, وليست بسنة للأموات؛ ودليل ذلك أن الشرع إنما يأتي من عند الله ورسوله, والذي جاءت به السنة هي الأضحية عن الأحياء, فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مات له أقارب ولم يضح عنهم, كل أولاده الذين توفوا قبله عليه الصلاة والسلام, منهم الذي بلغ الحلم, ومنهم من لم يبلغ الحلم, ومنهم الذي ولد له والذي لم يولد له, فأبناؤه ماتوا قبل أن يبلغوا الحلم, وبناته متن بعد أن بلغن الحلم, إلا فاطمة فقد بقيت بعده رضي الله عنها, ومات له زوجتان خديجة وزينب بنت خزيمة ولم يضح عنهما, واستشهد عمه حمزة بن عبد المطلب ولم يضح عنه, فهو لم يشرع الأضحية عن الميت بنفسه, ولم يدعُ أمته إلى ذلك.
وعلى هذا فنقول: ليس من السنة أن يضحي عن الميت؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم, ولا علمته وارداً عن الصحابة أيضاً, نعم، إذا أوصى الميت أن يضحي عنه فهنا تتبع وصيته ويضحي عنه اتباعاً لوصيته, وكذلك إذا دخل الميت مع الأحياء ضمناً كأن يضحي الإنسان عنه وعن أهل بيته وينوي بذلك الأحياء والأموات, وأما أن يفرد الميت بأضحية من عنده فهذا ليس من السنة.
أما الأضحية نفسها فلها شروط منها ما يتعلق بالوقت, ومنها ما يتعلق بنفس الأضحية, أما الوقت فإن الأضحية لها وقت محدد لا تنفع قبله ولا بعده, ووقتها من فراغ صلاة العيد إلى مغيب الشمس ليلة الثالث عشر, فتكون الأيام أربعة هي: يوم العيد وثلاثة أيام بعده, فمن ضحى في هذه المدة ليلاً أو نهاراً فأضحيته صحيحة من حيث الوقت.
وأما شروطها بنفسها فيشترط فيها: أن تكون من بهيمة الأنعام؛ وهي: الإبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها, فمن ضحى بشيء غير بهيمة الأنعام لم تقبل منه, مثل أن يضحي الإنسان بفرس أو بغزال أو بنعامة؛ فإن ذلك لا يقبل منه؛ لأن الأضحية إنما وردت في بهيمة الأنعام, والأضحية عبادة وشرع, لا يشرع منها ولا يتعبد لله بشيء منها إلا بما جاء به الشرع؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) أي: مردود.
الشرط الثاني في الأضحية: أن تبلغ السن المعتبرة شرعاً, وهو في الضأن ستة أشهر, وفي الماعز سنة, وفي البقر سنتان, وفي الإبل خمس سنوات, فمن ضحى بما دون ذلك فلا أضحية له, لو ضحى بشيء من الضأن له خمسة أشهر لم تصح الأضحية به, أو بشيء من الماعز له عشرة أشهر لم تصح التضحية به, أو بشيء من البقر له سنة وعشرة أشهر لم تصح الأضحية به, أو بشيء من الإبل له أربع سنين وستة أشهر لم تصح التضحية به, لابد أن يبلغ السن المعتبر؛ دليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( لا تذبحوا إلا مسنة -يعني: ثنية- إلا إن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن ).
الشرط الثالث: أن تكون سليمة من العيوب المانعة من الأجزاء, وهي أربعة, أجاب بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين سئل: ( ماذا يتقى من الضحايا؟ فقال: أربع: العوراء البين عورها, والمريضة البين مرضها, والعرجاء البين عرجها, والعجفاء التي لا تنقي ) أي: ليس فيها مخ لهزالها وضعفها, وما كان مثل هذه العيوب أو أشد فهو بمعناها له حكمها, فهذه ثلاثة شروط عائدة إلى ذات الأضحية.
والشرط الرابع: عائد إلى وقتها؛ أما كيف توزع؟ فقد قال الله تعالى: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ [الحج:36] فيأكل الإنسان منها ويتصدق منها على الفقراء, ويهدي منها للأغنياء تألفاً وتحبباً، حتى يجتمع في الأضحية ثلاثة أمور مقصودة شرعية:
الأمر الأول: التمتع بنعمة الله, وذلك بالأكل منها.
الأمر الثاني: رجاء ثواب الله وذلك بالصدقة منها.
الأمر الثالث: التودد إلى عباد الله؛ وذلك بالهدية منها, وهذه معانٍ جليلة مقصودة في الشرع, ولهذا استحب بعض العلماء أن تكون أثلاثاً, فثلث يأكله, وثلث يتصدق به, وثلث يهديه.
الجواب: الحقيقة أنه لا يصعب، لكن يصعب على الهمم دون الأجسام, كثير من الناس الآن يريد أن يريح نفسه حتى إنه مع الأسف برزت ظاهرة, وهي أنهم يدعون الناس إلى إعطائهم الدراهم ليضحوا بها في بلاد أخرى, وهذا غلط محض, والدعوة إلى ذلك تؤدي إلى إبطال الفائدة من الأضحية؛ لأن المقصود من الأضحية ومن أعظم المقاصد أن يتعبد الإنسان لله تعالى بذبحها بنفسه, أو بحضورها إذا لم يكن يحسن الذبح, وبأن يذكر اسم الله عليها, وهذا لا يحصل إذا أعطاها الدراهم تذبح في مكان آخر.
أيضاً: إظهار الشعيرة بين الأهل والأولاد, وهذه الأضحية يتناقلها الصغار عن الكبار حتى إنه ليفرح الصبيان إذا كانت الضحايا في البيت في ليلة العيد, أو قبل ذبحها فيما بعد, ثم إن هذا حرمان لأهل البلد, أهل البلد يحتاجون إلى لحم فقرائهم وأغنيائهم, فيحرمون منها, ثم إن هذا مخالف لأمر الله عز وجل حيث قال تبارك وتعالى: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28]. ولا يمكن أن يأكل منها وهي بعيدة عنه.
ومن أجل تحقيق الأكل منها أمر النبي صلى الله عليه وسلم عام حج حين نحرت إبله؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أهدى مائة ناقة عليه الصلاة والسلام لكرمه, مائة ناقة عن سبعمائة خروف, أهدى مائة ناقة ونحر منها بيده الكريمة ثلاثاً وستين ناقة, وأعطى علي بن أبي طالب رضي الله عنه الباقي فنحره, ثم أمر عليه الصلاة والسلام أن يؤخذ من كل بعير قطعة, فجعلت في قدر فطبخت فأكل من لحمها وشرب من مرقها؛ تحقيقاً لأمر الله عز وجل: فَكُلُوا مِنْهَا [الحج:28] وكيف يأكل الإنسان من أضحية تبعد عنه أميالاً ومسافات بعيدة؟
ثم إن هذه الدراهم التي تعطيها من تعطيها من الذين يجمعون, هل تدري أتقع في يد أمين عالم عارف بأحكام الأضحية أم تقع في يد من ليس كذلك؟ لا ندري, قد يذبحها بدون تسمية, قد يذبحها ولا ينهر الدم, قد يعطيها الأغنياء دون الفقراء, قد يذبح ما لم تبلغ السن, قد يذبح ما فيه عيب, متى نطمئن إلى أن الذي تولى الذبح كان أميناً, عالماً بأحكام الأضحية, وعالماً بما يضحى به وما لا يضحى به, ثم هل نأمن أن يتهاون هذا فيؤخر الذبح عن وقته لا سيما إذا كثرت الذبائح عنده, افرض أن هذه الجهة أتاها ألف شاة, وليس عندهم من يباشر الذبح إلا نفر قليل لا يتمكنون من ذبحها في أيام الذبح, فيضطرون إلى تأخير الذبح إلى فوات الوقت.
إذاً نقول: يا أخي المسلم! إذا كنت تريد أن تبر إخوانك الفقراء في بلاد أخرى فأرسل لهم دراهم, أرسل لهم قوتاً, أرسل لهم ثياباً, أرسل لهم فرشاً, أما الأضحية فقد جعلها الله تعالى شعاراً, وخصك بها في بلادك حتى تشارك أهل الحج في شيء من النسك, فلا تفرط في هذه الخصيصة العظيمة وترسل الدراهم دراهم مغموتة في أجواف الجيوب وحفاظات الدراهم.
فنصيحتي لإخواني الذين يجبون هذه الأضاحي أن يكفوا عن ذلك, وألا يدعوا الناس لهذا, نعم، يدعونهم إلى التبرع بالمال والأعيان لا بأس, لكن يدعونهم إلى إبطال شعيرة في بلادهم لتنقل إلى بلاد بعيدة مع الاحتمالات التي ذكرناها أخشى عليهم, ولذلك أنصحهم -أعني إخواني الذين يجمعون التبرعات في هذا- أن يكفوا عن ذلك, ثم أنصح الإخوان المواطنين عن إعطاء هؤلاء للأضحية, وأقول: ضحوا في بلادكم, ضحوا في مكانكم, ثم إني أيضاً أنصح إخواني الذين يضحون في بلادهم أن يضحوا في بيوتهم عند أولادهم حتى تظهر الشعيرة دون أن يذبحوها في المسلخ ويأتوا بها لحماً, ولا يخلو البيت الآن -والحمد لله- من مكان للذبح, بل لو ذبحت في وسط الحمام فلا بأس؛ لأن الدم نجس ولو اختلط بالنجاسة لا يضر, دم المذبوح نجس, فيذبحها حتى يفرغ الدم النجس, ثم يخرجها ويسلخها في مكان آخر إذا لم يكن له مكان للذبح والمسلخ, على أن كثيراً من المدن الكبيرة فيها استراحات للناس, بإمكانهم أن يخرجوا بالأضاحي إلى الاستراحات, ويخرجوا بالصبيان معهم إذا شاءوا أن يتفرج الصبيان على الأضحية, ويذبحون هناك ويدخلون بها إلى البيت لحماً.
المهم التوجيه إلى الذين يجمعون التبرعات لهذا الغرض أن يكفوا عن هذا, والتوجيه للآخرين المواطنين ألا يعطوهم شيئاً لهذا الغرض, وأن يضحوا في بيوتهم, وأن يشعروا أن المراد بالأضاحي والهدايا هو التقرب إلى الله تعالى بذبحها, وذكر اسمه عليها جل وعلا, دونما يحصل منها من مادة وهي الأكل, استمع إلى قول الله تعالى: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ [الحج:37] هذه نصيحة أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلها خالصة لوجهه, وأن ينفع بها عباده, إنه على كل شيء قدير.
الجواب: المقاطعة بين المسلمين حرام, وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه نهى عن المهاجرة, وأمر أن نكون عباد الله إخواناً, وقال عليه الصلاة والسلام: ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض ويعرض هذا, وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) فالواجب على السائل وعلى صاحبه أن يزيلا ما بينهما من التهاجر والتباغض والتعادي, وأن يتوبا إلى الله تعالى من ذلك, وخيرهما الذي يبدأ بالسلام, وإذا قدر أن أحدهما استمر على هجره فإن خيرهما الذي يبدأ بالسلام, فليبدأ أخاه بالسلام, وليسلم عليه, فإن رد عليه السلام فذلك المطلوب, وهو من نعمة الله عليهما جميعاً, وإن لم يرد السلام فقد باء بالإثم وربح المسلم, كما قال عليه الصلاة والسلام: ( خيرهما الذي يبدأ بالسلام ).
الجواب: لا يحل للمرأة أن تركب مع السائق وحدها إذا لم يكن من محارمها؛ لأن ذلك خلوة, وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم النهي عن خلوة الرجل بالمرأة وأخبر أنه ( ما خلا رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان ) أعوذ بالله! وركوب السيارة وحدها مع السائق خلوة بلا شك, ولا يبرر ذلك أن تقول المرأة: إن المسافة قصيرة من بيت إلى بيت فقط, ولا يبرر ذلك أن تقول: إن السائق أمين؛ لأن الشيطان إذا كان ثالث الرجل والمرأة فلا أمانة إلا أن يشاء الله, ولا يبرر ذلك أن تقول: إنها تستمع إلى إذاعة القرآن أو إلى أشرطة دينية؛ لأن كونها تستمع إلى إذاعة القرآن أو إلى أشرطة دينية وهي تعصي الله تناقض؛ لأن حق المستمع إلى القرآن أو إلى الأشرطة الدينية أن يمتثل أمر الله ورسوله, وأن يجتنب ما نهى الله ورسوله.
الجواب: الحلف بالأمانة محرم؛ لأن النبي صلى الله وعلى آله وسلم قال: ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ) وهو شرك أصغر، إلا أن يعتقد الحالف أن المحلوف به بمنزلة الله تبارك وتعالى في التعظيم والعبادة وما أشبه هذا فيكون شركاً أكبر, أما الذمة والعهد وما أشبه ذلك فهذا ليس بحلف, كأن يقول: بذمتي لأوفينك كذا وكذا, فهذا معناه بعهدي؛ لأن الذمة بمعنى العهد؛ كما جاء في الحديث: ( إذا حاصرت أهل حصن فأرادوا أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل ذمة الله وذمة نبيه, ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك ) أي: عهدك, والذين يقولون: بذمتي لأفعلن كذا وكذا, لا أظنهم يقصدون الحلف بالذمة, وإنما يقصدون بعهدي وتعهدي, وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات, وإنما لكل امرئ ما نوى ) لكن لما كان اللفظ محتملاً أن يكون قسماً فالأولى تجنبه, وألا يقول الإنسان: بذمتي لأوفينك ولأعطينك كذا وكذا, وليقل: لك علي عهد لأوفينك وقت كذا وكذا.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر