الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
نعم الأمر كما ذكرتم أن بعض المؤسسات تطلب من المسلمين أن يسلموا لها قيمة الهدي أو قيمة الأضاحي ليذبح في بلادٍ غير أهلها، وهم محتاجون إلى الطعام وغيره، وذكرنا أن الهدايا لها محل معين وهو مكة المكرمة، وأنه يجب أن يكون الذبح هناك: في جزاء الصيد، وفي هدي التمتع والقران، وفي الفدية الواجبة لترك واجب، وأما الواجبة لفعل المحظور فلا يجوز أن تكون في غير الحرم -أي: في مكة- وأما دم الإحصار فحيث وجد سببه، هكذا ذكر أهل العلم رحمهم الله، ولا يجوز أن تخرج عن مكة وتذبح في مكانٍ آخر.
وأما تفريق لحمها فيكون في مكة، إلا إذا استغنى أهل مكة فيجوز أن تفرق في البلاد الإسلامية في أقرب البلاد، هذا بالنسبة للهدي.
أما الأضاحي فإنها تضحى في بلاد المضحين، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه ضحى إلا في محل إقامته في المدينة، والأفضل أن يباشرها بنفسه، فإن لم يستطع فإنه يوكل من يذبحها أمامه، ليشهد أضحيته، وسبق لنا ما يحصل من المحظور في نقل الأضاحي إلى بلادٍ أخرى.
وإنني بهذه المناسبة أوجه نصيحةً لإخواني المسلمين ليعلموا أنه ليس المقصود من ذبح الهدايا والأضاحي مجرد اللحم، فإن هذا يحصل بشراء الإنسان لحماً كثيراً فيوزعها على الفقراء، لكن المقصود الأهم هو التقرب إلى الله تعالى بالذبح، فإن التقرب إلى الله تعالى بالذبح من أفضل الأعمال الصالحة، كما قال الله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]، وقال تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2]، وقال الله تعالى: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج:37].
وكون الإنسان يدفع دراهم لتذبح أضحيته في مكان الحاجة من بلاد المسلمين يغني عنه أن يدفع دراهم ليشترى به الطعام من هناك ويوزع على الفقراء، وربما يكون هذا أنفع لهم، حيث يشترى ما يليق بحالهم ويلائمهم، وربما تكون الأطعمة هناك أرخص أيضاً.
فنصيحتي للمسلمين أن يتولوا ذبح ضحاياهم في بلادهم، وأن يأكلوا منها، ويطعموا منها، ويظهروا شعائر الله تعالى بالتقرب إليه بذبحها، وألا ينسوا إخوانهم المسلمين المتضررين في مشارق الأرض ومغاربها المحتاجين إلى الأموال والمعونة لهم، فيكونون في هذه الحال بين الحسنين: بين حسن ذبح الأضاحي في بلادهم، وحسن نفع إخوانهم المسلمين في بلادهم.
الشيخ: نعم، طواف الوداع يجب أن يكون آخر أعمال الحج؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ينصرف أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت)، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض).
فالواجب أن يكون الطواف آخر عملٍ يقوم به الإنسان من أعمال الحج، والناس يخطئون في طواف الوداع في أمور:
هذا ما يحضرني الآن.
الشيخ: زيارة المسجد النبوي سنة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى).
فيسافر الإنسان لزيارة المسجد النبوي؛ لأن الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام، ولكنه إذا سافر إلى المدينة فينبغي أن يكون قصده الأول الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا وصل إلى هناك زار قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما على الوجه المشروع في ذلك من غير بدعٍ ولا غلو.
جوابه: أنه لا علاقة له بالحج، وأن زيارة المسجد النبوي منفصلة والحج والعمرة منفصلان عنه، لكن أهل العلم رحمهم الله يذكرونه في آخر باب الحج؛ لأن الناس في عهدهم يشق عليهم أن يفردوا الحج والعمرة بسفر، وزيارة المسجد النبوي في سفر، فكانوا إذا حجوا واعتمروا مروا بالمدينة لزيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا فلا علاقة بين هذا وهذا.
الشيخ: الآداب المشروعة: أن يزور قبره صلى الله عليه وسلم على وجه الأدب، وأن يقف أمام قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيسلم عليه فيقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، صلى الله عليك وبارك، وجزاك عن أمتك خير الجزاء، ثم يخطو خطوةً ثانية، خطوةً عن يمينه ليكون مقابل وجه أبي بكر رضي الله عنه، فيقول: السلام عليك يا خليفة رسول الله ورحمة الله وبركاته، جزاك الله عن أمة محمدٍ خيراً، ثم يخطو خطوةً عن يمينه ليكون مقابل وجه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فيقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، جزاك الله عن أمة محمدٍ خيراً، ثم ينصرف، هذه هي الزيارة المشروعة، وأما ما يفعله بعض الناس من التمسح بجدران الحجرة أو التبرك بها أو ما أشبه ذلك فكله من البدع، وأشد من ذلك وأنكر وأعظم أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم لتفريج الكربات، وحصول المرغوبات؛ فإن هذا شركٌ أكبر مخرجٌ عن الملة، والنبي عليه الصلاة والسلام لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ولا يملك لغيره كذلك نفعاً ولا ضراً، ولا يعلم الغيب، وهو صلى الله عليه وسلم قد مات كما يموت غيره من بني آدم، فهو بشر يحيا كما يحيون ويموت كما يموتون، وليس له من تدبير الكون شيءٌ أبداً، قال الله تعالى له، -أي: للرسول صلى الله عليه وسلم- قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا [الجن:21-22]، وقال الله تعالى له: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ [الأعراف:188]، وقال الله له: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ [الأنعام:50].
فالرسول صلى الله عليه وسلم بشر محتاج إلى الله عز وجل، وليس به غنىً عنه طرفة عين، ولا يملك أن يجلب نفعاً لأحد أو يدفع ضراً عن أحد، بل هو عبدٌ مربوبٌ مكلف كما يكلف بنو آدم، وإنما يمتاز بما منّ الله به عليه من الرسالة التي لم تكن لأحدٍ من قبله ولم تكن لأحد بعده، وهي الرسالة العظمى التي بعث بها إلى سائر الناس إلى يوم القيامة.
الشيخ: زيارة القبور سنة في كل مكان، ولا سيما زيارة البقيع التي دفن فيه كثير من الصحابة رضي الله عنهم، ومنهم أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقبره هناك معروف، وكذلك يسن أن يخرج إلى أحد ليزور قبور الشهداء هنالك ومنهم حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك ينبغي أن يزور مسجد قباء، يخرج متطهراً فيصلي فيه ركعتين؛ فإن في ذلك فضلاً عظيماً، وليس هناك شيءٌ يزار في المدينة سوى هذه: زيارة المسجد النبوي، زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، زيارة البقيع، زيارة شهداء أحد، زيارة مسجد قباء، وما عدا ذلك من المزارات فإنه لا أصل لها.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر