الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
هذا العمل لا أصل له في السنة، فلم يكن الصحابة رضي الله عنهم مع حرصهم على الخير يأتون بهذه العمرة بعد الحج، وخير الهدي هدي النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، وأصحابه الذين هم خير القرون، وإنما جاء ذلك في قضية معينة في قصة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، حيث كانت محرمة بعمرة، ثم حاضت قبل الوصول إلى مكة، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تحرم بالحج ليكون نسكها قراناً، وقال لها: ( طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك لحجك وعمرتك )، فلما انتهى الحج ألحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تأتي بعمرة بدلاً من عمرتها التي حولتها إلى قران، فأذن لها وأمر أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بها من الحرم إلى الحل، فخرج بها إلى التنعيم وأتت بعمرة، فإذا وجدت صورة كالصورة التي حصلت لـعائشة ، وأبت المرأة إلا أن تأتي بعمرة فحينئذ نقول: لا حرج أن تأتي المرأة بعمرة كما فعلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ويدل على أن هذا أمر ليس بمشروع أن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه، وهو مع أخته لم يحرم بالعمرة، لا تفقهاً من عنده ولا بإذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان هذا من الأمور المشروعة لكان رضي الله عنه يأتي بالعمرة؛ لأنه يثق بأن ذلك أمر سهل عليه، حيث إنه قد خرج مع أخته، والمهم أن ما يفعله بعض الحجاج كما أشرت إليه ليس له أصل من السنة.
نعم لو فرض أن بعض الحجاج يصعب عليه أن يأتي إلى مكة بعد مجيئه هذا، وهو قد أتى بحج مفرد فإنه في هذه الحال في ضرورة إلى أن يأتي بعد الحج بالعمرة ليؤدي واجب العمرة، فإن العمرة واجبة على القول الراجح من أقوال أهل العلم، وحينئذ يخرج إلى التنعيم أو إلى غيره من الحل، فيحرم منه، ثم يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر.
المقدم: لكن ما الأولى بالنسبة لهذا الحاج الذي يعرف أن الإتيان إلى مكة يصعب عليه؟
الشيخ: أن يأتي بالعمرة بعد الحج؛ لأن هذا ضرورة.
المقدم: لكن أليس الأولى أن يأتي مثلاً متمتعاً أو قارناً؟
الشيخ: إي نعم، هذا هو الأولى، لكن نحن فرضنا أنه مفرد.
الشيخ: الانتقال من نسك إلى نسك آخر مر علينا في صفة القران أنه من الممكن أن يحرم الإنسان بعمرة ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافه، فيكون انتقل من العمرة إلى الجمع بينه وبين الحج، وكذلك يمكن أن ينتقل من الحج المفرد أو من القران إلى عمرة ليصير متمتعاً، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه من لم يكن منهم ساق الهدي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارناً، وكان قد ساق الهدي، وساقه معه أغنياء الصحابة رضي الله عنهم، فلما طاف وسعى أمر من لم يسق الهدي أن يجعلها عمرة، فانتقلوا من الحج المفرد أو المقرون بالعمرة إلى أن يجعلوا ذلك عمرة، ولكن هذا مشروط بما إذا تحول من حج أو قران إلى عمرة ليصير متمتعاً، أما من تحول من قران أو إفراد إلى عمرة إذا تخلص من الإحرام ورجع إلى أهله فإن ذلك لا يجوز.
المقدم: لكن هل يجوز أن يتحول من التمتع إلى الإفراد؟
الشيخ: من التمتع إلى الإفراد لا يجوز ولا يمكن، وإنما يجوز أن يتحول من الإفراد إلى التمتع، بمعنى: أن يكون محرماً بالحج مفرداً، ثم بعد ذلك يحول إحرامه بالحج إلى عمرة ليصير متمتعاً، وكذلك القارن يجوز أن يحول نيته من القران إلى العمرة ليصير متمتعاً، إلا من ساق الهدي في الصورتين فإنه لا يجوز له ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه الذين معه أن يجعلوا إحرامهم بالحج المفرد أو المقرون بالعمرة أن يجعلوه عمرة ليصيروا متمتعين إلا من ساق الهدي.
الشيخ: النيابة في الحج إن كان الإنسان قادراً فإنها غير مشروعة، أما في الفريضة فإنه لا يجوز أن ينوب الإنسان أحداً عنه يؤدي الحج أو العمرة فريضة؛ لأن الفريضة يطلب من الإنسان نفسه أن يؤديها بنفسه، فإن كان عاجزاً عن أداء الفريضة فإما أن يكون عجزه طارئاً يرجى زواله، فهذا ينتظر حتى يزول عجزه، ثم يؤدي الفريضة نفسها، مثل: أن يكون في أشهر الحج مريضاً مرضاً طارئاً يرجى زواله، وهو لم يؤد الفريضة، فإننا نقول له: انتظر حتى يعافيك الله وحج إن أمكنك في هذه السنة فذاك وإلا فالسنوات القادمة.
أما إذا كان عجزه عن الحج عجزاً لا يرجى زواله، كالكبير والمريض مرضاً لا يرجى زواله فإنه يقيم من يحج ويعتمر عنه، ودليل ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ( أن امرأة من خثعم سألت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أبي أدركته فريضة الله على عباده في الحج شيخاً كبيراً لا يستطيع على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم )، فهذا حكم النيابة في الفرض؛ أنه إن كان المستنيب قادراً فإن ذلك لا يصح، وإن كان عاجزاً عجزاً لا يرجى زواله، فإن ذلك يصح، وإن كان الإنسان عاجزاً عجزاً طارئاً يرجى زواله فإنه لا يصح أن يستنيب أحداً، بل ينتظر حتى يعافيه الله ويؤدي ذلك بنفسه.
أما في النافلة فإن كان عاجزاً عجزاً لا يرجى زواله، فقد يقول قائل: إنه يصح أن يستنيب من يحج عنه النافلة قياساً على استنابة من عليه الفريضة، وقد يقول قائل: إنه لا يصح القياس هنا؛ لأن الاستنابة في الفريضة استنابة في أمر واجب لابد منه بخلاف النافلة، فإن النافلة لا تلزم الإنسان، فيقال: إن قدر عليها فعلها بنفسه، وإن لم يقدر عليها فلا يستنيب أحداً فيها، أما إذا كان قادراً على أن يؤدي الحج بنفسه فإنه لا يصح أن يستنيب غيره في الحج عنه على إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، وهي عندي أقرب؛ لأن الحج عبادة يتعبد بها الإنسان لربه، فلا يليق أن يقول لأحد: اذهب فتعبد لله عني! بل نقول: أدها أنت بنفسك؛ لأنه ليس لديك مانع حتى تستنيب من يؤدي هذه النافلة عنك، هذه الاستنابة في الحج بمعنى أنه يصير في كل حج.
الشيخ: النائب يشترط أن يكون قد أدى الفريضة عن نفسه إن كان قد لزمه الحج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، سمع رجلاً يقول: ( لبيك عن
المقدم: هذا فقط أنه يشترط أنه يكون قد حج؟
الشيخ: نعم، أما بقية الشروط فمعروفة، مثل: الإسلام والعقل والتمييز.. إلخ.
الشيخ: يقول العلماء: إن الإنسان إذا حج للدنيا لأخذ الدراهم فإن هذا حرام عليه، ولا يحل له أن ينوي بعمل الآخرة شيء من الدنيا؛ لقوله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود:15-16]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: من حج ليأخذ فليس له في الآخرة من خلاق، وأما إذا أخذ المال ليستعين به على الحج، فإن ذلك لا يأثم ولا حرج عليه.
وهنا يجب على الإنسان أن يحذر من أن يأخذ الدراهم للغرض الأول، فإنه يخشى أن لا يقبل منه، وأن لا يجزئ الحج عمن أخذه عنه، وحينئذ يلزمه أن يعيد النفقة والدراهم إلى صاحبها، إذا قلنا بأن الحج لم يصح ولم يقع عن المستنيب، ولكن يأخذ الإنسان الدراهم والنفقة ليحج بها عن غيره ليستعين بها على الحج، ويجعل نيته في ذلك أن يقضي غرض صاحبه، وأن يتقرب إلى الله تعالى بما يتعبد به في المشاعر وعند بيت الله.
المقدم: إذاً من هذا يمكن أن يكون بعض الأعمال للنائب التي يؤديها مادامت في الحج؟
الشيخ: إي نعم؛ لأن النائب لا يلزمه إلا أن يقوم بالأركان والواجبات وكذلك المستحبات بالنسبة للنسك، وأما ما يحصل من ذكر ودعاء، فما كان متعلقاً بالنسك فإنه لصاحب النسك، أي: المستنيب، وما كان خارجاً عن ذلك فإنه لصاحبه النائب.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر