إسلام ويب

فقه العبادات [50]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ركعتا الطواف سنة مستحبة، وبعض الناس يعتقد لزوم فعلها خلف المقام، وهذا من الجهل، كذلك من الأخطاء التزام الدعاء عقب العبادات التي لم يرد فيها ذلك.

    1.   

    الأخطاء التي تقع في ركعتي الطواف

    المقدم: سألنا عن الأخطاء التي تقع من بعض الحجاج في الإحرام ودخول الحرم والطواف، وبقي علينا ركعتا الطواف، هل هناك أخطاء يقع فيها الحجاج يبلغكم بها أيضاً؟

    الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    بقي علينا أخطاء يفعلها الحجاج في ركعتي الطواف وفي غيرها أيضاً، فنبدأ بالأخطاء في ركعتي الطواف.

    اعتقاد أن صلاة الركعتين لا تصح إلا خلف المقام

    من الأخطاء أن بعض الناس يظنون أن هاتين الركعتين لا بد أن تكون خلف المقام أو قريبة منه أيضاً؛ ولهذا تجدهم يزاحمون زحاماً شديداً، يؤذون الطائفين، وهم ليس لهم حق في هذا المكان؛ لأن الطائفين أحق به منهم ما دام المطاف مزدحماً؛ لأن الطائفين ليس لهم مكان سوى هذا، وأما المصلون للركعتين بعد الطواف فلهم مكان آخر، المهم أننا نجد بعض الناس -نسأل الله لنا ولهم الهداية- يتحلقون خلف المقام، ويشغلون مكاناً كبيراً واسعاً من أجل رجل واحد أو امرأةً واحدة تصلي خلف المقام، ويحصل في ذلك من قطع الطواف للطائفين وازدحامهم؛ لأنهم يأتون من مكانٍ واسع، ثم يضيق بهم المكان هنا من أجل هذه الحلقة التي تحلق بها هؤلاء، فيحصل بذلك ضنكٌ وضيق، وربما يحصل مضاربة ومشاتمة، وهذا كله إيذاءٌ لعباد الله عز وجل، وحجرٌ لمكان غيره فيه أولى، وهذا الفعل لا يشك عاقلٌ عرف مصادر الشريعة ومواردها أنه محرم وأنه لا يجوز؛ لما فيه من إيذاء المسلمين، وتعريض طواف الطائفين للفساد أحياناً؛ لأن الطائفين أحياناً باشتباكٍ مع هؤلاء يجعلون البيت إما خلفهم وإما أمامهم مما يخل بشرط من شروط الطواف، فالخطأ هنا أن بعض الناس يعتقد أنه لا بد أن تصلي الركعتين خلف المقام أو قريباً منه، والأمر ليس كما ظن هؤلاء، فالركعتان تجزئان في كل مكان من المسجد، ويمكن للإنسان أن يجعل المقام بينه وبين البيت، أي: بينه وبين الكعبة ولو كان بعيداً منه، ويحصل بذلك على السنة من غير إيذاء للطائفين ولا لغيرهم.

    إطالة ركعتي الطواف

    ومن الأخطاء في هاتين الركعتين: أن بعض الناس يطولهما، يطيل القراءة فيهما، ويطيل الركوع والسجود، والقيام والقعود، وهذا مخالفٌ للسنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخفف هاتين الركعتين، ويقرأ في الأولى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] ، وفي الثانية: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] ، وينصرف من حين أن يسلم تشريعاً للأمة؛ ولئلا يحجز المكان الذي هو أحق به منهم، فإن هذا المكان إنما يكون للذين يصلون ركعتين خلفه بعد الطواف، أو للطائفين لازدحام المطاف؛ ولهذا يخطئ بعض الناس الذين يطيلون الركعتين خلف المقام لمخالفتهم السنة، وللتضييق على إخوانهم من الطائفين إذا كان الطواف مزدحماً، والابتداء بالمكان الذي غيرهم أولى به ممن أتموا طوافهم ويريدون أن يصلوا ركعتين خلف المقام.

    الدعاء بعد ركعتي الطواف

    ومن الأخطاء أيضاً في هاتين الركعتين: أن بعض الناس إذا أتم الركعتين هنا جعل يرفع يديه ويدعو دعاءً طويلاً، والدعاء بعد الركعتين هنا ليس بمشروع؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولا أرشد أمته إليه، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي للإنسان أن يبقى بعد الركعتين يدعو؛ لأن ذلك خلاف السنة؛ ولأنه يؤذي الطائفين إذا كان الطواف مزدحماً؛ ولأنه يحجز مكاناً غيره أولى به ممن أتموا الطواف وأرادوا أن يصلوا في هذا المكان.

    دعاء المقام

    ومن البدع أيضاً هنا: ما يفعله بعض الناس يقوم عند مقام إبراهيم ويدعو دعاءً طويلاً، يسمى دعاء المقام، وهذا الدعاء لا أصل له أبداً في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو من البدع التي ينهى عنها، وفيه مع كونه بدعة -وكل بدعةٍ ضلالة- أن بعض الناس يمسك كتاباً فيه هذا الدعاء ويبدأ يدعو به بصوت مرتفع ويؤمّن عليه من خلفه، وهذا بدعة إلى بدعة، وفيه أيضاً تشويش على المصلين حول المقام، والتشويش على المصلين سبق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه، وكل هذه الأخطاء التي ذكرناها في الركعتين وبعدهما تصويبها أن الإنسان يتمشى في ذلك على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن خير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فإذا تمشينا عليه زالت عنا هذه الأخطاء كلها.

    1.   

    مسح الوجه بعد الدعاء

    المقدم: ذكرتم من الأخطاء في ركعتي الطواف أن يدعو بعد الركعتين، وهناك أيضاً من يدعو طويلاً ثم يمسح وجهه، فهل هذا خاص بركعتي الطواف أو يعم في جميع السنن التي يصليها الإنسان؟

    الشيخ: أولاً: في سؤالك هذا مسألتان:

    المسألة الأولى: مسح الوجه باليدين بعد الدعاء.

    والمسألة الثانية: الدعاء بعد النافلة.

    أما الأول: وهو مسح الوجه باليدين بعد الدعاء فإنه وردت فيه أحاديث ضعيفة اختلف فيها أهل العلم، فذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن هذه الأحاديث لا تقوم بها حجة؛ لأنها ضعيفة مخالفةٌ لظاهر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما، فإنه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء بأحاديث صحيحة، وأنه رفع يديه في ذلك، ولم يذكر أنه مسح بهما وجهه، وهذا يدل على أنه لم يفعله؛ لأنه لو فعله لتواترت الدواعي على نقله ونقل، وممن رأى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقال: إن مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء بدعة.

    ومن العلماء من يرى أن هذه الأحاديث ضعيفة في مجموعها ترتقي إلى درجة الحديث الحسن لغيره؛ لأن الطرق الضعيفة إذا كثرت على وجهٍ ينجبر بعضها ببعض صارت من قسم الحسن لغيره، ومن هؤلاء ابن حجر العسقلاني في بلوغ المرام، والذي يظهر لي أن الأولى عدم مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء؛ لأنه وإن قلنا: إن هذا الحديث بمجموع طرقه يرتقي إلى درجة الحسن لغيره فإن متنه يبقى شاذاً؛ لأنه مخالفٌ للأحاديث الصحيحة التي وردت بكثرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الدعاء، ولم يرد أنه مسح بهما وجهه، وعلى كل حال فلا أتجاسر على القول: بأن ذلك بدعة، ولكني أرى أن الأفضل أن لا يمسح، ولو مسح فلا ينكر عليه، هذا بالنسبة للفقرة الأولى من سؤالك.

    الدعاء بعد النافلة

    أما بالنسبة للثانية: وهي الدعاء بعد النافلة، فإن الدعاء بعد النافلة إن اتخذه الإنسان سنة راتبة بحيث يعتقد أنه بعدما يسلم من النافلة يشرع أن يدعو فهذا أخشى أن يكون بدعة؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام، فما أكثر ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم النفل ولم يرد عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو بعده، ولو كان هذا من المشروع لسنه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته إما بقوله أو بفعله أو بإقراره.

    ثم إنه ينبغي أن يعلم أن الإنسان ما دام في صلاته فإنه يناجي ربه، فكيف يليق بالإنسان أن يدع الدعاء في الحالة التي يناجي ربه ثم يأخذ بالتضرع بعد انصرافه من صلاته، وانقطاع المناجاة لله عز وجل في صلاته، فكان الأولى والأجدر بالإنسان أن يجعل الدعاء قبل السلام، ما دام في الحال التي يناجي فيها ربه، وهذا المعنى أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وهو معنىً حسن جيد، فإذا أردت أيها الأخ المسلم أن تدعو الله عز وجل فاجعل دعاءك قبل السلام؛ لأن هذا هو الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله في حديث عبد الله بن مسعود حين ذكر التشهد، قال: (ثم يتخير من الدعاء ما شاء)؛ ولأنه أليق بحال الإنسان؛ لما أسلفنا من كونه في حال صلاته يناجي ربه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768264490