قال: [ومنه فساد وصحة].
قوله: (ومنه) أي: من خطاب الوضع الذي عقد له هذا الفصل، (فساد وصحة)، فالفساد والصحة حكمان شرعيان، لكنهما وضعيان لا تكليفيان؛ لأن الأحكام التكليفية خمسة: الواجب والمحرم، والمكروه والمسنون والمباح، هذه الأحكام التكليفية، أما أن هذا شرط، وهذا سبب، وهذا مانع، وهذه علة؛ فهذه أحكام وضعية.
والصحة والفساد أحكام وضعية، يعني: قولنا: (هذا صحيح)، حكم وضعي، وقولنا: (هذا فاسد)، هذا حكم وضعي، إذاً: الصحة والفساد من الأحكام الوضعية.
قال: [وهي] يعني: الصحة [في عبادة: سقوط القضاء بالفعل]، هذا المؤلف رحمه الله بدأ بالفساد ثم فرع على الصحة، ويسمى مثل هذا الأسلوب: لف ونشر غير مرتب.
أي: فمعنى قولنا: عبادة صحيحة، أنه لا يجب قضاؤها بفعلنا إياها، فـ(بالفعل) هنا متعلق بـ(سقوط) لا بالقضاء، يعني: إذا سقط القضاء بفعل العبادة فهي صحيحة، وإن لم يسقط القضاء فهي غير صحيحة.
إذاً: الصحيح من العبادات ما أسقط القضاء وبرئت به الذمة.
فإن قال قائل: الصحيح من العبادات ما وافق الأمر، فأيهما أسد الأول أو الثاني؟
نوضح بمثال: رجل توضأ لصلاة المغرب وصلى المغرب، ولما أذن العشاء أراد أن يصلي العشاء فقال: والله لا أدري أحدثت أم لم أحدث، قلنا له: ابن على اليقين، وهو الطهارة، فصلى العشاء، ثم لما انتهى من الصلاة تبين أنه قد أحدث، فهل العبادة صحيحة؟
إذا قلنا: إن الصحيح ما وافق الأمر، فعبادته صحيحة، وإذا قلنا: ما أسقط القضاء وبرئت به الذمة فالصلاة غير صحيحة، مع أن القولين متفقان على وجوب إعادة الصلاة، لكن الذين قالوا: إنها صحيحة قالوا: إن القضاء وجب عليه بأمر جديد.
نقول: ما دمتم قلتم: إنه وجب بأمر جديد فقولوا: إن الصحيح ما أسقط القضاء وبرئت به الذمة، وإن شئتم احذفوا أيضاً ما أسقط القضاء، فقولوا: إن الصحيح من العبادات ما برئت به الذمة، وهذا أحسن ما قيل: إن الصحيح من العبادات ما برئت به الذمة، ومن المعلوم أن من صلى محدثاً ولو كان ناسياً ثم تبين له أنه محدث لا تبرأ ذمته بذلك، ونكون إذا عبرنا بقولنا: ما برئت به الذمة أوضح مما أسقط القضاء؛ لأنك إذا قلت: ما أسقط القضاء فهم السامع أن هناك قضاءً لازماً، والحقيقة أن فعل الصلاة لأول مرة في وقتها لا يسمى قضاءً، وإنما يسمى أداءً.
إذاً: أسلم ما يقال في حد وتعريف الصحة: أنها ما برئت به الذمة وسقط به الطلب، والله أعلم.