الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الحكم بغير ما أنزل الله ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يبطل حكم الله ليحل محله حكمٌ آخر طاغوتي، بحيث يلغى الحكم بالشريعة بين الناس، ويجعل بدله حكمٌ آخر من وضع البشر، كالذين ينحون الأحكام الشرعية في المعاملة بين الناس، ويحلون محلها القوانين الوضعية، فهذا بلا شك أنه استبدالٌ لشريعة الله سبحانه وتعالى غيرها، وهو كفر مخرج عن الملة؛ لأن هذا جعل نفسه بمنزلة الخالق، حيث شرع لعباد الله ما لم يأذن به الله، بل ما خالف حكم الله عز وجل، وجعله الحكم الفاصل بين الخلق، وقد سمى الله تعالى ذلك شركاً في قوله تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21].
القسم الثاني: أن تبقى أحكام الله على ما هي عليه، وتكون السلطة لها، ويكون الحكم منوطاً بها، ولكن يأتي حاكم من الحكام فيحكم بغير ما تقتضيه هذه الأحكام، أي: يحكم بغير ما أنزل الله، فهذا له ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يحكم بما يخالف شريعة الله معتقداً أن ذلك أفضل من حكم الله وأنفع لعباد الله، أو معتقداً أنه مماثل لحكم الله عز وجل، أو يعتقد أنه يجوز له الحكم بغير ما أنزل الله، فهذا كفر يخرج به الحاكم من الملة؛ لأنه لم يرض بحكم الله عز وجل، ولم يجعل الله حكماً بين عباده.
الحالة الثانية: أن يحكم بغير ما أنزل الله معتقداً أن حكم الله تعالى هو الأفضل والأنفع لعباده لكنه خرج عنه وهو يشعر بأنه عاصٍ لله عز وجل، إنما يريد الجور والظلم من المحكوم عليه؛ لما بينه وبينه من عداوة، فهو يحكم بغير ما أنزل الله لا كراهة لحكم الله، ولا استبدالاً به، ولا اعتقاداً بأنه -أي: أن الحكم الذي حكم به- أفضل من حكم الله أو مساوٍ له، أو أنه يجوز الحكم به، لكن من أجل الإضرار بالمحكوم عليه حكم بغير ما أنزل الله، ففي هذه الحالة لا نقول: إن هذا الحاكم كافر، بل نقول: إنه ظالم معتدٍ جائر.
الحالة الثالثة: أن يحكم بغير ما أنزل الله وهو يعتقد أن حكم الله تعالى هو الأفضل والأنفع لعباد الله، وأنه بحكمه هذا عاصٍ لله عز وجل، لكنه حكم لهوىً في نفسه، لمصلحة تعود له أو للمحكوم له، فهذا فسق وخروج عن طاعة الله عز وجل، وعلى هذه الأحوال الثلاث يتنزل قول الله تعالى في ثلاث آيات: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، وهذا ينزل على الحالة الأولى، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45] ينزل على الحالة الثانية. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47] ينزل على الحالة الثالثة. وهذه المسألة من أخطر ما يكون في عصرنا هذا، فإن من الناس من أولع وأعجب بأنظمة غير المسلمين حتى شغف بها، وربما قدمها على حكم الله ورسوله، ولم يعلم أن حكم الله ورسوله ماضٍ إلى يوم القيامة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى الخلق عامة إلى يوم القيامة، والذي بعثه سبحانه وتعالى عالمٌ بأحوال العباد إلى يوم القيامة، فلا يمكن أن يشرع لعباده إلا ما هو نافعٌ لهم في أمور دينهم ودنياهم إلى يوم القيامة، فمن زعم أو توهم أن غير حكم الله تعالى في عصرنا أنفع لعباد الله من الأحكام التي ظهر شرعها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقد ضل ضلالاً مبيناً، فعليه أن يتوب إلى الله، وأن يرجع إلى رشده، وأن يفكر في أمره.
المقدم: لكن ذكرتم في الظالم والفاسق أشياء متقاربة أو متداخلة كما نتصور، وهي أن يحكم بغير ما أنزل الله وهو يعلم أن حكم الله أفضل لكنه يريد أن يتشفى لنفسه من أحد، أو يطبق الحكم على شخص ما جاء عن الله عز وجل، وبين الذي يحكم أيضاً وهو يعلم بحكم الله عز وجل، ويعلم أنه هو الحكم السديد، لكنه لمصلحةٍ في نفسه، أو لهوىً لنفسه، أو ليوافق أيضاً هذا المحكوم عليه أو يرد على المحكوم عليه، ما الفرق بينهما؟
الشيخ: الفرق بينهما: أن الذي نصفه بأنه ظالم حكم لطلب العدوان على المحكوم عليه، وإن لم يكن له فيه مصلحة، ولم ينظر إطلاقاً إلى مصلحة المحكوم له، لكن أهم شيءٍ عنده هو الجور والظلم بالنسبة لهذا المحكوم عليه، أما الآخر فهو نظر إلى مصلحة المحكوم له، ولم يكن يشعر في نفسه أن يظلم ذلك الرجل المحكوم عليه؛ ولهذا لا يفرق في المحكوم عليه بأن يكون فلاناً أو فلاناً؛ لأنه إنما يريد مصلحة المحكوم له، أو يريد أن يجر إلى نفسه هو منفعة أو ما أشبه ذلك، فهذا هو الفرق بينهما.
القسم الأول: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله من غير أن يصدقه، فهذا محرم وعقوبة فاعله ألا تقبل له صلاةٌ أربعين يوماً، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى عرافاً فسأله لم تقبل له صلاةٌ أربعين ليلة) .
القسم الثاني: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ويصدقه بما أخبر به، فهذا كفرٌ بالله عز وجل؛ لأنه صدقه في دعوى علم الغيب، وتصديق البشر في دعوى علم الغيب تكذيبٌ لقول الله تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65] ، وتكذيب خبر الله ورسوله كفر؛ ولهذا جاء في الحديث الصحيح: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمدٍ صلى الله عليه وسلم) .
القسم الثالث: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ليبين حاله للناس، وأنها كهانةٌ وتمويه وتضليل، فهذا لا بأس به، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه ابن صياد فأضمر له النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً في نفسه فسأله النبي صلى الله عليه وسلم ماذا خبأ له؟ فقال: الدخ، يريد الدخان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اخسأ، فلن تعدو قدرك).
إذاً: أقسام من يأتي إلى الكهان ثلاثة: أن يأتي فيسأله بدون أن يصدقه، وبدون أن يقصد امتحانه وبيان حاله فهذا محرم وعقوبة فاعله ألا تقبل له صلاةٌ أربعين ليلة. الثانية: أن يسأله فيصدقه وهذا كفرٌ بالله عز وجل، يجب على الإنسان أن يتوب منه، ويرجع إلى الله عز وجل، وإلا مات على الكفر، الحالة الثالثة: أن يأتيه فيسأله ليمتحنه ويبين حاله للناس فهذا لا بأس به.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر