الشيخ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
النسك له ثلاثة إطلاقات: فتارة يراد به العبادة عموماً، وتارة يراد به التقرب إلى الله تعالى بالذبح، وتارة يراد به أفعال الحج وأقواله.
فالأول كقوله: فلان ناسك، أي: عابد لله عز وجل.
والثاني: كقوله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]، ويمكن أن يراد بالنسك هنا التعبد، فيكون من المعنى الأول.
والثالث: كقوله تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا [البقرة:200] هذا هو معنى النسك، وهذا الأخير هو الذي يخص سائر الحج، والنسك المراد به نوعان: نسك العمرة ونسك الحج.
أما نسك العمرة: فهو ما اشتمل على هيئتها من الأركان والواجبات والمستحبات؛ بأن يحرم من الميقات ويطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق أو يقصر.
وأما الحج: فهو أن يحرم من الميقات أو من مكة إن كان في مكة، ويخرج إلى منى، ثم إلى عرفة، ثم إلى مزدلفة، ثم إلى منى مرة ثانية، ويطوف ويسعى ويكمل أفعال الحج على ما سيذكر إن شاء الله تفصيلاً.
الشيخ: الحج فرض بإجماع المسلمين، بل بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وهو أحد أركان الإسلام؛ لقوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله كتب عليكم الحج فحجوا )، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام )، فمن أنكر فرضية الحج فهو كافر مرتد عن الإسلام، إلا أن يكون جاهلاً بذلك، وهو ممن يمكن جهله فيه، بل ممن يمكن جهله به، كحديث عهد بإسلام وناشئ في بادية بعيدة لا يعرف من أحكام الإسلام شيئاً، فهذا يعذر بجهله ويعرف ويبين له الحكم، فإن أصر على إنكاره حكم بردته، وأما من تركه -أي: الحج- متهاوناً مع اعترافه بفرضيته فهذا لا يكفر، ولكنه على خطر عظيم، وقد قال بعض أهل العلم بكفره.
الشيخ: أما العمرة فقد اختلف العلماء في وجوبها، فمنهم من قال: إنها واجبة، ومنهم من قال: إنها سنة، ومنهم من فرق بين المكي وغيره، فقال: واجبة على غير المكي، وغير واجبة على المكي، والراجح عندي: أنها واجبة على المكي وغيره، لكن وجوبها أدنى من وجوب الحج؛ لأن وجوب الحج فرض مؤكد؛ لأن الحج أحد أركان الإسلام بخلاف العمرة.
الشيخ: الصحيح أنه واجب على الفور، وأنه لا يجوز للإنسان الذي استطاع أن يحج إلى بيت الله الحرام أن يؤخره، وهكذا جميع الواجبات الشرعية إذا لم تقيد بزمن أو سبب فإنها واجبة على الفور.
الشيخ: شروط وجوب الحج والعمرة خمسة مجموعة في قول الناظم:
الحج والعمرة واجبان في العمر مرة بلا توانِ
بشرط إسلام كذا حرية عقل بلوغ قدرة جلية
فيشترط للوجوب: الإسلام، فغير المسلم لا يجب عليه الحج، بل ولا يصح منه لو حج، بل ولا يجوز دخوله مكة؛ لقوله تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28]، فلا يحل لمن كان كافراً بأي سبب كان كفره أن يدخل حرم مكة، ولكن يحاسب الكافر على ترك الحج وغيره من فروع الإسلام، هذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم؛ لقول الله تعالى: إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ [المدثر:39-47].
الشرط الثاني: العقل: فالمجنون لا يجب عليه الحج، فلو كان الإنسان مجنوناً من قبل أن يبلغ حتى مات فإنه لا يجب عليه الحج ولو كان غنياً.
الثالث: البلوغ: فمن كان دون البلوغ فإن الحج لا يجب عليه، ولكن لو حج فحجه صحيح، إلا أنه لا يجزئه عن فريضة الإسلام، وقول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي رفعت إليه صبياً، وقالت: ( ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر )، لكنه لا يجزئه عن فريضة الإسلام؛ لأنه لم يوجه إليه الأمر بها حتى يجزئه عنها، إذ لا يتوجه الأمر إليه إلا بعد بلوغه.
وبهذه المناسبة أحب أن أقول: إنه في مثل المواسم التي يحصل فيها الزحام ويشق فيها الإحرام للصغار ومراعاة إتمام مناسكهم، الأولى أن لا يحرموا لا بحج ولا بعمرة -أعني: هؤلاء الصغار- لأنه يكون فيه مشقة عليهم وعلى أولياء أمورهم، وربما شغلوهم عن إتمام نسكهم، أي: ربما شغل الأولاد آباءهم أو أمهاتهم عن إتمام نسكهم فبقوا في حرج، ومادام الحج لم يجب عليهم فإنهم في سعة من أمرهم.
الرابع: الحرية، فالرقيق المملوك لا يجب عليه الحج؛ لأنه مملوك مشغول بسيده، فهو معذور بترك الحج لا يستطيع السبيل إليه.
الخامس: القدرة على الحج بالمال والبدن، فإن كان الإنسان قادراً بماله دون بدنه فإنه ينيب من يحج عنه؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: ( أن امرأة خثعمية سألت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! إن أبي أدركته فريضة الله على عباده في الحج شيخ كبير لا يستطيع على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم )، وذلك في حجة الوداع، ففي قولها: (أدركته فريضة الله على عباده في الحج) وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم إياها على ذلك؛ دليل على أن من كان قادراً بماله دون بدنه فإنه يجب عليه أن ينيب من يحج عنه، أما إن كان قادراً ببدنه دون ماله ولا يستطيع الوصول إلى مكة ببدنه فإن الحج لا يجب عليه.
ومن القدرة أن تجد المرأة محرماً لها، فإن لم تجد محرماً فإن الحج لا يجب عليها، لكن اختلف العلماء: هل يجب عليها في هذه الحال أن تقيم من يحج عنها ويعتمر أو لا يجب؟
على قولين لأهل العلم، بناء على أن وجود المحرم هل هو شرط لوجوب الأداء أو هو شرط للوجوب من أصله، والمشهور عند الحنابلة رحمهم الله أن المحرم شرطٌ للوجوب، وأن المرأة التي لا تجد محرماً ليس عليها حج ولا يلزمها أن تقيم من يحج عنها، فهذه شروط خمسة لوجوب الحج والعمرة.
أعيدها، فأقول: هي: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة.
الشيخ: شروط الإجزاء: الإسلام، والبلوغ والعقل والحرية عند بعض أهل العلم، والصواب أن الحرية ليست شرطاً للإجزاء وأن الرقيق لو حج فإن حجه يجزئه إذا كان سيده قد أذن له؛ لأن سقوط وجوبه عند العجز ليس له دخل فيه ولكن لوجود مانع وهو اشتغاله بخدمة سيده، فإذا أذن له سيده بذلك صار الحج واجباً عليه ومجزئاً منه.
الشيخ: آداب الحج تنقسم إلى قسمين: آداب واجبة وآداب مستحبة.
فأما الآداب الواجبة: فهي أن يقوم الإنسان بواجبات الحج وأركانه وأن يتجنب محظورات الإحرام الخاصة والمحظورات العامة الممنوعة في الإحرام وغير الإحرام؛ لقوله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197]، وأما الآداب المستحبة: كأن يأتي الإنسان بمكملات الحج ..
المقدم: لو توقفنا عند هذه الآداب الواجبة على أن تكون الآداب المستحبة في أول لقائنا القادم إن شاء الله.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر