المقدم: في لقائنا الماضي سألنا عن الأخطاء التي تقع في الإحرام، وأيضاً في دخول الحرم، وتحدثتم عن التلبية والأخطاء التي تقع في التلبية، يعني: الناس لا يرفعون بها أصواتهم، أو يلبون تبعياً وهذا خلاف السنة، بقي علينا أن نعرف الأخطاء التي تأتي عند دخول الحرم؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
من الأخطاء التي تكون من بعض الحجاج عند دخول المسجد الحرام:
اعتقاد دخول الحرم من باب معين
أولاً: أن بعض الناس يظن أنه لابد أن يدخل الحاج أو المعتمر من باب معين في المسجد الحرام، فيرى بعض الناس مثلاً أنه لابد إذا كان معتمراً أن يأتي من الباب الذي يسمى باب الاستسقاء، وأن هذا أمر مشروع، ويرى آخرون أنه لابد أن يدخل من باب السلام، وأن الدخول من غيره يكون إثماً أو مكروهاً، وهذا لا أصل له، فللحاج والمعتمر أن يدخل من أي باب كان، وإذا دخل المسجد فليقدم رجله اليمنى وليقل ما ورد في الدخول لسائر المساجد، فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك.
ابتداع أدعية معينة عند دخول الحرم
ثانياً: بعض الناس يبتدع أدعية معينة عند دخول المسجد ورؤية البيت، وهذه الأدعية لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيدعو الله بها، وهذا من البدع، فإن التعبد لله تعالى بقول أو فعل أو اعتقاد لم يكن عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بدعة وضلالة حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
اعتقاد أن تحية المسجد الحرام هي الطواف
وهناك شيء ثالث يخطئ فيه بعض الناس حتى من غير الحجاج، وهو أنهم يعتقدون أن تحية المسجد الحرام الطواف، بمعنى: أنه يسن لكل من دخل المسجد الحرام أن يطوف، اعتماداً على قول بعض الفقهاء في أن سنة المسجد الحرام الطواف، والواقع أن الأمر ليس كذلك، فالمسجد الحرام كغيره من المساجد التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (
إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين )، ولكن إذا دخلت المسجد الحرام للطواف، سواء كان الطواف طواف نسك عمرة أو حج، أو كان طواف تطوع، كالأطوفة في بعض النسك، فإنه يجزئك أن تطوف وإن لم تصل ركعتين، هذا هو معنى قولنا: إن المسجد الحرام تحيته الطواف.
وعلى هذا فإذا دخلت لغير الطواف ولكن لشرعية الصلاة أو لحضور مجلس العلم أو ما أشبه ذلك، فإن المسجد الحرام كغيره يسن فيه أن يصلي ركعتين قبل أن يجلس بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
هذا الذي يحضرني الآن في أخطاء الناس عند دخول المسجد الحرام.
المقدم: إذا دخل الحاج أو المعتمر أو غيرهما في الحرم وأراد أن يطوف، لا شك أنه يقع هناك بعض الأخطاء، حبذا لو وضحتموها لنا وللإخوة المستمعين التي تقع في الطواف؟
النطق بالنية عند إرادة الطواف
الشيخ: في الطواف أخطاء كثيرة تقع من بعض الحجاج أو غير الحجاج، فمنها: النطق بالنية عند إرادة الطواف، تجد الحاج يقف مستقبلاً الحجر إذا أراد الطواف، ويقول: اللهم إني نويت أن أطوف سبعة أشواط للعمرة، اللهم إني نويت أن أطواف سبعة أشواط للحج، اللهم إني نويت أن أطوف سبعة أشواط تقرباً إليك وما أشبه هذا، فالتلفظ بالنية بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله ولم يأمر أمته به، وكل من تعبد لله تعالى بأمر لم يتعبد به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأمر أمته به، فقد ابتدع في دين الله ما ليس منه، فالتلفظ بالنية عند الطواف خطأ وبدعة، وكما أنه خطأ من ناحية الشرع فهو خطأ من ناحية العقل، فما الداعي إلى أن تتلفظ بالنية مع أن النية بينك وبين ربك، والله سبحانه وتعالى عالم بما في الصدور، وعالم بأنك سوف تطوف هذا الطواف، وإذا كان الله تعالى عالم بذلك فلا حاجة أن تظهر هذا في عباد الله.
فإن قلت: أنا أقوله بلساني ليطابق ما في قلبي؟ قلنا: العبادات لا تثبت بالأقيسة، والنبي عليه الصلاة والسلام قد طاف قبلك ولم يتكلم بالنية عند الطواف، والصحابة رضي الله عنهم قد طافوا قبلك ولم يتكلموا بالنية عند طوافهم ولا عند غيره من العبادات، هذا خطأ.
المزاحمة أثناء الطواف
الخطأ الثاني: أن بعض الطائفين يزاحم مزاحمة شديدة عند استلام الحجر والركن اليماني، مزاحمة يتأذى بها ويؤذي غيره، مزاحمة قد تكون مع امرأة ويحصل في قلبه شهوة إذا نزغه من الشيطان نزغ، والإنسان بشر قد تستولي عليه النفس الأمارة بالسوء، فيقع في هذا الأمر المنكر تحت بيت الله عز وجل! وهذا أمر يكبر ويعظم باعتبار مكانه، كما أنه فتنة بأي وضع كان، والمزاحمة الشديدة عند استلام الحجر أو الركن اليماني إن تيسر لك بهدوء فذلك المطلوب، وإن لم يتيسر فإنك تشير إلى الحجر الأسود، أما الركن اليماني فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشار إليه، ولو قاسوه على الحجر الأسود؛ لأن الحجر الأسود أعظم منه، والحجر الأسود ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشار إليه، والمزاحمة كما أنها غير مشروعة في هذه الحال، وكما أنه يخشى منها الفتنة فيما إذا كان الزحام مع امرأة فهي أيضاً تؤثر تشويشاً في القلب والفكر؛ لأن الإنسان لابد عند المزاحمة من أن يسمع كلاماً يكرهه، أو يسمع هو كلاماً يكرهه ويتندم عليه، فتجده يشعر بامتعاض وغضب على نفسه إذا فارق هذا المحل، والذي ينبغي للطائف أن يكون دائماً في هدوء وطمأنينة من أجل أن يستحضر ما هو متلبس به من طاعة الله، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (
إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله ).
اعتقاد أن تقبيل الحجر شرط للطواف
الخطأ الثالث فيما يقع في الطواف: أن بعض الناس يظنون أن الطواف لا يصح بدون تقبيل الحجر، وأن تقبيل الحجر شرط لصحة الطواف ولصحة الحج والعمرة، وهذا ظن خطأ، فتقبيل الحجر سنة وليست سنة مستقلة أيضاً، بل هي سنة للطائف، ولا أعلم أن تقبيل الحجر يسن في غير الطواف، وعلى هذا فإذا كان تقبيل الحجر سنة وليس واجباً ولا شرطاً، فإن من لم يقبل الحجر لا نقول: إن طوافه غير صحيح، أو أن طوافه ناقص نقصاً يأثم به، بل طوافه صحيح، بل نقول: إنه إذا كان هناك مزاحمة شديدة، فإن الإشارة أفضل من الاستلام؛ لأنه هو العمل الذي فعله الرسول عليه الصلاة والسلام عند الزحام، ولأن الإنسان قد يصيب أذىً يكون منه لغيره أو يكون من غيره له، فلو سألنا سائل وقال: إن المطاف مزدحم فما ترون: هل الأفضل أن أزاحم فأستلم الحجر وأقبله، أم الأفضل أن أشير إليه؟
قلنا: الأفضل أن تشير إليه؛ لأن السنة هكذا جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
تقبيل الركن اليماني
الرابع من الأخطاء التي يفعلها بعض الطائفين: تقبيل الركن اليماني، وتقبيل الركن اليماني لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعبادة إذا لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي بدعة وليست بقربة، وعلى هذا فلا يشرع للإنسان أن يقبل الركن اليماني؛ لأن ذلك لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما ورد فيه حديث ضعيف لا تقوم به الحجة.
استلام الحجر أو الركن باليد اليسرى
وكذلك أيضاً نجد بعض الناس عندما يمسح الحجر الأسود أو الركن اليماني يمسحه بيده اليسرى كالمتهاون به، وهذا خطأ، فإن اليد اليمنى أشرف من اليد اليسرى، واليد اليسرى لا تقدم إلا للأذى كالاستنجاء بها والاستجمار بها والامتخاط بها.. وما أشبه ذلك، وأما مواطن التفضيل والاحترام فإنه يكون باليد اليمنى.
استلام الحجر والركن اليماني للتبرك
الخامس من الأخطاء التي يرتكبها بعض الطائفين: أنهم يظنون أن استلام الحجر والركن اليماني للتبرك لا للتعبد، فيتمسحون به تبركاً، وهذا بلا شك خلاف ما قصد به، فإن المقصود بالتمسح به أو بمسحه وتقبيله بالنسبة للحجر الأسود، هو تعظيم الله عز وجل، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استلم الحجر قال: (
الله أكبر )، إشارة إلى أن المقصود بهذا تعظيم الله عز وجل، وليس المقصود التبرك بمسح هذا الحجر، قال أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (
والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك )، هذا الظن الخاطئ من بعض الناس وهو أنهم يظنون أن المقصود بمسح الركن اليماني والحجر الأسود التبرك أدى ببعضهم إلى أن يأتي بابنه الصغير ويمسح الركن أو الحجر بيده ثم يمسح ابنه الصغير أو الطفلة بيده التي مسح بها الحجر أو الركن اليماني، وهذا من الاعتقاد الفاسد الذي يجب أن ينهى عنه، وأن يبين أن مثل هذه الأحجار لا تضر ولا تنفع، وأن المقصود بها -أي: بمسحها- تعظيم الله عز وجل وإقامة ذكره والاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم.
وننتقل من هذا إلى خطأٍ يقع أيضاً في المدينة المنورة عند حجرة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان بعض العامة يتمسحون بالشباك الذي على الحجرة ويمسحون بأيديهم وجوههم ورءوسهم وصدورهم؛ اعتقاداً منهم أن في هذا بركة.. وكل هذه الأمور وأمثالها مما لا شرعة فيه، بل هو بدعة، ولا ينفع صاحبه بشيء، لكن إن كان صاحبه جاهلاً ولم يخطر على باله أنه من البدع فيرجى أن يعفى عنه، وإن كان عالماً أو متهاوناً ولم يسأل عن دينه فيخشى أن يكون آثماً، فالناس في هذه الأمور التي يفعلونها: إما جاهلٌ جهلاً مطبقاً لا يسمع بذلك أن هذا محرم، فهذا يرجى أن لا شيء عليه، وإما عالم متعمد يضل ويضل الناس فهذا آثم بلا شك، وعليه إثم من تبعه واقتدى به، وإما رجل جاهل ومتهاون في سؤال أهل العلم، فيخشى أن يكون آثماً في تفريطه وعدم سؤاله.