إسلام ويب

فقه العبادات [46]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الطواف والسعي من أركان الحج والعمرة، وهما سبعة أشواط حول البيت، وبين الصفا والمروة، وماء زمزم مبارك، ويستحب الدعاء مستقبل القبلة.

    1.   

    أحكام الطواف والسعي

    المقدم: في بداية هذا اللقاء نود أن نعرف حكم من نسي شيئاً من أشواط الطواف أو السعي؟

    الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    نسيان شوط في الطواف أو السعي

    إذا نسي الإنسان شيئاً من أشواط الطواف والسعي، فإن ذكر قريباً أتم ما بقي عليه، فلو طاف ستة أشواط بالبيت، ثم انصرف إلى مقام إبراهيم ليصلي وفي أثناء انصرافه ذكر أنه لم يطف إلا ستة أشواط، فإنه يرجع من الحجر الأسود ليأخذ الشوط التالي ولا حرج عليه، أما إذا لم يذكر إلا بعد مدة طويلة، فإن كان الطواف طواف نسك وجب عليه إعادة طواف جديد؛ لأن طوافه الأول لم يصح لكونه ناقصاً، ولا يمكن بناء ما تركه على ما سبق؛ لطول الفصل بينهما، فيستأنف الطواف من جديد، وهكذا نقول في السعي: إنه إذا نسي شوطاً من السعي، فإن ذكر قريباً أتى بالشوط الذي نسيه، وإن طال الفصل استأنفه من جديد، هذا إذا قلنا: إن الموالاة في السعي شرط، أما إذا قلنا: إنها ليست بشرط كما هو قول بعض أهل العلم، فإنه يأتي بما نسي ولو طال الفصل، ولكن الأحوط أن يبدأ بالسعي من جديد إذا طال الفصل؛ لأن ظهور كون الموالاة شرطاً أبلغ من عدم كونها شرطاً.

    إذا أقيمت الصلاة والرجل يطوف أو يسعي

    المقدم: لو أقيمت الصلاة وهو في الطواف أو السعي فماذا يفعل؟

    الشيخ: إذا أقيمت الصلاة وهو في الطواف أو في السعي فإنه يدخل مع الجماعة، وإذا انتهت الصلاة أتم الشوط من حيث وقف، ولا يلزمه أن يأتي به من أول الشوط، فإذا قدر أنها أقيمت الصلاة وهو في منتصف الشوط الثالث من السعي، فليقف مكانه ويصلي، ثم إذا سلم الإمام أتم الشوط من مكانه، وإن لم يكن حوله أحد يصلي معه في المسعى فإنه يتقدم ويصلي حيث يجد من يصافه، فإذا سلم من الصلاة خرج إلى المسعى وأتم من المكان الذي قطعه منه ولا يلزمه أن يعيد الشوط للابتداء به, وهكذا نقول في الطواف: لو أقيمت الصلاة وأنت في حذاء الحجر من الناحية الشمالية مثلاً فإنك تصلي في مكانك، فإذا انتهت الصلاة فأتم الشوط من المكان الذي وقفت فيه، ولا حاجة أن تعيد الشوط من الحجر الأسود.

    المقدم: لكن هل يلزمه قطع الطواف أو السعي للصلاة أو يجوز له الطواف؟

    الشيخ: إن كانت الصلاة فريضة يجب عليه أن يقطع الطواف والسعي ليصلي؛ لأن صلاة الجماعة واجبة، وقد رخص للإنسان أن يقطع سعيه من أجلها، فيكون خروجه من السعي أو الطواف خروجاً مباحاً ودخوله مع الجماعة دخولاً واجباً، فيجب عليه أن يدخل مع الجماعة، أما إذا كانت الصلاة نافلة، كما لو كانت مثلاً صلاة التراويح في رمضان، فمعروف أنه لا يقطع السعي أو الطواف من أجل ذلك، لكن الأفضل أن يتحرى فيجعل الطواف بعد القيام أو قبله، وكذلك السعي؛ لئلا يفوت نفسه فضيلة قيام الليل مع الجماعة.

    فصل السعي بالوضوء والصلاة

    المقدم: إذا أذن للصلاة وهو في المسعى بين الصفا والمروة، وهو على غير طهارة؛ لأننا عرفنا منكم أنه يجوز أن يسعى بدون طهارة، فهل يجوز له أن يخرج خارج الحرم ليتوضأ ويرجع ويصلي مع الناس وممكن يتوضأ؟

    الشيخ: نعم، لابد أن يخرج إلى الميضأة ويتوضأ ويصلي مع الجماعة، وفي هذه الحال فإنه إن كان الفصل قصيراً أتم السعي، فإذا قدر أن الميضأة قريبة من المسعى ولم تستوعب وقتاً وأنه من حيث جاء أقيمت الصلاة، فهذا زمن قليل فليتم السعي، وأما إذا كان الزمن طويلاً بأن تكون الميضأة بعيدة، بحيث يكون له بين أجزاء السعي فاصل طويل فإنه يعيد السعي من أوله.

    التمسح بالكعبة حال الطواف

    المقدم: في أثناء الطواف يشاهد بعض الناس والقلة من الناس جداً يتمسحون بحيطان الكعبة وكسوتها وبالمقام والحجر، فما حكم ذلك العمل؟

    الشيخ: هذا العمل يفعله الناس يريدون به التقرب إلى الله عز وجل والتعبد له، وكل عمل يريد به التقرب إلى الله والتعبد له وليس له أصل في الشرع فإنه بدعة حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ( إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة )، ولم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه مسح سوى الركن اليماني والحجر الأسود، وعليه فإذا مسح الإنسان أي ركن من أركان الكعبة أو جهة من جهاتها غير الركن اليماني والحجر الأسود فإنه يعتبر مبتدعاً، ( ولما رأى عبد الله بن عباس معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما يمسح الركنين الشماليين نهاه، فقال له معاوية رضي الله عنه: ليس شيء من البيت مهجوراً، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح الركنين اليمانيين )، يعني: الركن اليماني والحجر الأسود، فرجع معاوية رضي الله عنه إلى قول ابن عباس؛ لقوله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]. نعم.

    ومن باب أولى في البدعة ما يفعله بعض الناس من التمسح بمقام إبراهيم، فإن ذلك لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه مسح في أي جهة كانت من المقام، وكذلك ما يفعله بعض الناس من التمسح بزمزم، والتمسح بأعمدة الرواق وغير ذلك مما لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام فكله بدعة وكل بدعة ضلالة.

    التعلق بأستار الكعبة والدعاء عندها

    المقدم: لكن أيضاً الذين يتمسكون بأستار الكعبة ويدعون طويلاً؟

    الشيخ: هؤلاء أيضاً عملهم لا أصل له، وهو بدعة، يجب على طالب العلم أن يبين لهم هذا وأنه ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الالتزام بين الحجر الأسود وبين الكعبة، فهذا قد ورد عن الصحابة رضي الله عنهم فعله، ولا بأس به، لكن مع المزاحمة والضيق كما يشاهد اليوم، فلا ينبغي للإنسان أن يفعل ما يتأذى به أو يؤذي به غيره، لأنه ليس من الواجبات.

    المقدم: لكن الالتزام هل هو تعلق بهذا الجزء من الكعبة الذي بين الحجر الأسود والبيت، أم أنه وقوف ودعاء؟

    الشيخ: لا، هو وقوف وإلصاق، يلصق الإنسان يديه وذراعيه وخده على هذا الجدار.

    1.   

    خصائص ماء زمزم

    المقدم: أنتم ذكرتم أيضاً أنه لا يجوز التمسح بزمزم أو بشيء منها، لكن ما هي خصائص ماء زمزم؟

    الشيخ: من خصائص ماء زمزم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ماء زمزم لما شرب له )، وأن الإنسان إذا شربه لعطش روي، وإذا شربه لجوع شبع، فهذا من خصائصه.

    1.   

    التبرك بأحجار وآثار الكعبة

    السائل: هل من خصائص مكة أو الكعبة التبرك بأحجارها أو آثارها؟

    الشيخ: لا، ليس من خصائص مكة أن يتبرك الإنسان بأشجارها أو أحجارها، بل إن من خصائص مكة أن لا تعضد أشجارها ولا يحش حشيشها؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، إلا الإذخر فإن النبي صلى الله عليه وسلم استثناه؛ لأنه يكون للبيوت وللحدادين، وكذلك اللحد في القبر فإنه تسد به شقوق اللبنات، فعلى هذا نقول: إن حجارة الحرم أو مكة ليس فيها شيء يتمسح به أو بنقله إلى البلاد أو ما أشبه ذلك.

    1.   

    بعض الأعمال المتعلقة بجبل الرحمة

    حكم إطلاق جبل الرحمة على جبل عرفة

    المقدم: أيضاً يطلق على جبل عرفة جبل الرحمة، فما حكم هذه التسمية وهل لها أصل؟

    الشيخ: هذه التسمية لا أعلم لها أصلاً من السنة، وإذا لم يكن له أصل من السنة فإنه لا ينبغي أن يطلق عليه ذلك، والذين أطلقوا عليه هذا الاسم، لعلهم لاحظوا أن هذا الموقف موقف عظيم يتبين فيه مغفرة الله تعالى ورحمته للواقفين بعرفة، فسموه بهذا الاسم، والأولى أن لا يسمى بهذا الاسم، بل يقال: جبل عرفة أو الجبل الذي وقف عنده النبي صلى الله عليه وسلم أو ما أشبه ذلك.

    حكم زيارة جبل الرحمة والصلاة فيه

    المقدم: يبتدئ بعض الحجاج زيارة هذا الجبل قبل الحج أو بعده، فما حكم زيارة هذا الجبل، وما حكم الصلاة فيه؟

    الشيخ: حكمه كما يعلم في القاعدة الشرعية: أن كل من تعبد لله تعالى بما لم يشرعه الله فهو مبتدع، فيعلم أن قصد هذا الجبل والصلاة عليه أو عنده والتمسح به.. وما أشبه ذلك مما عليه بعض العامة بدعة ينكر على فاعلها، ويقال له: إنه لا خصيصة لهذا الجبل إلا أنه يسن أن يقف الإنسان يوم عرفة عند الصخرات كما وقف النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف هناك عند الصخرات، وقال: ( وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف )، وبناء على ذلك فلا ينبغي أيضاً أن يشق الإنسان على نفسه في يوم عرفة ليذهب إلى ذلك الجبل، فربما يضيع عن قومه ويتعب في الحر والعطش، ويكون بهذا آثماً، حيث شق على نفسه في أمر لم يوجبه الله عليه.

    حكم استقبال جبل عرفة للدعاء فيه واستدبار الكعبة

    المقدم: أيضاً بخصوص هذا الجبل: كثير من الناس في يوم عرفة يستقبلون الجبل ويستدبرون الكعبة، فما حكم هذا العمل، وما حكم رفع الأيدي والدعاء فيه؟

    الشيخ: المشروع للواقفين بعرفة هنا أن يشتغلوا بالدعاء والذكر وأن يتجهوا إلى القبلة، سواء كان الجبل خلفهم أو بين أيديهم، وليس استقبال القبلة مقصوداً لذاته، وإنما استقبله النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كان بينه وبين القبلة؛ لأن ناقة الرسول عليه الصلاة والسلام كانت شرقي الجبل عند الصخرات، فكان استقبال النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الجبل غير مقصود، وعلى هذا فإذا كان الجبل خلفك فاستقبل القبلة ولا يضرك أن يكون الجبل خلفك.

    وفي هذا المقام -أي: مقام الدعاء في عرفة- ينبغي للإنسان أن يرفع يديه، وأن يبادر في التضرع إلى الله عز وجل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو وهو رافع يديه، حتى إن خطام ناقته لما سقط أخذه غيره، الخطام بيده وهو رافع اليد الأخرى، وهذا يدل على استحسان رفع اليدين في هذا الموضع، وقد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( إن الله حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً ).

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767986808