إسلام ويب

فقه العبادات [27]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن صحة العبادة متوقفة على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيها، فالصلاة -مثلاً- أقوال وأفعال توقيفية لا يزاد عليها، ولا تصح الصلاة بدونها، كذلك الأذكار عقب الصلاة ينبغي الالتزام بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، على الهيئة الواردة عنه.

    1.   

    صفة الصلاة

    المقدم: في هذا اللقاء نود أن تحدثنا عن صفة الصلاة بعد أن عرفنا حكمها وحكم تاركها وشروطها؟

    الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    سبق لنا في آخر حلقةٍ مضت أن معرفة صفة الصلاة وغيرها من العبادات من أهم ما يكون؛ لأن بها يتحقق الشرط الثاني من شروط العبادات وهو متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، وها نحن نذكرها سائلين الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا للصواب، فنقول: بعد أن يأتي الإنسان بشروط الصلاة التي تسبقها من الطهارة، وستر العورة، واستقبال القبلة وغير ذلك يكبر، فيقول: الله أكبر رافعاً يديه إلى حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه، ثم يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى على صدره، ثم يستفتح بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من الاستفتاح، بأي نوعٍ ورد، إما بقول: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد) ، أو بقول: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك) ، أو بغيرهما مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ثم يقرأ الفاتحة، ويقف على كل آيةٍ منها، فيقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:2-7]، ثم يقرأ ما تيسر من القرآن، والأفضل أن يقرأ سورة تامة، تكون في الفجر من طوال المفصل، وفي المغرب من قصاره غالباً، وفي الباقي من أوساطه.

    ثم يرفع يديه مكبراً للركوع، فيقول: الله أكبر، ويضع يديه مفرجة الأصابع على ركبتيه ويمد ظهره مستوياً مع رأسه، لا يرفع رأسه ولا يصوبه، ويقول: سبحان ربي العظيم، يكررها ثلاثاً وهو أدنى الكمال، وإن زاد فلا بأس، ثم يرفع رأسه قائلاً: سمع الله لمن حمده، ويرفع يديه كذلك، كما رفعهما عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع، ثم يقول بعد قيامه: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ملء السموات وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد.

    ثم يسجد مكبراً، ولا يرفع يديه إذا هوى إلى السجود، قال ابن عمر رضي الله عنهما: (وكان لا يفعل ذلك -يعني: الرفع- في السجود)، ويسجد على ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه، يسجد على أعضاءٍ سبعة: الجبهة والأنف وهما عضوٌ واحد، والكفين والركبتين وأطراف القدمين، ويجافي يديه عن جنبيه ويرفع ظهره ولا يمده، ويجعل يديه حذاء وجهه أو حذاء منكبيه مضمومتي الأصابع مبسوطةً ورءوس الأصابع نحو القبلة، ويقول: سبحان ربي الأعلى، وأدنى الكمال ثلاث، ويزيد ما شاء، ولكن ليغلب في السجود جانب الدعاء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمنٌ أن يستجاب لكم) ، ثم يرفع من السجود مكبراً ولا يرفع يديه، ويجلس مفترشاً رجله اليسرى، ناصباً رجله اليمنى، ويضع يديه على فخذيه أو على أعلى ركبتيه، وتكون اليمنى مضمومة الأصابع الثلاث: الخنصر والبنصر والإبهام، فإن شاء حلّق الإبهام مع الوسطى، وأما السبابة فإنها ستبقى مفتوحة ويحركها عند الدعاء، ويقول: رب اغفر لي وارحمني، وأجبرني وعافني وارزقني، وكلما دعا حرك أصبعه نحو السماء إشارةً إلى علو المدعو، أما اليد اليسرى فإنها تبقى على الرجل اليسرى على الفخذ أو على طرف الركبة مبسوطةً مضمومةً أصابعها متجهاً بها إلى القبلة، ثم يسجد السجدة الثانية كالأولى فيما يقال وما يفعل.

    ثم يرفع من السجود إلى القيام مكبراً، ولا يرفع يديه عند هذا القيام؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديثٍ صحيح، ثم يقرأ الفاتحة وما تيسر لكن تكون قراءته دون القراءة في الركعة الأولى، ويصلي الركعة الثانية كما صلاها في الركعة الأولى، ثم يجلس للتشهد كجلوسه للدعاء بين السجدتين، أي: يفترش رجله اليسرى وينصب اليمنى، ويضع يده اليمنى على رجله اليمنى، ويده اليسرى على رجله اليسرى على صفة ما سبق في الجلوس بين السجدتين، ويقرأ التشهد: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم إن كان في ثنائية كالفجر والنوافل فإنه يكمل التشهد فيستمر: اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، ثم إن أحب أطال في الدعاء ما شاء، ثم يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله.

    أما إذا كان في ثلاثية أو رباعية، فإنه بعد أن يقول في التشهد: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله يقوم فيصلي ما بقي من صلاته مقتصراً على قراءة الفاتحة، أما الركوع والسجود فكما سبق في الركعتين الأوليين، ثم يجلس للتشهد الثاني وهو التشهد الأخير لكن يكون جلوسه توركاً، والتورك له ثلاث صفات:

    إما أن ينصب رجله اليمنى ويخرج اليسرى من تحت ساقها.

    وإما أن يفرش الرجل اليمنى والرجل اليسرى من تحت ساقها، يعني: ساق اليمنى.

    وإما أن يفرش اليمنى ويدخل اليسرى بين ساق اليمنى وفخذها، كل ذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إذا أكمل التشهد سلم عن يمينه وعن يساره.

    هذه هي صفة الصلاة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فليجتهد الإنسان في اتباعه ما استطاع؛ لأن ذلك أكمل في عبادته، وأقوى في إيمانه، وأشد في اتباعه لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

    حالات وضع الرجلين في الصلاة

    المقدم: ذكرتم -جزاكم الله خيراً- بالترتيب وضع الأيدي في القيام وفي الركوع وكذلك السجود والجلسة بين السجدتين، لكننا لم نسمع شيئاً عن وضع الرجلين ونحن نشاهد الآن الكثير من الناس يفرش ما بين رجليه حتى يتسع ما بين مناكب الركبتين؟

    الشيخ: وضع الرجلين في حال القيام طبيعي، بمعنى أنه لا يدني بعضهما من بعض ولا يباعد ما بينهما، كما روي ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما ذكره في شرح السنة أنه رضي الله عنه كان لا يباعد بين رجليه ولا يقارب بينهما، هذا في حال القيام وفي حال الركوع، أما في حال الجلوس فقد عرفنا ما سبق، وأما في حال السجود فالأفضل أن يلصق إحدى القدمين بالأخرى، وألا يفرق بينهما، كما يدل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها حين وقعت يدها على قدم النبي صلى الله عليه وسلم منصوبتين وهو ساجد، ومعلوم أن اليد الواحدة لا تقوى على القدمين المنصوبتين إلا وبعضهما قد ضم إلى بعض، وكذلك جاء صريحاً في صحيح ابن خزيمة رحمه الله أنه يلصق إحدى القدمين بالأخرى في حال السجود.

    1.   

    الأذكار الواردة عقب الصلاة

    وقبل أن نتكلم عن أركان الصلاة نود أنه ينبغي للإنسان إذا فرغ من صلاته أن يذكر الله عز وجل بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تعالى أمر بذلك في قوله: فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ [النساء:103] ، ومن ذلك أن يستغفر الإنسان ثلاث مرات: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، ويقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم يذكر الله عز وجل بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يسبح الله ثلاثاً وثلاثين، ويكبر ثلاثاً وثلاثين، ويحمد ثلاثاً وثلاثين، إن شاء قال كل واحدة على حدة، وإن شاء قالها جميعاً، أي: أنه إن شاء قال: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ثلاثاً وثلاثين، وإن شاء قال: سبحان الله سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، ثم الحمد لله ثلاثاً وثلاثين، ثم الله أكبر ثلاثاً وثلاثين، كل ذلك جائز، بل ويجوز أيضاً صفة أخرى أن يسبح عشراً، ويكبر عشراً، ويحمد عشراً، وجائزٌ صفةٌ رابعة: أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر خمساً وعشرين مرة، فتكون مائة، والمهم أن كل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأذكار بعد الصلاة فليقلها إما على سبيل البدل أو على سبيل الجمع؛ لأن بعض الأذكار يذكر بعضها بدلاً عن بعض، وبعض الأذكار يذكر بعضها مع بعض وتكون مجموعة، فليحرص الإنسان على ذلك امتثالاً لأمر الله تعالى وقوله: فَاذْكُرُوا اللَّهَ [النساء:103] واتباعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان في المسجد فإن الأفضل أن يجهر بهذا الذكر كما ثبت في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم) ، فيسن للمصلين أن يرفعوا أصواتهم بهذا الذكر اقتداءً بالصحابة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل اقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان يرفع صوته بذلك، كما قال ابن عباس : (ما كنا نعرف انقضاء صلاة النبي صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير) ، وقول بعض أهل العلم: إنه يسن الإسرار بهذا الذكر، وأن جهر النبي صلى الله عليه وسلم كان للتعليم فيه نظر؛ لأن الأصل فيما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام أن يكون مشروعاً في عصره ووصفه، ومن المعلوم أنه لو لم يكن وصفه وهو رافع الصوت به مشروعاً لكان يكفي ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم أمته؛ لأنه قد علمهم هذا الذكر بقوله، فلا حاجة إلى أن يعلمهم برفع الصوت، ثم إنه لو كان المقصود التعليم لكان التعليم يحصل بمرة أو مرتين ولا يحافظ عليه الرسول عليه الصلاة والسلام كلما سلم رفع صوته بالذكر.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767974904