إسلام ويب

مختصر التحرير [19]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الخلق قد يراد به فعل الخالق وقد يراد به المخلوق، ويعرف ذلك من سياق الكلام أو قصد المتكلم. ومما اختلف فيه العلماء ثبوت اللغة بالقياس، والراجح في ذلك التفصيل كما ذكر الشيخ رحمه الله.

    1.   

    فعل الرب ومغايرته لصفاته

    قال المؤلف رحمه الله: [والخلق غير المخلوق، وهو فعل الرب قائم به، مغاير لصفة القدرة].

    هذا الكلام أيضاً يحتاج إلى تفصيل، نقول:

    الخلق: مصدر خلق يخلق خلقاً، قد يُراد به الفعل -أعني: فعل الخالق- وقد يراد به المفعول؛ لأن المصدر قد يراد به اسم المفعول، كما في قوله تعالى: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ [الطلاق:4] الأحمال هنا: جمع حمل بمعنى محمول، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).

    فالمصدر قد يراد به اسم المفعول فيكون غير الفعل، والمؤلف يقول: الخلق فعل الرب، نقول: هذا فيه نظر؛ لأن الخلق مصدر، تارة يراد به الفعل الذي هو فعل الخالق، وتارة يراد به المفعول. فإذا أُريد به الفعل فهو صفة الخالق لا ينفك عنه ولا ينفصل، وإذا أريد به المخلوق فهو منفصل عن الخالق بائنٌ منه؛ لأن المخلوق غير الخالق.

    إذا قال قائل: أين الدليل على ما قلت؟

    فالدليل: أما كون الخلق بمعنى الفعل ففي مثل قوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ [آل عمران:190]، (خلْق) هنا بمعنى الفعل الذي هو فعل الرب.

    وقد يراد به المخلوق، مثل قوله تعالى: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ [لقمان:11]، (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ) أي: مخلوقه؛ لأن الخلق الذي هو الفعل لا يمكن الإشارة إليه، فالإشارة إذاً إلى المخلوق، فتقول مثلاً مشيراً إلى الذباب: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ [لقمان:11].

    إذاً قول المؤلف رحمه الله: (الخلق غير المخلوق) فيه نظر، بل نقول: هو غير المخلوق إن أريد به الفعل الذي هو فعل الله عز وجل، وقد يُراد به المخلوق كما ذكرنا في المثال.

    قال: [وهو فعل الرب قائم به، مغاير لصفة القدرة]، نعم، قائم بالله عز وجل، غير منفصل عنه، مغاير لصفة القدرة، يعني: ليس هو القدرة، وهذا صحيح، فليس الخلق هو القدرة، بل فعلٌ ناشئٌ عن قدرة وإرادة وعلم، قال الله تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] .

    وقال الله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق:12].

    فالخلق صفة مغايرة للقدرة، والصفات مترادفة، فالخلق هو القدرة وهو العلم وهو السمع وهو البصر، كل الصفات مترادفة، وهذا قول يصل الإنسان به إلى أعلى العجب، كيف يدعي هؤلاء أنهم أصحاب العقول وهم يقولون مثل هذه الترهات؟ الآن لو تسأل أيّ واحد تقول: تعال! السمع هو البصر، والبصر هو الكلام، والكلام هو الأكل، والأكل هو الشرب، والشرب هو اللبس، واللبس هو النوم، سيقول عنك مجنون، ويقول: عجلوا في المارستان، والغريب أن هؤلاء المعتزلة الذين يقولون إنهم أصحاب العقول؛ يقولون مثل هذا القول بالنسبة لصفات الله حذراً من تعدد الصفات الذي يستلزم على عقولهم تعدد القدماء، وهذا من الغرائب!

    1.   

    ثبوت اللغة بالقياس

    ثم قال المؤلف: [فائدة: تثبت اللغة قياسًا فيما وضع لمعنًى دار معه وجودًا وعدمًا كخمر لنبيذ ونحوه].

    هذه المسألة الخلاف فيها قريب من اللفظي، أو الكلام فيها فضول من القول، وهي: هل إذا ثبت اسم شيء لمعنىً من المعاني نقول: إنما شاركه في هذا المعنى يسمَّى باسمه أو لا؟

    يقول بعض العلماء: إن اللغة لا قياس فيها، وأن اللفظ إذا وضع لمعنىً ووجد هذا المعنى في شيء آخر فإنه لا يسمى بهذا الاسم وإن كانت العلة موجودة.

    ويرى المؤلف خلاف ذلك، وأن اللغة تثبت قياساً، فإذا وضع لفظ لشيء أو اسم لمسمى لعلة في هذا المسمى، جاز أن يسمى بهذا الاسم ما شاركه في هذا المانع.

    مثال ذلك: (الخمر) المعروف أنه من عصير العنب، هذا في اللغة، فهل إذا وجد الإسكار في غير عصير العنب نقول إنه خمر؟ على الخلاف، منهم من يقول: لا، قل: هذا نبيذ ولا تقل خمر، ولهذا قال: [كخمر لنبيذ]، منهم من قال: لا نسميه خمراً، قل: هو نبيذ. ومنهم من قال: بل سمه خمراً.

    والعجب العجاب أن هذا الخلاف في أمر نص عليه أفصح الخلق، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (كل مسكر خمر)، إذاً: ما حاجة أن نقول: عنب، شعير، بر، ما حاجة أن نقول، إذا كان الخمر من العنب فهو خمر، إذا كان من التمر أو من الشعير أو من الذرة فليس بخمر، ولا حاجة أن نقول: سمينا الذرة المسكرة خمراً قياساً على خمر العنب؛ لأن عندنا نصاً من الرسول أفصح الخلق.

    لو وجدنا هذه الكلمة في القاموس، أي: لو رجعنا إلى القاموس فقال: الخمر كل مسكر، وجاءنا نبيذ يسكر، نقول: قال صاحب القاموس: إنه خمر، ونستدل بقول صاحب القاموس مع أنه رجل أعجمي، ولكن ألهمه الله العربية وصار حجة، فإذا جاء محمد بن عبد الله سيد الفصحاء وأفصحهم وأبلغهم وقال: (كل مسكر خمر) نروح نقول: والله النبيذ ما هو خمر، هذا من الغرائب! أعني: لو جعلوا المثال غير هذه المسألة كان أهون، لكن هذه مسألة فيها نص من الشارع فكيف نقول: هل نسمي هذا خمراً بالقياس أو نمنعه؟

    المهم على كل حال! الصحيح ما ذهب إليه المؤلف: أنه إذا سُمِّي شيء لمعنىً يوجد في غيره فلا بأس أن نسمي هذا الغير بهذا الاسم قياساً لوجود العلة، فكما أن الأحكام الشرعية تثبت في الفروع لوجود العلة فيها فكذلك الأسماء، لا يقال مثلاً: هذا تمر، هذا شعير، هذا زبيب، ولا يمكن ننقله عن اسمه، بل نقول: ما دام المعنى الذي سُمِّي الخمر خمراً موجوداً فيه فليسم بذلك، والله أعلم.

    منع القياس في اللقب والصفة واسم الجنس ونحوها

    قال: [ولقب وصفة].

    يقول: أجمع على منع القياس في العلم، لأن الأعلام خاصة بمسمياتها، فمثلاً: إذا وجدنا شخصاً عالماً في النحو، هل نقول: هذا سيبويه على سبيل الحقيقة، ونقول: لأن سيبويه عالم في النحو فنقيس عليه ونقول: كل عالم في النحو نسميه سيبويه الجواب: لا يجوز قياساً.

    إذاً: القياس في الأعلام ممنوع.

    وهل كل إنسان يجادل أهل الباطل بالحجج العقلية والنقلية نسميه شيخ الإسلام ابن تيمية ؟ نقول: لا يمكن.

    ولو وجدنا إنساناً جيداً في الطب فهل نسميه ابن سيناء ؟

    الجواب: لا. إذاً القياس في الأعلام ممنوع، وكذلك في الألقاب.

    والفرق بين العلم واللقب: أن اللقب ما أشعر بمدح أو ذم، وأيضاً: ممنوع أن نلقب شخصاً بلقب آخر لأنه يشاركه في صفة من الصفات.

    كذلك الصفة ممنوع فيها القياس، لكن هنا ليس ممنوعاً في العلة التي منعنا فيها بالعلم واللقب، لكن لأن الصفة شاملة بدون قياس، فمثلاً: كل من اتصف بالعلم نسميه عالماً، هذا زيد متصف بالعلم، عمرو متصف بالعلم، نسمي زيداً عالماً ونسمي عمراً عالماً، لا قياساً على زيد، بل لأن الصفة الموجودة في زيد موجودة في عمرو، ولهذا نمنع القياس في الصفة لا كمنعنا في العلم واللقب، ولكن لأن الصفة شاملة لا تختص بشخص حتى نقول: إن الشخص الثاني مقيس عليه.

    قال: [وكذلك مثل إنسان ورجل].

    أي: والذي يسمي (ياسر) إنساناً قياساً على (سام) لأنه إنسان، فهل يصلح؟

    الجواب: لا يصلح، بل كلٌ منهما يسمى إنساناً بدون قياس.

    كذلك أيضاً (رجل)، لا نسمي زيداً رجلاً قياساً على عمرو الذي سميناه رجلاً.

    إذاً: لا قياس.. وليست العلة في هذا كعلته في العلم واللقب، ولكن لأن اسم الجنس الذي هو إنسان ورجل يصدق على كل من كان إنساناً ورجلاً بالأصل لا بالقياس.

    [ورفع فاعل]، أي مثل: قام زيدٌ، نقول أيضاً: قام عمرو، فلا نقول: عمرو فاعل؛ قياساً على (قام زيد) أي على أن زيد فاعل في قام، بل لأن الفاعل مرفوع استقلالاً لا قياساً، فرفع زيد في (قام زيد) ليس قياساً على رفع عمرو في (قام عمرو) ولكنه مستقل.

    إذاً: فهذه الثلاثة: الصفة واسم الجنس ورفع الفاعل ونصب المفعول وما أشبهها؛ كلها يمتنع فيها القياس؛ لأنه لا قياس، ولكن يثبت هذا الوصف للثاني كثبوته للأول استقلالاً لا قياساً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768287446