إسلام ويب

فقه العبادات [36]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من مصارف الزكاة: ابن السبيل الذي انقطع به السفر ونفذت نفقته، ولا يجوز صرف الزكاة في غير مصارفها الثمانية، ويجوز دفعها لأحد الأصناف، ويقدم الأكثر حاجة، ولا تجوز الزكاة على من تجب نفقتهم، وكذلك إسقاط الدين لا يجزئ عن الزكاة، فالزكاة فريضة مأخوذة بإجماع المس

    1.   

    تابع مصارف الزكاة

    المقدم: عددتم في لقاء ماضٍ أهل الزكاة الذين يدفع لهم الزكاة، هل بقي شيء؟

    الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    ابن السبيل

    نعم بقي من أصناف أهل الزكاة صنف واحد: وهو ابن السبيل، وابن السبيل: هو المسافر الذي انقطع به السفر ونفدت نفقته، فإنه يعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده، وإن كان في بلده غنياً؛ لأنه محتاج، ولا نقول له في هذه الحال: يلزمك أن تستقرض وتوفي؛ لأننا في هذه الحال نلزمه أن يلزم ذمته ديناً، ولكن لو اختار هو أن يستقرض ولا يأخذ من الزكاة فالأمر إليه، فإذا وجدنا شخصاً مسافراً من مكة إلى المدينة، وفي أثناء السفر ضاعت نفقته ولم يكن معه شيء وهو غني في المدينة، فإننا نعطيه ما يوصله إلى المدينة فقط؛ لأن هذه هي حاجته ولا نعطيه أكثر.

    حكم صرف الزكاة في المصالح العامة

    وإذا كنا قد عرفنا أصناف أهل الزكاة الذين تدفع إليهم، فإن ما سوى ذلك من المصالح العامة أو الخاصة لا تدفع فيه الزكاة، وعلى هذا لا تدفع الزكاة في بناء المساجد، ولا في إصلاح الطرق، ولا في بناء المكاتب.. وشبه ذلك؛ لأن الله عز وجل لما ذكر أصناف أهل الزكاة قال: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ [التوبة:60]، يعني: أن هذا التقسيم جاء فريضة من الله عز وجل: وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:60].

    صرف الزكاة للأصناف الثمانية جميعهم أو لواحد منهم

    ثم نقول: هل هؤلاء المستحقون يجب أن يعطى كل واحد منها أو كل صنف؛ لأن الواو تقتضي الجمع؟

    فالجواب: أن ذلك لا يجب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: ( أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم )، فلم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا صنفاً واحداً، وهذا يدل على أن الآية يبين الله تعالى فيها جهة الاستحقاق، وليس المراد أنه يجب أن تعمم هذه الأصناف.

    الأولوية في مستحقي الزكاة

    ولكن إذا قيل: أيها أولى أن يصرف فيه الزكاة؟

    قلنا: إن الأولى ما كانت الحاجة إليه أشد؛ لأن كل هؤلاء استحقوا الوصف، فمن كان أشد إلحاحاً وحاجة فهو أولى، والغالب أن الأشد هم الفقراء والمساكين، ولهذا بدأ الله تعالى بهم فقال: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60].

    حكم صرف الزكاة في الأقارب

    المقدم: ما حكم جعل الزكاة في الأقارب؟

    الشيخ: الزكاة في الأقارب الذين هم من أهلها أولى من أن تكون في غير الأقارب؛ لأن الصدقة على الأقارب صدقة وصلة، فإذا كان أخوك أو عمك أو أبوك أو أمك من أهل الزكاة فهم أولى بها من غيرهم، لكن إذا كانوا يأخذون الزكاة لحاجتهم وأنت يجب عليك نفقتهم فإنه لا يجوز لك أن تعطيهم من الزكاة في هذه الحال؛ لأنك إذا أعطيتهم من الزكاة رفدت مالك ووقيته مما تعطيهم من الزكاة، فإذا قدرنا أن لك أخاً فقيراً وأنت عندك زكاة ونفقته تجب عليك، فإنه لا يجوز أن تعطيه لفقره؛ لأنك إذا أعطيته لفقره رفدت مالك ووقيته مما تعطيه، إذ لو لم تعطه من الزكاة لوجب عليك الإنفاق عليه.

    أما لو كان على أخيك هذا دين لا يستطيع وفاءه، مثل: أن يحصل منه إتلاف شيء، أو جناية على أحد، ويلزمه مال، ففي هذه الحال يجوز أن تقضي دينه من زكاتك؛ لأنه لا يجب عليك قضاء دينه، وإنما الواجب عليك نفقته.

    وقاعدة ذلك: أن الأقارب إذا أعطاهم الإنسان زكاة ماله لدفع حاجتهم وهم ممن تجب عليه نفقتهم، فإن ذلك لا يصح، وإن أعطاهم لدفع أمر لا يلزمه القيام به، فإن ذلك جائز، بل هم أحق بذلك من غيرهم.

    فإن قال قائل: ما دليلك على هذا؟

    قلنا: الدليل عموم الأدلة، بل عموم آية الصدقة التي أشرنا إليها فيما سبق: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60]، وإنما منعنا إعطاءهم فيما إذا كان إعطاؤهم لدفع حاجتهم التي يجب عليك دفعها؛ لأن هذا من باب إسقاط الواجب على الإنسان بالحيلة، والواجب لا يمكن إسقاطه بالحيل.

    المقدم: لكن نريد التمثيل أيضاً لدفع المال للوالد أو الوالدة؟

    الشيخ: مثلاً: أبوك اشترى سيارة بخمسة آلاف ريال مثلاً، واحترقت السيارة لزمه خمسة آلاف ريال، وأنت لا يلزمك أن تدفع له؛ لأن هذا ليس من النفقة، فيجوز لك أن تقضي دينه هذا من زكاتك، وكذلك لو لزم أحد من أقاربك الآخرين شيء من أجل جناية أو إتلاف، فإنه يجوز لك أن تدفع زكاتك في قضاء هذا الشيء.

    حكم إسقاط الدين عن المدين واعتباره من الزكاة

    المقدم: هل يجوز إسقاط الدين عن المدين ويكون ذلك من الزكاة؟

    الشيخ: لا يجوز ذلك؛ لأن الله تعالى يقول: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ [التوبة:103] (خذ) والأخذ لابد أن يكون ببذل من المأخوذ منه، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم )، فقال: ( تؤخذ من أغنيائهم فترد )، فلابد من أخذ ورد، والإسقاط لا يوجد فيه ذلك، ولأن الإنسان إذا أسقط الدين عن زكاة العين التي في يده، فكأنما أخرج الرديء عن الطيب؛ لأن قيمة الدين في النفس ليست كقيمة العين، فإن العين ملكه وفي يده، والدين في ذمة الآخرين قد يأتي وقد لا يأتي، فصار الدين دون العين، وإذا كان دونها فلا يصح أن يخرج زكاته عنها لنقصه، وقد قال تعالى: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ [البقرة:267].

    ومثال ما سألت عنه: لو كان على الإنسان عشرة آلاف ريال زكاة، وهو يطلب رجلاً فقيراً عشرة آلاف ريال، فذهب إلى الرجل الفقير وقال: قد أسقطت عنك عشرة آلاف ريال، وهي زكاتي لهذا العام.

    قلنا: هذا لا يصح؛ لأنه لا يصح إسقاط الدين وجعله عن زكاة العين لما أشرنا إليه آنفاً، وهذه مسألة يخطئ فيها بعض الناس ويتجاوزها جهلاً منهم، وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله: إنه لا يجزئ إسقاط الدين عن زكاة العين بلا نزاع.

    دفع الزكاة للمدين الفقير على أن يردها قضاء للدين

    المقدم: هل يجوز دفعها للفقير بشرط أن يردها للدافع؟

    الشيخ: لا يجوز، يعني: لو كان لك مدين فقير، ودفعت إليه زكاتك فلا بأس ولا حرج حتى لو ردها عليك فيما بعد، لكن أن تشترط عليه ذلك لا يجوز؛ لأنك إذا فعلت هذا فقد علمنا أنك إنما تريد بهذا العمل أن تسترد مالك الذي في ذمة الفقير، والزكاة لا يجوز أن يحابي فيها الإنسان أحداً لا نفسه ولا غيره.

    1.   

    حكم الزكاة في الإسلام

    المقدم: شيخ محمد ! عرفنا الزكاة في اللغة والشرع، وعرفنا شروطها أيضاً، وعرفنا أيضاً الأنواع التي تزكى، ومصارف الزكاة، نريد أيضاً أن نعرف حكم الزكاة في الإسلام؟

    الشيخ: الزكاة في الإسلام أحد أركان الإسلام الخمسة التي بني عليها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام )، وهي فرض بإجماع المسلمين، فمن أنكر وجوبها فقد كفر، إلا أن يكون حديث عهد بإسلام، أو ناشئاً في بادية بعيدة عن العلم وأهله فيعذر، ولكنه يُعلم، فإن أصر بعد علمه فقد كفر مرتداً.

    وأما من منعها بخلاً وتهاوناً: ففيه خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: إنه يكفر، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، ومنهم من قال: إنه لا يكفر، وهذا هو الصحيح، لكنه قد أتى كبيرة عظيمة، والدليل على أنه لا يكفر حديث أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عقوبة مانع زكاة الذهب والفضة، ثم قال: ( حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله: إما إلى الجنة وإما إلى النار )، وإذا كان يمكن أن يرى سبيلاً له إلى الجنة فإنه ليس بكافر؛ لأن الكافر لا يمكن أن يرى سبيلاً له إلى الجنة، ولكن على مانعها بخلاً وتهاوناً من الإثم العظيم ما ذكره الله في قوله: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [آل عمران:180]، وفي قوله: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34-35]، فعلى المرء المسلم أن يشكر الله على نعمته بالمال، وأن يؤدي زكاته حتى يزيد الله له في ماله بركة ونماء. والله الموفق.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768264662