إسلام ويب

مختصر التحرير [9]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يقسم الأصوليون الألفاظ بالنسبة للدلالة على معانيها إلى كلي وجزئي، وإلى متواطئ ومشكك، وإلى مترادف ومشترك، وذلك بحسب تفاوت المدلولات وتباينها واشتراكها، وهو أمر يعطي من فهمه قوة في معرفة الاستدلال بالنصوص الشرعية.

    1.   

    دلالات الألفاظ على معانيها

    الفصل الذي أقبلنا عليه الآن فصل مهم جداً، يقول: [ فصل: إذا اتحد اللفظ ومعناه واشترك في مفهومه كثير ولو بالقوة فكلي ].

    إذا اتحد اللفظ والمعنى واشترك في لفظه كثير فهو كلي ولو بالقوة، مثال ذلك: كلمة (كوكب)، اسم للكواكب المعروفة، يشترك في مفهومه كثير بالفعل، نسمي هذا كلياً.

    كلمة (شمس) اتحد اللفظ ومعناه، واشترك في مفهومه كثير، ولكن بالقوة؛ لأنه ليس هناك شمس إلا واحدة، لكن لو فرض وجود شموس كثيرة فإنها تدخل في اللفظ.

    المهم أن اللفظ إذا كان مطلقاً، وهذا يكون في النكرة في الواقع، يعني: لفظ النكرة يتحد لفظه ومعناه ويشترك في مفهومه كثير، نسمي هذا كلياً، مثل كلمة: رجل، إنسان، بعير؛ لأن اللفظ مطابق للمعنى تماماً، ويشترك في مفهومه كثير.

    لفظ (زيد) غير كلي؛ لأن (زيد) علم على شخص معين، وإن كان يشمل أشخاصاً كثيرين؛ لكن إذا قلت: (زيد) لا تفهم إلا واحداً فقط، فهذا لا يسمى كلياً، بل يسمى جزئياً.

    لفظ (رجل) يدل على زيد وعمرو وبكر وخالد في الجزئية، لكن على عموم الناس بالكلية.

    الفرق بين الكلي والكل والجزء والجزئي

    بقي أن يقال: عندنا كلي وجزئي، وكل وجزء، فهل بينهما فرق؟

    الجواب: نعم بينهما فرق، الكل والجزء يكون في عين واحدة، والجزء بعض منها، مثل: إنسان، هذا كل، ورأس جزء، ويد جزء؛ لأن هذا جزء من كل، لا ينفرد هذا الجزء عن كله، وعلامته أنه لا يصح الإخبار بأحد الكلمتين عن الأخرى، فلا يقال: الإنسان يد، ولا يقال اليد إنسان.

    الكلي والجزئي يدل على شيء عام له أفراد يتميز بعضها عن بعض منفرد، منفصل بعضها عن بعض، مثل كلمة (رجل) هذا كلي؛ لأنه يدل على أفراد متباين بعضها عن بعض، فزيد غير عمرو، وعمرو غير زيد، وهكذا.

    تقسيم الكلام إلى اسم وفعل وحرف، هل هو من باب تقسيم الكل إلى جزئه أو الكلي إلى جزئياته؟

    الجواب: الكلي إلى جزئياته؛ لأن الاسم يستقل عن الحرف، والحرف يستقل عن الاسم، وكذلك الفعل، وأيضاً يصح أن نخبر بإحدى الكلمتين عن الأخرى، فنقول مثلاً: الاسم كلمة، والفعل كلمة، والحرف كلمة، أو الاسم كلام، والحرف كلام؛ فهذا الفرق بين الكل والجزء، وبين الكلي والجزئي.

    مرة ثانية الآن نقول: الفرق بينهما من وجهين: وجه معنوي ووجه لفظي:

    الوجه المعنوي: أن الكل يدل على عين واحدة ذات أجزاء، والجزء هو جزء من تلك العين، مثاله: إنسان ورأس، نقول: الإنسان كل، والرأس جزء.

    والكلي يدل على شيء عام تشترك فيه أفراد متباينة منفصل بعضها عن بعض، مثل: رجل يدل على كل فرد بانفراده فهو كلي، الكلمة اسم وفعل وحرف، نقول: الكلام كلي، واسم وحرف وفعل جزئي.

    الفرق اللفظي: أن الكل لا يصح الإخبار به عن جزء ولا العكس، وأما الكلي فيصح الإخبار به عن الجزئي، يعني: لا يصح أن تقول: اليد إنسان، ويصح أن تقول: الاسم كلمة، ويصح أن تقول: زيد رجل، إذاً: فالكل لا يصح الإخبار به عن الجزء، والكلي يصح الإخبار به عن الجزئي.

    أيضاً في التقسيم تقول في الكلي: ينقسم إلى كذا وكذا وكذا، لكن الكل لا يصح أن تقول: الإنسان ينقسم إلى يد ورجل وعين ووجه.

    إذاً: الكلي يصح تقسيمه والكل لا يصح تقسيمه، وهذا فرق ثالث.

    فإذا اتحد اللفظ ومعناه واشترك في مفهومه كثير نسميه كلياً.

    قال: [ وهو ذاتي وعرضي ] يعني: أن الكلي ذاتي وعرضي، فالذاتي يعني العين كرجل وبعير وحمار.. إلخ.

    والعرضي كالضحك، فإن الضاحك معنى واحد يشترك في مفهومه كثير، لكنه ليس عيناً قائماً بنفسه، فهو عرضي.. والله أعلم.

    المشكك والمتواطئ

    قال: [فإن تفاوتت أفراده فمشكك وإلا فمتواطئ].

    نعم، إن تفاوتت أفراده فمشكِّك، وإن لم تتفاوت فمتواطئ، كلمة (بشر) تشمل كل إنسان، وتتفق أفرادها بالنسبة للبشرية، فبشريتي أنا لا تختلف عن بشرية زيد وبكر وعمرو وخالد، بل هي بشرية واحدة، ومعنىً واحد للجميع، فنقول: هذا متواطئ؛ لأن أفراده لا تختلف في معنى البشرية.

    فنسميه متواطئاً؛ لاتفاق أفراده في المعنى، من تواطأ: يعني: اتفق الشيء مع الشيء، ولهذا يقال: تواطئوا على كذا، يعني: اتفقوا عليه، فلما اتفقت الأفراد في المعنى سميناه متواطئاً.

    لفظ (قمح) متواطئ، لأن أفراده كلها في القمحية متفقة سواء.

    كلمة (موجود) ما هي، ننظر هل الموجودات متفقة في الوجود؟

    الجواب: لا؛ لأن هناك موجوداً واجب الوجود، وهناك موجوداً جائز الوجود. الموجود الواجب الوجود هو الله عز وجل. والجائز الوجود: الإنسان مثلاً أو المخلوق.

    إذاً: كلمة موجود أو كلمة وجود أفرادها تتفق في أصل المعنى، لكن تختلف في وصف هذا المعنى بحسب الإضافات.

    إذاً: ليس هذا من باب المتواطئ بل من باب المشكِّك، قالوا: لأن الإنسان إذا نظر إلى أصل المعنى الذي هو الوجود يقول: هذا متواطئ، وإذا نظر إلى اختلاف أفراده في هذا المعنى يقول: هو متباين. أي: لأن الإنسان ليس مثل الله عز وجل واجب الوجود، فالإنسان غير واجب الوجود، يقول: إذاً فيه تباين، فهو مشكِّك للإنسان -أي للسامع- لا يدري السامع أيلحقه بالمتباين أو يلحقه بالمتواطئ، فلهذا اصطلحوا على أن يسموه مشكِّكاً.

    كلمة (شجاع) مشكك؛ لأن أفرادها تختلف في الشجاعة، واحد شجاع مقدام ولا يهمه الكثرة، وواحد شجاع لكن إن رأى الناس الكثيرين هرب وتوقف، يقال: كلٌ معه شجاعة لكن تختلف الشجاعة، فيسمى هذا: مشككاً.

    كلمة (حي) مشكك؛ لأنها بالنسبة إلى الله حياة كاملة مطلقة لا يلحقها فناء ولا يسبقها عدم، لكن بالنسبة لنا ناقصة، بل هي في ذاتها ناقصة، دائماً الإنسان يمرض، وتأتيه هموم وغموم، ويتعب ويجوع ويعطش، ويبرد ويحمى، فحياته ناقصة، لا تقاوم الأشياء، ولا تقاوم الحوادث أبداً.

    وهي أيضاً ناقصة من حيث الابتداء والانتهاء، مسبوقة بعدم وملحوقة بزوال.

    إذاً: نسمي هذا مشككاً.

    الخلاصة: إذا تساوت الأفراد في المعنى أصله وصفته نسميه متواطئاً، وإذا اتفقت في أصل المعنى واختلفت في وصف المعنى قوة أو ضعفاً أو ما أشبه ذلك نسميه مشكِّكاً، لأن المخاطَب أو السامع يشك في أنها من المتباين نظراً لاختلاف الوصف، أو من المتواطئ نظراً لاتفاق الأصل.

    شيخ الإسلام رحمه الله يرى أن المشكك من المتواطئ، يرى أنها نوع من المتواطئ، يقول: لا يوجد شيء مشكك، يقول: لأن الاختلاف في الصفة لا يدل على الاختلاف في الأصل، فما دام الأصل متفقاً فهي متواطئة، لكن المتواطئ أنواع، تارة يكون متواطئاً في أصل المعنى ووصفه، وتارة يكون متواطئاً في أصل المعنى دون وصفه.

    الجزئي الحقيقي والجزئي الإضافي

    يقول: [وإن لم تشترك كمضمر فجزئي] هذا قسيم لقوله: (واشترك في مفهومه كثير) يعني: وإن لم يشترك في مفهومه كثير مثل الضمير فجزئي.

    الضمير في الواقع يقال على كل من يصح عود الضمير إليه، فيقال: زيد جاء، وعمرو جاء، وبكر جاء.. وهكذا. وبهذا المعنى يكون متواطئاً؛ لأنه يُطلق على الأفراد في معنىً واحد، لكن لا يشترك في مفهومه كثير؛ لأن الضمير لا يعود إليه إلى غير من عاد إليه، مثل: محمد جاء، نقول: جاء: فعل ماض، وفيه ضمير مستتر يعود على محمد، ولا يعود على بكر وعمرو وخالد، بخلاف شمس ودار وبعير؛ فإنها تعود على كل الأفراد بالسواء.

    يقول: [إذا لم يشترك فجزئي، ويسمى النوع جزئياً إضافياً] نحتاج الآن إلى أن نعرف ما هو النوع، وما هو الجزء، وكيف سمينا النوع جزءاً إضافياً؟

    عندنا حب، بر، كيس بر، ثلاثة أشياء: حب، هذا جنس؛ لأنه يشمل البر والذرة والرز والشعير والفصفص وحب القرع وحب القثاء، وهكذا كله يسمى حباً، فنقول: هذا جنس.

    قمح: هذا نوع، كيس من قمح: هذا فرد.

    المعنى الآن انحصر، بدل ما كان (حب) واسعاً، وقمح واسعاً أيضاً، هذا الكيس من القمح جزء خاص، لا يشاركه غيره.

    يقول المؤلف: (يُسمى النوع جزئياً إضافياً)، هذا النوع الذي هو القمح باعتبار الحب يسمى جزئياً؛ لأنه جزء من الحب، وباعتبار هذا الذي في الكيس يسمى جنساً؛ لأن كل شيء باعتبار ما فوقه نوع، وباعتبار ما تحته جنس، فهذا كما يقول المؤلف: (يسمى النوع جزئياً إضافياً).

    ما هو الجزئي الحقيقي؟ الجزئي الحقيقي هو الفرد -الذي هو الكيس- في هذا.

    إذا قلنا: حي، ثم قلنا: حيوان، ثم قلنا: حيوان ناطق، فلفظ (حي) أعم لأنه يشمل الحيوان والأشجار، ولفظ (حيوان) أخص من الأول، لأنه يختص بما فيه الروح، فالشجرة يقال لها حية لكن لا يقال: حيوان.

    حيوان ناطق أخص.

    الآن عندنا حيوان نوع باعتبار ما فوقه، وهو حي، وجنس باعتبار ما تحته، وهو حيوان ناطق، فصار النوع يكون جزئياً إضافياً، وليس جزئياً حقيقياً، فهو جزئي باعتبار ما فوقه، لكن باعتبار ما تحته يكون جنساً.

    1.   

    المترادف والمشترك

    قال: [ومتعدد اللفظ فقط مترادف, والمعنى فقط مشترك].

    متعدد اللفظ فقط مترادف، يعني: المعنى إذا تعددت الألفاظ له يُسمَّى مترادفاً.

    مثاله: أسد، هزبر، ضيغم، ليث، وقد عدوا أسماء الأسد حوالي سبعين اسماً.

    لكن قال بعض العلماء: إن الترادف المحض لا يوجد، لا بد أن يكون هناك سبب، مثال ذلك: السيف يُسمى مهنداً، ويسمى صارماً، ومسلولاً وبتاراً.

    نقول: مهنَّد، هو مثل الصارم؛ لكن سُمي مهنداً لأنه من سيوف الهند، وسُمِّي صارماً لأنه قاطع، فلا بد من فرق، أما أن توجد كلمات مترادفة من كل وجه فهذا مستحيل في اللغة العربية، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، لأجل أن نقول: إن اللغة العربية ليس فيها شيء من اللغو الزائد؛ لأنك إذا جعلت الكلمة بمعنى الكلمة من كل وجه فهذا لغو وزيادة، ولا يمكن أن يوجد. نعم، ربما تختلف اللغات.

    فالحاصل أنك إذا وجدت معنىً له عدة ألفاظ فسمه مترادفاً. أما عكسه فقال: [والمعنى فقط مشترك] يعني: متعدد المعنى فقط مشترك [إن كان حقيقة لمتعدد، وإلا فهو حقيقة ومجاز]، أي: إذا تعدد المعنى لكلمة واحدة؛ فإن كان حقيقة في المعاني المتعددة كلها يسمى مشتركاً. مثاله: كلمة (العين) تطلق على العين الباصرة، وعلى عين الماء، وعلى الذهب، وعلى الشمس.

    وإطلاقها على هذه المعاني حقيقة، فنسمي هذا مشتركاً.

    ومن العجائب: أن بعض الكلمات تدل على المعنى وضده، ويسمى في اللغة العربية الأضداد، فالأضداد في اللغة: معنى يدل على معنىً وضده، مثل: وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ [التكوير:17]، قيل: معناه أقبل، وقيل: معناه أدبر، فهذا المتضاد. فنقول: إذا تعدد المعنى واللفظ واحد يسمى مشتركاً إن كان حقيقة للمتعدد.

    فإن كان غير حقيقة، يعني: حقيقة في معنى وليس حقيقة في المعاني الأخرى.. يقول المؤلف: [وإلا فهو حقيقة ومجاز].

    كلمة: (العين) قال أحدكم قبل قليل: الجاسوس، هي لا تُطلق على الجاسوس على أنها معنىً للجاسوس، لكن تُطلق عليه لأنه ينظر بعينه، وحينئذٍ تكون مجازاً.

    كلمة (أسد) تطلق على الحيوان المفترس المعروف، وتُطلق على الرجل الشجاع، لكنها حقيقة في الأسد مجاز في الشجاع، فلا نقول: إن (الأسد) مشترك بين الرجل الشجاع وبين الأسد، بل نقول: هو حقيقة في الأسد مجاز في الرجل الشجاع.

    وطبعاً المؤلف يجري على ما مشى عليه الأكثر من أن في اللغة حقيقة ومجازاً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768265944