إسلام ويب

فقه العبادات [59]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الذبائح والهدايا من شعائر الله وتعظيمه، لأن الله سبحانه أمر بها، ومن أعمال الحج: طواف الوداع، ويستحب زيارة المسجد النبوي، وقبر النبي صلى الله عليه وسلم والبقيع وقباء.

    1.   

    مقاصد ذبح الهدايا والأضاحي

    المقدم: تحدثنا في لقاءٍ ماضٍ عن الذين يرسلون نقوداً لبعض البلاد الإسلامية ليذبح هديهم أو أضحيتهم هناك، ثم أردتم نصيحة المسلمين لمعرفة مقاصد الشريعة، إلا أن وقت البرنامج لم يسعفنا بذلك، فهل لكم تعليق على هذا الموضوع؟

    الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    نعم الأمر كما ذكرتم أن بعض المؤسسات تطلب من المسلمين أن يسلموا لها قيمة الهدي أو قيمة الأضاحي ليذبح في بلادٍ غير أهلها، وهم محتاجون إلى الطعام وغيره، وذكرنا أن الهدايا لها محل معين وهو مكة المكرمة، وأنه يجب أن يكون الذبح هناك: في جزاء الصيد، وفي هدي التمتع والقران، وفي الفدية الواجبة لترك واجب، وأما الواجبة لفعل المحظور فلا يجوز أن تكون في غير الحرم -أي: في مكة- وأما دم الإحصار فحيث وجد سببه، هكذا ذكر أهل العلم رحمهم الله، ولا يجوز أن تخرج عن مكة وتذبح في مكانٍ آخر.

    وأما تفريق لحمها فيكون في مكة، إلا إذا استغنى أهل مكة فيجوز أن تفرق في البلاد الإسلامية في أقرب البلاد، هذا بالنسبة للهدي.

    أما الأضاحي فإنها تضحى في بلاد المضحين، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه ضحى إلا في محل إقامته في المدينة، والأفضل أن يباشرها بنفسه، فإن لم يستطع فإنه يوكل من يذبحها أمامه، ليشهد أضحيته، وسبق لنا ما يحصل من المحظور في نقل الأضاحي إلى بلادٍ أخرى.

    وإنني بهذه المناسبة أوجه نصيحةً لإخواني المسلمين ليعلموا أنه ليس المقصود من ذبح الهدايا والأضاحي مجرد اللحم، فإن هذا يحصل بشراء الإنسان لحماً كثيراً فيوزعها على الفقراء، لكن المقصود الأهم هو التقرب إلى الله تعالى بالذبح، فإن التقرب إلى الله تعالى بالذبح من أفضل الأعمال الصالحة، كما قال الله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]، وقال تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2]، وقال الله تعالى: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج:37].

    وكون الإنسان يدفع دراهم لتذبح أضحيته في مكان الحاجة من بلاد المسلمين يغني عنه أن يدفع دراهم ليشترى به الطعام من هناك ويوزع على الفقراء، وربما يكون هذا أنفع لهم، حيث يشترى ما يليق بحالهم ويلائمهم، وربما تكون الأطعمة هناك أرخص أيضاً.

    فنصيحتي للمسلمين أن يتولوا ذبح ضحاياهم في بلادهم، وأن يأكلوا منها، ويطعموا منها، ويظهروا شعائر الله تعالى بالتقرب إليه بذبحها، وألا ينسوا إخوانهم المسلمين المتضررين في مشارق الأرض ومغاربها المحتاجين إلى الأموال والمعونة لهم، فيكونون في هذه الحال بين الحسنين: بين حسن ذبح الأضاحي في بلادهم، وحسن نفع إخوانهم المسلمين في بلادهم.

    1.   

    أخطاء تتعلق بطواف الوداع

    المقدم: شكراً، أثابكم الله. آخر أعمال الحج الوداع، فهل هناك أخطاء ترون أن بعض الحجاج يقعون فيها، نأمل إذا كان هناك أخطاء أن توضحوها للإخوة المسلمين؟

    الشيخ: نعم، طواف الوداع يجب أن يكون آخر أعمال الحج؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ينصرف أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت)، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض).

    فالواجب أن يكون الطواف آخر عملٍ يقوم به الإنسان من أعمال الحج، والناس يخطئون في طواف الوداع في أمور:

    عدم جعل طواف الوداع آخر المناسك

    أولاً: أن بعض الناس لا يجعل الطواف آخر أمره، بل ينزل إلى مكة ويطوف طواف الوداع، وقد بقي عليه رمي الجمرات، ثم يخرج إلى منى فيرمي الجمرات ثم يغادر، وهذا خطأ، ولا يجزئ طواف الوداع في مثل هذه الحال؛ وذلك لأنه لم يكن آخر عهد الإنسان بالبيت الطواف، بل كان آخر عهده رمي الجمرات.

    البقاء في مكة بعد طواف الوداع

    ومن الخطأ أيضاً في طواف الوداع: أن بعض الناس يطوف للوداع ويبقى في مكة بعدها، وهذا يوجب إلغاء طواف الوداع، وأن يأتي ببدله، نعم لو أقام الإنسان في مكة بعد طواف الوداع لشراء حاجةً في طريقه، أو لتحميل العفش، أو ما أشبه ذلك، فهذا لا بأس به.

    الرجوع القهقرى عند الخروج من المسجد بعد الطواف

    ومن الخطأ في طواف الوداع: أن بعض الناس إذا طاف للوداع وأراد الخروج من المسجد رجع القهقرى، أي: رجع على قفاه، يزعم أنه يتحاشى بذلك تولية الكعبة ظهره، وهذا بدعة لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحدٌ من أصحابه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أشد منا تعظيماً لله تعالى ولبيته، ولو كان هذا من تعظيم الله وبيته لفعله صلى الله عليه وسلم، وحينئذٍ فإن السنة إذا طاف الإنسان للوداع أن يخرج على وجهه ولو ولى البيت ظهره في هذه الحالة.

    الانصراف إلى باب المسجد الحرام والتوجه إلى الكعبة لتوديعها

    ومن الخطأ أيضاً: أن بعض الناس إذا طاف للوداع ثم انصرف ووصل إلى باب المسجد الحرام اتجه إلى الكعبة وكأنه يودعها، فيدعو أو يسلم أو ما أشبه ذلك، وهذا من البدع أيضاً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولو كان خيراً لفعله النبي صلى الله عليه وسلم.

    هذا ما يحضرني الآن.

    1.   

    حكم زيارة المسجد النبوي

    المقدم: شكراً، أثابكم الله. إذاً بعد أن عرفنا الشيء الكثير عن الحج وأعماله، والأخطاء التي تقع فيه، نود أن ننتقل مع الإخوة الحجاج في هذا البرنامج إلى ما يهمهم في زيارة المسجد النبوي الشريف، فما حكم زيارة المسجد النبوي؟ وهل لها تعلقٌ بالحج؟

    الشيخ: زيارة المسجد النبوي سنة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى).

    فيسافر الإنسان لزيارة المسجد النبوي؛ لأن الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام، ولكنه إذا سافر إلى المدينة فينبغي أن يكون قصده الأول الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا وصل إلى هناك زار قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما على الوجه المشروع في ذلك من غير بدعٍ ولا غلو.

    علاقة زيارة المسجد النبوي بالحج

    وقولك: هل له علاقةٌ بالحج؟

    جوابه: أنه لا علاقة له بالحج، وأن زيارة المسجد النبوي منفصلة والحج والعمرة منفصلان عنه، لكن أهل العلم رحمهم الله يذكرونه في آخر باب الحج؛ لأن الناس في عهدهم يشق عليهم أن يفردوا الحج والعمرة بسفر، وزيارة المسجد النبوي في سفر، فكانوا إذا حجوا واعتمروا مروا بالمدينة لزيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا فلا علاقة بين هذا وهذا.

    1.   

    آداب زيارة قبر الرسول

    المقدم: أشرتم إلى زيارة قبر الرسول إذا وصل الإنسان المسلم إلى المدينة المنورة، وأيضاً قبر صاحبيه، فما الآداب المشروعة لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم؟

    الشيخ: الآداب المشروعة: أن يزور قبره صلى الله عليه وسلم على وجه الأدب، وأن يقف أمام قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيسلم عليه فيقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، صلى الله عليك وبارك، وجزاك عن أمتك خير الجزاء، ثم يخطو خطوةً ثانية، خطوةً عن يمينه ليكون مقابل وجه أبي بكر رضي الله عنه، فيقول: السلام عليك يا خليفة رسول الله ورحمة الله وبركاته، جزاك الله عن أمة محمدٍ خيراً، ثم يخطو خطوةً عن يمينه ليكون مقابل وجه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فيقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، جزاك الله عن أمة محمدٍ خيراً، ثم ينصرف، هذه هي الزيارة المشروعة، وأما ما يفعله بعض الناس من التمسح بجدران الحجرة أو التبرك بها أو ما أشبه ذلك فكله من البدع، وأشد من ذلك وأنكر وأعظم أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم لتفريج الكربات، وحصول المرغوبات؛ فإن هذا شركٌ أكبر مخرجٌ عن الملة، والنبي عليه الصلاة والسلام لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ولا يملك لغيره كذلك نفعاً ولا ضراً، ولا يعلم الغيب، وهو صلى الله عليه وسلم قد مات كما يموت غيره من بني آدم، فهو بشر يحيا كما يحيون ويموت كما يموتون، وليس له من تدبير الكون شيءٌ أبداً، قال الله تعالى له، -أي: للرسول صلى الله عليه وسلم- قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا [الجن:21-22]، وقال الله تعالى له: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ [الأعراف:188]، وقال الله له: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ [الأنعام:50].

    فالرسول صلى الله عليه وسلم بشر محتاج إلى الله عز وجل، وليس به غنىً عنه طرفة عين، ولا يملك أن يجلب نفعاً لأحد أو يدفع ضراً عن أحد، بل هو عبدٌ مربوبٌ مكلف كما يكلف بنو آدم، وإنما يمتاز بما منّ الله به عليه من الرسالة التي لم تكن لأحدٍ من قبله ولم تكن لأحد بعده، وهي الرسالة العظمى التي بعث بها إلى سائر الناس إلى يوم القيامة.

    1.   

    زيارة قبور المدينة

    المقدم: أيضاً ما حكم زيارة بعض مقابر المدينة كالبقيع وشهدائها؟

    الشيخ: زيارة القبور سنة في كل مكان، ولا سيما زيارة البقيع التي دفن فيه كثير من الصحابة رضي الله عنهم، ومنهم أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقبره هناك معروف، وكذلك يسن أن يخرج إلى أحد ليزور قبور الشهداء هنالك ومنهم حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك ينبغي أن يزور مسجد قباء، يخرج متطهراً فيصلي فيه ركعتين؛ فإن في ذلك فضلاً عظيماً، وليس هناك شيءٌ يزار في المدينة سوى هذه: زيارة المسجد النبوي، زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، زيارة البقيع، زيارة شهداء أحد، زيارة مسجد قباء، وما عدا ذلك من المزارات فإنه لا أصل لها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767952134