ذكر هنا ما به يعرف المجاز، يعني: علامات المجاز كثيرة، أولها: أنه يصح نفيه، فإذا قلت: رأيتُ أسداً يحمل حقيبة، أو رأيت أسداً يحمل سيفاً، فـ(أسد) هنا مجاز يصح نفيه، فيصح أن يقول المخاطب: هذا ليس بأسد. ومن ثمَّ قال شيخ الإسلام ابن تيمية : إنه لا مجاز في القرآن؛ قال: لأن أكبر علامات المجاز: صحة النفي، والقرآن ليس فيه ما يصح نفيه.
فلو قال قائل في قول الله: فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ [الكهف:77]: هذا مجاز، فعلى قوله يصح أن نقول: إن هذا الجدار لا يريد أن ينقض، وهذا فيه من الخطورة ما ترون؛ لأنه نفي لما أثبته الله.
وقوله: وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف:82] لو قال قائل: لا يمكن أن يسأل القرية، نقول: هذا أيضاً خطر، لأن فيه نفياً لما أثبته الله عز وجل.
إذاً: من علامات المجاز أن يصح نفيه.
كذلك أيضاً في السنة المجاز يصح نفيه، وليس في كلام الرسول عليه الصلاة والسلام الذي يثبته ما يصح نفيه.
يعني: كلمة (أسد) الذي يتبادر إلى الذهن أنه الحيوان المفترس، (لولا القرينة)، وهو قولنا: يحمل سيفاً، فإذا قلنا: رأيت أسداً يحمل سيفاً؛ فإن الذي يتبادر -لولا كلمة يحمل سيفاً- أن المراد بالأسد الحيوان المفترس، لكن شيخ الإسلام رحمه الله يقول: إن هذه القرينة جعلت الكلمة حقيقة في مكانها، فـ (رأيت أسداً يحمل سيفاً) بمنزلة: رأيت شجاعاً يحمل سيفاً، لكن عبر بالأسد لظهور الشجاعة أكثر، ولأنه أشد هيبة لهذا الرجل الذي وُصف بالشجاعة بواسطة أنه سُمِّي أسداً.
فـشيخ الإسلام رحمه الله يقول: إن القرائن الحالية والقرائن اللفظية تجعل الكلمة حقيقة في موضعها، وحينئذٍ لا نقول: إن في القرآن مجازاً.
ونضرب لهذا مثلاً بقوله تعالى: وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا [يوسف:82] ، قال هنا: المراد بالقرية الرجال الذين يتوجه إليهم السؤال، لكن عبر بالقرية كأنه يقول: اسأل كل القرية، لا تبق ولا واحداً، كما تقول: خرجت البلد معي كلها، وما أشبه ذلك، فالمعنى: التعميم والعموم.
قال: وقرينة (اسأل) تمنع أن يكون المراد بالقرية: البناء، بل ولا يتبادر من كلمة القرية في هذا السياق البناء، لماذا؟ قال: لقوله: وَاسْأَلُ [النساء:32]، والسؤال لا يتوجه إلى القرية التي هي البناء أبداً، قال: إذاً المتبادر الآن في مثل هذا السياق أن المراد بالقرية أهلها، وحينئذٍ تكون (القرية) مستعملة في حقيقتها؛ أي: لأنكم تقولون: إن المتبادر من اللفظ هو حقيقته، والمتبادر من (القرية) في مثل هذا التركيب: أهل القرية، فيكون مستعملاً في حقيقته.
كذلك أيضاً نرجع إلى مثل هذا اللفظ (القرية) في مثل قوله تعالى: إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ [العنكبوت:31]، القرية هنا المراد بها البناء والمكان، وليس المراد أهل القرية؛ لأنه لو كان المراد بالقرية أهلها لكان المعنى: إنا مهلكو أهل أهل القرية، وهذا لا يستقيم، فهنا تجدون القرية في مكان يتعين أن تكون لأهل القرية، وفي مكان يتعين أن تكون للبناء، والذي يعيِّن ذلك هو السياق والقرينة اللفظية.
وفي قولك: بنى الأمير له قصراً فخماً، يعني بالأمير العمال بلا شك، لأن الذين بنوا القصر هم العمال، ولا أحد يتبادر إلى ذهنه أن الأمير هو الذي ذهب يأخذ الفاروع والمسحاة والعتلة والزنبيل، ويخلط بالطين ويأتي بالسُّلم؟
إذاً: المتبادر إلى الذهن من الكلام هو حقيقته، سواء كان ذلك لقرينة لفظية أو لقرينة حالية، وعليه فلا مجاز في القرآن، وما ذهب إليه الشيخ رحمه الله ذهب إليه كثير من أهل العلم، ومنهم الشيخ الشنقيطي رحمه الله صاحب أضواء البيان، فإنه كتب رسالة صغيرة فيها منع وجود المجاز في القرآن الكريم، ولكن شيخ الإسلام رحمه الله يقول: ليس المجاز ممنوعاً في القرآن فحسب، بل في القرآن والسنة وكلام العرب، لأنه يقول: إن القرينة الحالية أو اللفظية تجعل اللفظ حقيقة في موضعه. وما قاله رحمه الله له وجه، بل هو الوجه الأسد، وفيه -أي في هذا القول- سدٌ لباب فتح علينا متاعب كثيرة في الفقه العلمي وهو العقيدة، والفقه العملي وهو فقه أحكام الجوارح كالذي يوجد في كتب الفقه؛ فإن كثيراً من الناس لجئوا إلى التأويل بحجة المجاز، وابن القيم في النونية سمى المجاز : الطاغوت؛ لأن أصحابه تجاوزوا به الحد، فحرفوا به نصوص الكتاب والسنة.
ويقول شيخ الإسلام رحمه الله: إن هذا التقسيم -أعني تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز- كان بعد زوال القرون الثلاثة: التابعون وتابعو التابعين وتابعوهم، بل الصواب: الصحابة والتابعون وتابعوهم، يقول: إنه بعد انقراض العصور الثلاثة المفضلة حدث القول وانتشر، وظهر القول بأن الكلام ينقسم إلى حقيقة ومجاز.
وأجاب عن ما ذُكِر عن أحمد رحمه الله في قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ [الحجر:9] وأشباهها من الكلمات الدالة على الجمع وهي مضافة إلى الله عز وجل، وهو واحد، قال الإمام أحمد : هذا من مجاز اللغة.
الذين قالوا بالمجاز أخذوا من كلام هذا الإمام إثبات المجاز في القرآن وغير القرآن، أما شيخ الإسلام فيقول: معنى قول الإمام أحمد : من مجاز اللغة؛ أي: مما تجيزه اللغة، أي: تجيز ضمير الجمع للواحد على سبيل التعظيم، وما قاله شيخ الإسلام رحمه الله هو الظاهر؛ لأن قوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا [الحجر:9]، حقيقة في معناه، حتى عند الذين يقسمون الكلام إلى حقيقة ومجاز يرون أن الضمير هنا يعود على الله باعتبار التعظيم، وحينئذٍ يكون معنى قوله: (من مجاز اللغة)، أي: مما تجيزه، لا من المجاز الاصطلاحي الذي اصطلح عليه هؤلاء.
يقول المؤلف: [يعرف بصحة نفيه وبتبادر غيره لولا القرينة] ونحن قلنا: صحة النفي لا تجوز أبداً في كلام الله وكلام رسوله، إذاً: فلا مجاز.
وقلنا إن القرينة: حالية وعرفية تجعله حقيقة في سياقه.
أي: أن المجاز إنما يُستعمل في ما جاء عن العرب، ولا يمكن أن يطرد ويجعل قياساً، فمثلاً: العرب أطلقت الرقبة على الكل، فقالوا: أعتق رقبة، فهل لنا أن نقيس ونقول: أعتق ظهراً؟
الجواب: لا، فلا يمكن أن نقيس ونقول: أعتق ظهراً؛ لأن هذا ليس من مجاز اللغة، ثم هو أيضاً لا يطرد، فليس -مثلاً- كل شجاع نسميه أسداً، بل إننا نطلقه على الرجل الشجاع شجاعة فيها إقدام وقوة وقدرة كإقدام وقوة وقدرة الأسد، فيُعرف بعدم وجوب اطراده.
والثالث: [وبالتزام تقييده]، أي: تقييده بالقرينة، فلا بد أن يقيَّد، والحقيقة لا تقيَّد عندهم، فقولهم مثلاً: (رأيت أسداً)، إذا أردت به الحيوان المفترس فلا يحتاج إلى تقييد، وإذا أردت به الشجاع يحتاج إلى تقييد وهي القرينة، فتقول: رأيت أسداً يحمل سيفاً.
يعني: لا بد أن يكون لهذا المجاز مقابلاً من الحقيقة، فإن لم يكن له مقابل من الحقيقة فإنه لا يمكن أن يُستعمل، ومثاله في الشرح فقال: ويُعرف أيضاً بـ(توقفه)، أي: توقف استعماله (على مقابله)، أي: على المسمى الآخر الحقيقي سواءٌ كان ملفوظاً به كقوله تعالى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ [آل عمران:54] أي: جازاهم على مكرهم حيث تواطئوا على قتل عيسى صلى الله عليه وسلم.. أو كان مقدراً كقوله تعالى: قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا [يونس:21].
أقول: على كل حال! انظر ما الذي أدى المجاز إلى هذا؟ يقول: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ [آل عمران:54]، الله لا يمكر، لكن المكر بالنسبة إلى الله مستعمل في المجاز، ولولا قوله: (وَمَكَرُوا) ما صح أن يقول: (وَمَكَرَ اللَّهُ)، فاستعمال المكر في جانب الله متوقف على استعمال مقابله في جانب الخلق، أما أن يقال: مكر الله بدون مقابل فهذا لا يمكن، ولهذا قال في قوله تعالى: قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا [يونس:21] إنه على تقدير المقابل؛ لأنه ما ذُكِر في هذه الآية.
ونحن نقول بالنسبة للمثال خاصة: هذا ليس بصحيح؛ لأن المكر الذي أضافه الله إلى نفسه حقيقة وليس مجازاً، ولكن مكر الله عز وجل ليس كمكر الآدمي، مكر الآدمي مكر على ضعف، ويخشى أن يطلع عليه ويُمكَر به أكبر من ما مكر؛ لكن مكر الله عز وجل مكر بقوة، ولا يمكن أن يكون أحد أكبر من مكر الله عز وجل، ولا أسرع من مكر الله، فالله تعالى يمكر حقيقة؛ ولكن مكره ليس كمكر الآدمي أو كمكر المخلوق على سبيل العموم. فهذا المثال الذي ذكره فيه نظر.
أما كونه يراد بالشيء ما يراد بمقابله على سبيل التجوز فهذا ممكن.
وهذا صحيح؛ لأن أصل المجاز حقيقة في غير ما وُضِع له، فإن المجاز استعمال اللفظ في غير ما وُضع له، فلهذا يضاف إلى غير قابل، فالأسد للرجل الشجاع غير قابل لكونه أسداً حقيقة. وبنى الأمير البيت، غير قابل أن يبني الأمير نفسه البيت.
قال: [وبكونه لا يؤكد].
هذا ليس بصحيح، بل هو يؤكَّد، قال الله تعالى: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا [النمل:50]، فإن (مكراً) هنا مصدر مؤكد، وقد يقال: إن المكر في الآية مصدر مبين للنوع، لكن الصفة محذوفة، والتقدير: ومكرواً مكراً ومكرنا مكراً أعظم.
المهم أنهم يقولون: إن المجاز لا يؤكَّد، ويقولون أيضاً قاعدة صحيحة: أن التأكيد ينفي احتمال المجاز، ولهذا قالوا في قوله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164]: إن (تكليماً) مصدر مؤكِّد لانتفاء احتمال المجاز.
قال في الشرح: (وفي قول) وهو قول الباقلاني والغزالي والموفق والطوفي وابن مفلح وابن قاضي الجبل : إن المجاز (لا يشتق منه)، قال الغزالي في قوله تعالى: وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ [هود:97] بمعنى الشأن مجازاً، فلا يشتق منه آمر ولا مأمور ولا غيرها.
أقول: وفي هذا نظر، فهو يقول: إن المجاز لا يُشتق منه، وفي الحقيقة أن في ذلك نظراً، وإذا صح ذلك في مثال من الأمثلة فلا يعني أنه في كل مثال، فمثلاً قوله تعالى: وَجَاءَ رَبُّكَ [الفجر:22] على قول من يقول: إن المراد جاء أمره، فإسناد المجيء إلى الله على رأيهم مجاز، ومع ذلك يصح أن نقول: إن الله جاءٍ وجاء مجيئاً، فهو يؤكَّد ويشتق منه.
ثم ذكر الشارح القول الثاني: أنه يُشتق منه، وأنه قول الأكثر، وهو إذا قال (في قول) على اصطلاحه يكون القولان متساويين، أما إذا قال: في وجه فهو مرجوح.
المجاز يُثنَّى ويجمع، فيقال مثلاً: اسأل القريتين على القول بأنها مجاز، يعني: أهلهما، اسأل القرى؛ هذا جمع.
فقوله: [ويكون في مفرد] يعني: يكون التجوز في مفرد، كقولك: أقبل الأسد متقلداً سيفه، كلمة: (أقبل) حقيقة في المجيء؛ لكن كلمة (الأسد) مجاز عن الرجل الشجاع، فهي مجاز في مفرد.
وقوله: [وإسناد]، أي: ويكون المجاز أيضاً في إسناد، بمعنى: أن الكلمتين مستعملتان في معناهما الحقيقي، لكن التجوز في الإسناد، مثل: بنى الأمير قصره، كلمة: (بنى) حقيقة، وكلمة (الأمير) حقيقة، والمجاز إسناد البناء إلى الأمير، وإلا فالأمير يراد به الأمير حقيقة، والبناء يراد به البناء حقيقة، لكن إسناد البناء إلى الأمير مجاز.
وقوله: [وفيهما معاً]: أي ويكون المجاز في المفرد وفي الإسناد معاً في حالة واحدة، ومثاله: افترس الأسد قرنه بسيفه، هنا كلمة: افترس الأسد، المجاز في (افترس) وفي (الأسد)، وفي إضافة الافتراس إلى الأسد المعني به الرجل الشجاع، فإن الرجل الشجاع لا يفترس، وإنما يقتل أو يطعن أو ما أشبه ذلك، فيكون فيهما معاً.
قال: [وفي فعل ومشتق وحرف].
يعني: يكون المجاز في الفعل على رأي المؤلف، مثل: مكر الله، يمكر الله، فالمجاز هنا في الفعل.
ويكون أيضاً في مشتق، مثل أن يقال: الله ماكر، اسم فاعل، وكل هذا تنزلاً مع كلام المؤلف.
قال: ويكون أيضاً في حرف، مثل: (دخلت النار امرأة في هرة) فـ(في) تأتي في الأصل للظرفية، واستُعملت هنا للسببية مجازاً.
فتبين الآن أن المجاز يكون في الفعل والمشتق، ويكون أيضاً في الحرف، ويكون في الاسم الجامد، وكأن المؤلف لم يذكره لأن هذا هو الغالب.
(يحتج به)، أي بالمجاز، وهذا صحيح أنه يحتج به؛ لكن على القول الراجح أن المجاز في سياقه حقيقة، فنحن محتجون بحقيقة.
(ولا يقاس عليه)؛ لأنه سبق أن هذا متوقف على النقل عن العرب، فلا يقال مثلاً: أعتق ظهراً، بدل: أعتق رقبة.
قال: [ويستلزم الحقيقة ولا تستلزمه]، يعني: ما من مجاز إلا وله حقيقة، ولولا أن له حقيقة لم يكن مجازاً.
[ولا تستلزمه] يعني: لا يلزم لكل حقيقة مجاز، فيلزم لكل مجاز حقيقة، ولا يلزم لكل حقيقة مجاز.
قال: [ولفظاهما حقيقتان عرفًا ومجازان لغةً]، يعني كلمة (حقيقة) بمعنى اللفظ المستعمل في ما وُضع له؛ هذا مجاز لغة، حقيقة عُرفاً.
وذلك لأن الحقيقة في اللغة العربية: ما حق وثبت، تقول: هذا فلان حقيقة، يعني: أمر ثابت متيقن. أما (حقيقة) بمعنى: اللفظ المستعمل في ما وضع له أولاً؛ فهذا مجاز في اللغة العربية، لكنه في الاصطلاح والعرف حقيقة.
فالحقيقة لها معنيان: معنىً لغوي، ومعنىً عرفي اصطلاحي: كلمة (أسد) للحيوان المفترس نقول: هذه حقيقة، لكن في اللغة العربية ليس معنى الحقيقة استعمال الأسد في معناه الأصلي، بل معنى الحقيقة: الشيء المؤكد الثابت. فيكون استعمال الحقيقة في المعنى الاصطلاحي حقيقة عرفية ومجازاً لغة، ولهذا قال: (لفظاهما) يعني: كلمة (حقيقة) وكلمة (مجاز)، (حقيقتان عرفاً) يعني: في الاصطلاح.
والمجاز في اللغة: ما يجاز منه، مثل الطريق، فتقول: جاز الطريق، وهذا مجازه، أي: موضع مروره ومجاوزته، لكن في العُرف: القول المستعمل في غير ما وضع له.
كون المجاز بمعنى اللفظ المستعمل في غير ما وضع له، هذا حقيقة عرفاً ومجاز لغة.
وقوله: (من عوارض) أي: من صفات الألفاظ وليست من صفات المعاني، فإننا نقول: هذا اللفظ مجاز ولا نقول: هذا المعنى مجاز، بل نقول: هذا اللفظ في هذا المعنى مجاز، وأما المعاني فهي على حقائقها، فالأسد هو الأسد، والرجل الشجاع هو الرجل الشجاع، لكن اللفظ هو الذي نقول فيه: حقيقة ومجاز.
إذاً: (عوارض الألفاظ) يعني بها صفات الألفاظ، فاللفظ هو الذي يقال إنه حقيقة أو مجاز، وليس المعنى.
قال: [وليس منهما لفظ قبل استعماله]:
أي ليس من الحقيقة والمجاز لفظ قبل استعماله، فمثلاً: لو فرضنا أنه يوجد لفظ ولم نستعمله حتى الآن؛ فإننا لا نسميه حقيقة ولا مجازاً، لأنه لم يُستعمل بعد، وقد قلنا في تعريف الحقيقة: إنه اللفظ المستعمل.. إلخ، وقلنا في المجاز: إنه اللفظ المستعمل أيضاً، فإذا كان لفظ لم يستعمل فإنه لا يوصف بحقيقة ولا مجاز.
قال: [وليس فيهما علم متجدد].
العلم المتجدد الذي سمينا به المسمى ابتداءً، نقول: هذا ليس حقيقة ولا مجازاً؛ لأنه لم يُستعمل أولاً لا في الحقيقة ولا في المجاز، فنقول: هذا لا حقيقة ولا مجاز، ولكن الظاهر أنه إذا سمي به المسمى صار حقيقة في مسماه، فإذا سمينا شخصاً باسم لم يسم به أحد من قبل يقول المؤلف: لا نسميه حقيقة ولا مجازاً؛ لأنه ما استُعمل أولاً، وفي هذا نظر، والله أعلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر