إسلام ويب

فقه العبادات [41]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الحج والعمرة من شعائر الإسلام، تؤدى على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك لا تفعل عمرة بعد الحج إلا عند الضرورة كمن أتى من بعيد، ويشق عليه الرجوع، ويجوز الانتقال من نسك إلى نسك، كما تجوز النيابة في الحج ممن حج عن نفسه، ويجب الإخلاص في الأمور كلها.

    1.   

    حكم العمرة بعد الحج

    المقدم: في لقاءات ماضية عرفنا صفة الحج وعرفنا التمتع والقران والإفراد، وقلتم: بأن الإفراد يأتي المسلم بالحج وحده ولا يأتي بعمرة معه، لكننا نرى كثيراً من الناس إذا انتهى من الإفراد اعتمر، فما حكم هذا العمل؟

    الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    هذا العمل لا أصل له في السنة، فلم يكن الصحابة رضي الله عنهم مع حرصهم على الخير يأتون بهذه العمرة بعد الحج، وخير الهدي هدي النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، وأصحابه الذين هم خير القرون، وإنما جاء ذلك في قضية معينة في قصة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، حيث كانت محرمة بعمرة، ثم حاضت قبل الوصول إلى مكة، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تحرم بالحج ليكون نسكها قراناً، وقال لها: ( طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك لحجك وعمرتك )، فلما انتهى الحج ألحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تأتي بعمرة بدلاً من عمرتها التي حولتها إلى قران، فأذن لها وأمر أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بها من الحرم إلى الحل، فخرج بها إلى التنعيم وأتت بعمرة، فإذا وجدت صورة كالصورة التي حصلت لـعائشة ، وأبت المرأة إلا أن تأتي بعمرة فحينئذ نقول: لا حرج أن تأتي المرأة بعمرة كما فعلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ويدل على أن هذا أمر ليس بمشروع أن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه، وهو مع أخته لم يحرم بالعمرة، لا تفقهاً من عنده ولا بإذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان هذا من الأمور المشروعة لكان رضي الله عنه يأتي بالعمرة؛ لأنه يثق بأن ذلك أمر سهل عليه، حيث إنه قد خرج مع أخته، والمهم أن ما يفعله بعض الحجاج كما أشرت إليه ليس له أصل من السنة.

    نعم لو فرض أن بعض الحجاج يصعب عليه أن يأتي إلى مكة بعد مجيئه هذا، وهو قد أتى بحج مفرد فإنه في هذه الحال في ضرورة إلى أن يأتي بعد الحج بالعمرة ليؤدي واجب العمرة، فإن العمرة واجبة على القول الراجح من أقوال أهل العلم، وحينئذ يخرج إلى التنعيم أو إلى غيره من الحل، فيحرم منه، ثم يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر.

    المقدم: لكن ما الأولى بالنسبة لهذا الحاج الذي يعرف أن الإتيان إلى مكة يصعب عليه؟

    الشيخ: أن يأتي بالعمرة بعد الحج؛ لأن هذا ضرورة.

    المقدم: لكن أليس الأولى أن يأتي مثلاً متمتعاً أو قارناً؟

    الشيخ: إي نعم، هذا هو الأولى، لكن نحن فرضنا أنه مفرد.

    1.   

    حكم الانتقال من نسك إلى آخر

    المقدم: أيضاً مادمنا عرفنا صفة التمتع والقران والإفراد، نود أن نعرف أيضاً حكم الانتقال من نسك إلى نسك آخر؟

    الشيخ: الانتقال من نسك إلى نسك آخر مر علينا في صفة القران أنه من الممكن أن يحرم الإنسان بعمرة ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافه، فيكون انتقل من العمرة إلى الجمع بينه وبين الحج، وكذلك يمكن أن ينتقل من الحج المفرد أو من القران إلى عمرة ليصير متمتعاً، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه من لم يكن منهم ساق الهدي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارناً، وكان قد ساق الهدي، وساقه معه أغنياء الصحابة رضي الله عنهم، فلما طاف وسعى أمر من لم يسق الهدي أن يجعلها عمرة، فانتقلوا من الحج المفرد أو المقرون بالعمرة إلى أن يجعلوا ذلك عمرة، ولكن هذا مشروط بما إذا تحول من حج أو قران إلى عمرة ليصير متمتعاً، أما من تحول من قران أو إفراد إلى عمرة إذا تخلص من الإحرام ورجع إلى أهله فإن ذلك لا يجوز.

    المقدم: لكن هل يجوز أن يتحول من التمتع إلى الإفراد؟

    الشيخ: من التمتع إلى الإفراد لا يجوز ولا يمكن، وإنما يجوز أن يتحول من الإفراد إلى التمتع، بمعنى: أن يكون محرماً بالحج مفرداً، ثم بعد ذلك يحول إحرامه بالحج إلى عمرة ليصير متمتعاً، وكذلك القارن يجوز أن يحول نيته من القران إلى العمرة ليصير متمتعاً، إلا من ساق الهدي في الصورتين فإنه لا يجوز له ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه الذين معه أن يجعلوا إحرامهم بالحج المفرد أو المقرون بالعمرة أن يجعلوه عمرة ليصيروا متمتعين إلا من ساق الهدي.

    1.   

    النيابة الكلية في الحج

    حكم النيابة الكلية في الحج

    المقدم: لو تحدثنا عن أحكام النيابة الكلية في الحج؟

    الشيخ: النيابة في الحج إن كان الإنسان قادراً فإنها غير مشروعة، أما في الفريضة فإنه لا يجوز أن ينوب الإنسان أحداً عنه يؤدي الحج أو العمرة فريضة؛ لأن الفريضة يطلب من الإنسان نفسه أن يؤديها بنفسه، فإن كان عاجزاً عن أداء الفريضة فإما أن يكون عجزه طارئاً يرجى زواله، فهذا ينتظر حتى يزول عجزه، ثم يؤدي الفريضة نفسها، مثل: أن يكون في أشهر الحج مريضاً مرضاً طارئاً يرجى زواله، وهو لم يؤد الفريضة، فإننا نقول له: انتظر حتى يعافيك الله وحج إن أمكنك في هذه السنة فذاك وإلا فالسنوات القادمة.

    أما إذا كان عجزه عن الحج عجزاً لا يرجى زواله، كالكبير والمريض مرضاً لا يرجى زواله فإنه يقيم من يحج ويعتمر عنه، ودليل ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ( أن امرأة من خثعم سألت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أبي أدركته فريضة الله على عباده في الحج شيخاً كبيراً لا يستطيع على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم )، فهذا حكم النيابة في الفرض؛ أنه إن كان المستنيب قادراً فإن ذلك لا يصح، وإن كان عاجزاً عجزاً لا يرجى زواله، فإن ذلك يصح، وإن كان الإنسان عاجزاً عجزاً طارئاً يرجى زواله فإنه لا يصح أن يستنيب أحداً، بل ينتظر حتى يعافيه الله ويؤدي ذلك بنفسه.

    أما في النافلة فإن كان عاجزاً عجزاً لا يرجى زواله، فقد يقول قائل: إنه يصح أن يستنيب من يحج عنه النافلة قياساً على استنابة من عليه الفريضة، وقد يقول قائل: إنه لا يصح القياس هنا؛ لأن الاستنابة في الفريضة استنابة في أمر واجب لابد منه بخلاف النافلة، فإن النافلة لا تلزم الإنسان، فيقال: إن قدر عليها فعلها بنفسه، وإن لم يقدر عليها فلا يستنيب أحداً فيها، أما إذا كان قادراً على أن يؤدي الحج بنفسه فإنه لا يصح أن يستنيب غيره في الحج عنه على إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، وهي عندي أقرب؛ لأن الحج عبادة يتعبد بها الإنسان لربه، فلا يليق أن يقول لأحد: اذهب فتعبد لله عني! بل نقول: أدها أنت بنفسك؛ لأنه ليس لديك مانع حتى تستنيب من يؤدي هذه النافلة عنك، هذه الاستنابة في الحج بمعنى أنه يصير في كل حج.

    شروط النائب في الحج

    المقدم: نود أن نعرف إذا كان هناك شروط في النائب؟

    الشيخ: النائب يشترط أن يكون قد أدى الفريضة عن نفسه إن كان قد لزمه الحج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، سمع رجلاً يقول: ( لبيك عن شبرمة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من شبرمة ؟ فقال الرجل: أخ لي أو قريب لي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة )، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ابدأ بنفسك )، ولأنه ليس من النظر الصحيح أن يؤدي الإنسان الحج عن غيره مع وجوبه عليه، قال أهل العلم: ولو حج عن غيره مع وجوب الحج عليه، فإن الحج يقع عن نفسه، أي: عن نفس النائب، ويرد للمستنيب ما أخذه منه من الدراهم والنفقة.

    المقدم: هذا فقط أنه يشترط أنه يكون قد حج؟

    الشيخ: نعم، أما بقية الشروط فمعروفة، مثل: الإسلام والعقل والتمييز.. إلخ.

    حكم الحج عن الغير لأجل النقود

    المقدم: ما حكم من حج لمجرد النقود؟

    الشيخ: يقول العلماء: إن الإنسان إذا حج للدنيا لأخذ الدراهم فإن هذا حرام عليه، ولا يحل له أن ينوي بعمل الآخرة شيء من الدنيا؛ لقوله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود:15-16]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: من حج ليأخذ فليس له في الآخرة من خلاق، وأما إذا أخذ المال ليستعين به على الحج، فإن ذلك لا يأثم ولا حرج عليه.

    وهنا يجب على الإنسان أن يحذر من أن يأخذ الدراهم للغرض الأول، فإنه يخشى أن لا يقبل منه، وأن لا يجزئ الحج عمن أخذه عنه، وحينئذ يلزمه أن يعيد النفقة والدراهم إلى صاحبها، إذا قلنا بأن الحج لم يصح ولم يقع عن المستنيب، ولكن يأخذ الإنسان الدراهم والنفقة ليحج بها عن غيره ليستعين بها على الحج، ويجعل نيته في ذلك أن يقضي غرض صاحبه، وأن يتقرب إلى الله تعالى بما يتعبد به في المشاعر وعند بيت الله.

    المقدم: إذاً من هذا يمكن أن يكون بعض الأعمال للنائب التي يؤديها مادامت في الحج؟

    الشيخ: إي نعم؛ لأن النائب لا يلزمه إلا أن يقوم بالأركان والواجبات وكذلك المستحبات بالنسبة للنسك، وأما ما يحصل من ذكر ودعاء، فما كان متعلقاً بالنسك فإنه لصاحب النسك، أي: المستنيب، وما كان خارجاً عن ذلك فإنه لصاحبه النائب.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767985672