إسلام ويب

فقه العبادات [49]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من الأخطاء التي يقع فيها كثير من الحجاج: الرمل في جميع الأشواط، ورفع الصوت بالدعاء، والوقوف عند الخط المحاذي للحجر، والدخول في الطواف من باب الحجر.

    1.   

    تابع الأخطاء التي تقع أثناء الطواف

    المقدم: كنا نتحدث عن الأخطاء التي تقع من الحجاج في الطواف وأخذنا طرفاً منها، فهل لنا أن نسمع البقية؟

    الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    نعم هناك أخطاء يفعلها بعض الحجاج في الطواف سبق أن ذكرنا بعضها ومنها:

    الرمل في جميع أشواط الطوف

    الرمل في جميع الأشواط، مع أن المشروع أن يكون الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى فقط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رمل هو وأصحابه في الأشواط الثلاثة الأولى فقط، وأما الأربعة الباقية فيمشي على ما هو عليه على عادته، وكذلك الرمل لا يكون إلا للرجال في الطواف أول ما يقدم إلى مكة، سواءٌ كان ذلك طواف قدوم أم طواف عمرة.

    تخصيص دعاء معين لكل شوط

    ومن الأخطاء أيضاً: أن بعض الناس يخصص كل شوطٍ بدعاءٍ معين، وهذا من البدع التي لم ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يخص كل شوطٍ بدعاء ولا أصحابه أيضاً، وغايةُ ما في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: (ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)، وقال عليه الصلاة والسلام: (إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله)، وتزداد هذه البدع خطأً إذا حملت طائفة كتيباً كتب فيه لكل شوطٍ دعاء وهو يقرأ هذا الكتيب ولا يدري ماذا يقول، إما لكونه جاهلاً باللغة العربية ولا يدري ما المعنى، وإما لكونه عربياً ينطق باللغة العربية ولكنه لا يدري ما يقول، حتى إننا نسمع بعضهم يدعو بأدعية هي في الواقع محرفة تحريفاً بيناً، ومن ذلك أننا سمعنا من يقول: اللهم أغنيني في جلالك عن حرامك، والصواب: بحلالك عن حرامك، ومن ذلك أننا نشاهد بعض الناس يقرأ هذا الكتيب، فإذا انتهى دعاء الشوط وقف ولم يدع في بقية شوطه، وإذا كان المطاف خفيفاً وانتهى الشوط قبل انتهاء الدعاء قطع الدعاء، ودواء ذلك أن نبين للحجاج بأن الإنسان في الطواف يدعو بما شاء وبما أحب، ويذكر الله تعالى بما شاء، فإذا بين للناس هذا انتهى هذا الإشكال.

    الدخول في الطواف من باب الحجر

    ومن الأخطاء أيضاً وهو خطأٌ عظيم جداً: أن بعض الناس يدخل بالطواف من باب الحجر، أي: المحجر الذي على شمال الكعبة ويخرج من الباب الثاني في أيام الزحام، ويرى أن هذا أقرب وأسهل، وهذا خطأٌ عظيم؛ لأن الذي يفعل ذلك لا يعتبر طائفاً بالبيت، والله تعالى يقول: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29]، والنبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت من وراء الحجر، فإذا طاف الإنسان من داخل الحجر فإنه لا يعتبر طائفاً بالبيت، فلا يصح طوافه، وهذه المسألة خطيرة لا سيما إذا كان الطواف ركناً كطواف العمرة وطواف الإفاضة، ودواء ذلك أن نبين للحجاج أنه لا يصح الطواف إلا بجميع البيت ومنه الحجر، وبهذه المناسبة أود أن أبين أن كثيراً من الناس يطلقون على هذا الحجر اسم حجر إسماعيل، والحقيقة أن إسماعيل لا يعلم به، وأنه ليس حجراً له، وإنما هذا الحجر حصل حين قصرت النفقة على قريش حين أرادوا بناء الكعبة، فلم تكف النفقة لبناء الكعبة على قواعد إبراهيم فحجروا منها هذا الجانب وحدروه بهذا الجدار، وسمي حديراً وحجراً، وإلا فليس لإسماعيل فيه أي علم أو أي عمل.

    عدم جعل الكعبة عن يسار الطائف

    ومن الأخطاء أيضاً: أن بعض الناس لا يلتزم بجعل الكعبة عن يساره، فتجده يطوف معه نساؤه ويكون قد وضع يده مع يد زميله لحماية النساء، فتجده يطوف والكعبة خلف ظهره، وزميله الآخر يطوف والكعبة بين يديه، وهذا خطأٌ عظيم أيضاً؛ لأن أهل العلم يقولون: من شرط صحة الطواف: أن يجعل الكعبة عن يساره، فإذا جعلها خلف ظهره أو جعلها أمامه أو جعلها عن يمينه وعكس الطواف، فكل هذا طوافٌ لا يصح، والواجب على الإنسان أن يعتني بهذا الأمر، وأن يحرص على أن تكون الكعبة عن يساره في جميع طوافه، وبعضهم حال الزحام يجعل الكعبة خلف ظهره أو أمامه وهذا خطأ، فالواجب على المرء أن يحتاط لدينه، وأن يعرف حدود الله تعالى في العبادة قبل أن يتلبس بها، حتى يعبد الله تعالى على بصيرة، وإلا فلا تعجب أن الرجل إذا أراد أن يسافر إلى بلد يجهل طريقها فإنه لا يسافر إليها حتى يسأل ويبحث عن هذا الطريق وعن الطريق السهل ليصل إليها براحةٍ وطمأنينة وبدون ضياع أو تعب، أما في أمور الدين فإن كثيراً من الناس مع الأسف يتلبس بالعبادة وهو لا يدري حدود الله تعالى فيها، وهذا من القصور بل من التقصير، نسأل الله لنا ولإخواننا المسلمين الهداية، وأن يجعلنا ممن يعلمون حدود ما أنزل الله على رسوله.

    استلام جميع أركان الكعبة

    ومن الأخطاء في الطواف أيضاً: أن بعض الطائفين يستلم جميع أركان الكعبة الأربعة: الحجر الأسود، والركن اليماني، والركن الشامي، والركن العراقي، ظانين أنهم بذلك يعظمون بيت الله عز وجل، بل من الناس من يتعلق بأستار الكعبة من جميع الجوانب، وهذا أيضاً من الخطأ؛ لأن المشروع استلام الحجر الأسود وتقبيله إن أمكن، وإلا فالإشارة إليه، أما الركن اليماني فالمشروع استلامه بدون تقبيل إن تيسر، وإن لم يتيسر فلا يشير إليه أيضاً؛ لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما استلام الركن العراقي وهو أول ركن تمر به بعد الحجر الأسود، والشامي وهو الركن الذي يليه، فهذا من البدع، وقد أنكر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه استلامه جميع الأركان، وقال له: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم الركنين اليمانيين، لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، فقال معاوية رضي الله عنه: صدقت، ورجع إلى قول ابن عباس بعد أن كان رضي الله عنه يستلم الأركان الأربعة، ويقول: ليس شيءٌ من البيت مهجوراً.

    رفع الصوت بالدعاء حال الطواف

    ومن الأخطاء في الطواف: رفع الصوت بالدعاء، فإن بعض الطائفين يرفع صوته بالدعاء رفعاً مزعجاً يذهب الخشوع، ويسقط هيبة البيت، ويشوش على الطائفين، والتشويش على الناس في عباداتهم أمر منكر، فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه ذات ليلة وهم يقرءون ويجهرون بالقراءة في صلاتهم، فأخبرهم عليه الصلاة والسلام بأن كل مصلٍ يناجي ربه، ونهاهم أن يجهر بعضهم على بعضٍ في القرآن أو في القراءة، وقال: (لا يؤذين بعضكم بعضاً)، ولكن بعض الناس -نسأل الله لنا ولهم الهداية- في المطاف يدعون ويرفعون أصواتهم بالدعاء، وهذا كما أن فيه من المحظورات التي ذكرناها وهو إذهاب الخشوع، وسقوط هيبة البيت، والتشويش على الطائفين، فهو مخالف أيضاً لظاهر قوله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف:55].

    هذه الأخطاء التي سقناها في الطواف نرجو الله سبحانه وتعالى أن يهدي إخواننا المسلمين لإصلاحها حتى يكون طوافهم موافقاً لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن خير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وليس الدين يؤخذ بالعاطفة والميل، ولكنه يؤخذ بالتلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ابتداء الطواف من عند باب الكعبة

    ومن الأخطاء العظيمة في الطواف: أن بعض الناس يبتدئ طوافه من عند باب الكعبة، ولا يبتدئ من الحجر الأسود، والذي يبتدئ من عند باب الكعبة ويتم طوافه على هذا الأساس لا يعتبر متماً للطواف؛ لأن الله يقول: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29]، وقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم من الحجر الأسود، وقال للناس: (خذوا عني مناسككم)، وإذا ابتدأ من عند الباب أو من دون محاذاة الحجر الأسود ولو بقليل فإن هذا الشوط الأول الذي ابتدأه يكون لاغياً؛ لأنه لم يتمه، وعليه أن يأتي ببدله إن ذكر قريباً، وإلا فليعد الطواف من أوله.

    والحكومة السعودية وفقها الله قد وضعت خطاً ينطلق من حذاء قلب الحجر الأسود إلى آخر المطاف، ليكون علامة على ابتداء الطواف، والناس من بعد وجود هذا الخط صار خطؤهم في هذه الناحية قليلاً، لكنه يوجد من بعض الجهال، وعلى كل حال فعلى المرء أن ينتبه لهذا الخطأ لئلا يقع في خطأ عظيم من عدم تمام الطواف.

    الوقوف عند الخط المحاذي للحجر الأسود

    المقدم: أيضاً حينما ذكرتم هذا الخط وفق الله من وضعه بعض الحجاج إذا جاء إلى الخط وقف طويلاً ثم حجر على إخوانه على أن لا يستمر في الطواف، فما حكم الوقوف عند هذا الخط والدعاء الطويل؟

    الشيخ: الوقوف عند هذا الخط لا يحتمل وقوفاً طويلاً، بل يستقبل الإنسان الحجر ويشير إليه ويكبر ويمشي، وليس هذا موقفاً يطال فيه الوقوف، لكني أرى بعض الناس يقفون ويقولون: نويت أن أطوف لله تعالى سبعة أشواط طواف العمرة أو تطوعاً وما أشبه ذلك، وهذا يرجع إلى الخطأ في النية، وقد نبهنا عليه، وأن التكلم بالنية في العبادات بدعة لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحدٍ من أصحابه، وأنت تعمل العبادة لله سبحانه وتعالى وهو عالمٌ بنيتك، فلا يحتاج إلى أن تجهر بها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768033600