الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الباقي من أفعال الحج بعدما سبق: المبيت بمنى ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر وليلة الثالث عشر لمن تأخر؛ لقول الله تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى [البقرة:203]، فيبيت الحاج بمنى ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر، ويجزئ أن يبيت في هاتين الليلتين معظم الليل، فإذا زالت الشمس من اليوم الحادي عشر رمى الجمرات الثلاث، يبدأ بالصغرى وهي الأولى التي تعتبر شرطية بالنسبة للجمرات الثلاث، فيرميها بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة، ثم يتقدم عن الزحام قليلاً، فيقف مستقبل القبلة رافعاً يديه، يدعو الله تعالى دعاءً طويلاً، ثم يتجه إلى الوسطى فيرميها بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة، ثم يتقدم قليلاً عن الزحام ويقف مستقبل القبلة رافعاً يديه يدعو الله تعالى دعاء طويلاً، ثم يتقدم إلى جمرة العقبة فيرميها بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة ولا يقف عندها اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ليلة الثاني عشر يرمي الجمرات الثلاث كذلك، وفي ليلة الثالث عشر يتأخر يرمي الجمرات الثلاث كذلك، ولا يجوز للإنسان أن يرمي الجمرات الثلاث في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر قبل الزوال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرم إلا بعد الزوال، وقال: ( خذوا عني مناسككم )، وكان الصحابة يتحينون الزوال، فإذا زالت الشمس رموا، ولو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته إما بفعله أو قوله أو إقراره، ولما اختار النبي صلى الله عليه وسلم وسط النهار للرمي، وهو شدة الحر دون الرمي في أوله الذي هو أهون على الناس علم أن الرمي في أول النهار لا يجوز؛ لأنه لو كان من شرع الله عز وجل لكان هو الذي يشرع لعباد الله؛ لأنه الأيسر، والله عز وجل إنما يسر لعباده ما هو الأيسر، ولكن يمكنه إذا كان يشق عليه الزحام أو المضي إلى الجمرات في وسط النهار أن يؤخر الرمي إلى الليل، فإن الليل وقت للرمي، إذ لا دليل على أن الرمي لا يصح ليلاً، فالنبي عليه الصلاة والسلام وقت أول الرمي ولم يوقت آخره، والأصل فيما جاء مطلقاً أن يبقى على إطلاقه حتى يقوم الدليل على تقييده بسبب أو وقت.
ثم ليحذر الحاج من التهاون في رمي الجمرات، فإن من الناس من يتهاون فيها حتى يوكل من يرمي عنه وهو قادر على الرمي بنفسه، وهذا لا يجوز ولا يجزئ؛ لأن الله تعالى يقول في كتابه: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]، والرمي من أفعال الحج، فلا يجوز الإخلال به، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن لضعفة أهله أن يوكلوا من يرمي عنهم، بل أذن لهم بالذهاب من مزدلفة في آخر الليل ليرموا بأنفسهم قبل زحمة الناس، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن للرعاة الذين يغادرون منى بإبلهم أن يوكلوا من يرموا عنهم، بل أذن لهم أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً ليرموه في اليوم الثالث، وكل هذا يدل على أهمية رمي الحاج بنفسه، وأنه لا يجوز له أن يوكل أحداً، ولكن عند الضرورة لا بأس بالتوكيل، كما لو كان الحاج مريضاً أو كبيراً لا يمكنه الوصول إلى الجمرات، أو امرأة حاملاً تخشى على نفسها أو ولدها، ففي هذه الحال يجوز التوكيل، ولولا أنه ورد عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يرمون عن الصبيان لقلنا: إن العاجز يسقط عنه الرمي؛ لأنه واجب عجز عنه فيسقط عنه لعجزه عنه، ولكن لما ورد جنس التوكيل في الرمي عن الصبيان فإنه لا مانع من أن يلحق به من يشابهه في تعدد الرمي من قبل نفسه.
المهم أنه يجب علينا أن نعظم شعائر الله وأن لا نتهاون بها، وأن نفعل ما يمكننا فعله بأنفسنا لأنه عبادة، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله ).
وإذا تم الحج فإنه لا يخرج من مكة إلى بلده حتى يطوف للوداع؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ( كان الناس ينفرون من كل وجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت )، إلا إذا كانت المرأة حائضاً أو نفساء، وقد طافت طواف الإفاضة فإن طواف الوداع يسقط عنها؛ لحديث ابن عباس: ( أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض )، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له: ( إن
وبه نعرف أن ما يفعله بعض الناس حيث يجيئون إلى مكة فيطوفون طواف الوداع ثم يرجعون إلى منى فيرمون الجمرات ويسافرون من هناك، فهذا خطأ، ولا يجزئهم طواف الوداع؛ لأن هؤلاء لم يجعلوا آخر عهدهم بالبيت، وإنما جعلوا آخر عهدهم بالجمرات.
الشيخ: يقول العلماء: إن أركان العمرة ثلاثة: الإحرام، والطواف، والسعي، وأن الواجبات اثنان: أن يكون الإحرام من الميقات، والحلق أو التقصير، وما عدا ذلك فهو سنن.
الشيخ: أركان الحج، يقول العلماء إنها أربعة: الإحرام، والوقوف بعرفة، والطواف، والسعي.
الشيخ: الإخلال بشيء من هذه الأركان لا يتم النسك إلا به، فإن لم يطف بالعمرة مثلاً فإنه يبقى على إحرامه حتى يطوف، ومن لم يسع يبقى على إحرامه حتى يسعى، وكذلك نقول في الحج: من لم يأت بأركانه فإنه لا يصح حجه، فمن لم يقف بعرفة حتى طلع الفجر يوم النحر فقد فاته الحج، ولا يسقط حجه لكنه يتحلل بعمرة، فيطوف ويسعى ويقصر أو يحلق وينقلب إلى أهله، فإذا كان العام القادم أتى بالحج، وأما الطواف والسعي إذا فاته في الحج فإنه يقضيه؛ لأنه لا آخر لوقته، لكن لا يؤخره عن شهر ذي الحجة إلا للضرورة.
الشيخ: واجبات الحج هي: أن يكون الإحرام من المقيات، وأن يقف بعرفة إلى الغروب، وأن يبيت بمزدلفة، وأن يبيت بمنى ليلتين بعد العيد، وأن يرمي الجمرات، وأن يطوف للوداع.
الشيخ: الإخلال بشيء منها إن كان الإنسان متعمداً فعليه الإثم والفدية، كما قال أهل العلم: شاة يذبحها ويفرقها هناك، وإن كان غير متعمد فلا إثم عليه، لكن عليه فدية يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء؛ لأنه ترك واجباً له بدل، فلما تعذر الأصل تعين البدل، هذا هو قول أهل العلم لمن ترك واجباً أن عليه فدية يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء.
الشيخ: التمتع كما ذكرنا: أن يأتي بالعمرة مستقلة ويحل منها ثم يحرم بالحج في عامه.
والقران له صورتان:
الصورة الأولى: أن يحرم بالعمرة والحج جميعاً من الميقات، فيقول: لبيك عمرة وحجاً.
والصورة الثانية: أن يحرم بالعمرة أولاً ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في الطواف.
وهناك صورة ثالثة موضع خلاف بين العلماء: وهو أن يحرم بالحج وحده ثم يدخل العمرة عليه قبل أن يفعل شيئاً من أفعال الحج كالطواف والسعي مثلاً.
والقارن إذا قدم مكة يطوف للقدوم ويفعل الحج والعمرة ويبقى على إحرامه إلى أن يتحلل منه يوم العيد، ويلزمه هدي كهدي المتمتع.
وأما المفرد فأن يحرم بالحج مفرداً من الميقات ويبقى على ذلك، فإذا قدم مكة طاف للقدوم مكان الحج، ولا يحل إلا يوم العيد، فيكون القارن والمفرد سواءً في الأفعال، لكنهما يختلفان في أن القارن يحصل له عمرة الحج ويلزمه هدي، وأما المفرد فلا يحصل له إلا الحج ولا يلزمه هدي.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر