الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فعندي أمران أحب أن أنبه عليهما:
الأمر الأول: أرسل إليَّ بعض الإخوة الكرام قريباً، كتاباً ألفه بعض المشايخ من بلاد باكستان وهو: كشف النقاب عما يقول فيه الترمذي : وفي الباب. وقد خرج منه خمسة مجلدات, وفي توقعي أنه لم ينقص عن سلفنا مجلداً وهذا مبني على حسب الكيفية التي ينقل فيها. هذا في توقعي, والعلم عند الله جل وعلا.
والكتاب فرحت به غاية الفرح، فيعلم الله أنه عندما وصلني شكرت لمن أرسله ولمن أحضره ودعوت له، وبحثت فيه عن الحديثين اللذين تقدم الكلام عليهما ولم أجد تخريجاً لهما وهما: حديث أبي أمامة ، وحديث عبد الله بن عمر .
فبحثت عن الحديث الأول فقال: لم أقف عليه، فقلت: هذه الفرحة قرنت بغصة، لكن مع أنه لم يسرني أن يقول: لم أقف عليه، إلا أني قلت: الحمد لله أنني بذلت ما بوسعي.
وليتنا وقفنا على كتاب الحافظ ابن حجر اللباب في بيان قول الترمذي : وفي الباب، هذا لو وقفنا عليه لوجدنا تخريجاً كافياً لهذين الحديثين من كلام حذام المحدثين وأمير المؤمنين الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، ومع ذلك فالأخ الكريم هنا يقول في مقدمته: إنه بحث عنه في مكاتب العالم كلها فلم يعثر عليه لا مخطوطاً ولا مطبوعاً.
والحديث الثاني: وهو حديث عبد الله بن عمر في الباب الذي نتدارسه رضي الله عنهم أجمعين في كراهية ما يستنجى به: (لا تستنجوا بالروث ولا بالعظم فإنه زاد إخوانكم من الجن).
قال صاحب الكتاب: أيضاً لم أقف عليه. فقلت: سبحانك ربي ما فزت ولا بواحدة، وهذه عبارته في المسانيد في الجزء الأول، صفحة اثنتين وأربعين ومائتين.
والحديث الأول تقدم معنا في باب النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول.
قال الترمذي : وفي الباب عن عبد الله بن الحارث ، ومعقل بن أبي الهيثم ، ويقال: معقل بن أبي معقل ، وأبي أمامة ، وأبي هريرة ، وسهل بن حنيف ، الأحاديث كلها تقدم تخريجها.
قلت: قوله: حديث أبي أمامة لم أقف عليه، وهو يقول هنا: ثابت, وما زاد على هذا ولا كلمة، فهذا الحديث الأول.
وأما الحديث الثاني: فكذلك في الجزء الأول، صفحة أربع وتسعين ومائتين، وهو في هذا الباب: في كراهية ما يستنجى به في الباب الذي نتدارسه. قال: وفي الباب عن أبي هريرة وسلمان وجابر وابن عمر رضي الله عنهم أجمعين، رواية الثلاثة تقدم معنا تخريجها, وبيان حالها. وقال: الرواية الرابعة: حديث ابن عمر رضي الله عنهما قلت: لم أجده في هذا الباب، نعم فيه حديث عن عبد الله بن عمر سنذكره كما سيأتي.
وكنت قد ذكرت لكم حديثاً بمعجم الطبراني الكبير, وهو في المجمع في الجزء الأول، صفحة مائتين وواحدة ومائتين وإحدى عشرة, أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا استجمر أحدكم فليستجمر ثلاثاً)، هذا عن ابن عمر .
قلت: يمكن أن يكون هو على بُعد، لكن هذا الذي وقفت عليه من رواية لـابن عمر في هذا الباب.
أما قوله: يأتي معنا حديث لـعبد الله بن عمر هذا ليس لنا علاقة به، إنما هنا يقول: قلت: لم أجده في هذا الباب، هذان حديثان -كما قلت- مرا معنا ولم أجد لهما تخريجاً.
وهذا الأخ اسمه محمد حبيب الله المختار وهو رئيس مجلس الدعوة والتحقيق الإسلامي في كراتشي، ونائب رئيس جامعة العلوم الإسلامية في كراتشي.. في باكستان، نسأل الله أن يحفظها وسائر بلاد الإسلام.
والرجل له جهد يشكر عليه، وأنا أقول هذا -يعلم الله- لا تعريضاً به ولا تنقيصاً لقدره، فالكتاب فيه خير وجهد أسأل الله أن يتقبل منه.
لكن أقول: هذا ضعف همم وعلم وقصور المعاصرين في هذه الأيام، ولذلك حال الحفاظ هذا مضى مع الأمة التي لها ما كسبت ولنا ما كسبنا.
الآن يطلق على الإنسان أنه حافظ ولو قلنا: اقرأ لنا عشرة أحاديث فقط بمتونها وأسانيدها فإنه لا يعرف، ولو قرأ متناً من كتاب للحن فيه كما هو حالنا، ولا أبرئ نفسي، ثم بعد ذلك يقال له: حافظ.
الحافظ عندما يجلس في مجلس الإملاء يملي من صدره، وهذا ما كان أئمتنا يفعلونه، فـالحاكم كما يقولون: إن سبب وقوع التساهل في مستدركه أنه أملاهم إياه من صدره على طلابه ثم ما أمكنه أن يعيد النظر فيه، والإنسان عندما يتحدث يهم وهذه طبيعة البشر، فانظر لحالهم وحالنا، يملي من صدره بالأسانيد ويقع له زلات.
ونحن نأتي نتحقق من الكتب ثم يلتبس علينا الأمر فنقول: أحياناً سرق نظري من الصفحة الثانية, وظننت أن هذا الإسناد لهذا الحديث، مع أننا نقرأ هذا من كتاب.
إذاً هذا الكتاب صدر منه خمسة مجلدات، ولعله سيصل إلى ثلاثين أو إلى أربعين، هذا الأمر الأول.
الأمر الثاني: كما يقال: والشيء بالشيء يذكر، وهو يرتبط بهذا وحوله شيء من التعليقات.
لا أعلم لماذا هذا التناقض؟ ولماذا هذه العبارات؟ نحن الآن ليس عندنا إلا خلاصة الفقه! وأنا أقول: لو كتب بدل هذا العنوان: الجهل بالفقه لكانت الحقيقة أنصف وأتقن لها، ولنتأمل حال سلفنا وحالنا ونقارن بينهما.
يقول صاحب المقال: سبق في المباحث السابقة من هذه الزاوية أن بينا بعض الضوابط العامة للحكم على الرجال في كل زمان، وفي هذا المبحث أكمل هذا الموضوع بإيراد بعض الشواهد والنماذج من مواقف العلماء في الاعتدال عند الحكم على الرجال.
أولاً: إسماعيل بن إبراهيم ابن علية ، توفي سنة ثلاث وتسعين ومائة للهجرة، -وتقدمت معنا ترجمته- قلت: هو شيخ الإسلام وعالم حافظ، وحديثه في الكتب الستة، ومحتج به في دواوين الإسلام، يقول: لقب بريحانة الفقهاء وسيد المحدثين، وروى له الأئمة في كتبهم. قال فيه الشافعي : إنه ضال، جلس بباب الضوال يضل الناس.
وباب الضوال سيأتينا تعريفه: وهو مكان في مصر, يقول عنه الحافظ ابن حجر : ولعله والعلم عند الله سمي بذلك لوضع الأشياء الضائعة الضالة فيه، فسمي باب الضوال، وليس من الضلال بمعنى خلاف الهدى والرشد.
وقال فيه أحمد : ضال مضل ما زال يبغض أهل الحديث، هو شيخ المحدثين يا عبد الله! هو شيخ المحدثين فاستمع، وسئل عنه أحمد مرة فقال: إسماعيل بن علية ثبت، فقد يقول قائل: انظر للخلط، إن الإمام أحمد لا يعي ما يقول، فمرة يقول: ضال مضل، ومرة يقول: ثبت!
ونحن نقول: إن هذا يقال فينا نحن لأننا ما عندنا في الأصل -كما يقال- قواعد ثابتة ننطلق منها، بل على حسب هوانا، فإن أحببنا إنساناً قلنا: كأن الأرض انشقت في هذه الأيام وأخرجت لنا صحابياً، وإذا أبغضناه قلنا: إنه شيطان مريد؛ لأن هذا الإنسان الذي كنت تحبه ثم أبغضته، أحببته لهواك وأبغضته لهواك، فجئت بعد ذلك تتلاعب.
ويقول أيضاً: وقال فيه يحيى بن معين : كان ثقةً مأموناً صدوقاً مسلماً ورعاً تقياً. فأنت ترى -أخي القارئ- العلماء مختلفين فيه بين معدل وجارح، فما المخرج؟ اقرأ وتأمل كلام الذهبي في ابن علية . قال: إمامة إسماعيل وثيقة لا نزاع فيها، وقد بدت منه هفوة وتاب.
يقول فيه الحافظ ابن حجر : ثقة حافظ، فهل يا ترى هذان الإمامان لا يعلمان أقوال الآخرين فيه؟ بلى، إنهما ليعلمان جداً، فقد أوردا في ترجمته جميع أقوال من وثقه ومن جرحه، ثم خلصا إلى تعديله، فلا يجوز أن يأتي طويلب علم -وأنا وأنت منهم- في عصرنا ويأخذ بقول ويترك آخر، وهو لا يعرف أن يجمع بين الأقوال فضلاً عن أن يختار منها، والنصيحة أن يلتزم أقوال سلفنا المحققين.
وأقول: هذا الكلام الذي حشره في ترجمة إسماعيل بن علية كله مكذوب لا حقيقة له، فأئمتنا ما قالوا كلمةً من ذلك في إسماعيل بن علية ، إنما قالوه في ولده الشيطان: إبراهيم بن إسماعيل بن علية ، فجاء هذا المسكين وأخذ الكلام الذي قيل في الجهمي الضال الذي لم يخرج له في الكتب الستة لضلاله, وزيغه, وابتداعه, وحمل والده هذا الكلام.
فكل ما قيل في هذا الولد الجهمي الشيطان من الكلام جعله في الوالد، نعوذ بالله من هذا، وهذا حالنا في هذه الأيام، ونسأل الله أن يحسن لنا الختام.
إنَّ إسماعيل بن علية من أئمة الهدى، وولده شيطان مريد، وسبحان من يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي.
وأنا أقول لهذا الكاتب: ارجع إلى ترجمة إسماعيل بن علية وأنت تقول: ينبغي أن نرجع للذهبي ، ولـابن حجر المنصفين في ترجمته فهذا موجود في ترجمته فارجع إلى سير أعلام النبلاء في الجزء التاسع، صفحة سبع ومائة في ترجمة إسماعيل بن علية ، حيث قال الذهبي عنه: الإمام العلامة الحافظ الثبت أبو بشر الأسدي إلى آخر كلامه ثم نقل التأويل الذي قلت لكم إنه رجع وذلك في حديث: ( البقرة وآل عمران تأتيان كأنهما غمامتان أو غيايتان تحاجان عن صاحبهما )، فقيل لـابن علية : أليس لهما لسان؟ قال: نعم، فقيل: إنه يقول: القرآن مخلوق، وإنما غلط فظنوا أن قوله: إن للبقرة وآل عمران لما تأتيان يوم القيامة تحاجان عن صاحبهما، أن لهما لساناً، يعني: أنه يقول بأن القرآن مخلوق.
وفهموا منه هذا وحملوه هذا، فقال لهم: إني لم أقصد هذا، وليس هو من دخل في هذا التأويل، فهذا غيب.
والحديث في المسند، وصحيح مسلم وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (اقرءوا الزهراوين: البقرة وآل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان -أي: فرقان من طير صواف- تحاجان عن صاحبهما).
وهذا من الكلام في المغيبات الذي يكون فيه السكوت من ذهب، فلما قيل له: لهما لسان أو لا؟ قال: نعم. فقالوا: إذاً هو يقول: القرآن مخلوق.
وكأنه أراد أن يقول فيما يبدو لي والعلم عند ربي: إن البقرة وآل عمران تتكلمان كما يتكلم اللسان، كما تحدث الأرض أخبارها يوم القيامة فهل معنى هذا أن لها لساناً؟ إنها تتكلم بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها، وكما تنطق الجوارح وكذلك أراد أن يقول: البقرة وآل عمران تتكلمان كما يتكلم اللسان.
فقالوا: إذا كان لهما لسان كما تقول, إذاً: فهذا كلام الله مخلوق.
هذه الهفوة التي صدرت منه لهذا التأويل رجع عنها وتراجع، وقال: أنا لا أقصد هذا قفوا عند حدكم، قال الحافظ الذهبي : وحديثه في كتب الإسلام كلها، وله أولاد مشهورون، منهم ومنهم ومنهم، وعدد أولاده.
وقال عنه في صفحة خمس عشرة ومائة من نفس الجزء: ابنه إبراهيم أحد كبار الجهمية، وممن ناظر الشافعي ، وله تصانيف، ولم يخرج له أحد من أصحاب الكتب الستة لضلاله وزيغه.
و الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد في ترجمة إبراهيم بن إسماعيل المظلمة في الجزء السادس، في صفحة إحدى وعشرين نقل كلام أحمد فيه: أنه ضال مضل.
ثم نقل قصةً طريفةً في مناظرة الشافعي له، ولا تخلو هذه القصة من فائدة عند ذكر هذا البلاء الذي نعيش فيه؛ ولذلك تعمدت أن أذكر هذا الخبر حتى نناقش ونرد على الزائغين في هذه الأيام في موضوع الاحتجاج بخبر الواحد.
هذا الضال إبراهيم بن إسماعيل بن علية يقول: إن خبر الواحد لا يحتج به، ولا يحتج إلا بالمتواتر، فاجتمع معه الشافعي ، وعنده الإمام أحمد وجماعة من أهل الحديث فأقبل الشافعي على إبراهيم بن إسماعيل وبدأ يكلمه، فقيل له: أبا عبد الله تعرض عن هؤلاء وتكلم هذا؟
فقال: كلامي معه بحضوركم خير من كلامي إليكم، يعني: بأنه يكلمه الآن ليقيم عليه الحجة, ويريد أن يبطل باطله، قالوا: صدقت، وتبسم الشافعي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا.
ثم قال الشافعي لـإبراهيم بن إسماعيل: ما الحجة عندك؟ بأي شيء تثبت؟ قال: بالإجماع، قال: أأنت متيقن من ذلك؟ قال: نعم، قال: أخبرني بأي شيء رددت خبر الآحاد بإجماع أو برأيك؟ فدهش وما استطاع أن يتكلم، يعني أنت تقول: لا تثبت الحجج إلا بالإجماع, وأنت ترد خبر الآحاد, هل حكى أحد الإجماع على رده؟ ومن الذي قال برده إلا أنتم يا حثالة معشر المعتزلة الذين وجدتم في هذه الأمة؟
مثل هذه المناظرة يحتاجها طالب العلم في مثل هذه الأيام عندما نبتلى بالزائغين الذين سيعرضون حديث النبي الأمين عليه الصلاة والسلام على عقولهم.
اليوم كنا نذكر زائغاً من الزائغين ذكر في خطبة الجمعة حديثاً مروياً عن ثلاثة من الصحابة، وبعض الروايات في صحيح البخاري ، وهو يقول: أنا متوقف فيه.
الأصل أن نعرض عقولنا، وأهواءنا، وحبنا، وبغضنا على شرع ربنا، فما أقره الشرع فهو حق, وما أنكره فهو المردود، لكننا عكسنا الأمر، فبدلاً من أن نعرض العقل على نصوص الشرع لتقره أو لترده أخذنا نعرض النصوص على العقل، وليس بعد هذا الضلال ضلال.
لذلك فالفارق بين المهتدين والضالين أمر واحد وهو المعقول والمنقول، فأهل الهدى أسسوا دينهم على المنقول, وجعلوا المعقول تبعاً؛ لأن الله ضمن العصمة لوحيه, ولم يضمن العصمة لعقولهم.
وأهل الردى أسسوا دينهم على المعقول, وجعلوا المنقول تبعاً، فيحاكمون أقوال النبي عليه الصلاة والسلام إلى أقوالهم وإلى عقولهم.
وقلت لكم: إذا أردنا أن نعيد المسألة إلى العقول سيختلف الحكم باختلاف عدد أصحاب العقول، فكل واحد يقول: أنا لي رأي وعندي حكم، حتى اللواط الذي هو فاحشة ولم يفعله أحد قبل قوم لوط يوجد في هذا الوقت من يستحسنه, ويقول: لا حرج فيه، فأي عقل سنحتكم إليه؟
إذا قالوا: العقل هو الحكم قلنا: عقل من؟ نحن لا نحتكم إلا إلى شرع الله جل وعلا: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65] .
إذاً الكلام الذي أورده تحت عنوان: فقه الفقه، لو سمي: الجهل بالفقه لكان أولى؛ لأن هذا منقول عن أئمتنا وجهلناه، وما يوجد كتاب من الكتب إلا فرق بين ترجمة إسماعيل وولده، ولعرف القارئ أن الأقوال التي في الذم في الولد لا في الوالد، والأقوال التي في المدح والثناء ثابتة من أئمة أهل السنة في الوالد، وليست في الولد.
هذا عند أئمتنا قاطبةً رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين، وانظروا اللسان، فليس للابن ترجمة في الكتب الستة؛ لأنه ليس من الرواة فيها، ولذلك ترجمه الحافظ في اللسان، وهو كما تقدم معنا زاد التراجم على الميزان، وكل من له ترجمة في الكتب الستة أسقطه؛ لأنه ترجمه في التقريب وفي التهذيب، ولذلك كل من كان في اللسان فليس له رواية في الكتب الستة.
يقول الذهبي في الميزان وسيعلق عليه الحافظ في ترجمة هذا العبد المخذول إبراهيم بن إسماعيل بن علية روى عن أبيه، جهمي هالك، كان يناظر ويقول بخلق القرآن، مات سنة ثمان عشرة ومائتين، وأما الأب فمات سنة ثلاث وتسعين ومائة. انتهى كلام الميزان.
ويضيف الحافظ فيقول في ترجمته كلاماً كثيراً كله يشبه ما تقدم معنا: قال الشافعي : هو ضال، جلس بباب السوال -وهذا خطأ وتصحيف صوابه: باب الضوال- يضل الناس.
وهو موضع كان لجامع مصر، ثم ذكر كلاماً كثيراً في ترجمته, من ذلك ما رواه البيهقي في تراجم الشافعي أنه قال: أنا أخالف ابن علية أي: الولد إبراهيم الضال، أنا أخالف ابن علية في كل شيء حتى في قول: لا إله إلا الله؛ فإني أقول: لا إله إلا الله الذي كلم موسى، وهو يقول: لا إله إلا الله الذي خلق كلاماً سمعه موسى، حتى في هذه الكلمة أنا أخالفه لضلاله، نسأل الله أن يكفينا شره، وأورد كما قلت: أخباراً كثيرة في ترجمته في لسان الميزان للحافظ ابن حجر .
يقول ابن قدامة في المغني في الجزء الثامن، صفحة سبع وثلاثين ومائتين: فصل: فإن طلق لبدعة وهو أن يطلقها حائضاً، أو في طهر أصابها فيه أثم, ووقع طلاقه في قول عامة أهل العلم. قال ابن المنذر ، وابن عبد البر : لم يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال.
وقد بوب البخاري على الحديث الذي سيأتينا في طلاق ابن عمر لزوجه وهي حائض رضي الله عن الصحابة أجمعين, بوب البخاري عليه باباً في كتاب الطلاق فقال: باب إذا طلقت الحائض تعتد بذلك الطلاق. يعني: تحسبه طلقة فقط.
وحكى أبو النضر ، عن ابن علية إبراهيم بن إسماعيل ، وهشام بن الحكم والشيعة قالوا: لا يقع طلاقه؛ لأن الله أمر به في العدة، فإذا طلق في غيره لم يقع, كالوكيل إذا أوقعه في زمن أمره موكله بإيقاعه في غيره.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح في الجزء التاسع، صفحة ثلاث وخمسين وثلاثمائة في الباب المشار إليه: إذا طلقت الحائض تعتد، وعلق على هذا الكلام: أن إبراهيم بن علية خالف، وهو الذي قال فيه الشافعي : إنه ضال جلس بباب الضوال يضل الناس، فكان بمصر وله مسائل ينفرد بها، وهو من فقهاء المعتزلة، وقد غلط من ظن أن المنقول عن النسائي : أنه شاذ بأنه كان يقصد أباه، فإن أباه من كبار أهل السنة، ومن الجهابذة.
قال ابن قدامة في المغني: هذه المسألة تقع في هذه الأيام، وكثير من الناس يتبنون القول بأن الطلاق لا يقع, وعلى زعمهم يقولون: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).
أي: يا أعمى القلب هل هذه عبادة حتى لا تقبل؟
انتبه للتعليل قال ابن قدامة : ولنا حديث ابن عمر : (أنه طلق امرأته وهي حائض)، والحديث في الكتب الستة، وموطأ مالك ، وغير ذلك، (فأمره النبي عليه الصلاة والسلام أن يراجعها)، وفي رواية الدارقطني : (قال: فقلت: يا رسول الله! أفرأيت لو أني طلقتها ثلاثاً أكان يحل لي أن أراجعها؟ قال: لا، كانت تبين منك، وتكون معصية)، وهذا حكم ثانٍ، وفيه رد على الذين يقولون: طلاق الثلاث تقع واحدة، وهو خلاف ما عليه المذاهب الأربعة، كما أنه خلاف ما عليه المذاهب الأربعة في وقوع طلاق الحائض.
قال نافع : (وكان
إذاً مقصود ابن قدامة كما أن طلاق الحامل يقع فطلاق الحائض كذلك.
وأيضاً طلاق الحائض ليس بقربة؛ لأنه لو كان قربة وطاعة لقلنا: لا بد أن يكون مشروعاً، فلا يجوز أن تتعبد الله ببدعة، وهذا ليس بقربة حتى نعتبر لوقوعه موافقة السنة، بل هو إزالة عصمة، وهذا كما لو أن الإنسان فعل معصية ما فإنه يترتب عليه حكمها كشرب الخمر فإنا نجلده، ولا نقول: هذا أحدث بدعةً فأسقطوا عنه العقوبة؛ لأنه بدعة مردودة عليه.
فهذا عندما عمل بدعةً فهو لا يتعبد الله بها وليس قربة، ولا طاعة، ولا يشترط أن يكون موافقاً للسنة، فإن طلقها على حسب السنة لم يعص الله، وإلا عصى ووقع الطلاق كما قال أئمتنا.
والشاهد أن إبراهيم بن علية قال: لا يقع طلاق الحائض، وما خالف في ذلك إلا أمثاله من أهل الضلال من معتزلة وشيعة، وهو كلام باطل.
وهذا فيما يتعلق بالترجمة الأولى.
أقول: أورد ترجمة المريسي تحت عنوان منهج الاعتدال في الحكم على الرجال، وهو ضال مضل، وما أعلم أحداً وثقه، نعم موضوع الكفر والتخليد عليه شيء آخر وهو كما قلنا: كل من كفر ببدعة وإن زلة لا نحكم بخلوده, ونفوض أمره إلى ربنا.
ثم نقل كلام الذهبي وختم به ترجمته، يقول: ومن كفر ببدعة وإن زلة ليس مثل الكافر الأصلي إلى آخره.
فصاحب المقال يقول: إن هذا لهو الفقه، إذا كانت الطاعات تتفاوت، فإن الكفر والمعصية تختلف درجاتها.
وهذا لا خلاف فيه لكن لا يوجد توثيق له على الإطلاق، والمريسي ضال مضل، ولا يجوز أن تحشره مع إسماعيل بن علية ثم تقول: ذاك قيل فيه: ضال مضل فأئمتنا قبلوا روايته، وهذا ما قبل روايته أحد، مع أن ذاك ما أحد طعن فيه, كما تقدم معنا, بل الطعن في الولد الجهمي الشيطان فجاء صاحب المقال فحمل هذا الطعن على الوالد, وهو كلام باطل.
وأنا أريد أن أقول لهذا المخذول الذي غضب الله عليه وعلى أمثاله في هذه الأيام, ويضلون الأمة: لا دخل لنا عندما تمدح فلاناً أو فلاناً، فكل واحد سيئول إلى الله، لكن لا تعرض بكلامك، فقد جاء بعد عمر عثمان بن عفان ذو النورين، والله إن حذاءه خير منك، وهو رضي الله عنه خير من أهل الأرض ممن جاء بعده، وقد جاء بعده زوج البضعة الطاهرة المطهرة علي رضي الله عنه، وجاء بعده عمر بن عبد العزيز الذي كانت الذئاب ترعى في زمنه مع الكلاب، وكانت الحبة من القمح في عهده بمقدار رأس الثوم، كما حفظ هذا في خزائن بني أمية وكتب عليه: كان ينبت أيام العدل.
والأثر في مسند أحمد ، ثم يأتي من يقول: إن كل هذه العصور ما مر فيها عدل كما هو في الأسرة السعودية المالكة، والله إنك تعلم أنك كذاب، وقبل ذلك الله يعلم أنك كذاب، وبعد ذلك الشيطان يعلم أنك كذاب، وبعد ذلك من تمدحه بالكذب يعلم أنك كذاب، والمسلمون يعلمون أنك كذاب، والكافرون يعلمون أنك كذاب، فعلى من تكذب؟ ولم هذا الكذب؟
وأقول: ينبغي أن نثأر لسلفنا كما يثأر الليث في الحرب، فالسلف ينتقصون بهذه العبارات!
فاتق الله يا عبد الله! واستح من الله، أنت تعلم ماذا يوجد في السعودية وفي غيرها من بلاد الأرض من بلاء وفساد عم الدنيا؟ فهذا السفيه يقول هذا الكلام، ووالله الذي لا إله إلا هو أني عندما أقرأه أنتفض كأن ثعباناً يلدغني.
في حلية الأولياء وغيره جاء بعض الناس إلى البادية فوجد راعياً يرعى غنمه ومعه قطيع من الغنم ومعه قطيع من الكلاب تزيد على الثلاثين كلباً، فقال هذا الإنسان للراعي: سبحان الله! ماذا تفعل بهذه الكلاب؟ فكلب واحد يكفي قال: هذه ذئاب وليست بكلاب، كيف لا تميز بين الكلب والذئب؟ فهذه ذئاب، قال: سبحان الله متى اصطلح الذئب مع الشاة حتى يرعى معها؟! قال: إذا صلح الرأس ما على الجسد بأس.
يقول الرعاة في البادية: فعرفنا موت عمر بن عبد العزيز بانقضاض الذئاب على الشياه في البادية، فلما انقضت قلنا: مات عمر ، فجاءهم الرسول بعد ذلك يخبرهم بموت عمر ، ورضي الله عن الشافعي عندما يقول: الخلفاء خمسة، وما عداهم نتكلف: الخلفاء الراشدون وخامسهم عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد.
فانظر لهذا السفيه كيف يخرج طور الخلفاء الراشدين من هذا الوصف، ويقول: هؤلاء ما شهدوا من العدل كما شهدته البلاد في هذه الأيام.
وأنا أعجب غاية العجب من نشر هذا المقال في مجلة المسلمون فإلى أي إسلام تنتمي؟ إن كانت تنتمي إلى الإسلام الذي أنزله الله على نبينا عليه الصلاة والسلام فلتستح من نشر هذه المقالات.
وكما قلت: نحن لا نتعرض لأحد حي وليس لنا علاقة بأحد، لكن سلفنا ينبغي أن يصانوا من التعريض بهم.
إن هذا فيه طعن وافتراء على عثمان ، وعلى علي ، وعلى عمر بن عبد العزيز ، وعلى من جاء بعد هؤلاء من أئمة الخير مع ما وجد في بعضهم من نقص.
فوالله الذي لا إله إلا هو إن حالنا لا يعدل عشر معشار ما في العصور الإسلامية المتقدمة من خير وبركة، فمهما وجد فيهم من نقص وظلم فنحن لا يمكن أن نأتي بمثل عشر معشارهم، وهذا باستثناء الخلفاء الراشدون، فحبهم دين نتقرب به إلى رب العالمين.
ثم من دخل في شيء من الجور منهم وهو مجتهد، أو متأول، أو مخطئ، فإن أصلح واحد فينا لا يصل إلى درجته، فلنعرف قدرنا، ولنقف عند حدنا.
ورضي الله عن أئمة الحنفية, ففي حاشية ابن عابدين المتوفى سنة اثنتين وخمسين ومائتين بعد الألف، وهو محقق المذهب الحنفي، وكان مفتي البلاد الإسلامية في زمنه، وصار له أكثر من مائة وخمسين سنة رحمة الله.
يقول في الجزء السادس، صفحة ستين وأربعمائة, وهو ينقل كلام أئمة الحنفية: من قال لسلطان زماننا: عادل كفر؛ قال: لأنه سمى الجور عدلاً.
قل هذا العدل في الخلفاء الراشدين في عمر بن عبد العزيز ومن بعده، وليس معنى هذا أنه إذا كان هناك شيء من النقص فيلزم أن يسب فاعله وأن يقاتل، بل فينا من النقص أضعاف ما فيهم: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49] ، وكيفما تكون الأمة يول عليها، لكن لا تسم هذه الأوضاع عدلاً، ونوراً، وخيراً، وبركةً، فاتق الله في نفسك.
فما الذي عرفك بالإسلام حتى جئت لتقلل من أمر الأمة الإسلامية، وأن فيها وفيها, وأما الآن فليس لها نظير ولا مثيل.
والله الذي لا إله إلا هو لأن يبتلى العبد بكل ذنب خلا الشرك من زناً، ولواط، وشرب خمر، وقتل نفس، أيسر من أن يقول هذه العبارة، فلنتق ربنا, ولنقف عند حدودنا.
ولما نُقِل الكلام إلى الشيخ عبد العزيز بن باز من قبل من يتهمهم هذا الكاتب بالكذب والتزوير، ولا أريد أن أخوض في تفاصيل المقالات كلها، لكن من باب أن نعرف الشريعة الإسلامية ما هي؟ فكأنه يقول: أخطأت في هذا، وكان الواجب عليك أن تقول: لا يحكم بالشريعة في البلاد إلا في السعودية، ففي السعودية تحكيم لشريعة الله، وأما ما عداها فيوجد تخليط.
ثم قال: بلغني أنه يوجد في بروني أن الأمير هناك أمر أن يحكم بالشريعة، وأما ما عداها فلا يوجد, فهذا الإطلاق منك غلط، ولا يجوز أن تقوله.
يقول بعد ذلك عبد الرحمن عبد الخالق : لا شك أنني كنت مخطئاً في هذا الإطلاق والتعميم، والذي صدر عن غفلة وسبق قلم، اللهم لا تجعلنا من الغافلين، ولا تجعلنا ممن غضبت عليهم يا رب العالمين.
ولا شك أنني حتماً أستثني المملكة العربية السعودية التي تقوم على الكتاب والسنة وتطبيق الحدود الشرعية، والتي هي منارة للإسلام والمسلمين في الأرض، والتي نسأل الله أن تعم عليها نعمة الإسلام، ويعزها بالقيام به وبالدعوة... إلى آخره، وأستغفر الله من الخطأ والزلل والنسيان.
وأنا أقول لهذا الأخ الكريم: لا أعلم هل أردت بتلك العبارة وجه الله أم لا؟ فاثبت على ما كنت عليه فأنت على الحق.
فإن أهل الهوى دائماً يتنقلون من قول إلى قول، وأنا أقول: الذي يقول: إنه يوجد بلدٌ ما في هذه الأيام يحكم بشريعة الله على التمام, فحاله بين عدة أمور: إما أنه يجهل الإسلام، أو يجهل الواقع الذي يعيشه البشر، أو يجهل الأمرين: فلا يعرف إسلام ولا يعرف الواقع، أو صفة رابعة أخرى هو يعرفها.
فإذا كان يجهل الواقع نقول له: يا عبد الله! والله ليس الواقع مما يجهله الإنسان، وإن كان يجهل الإسلام فنقول: يا عبد الله! لا تدخل نفسك في شئون المسلمين وأنت لا تعلم دين رب العالمين، وإذا كان يجهلهما فمن باب أولى، وإذا كانت الأخرى فهي التي لا علاج منها.
ويعلم الله أني كلمت عدداً من المشايخ وقلت: تدارسوا الأمر، الأمة مما يخطط لها، وكنت نقضت هذا الكتاب في محاضرة ضمن محاضرات التفسير في مسجد المعهد في رأس الخيمة.
في صفحة أربع وثمانين من المصادر التاريخية يقول: هي المنابع التي منها تغترف السلطة المختصة نصوصها، وهي إما أن تكون مصادر محلية أو أجنبية، مصادر قريبة من حيث الزمن أو ضاربة في أرض التاريخ.
إن القانون المصري يتخذ من القانون الفرنسي مصدراً تاريخياً له، وهذا يستمد قوانينه -يعني: الفرنسي- من القانون الروماني القديم، وقوانين الولايات المتحدة والهند واستراليا تتخذ من مبادئ القانون الإنجليزي مصدراً تاريخياً لها، وتعتبر مجلة الأحكام العدلية مصدراً تاريخياً -التي كانت في أواخر الدولة العثمانية- لقوانين الأحوال الشخصية في كل من الكويت والأردن، تمثل الشريعة الإسلامية مصدراً تاريخياً دفاقاً لكثير من قوانين الأحوال الشخصية في بلاد عربية وإسلامية شتى، مثل نظام الزواج، والطلاق، والنفقة، والإرث، والوصية، والوقف.. إلى آخره.
وفي المملكة العربية السعودية نجد كثيراً من الأنظمة تستمد قواعدها من مصادر تاريخية ثابتة ومتعددة، ليست إسلامية.
مثلاً: نظام العمل والعمال -هذا في كتاب مقرر علينا في طباعة الدولة- يستمد قواعده من القانون الموحد للعمل الصادر عن منظمة العمل الدولية، ونظام الأوراق التجارية -كتاب ثان- يتخذ من مشروع اللجنة القانونية لجامعة الدول العربية الذي وضعته عام ثمانية وأربعين وتسعمائة بعد ألف للميلاد مصدراً تاريخياً مباشراً لقواعده.
علماً بأن هذا المشروع أخذ قواعده من مؤتمرات دولية عقدت لهذا الغرض أهمها التي انعقدت في جنيف عام ألف وتسعمائة وواحد وثلاثين واثنين وثلاثين، وتمثل لائحة المناقصات والمزايدات المصرية الصادرة عام ألف وتسعمائة وسبعة وخمسين مصدراً تاريخياً، وهذا موجود في مصر أخذ إلى السعودية، فلائحة المناقصات والمزايدات المصرية الصادرة عام ألف وتسعمائة وسبعة وخمسين تمثل مصدراً تاريخياً لنظام المزايدات والمناقصات المعمول به في المملكة, علماً بأن اللائحة المصرية استمدت مباشرةً قواعدها من اللائحة الفرنسية الصادرة عام ألف وتسعمائة وثلاثة وخمسين.
إذاً اللائحة السعودية من المصرية, والمصرية من الفرنسية، وهكذا تتسلسل المصادر التاريخية في قربها أو بعدها حسب السياد الزمني، وهذا كله في كتاب مقرر يدرس.
وفيما يتعلق بأحكام الزكاة فإنها تستخدم مصدرها التاريخي مباشرةً من مذهب أحمد بن حنبل ، هذا في نظام الزكاة، يرجع إليه إذا شاب النصوص نقص، أو غموض، أو إبهام في هذا المضمار، هذا بالحرف في الكتاب المقرر للثانوية المطورة.
فأنا أريد أن أقول: هذا تحكيم للشريعة الإسلامية وإلا للقوانين الوضعية؟
فإذاً: القول صحيح، وهو أنه لا يوجد على وجه الأرض دولة ما تحكم الشريعة بجميع جهاتها واعتباراتها.
يبقى بعد ذلك إن استحلت ما فعلته فهي كافرة، وإن لم تستحل فهي عاصية كحال العصاة من الرعية وأمرها إلى الله، هذا موضوع آخر، لكن أن نقول: إن دولة كذا تطبق الإسلام بكامله، فإن الشيطان ليضحك من هذا القول، فإنا لو قلنا للشيطان هذا القول فسيقول: يا جماعة! أنتم تضحكون على أنفسكم، أما تتقون ربكم؟
أنا أريد أن أقول: البنوك الربوية منتشرة في الكرة الأرضية، وتعبير الكرة عند بعض الناس يقول: هذا شرك، ولا يجوز أن نقول: كرة أرضية ولا كوكب.
البنوك الربوية الموجودة في الكرة الأرضية هل هي مستمدة من الشريعة الإسلامية؟ الأغاني وقلة الحياء، محلات الفيديو بلا استثناء هل هي مستمدة من الشريعة الإسلامية؟
والله الذي لا إله إلا هو إن ما يخرج في الإعلام في بلاد المسلمين بلا استثناء، يستحي من رؤيته الحيوانات فضلاً عن المؤمنين والمؤمنات، فهل هذا مستمد من الشريعة الإسلامية؟
يا عباد الله! أما نتقي الله في أنفسنا؟ هل هذه الصور التي تعلق في كل مكان من صور الأموات والأحياء من الشريعة الإسلامية؟ بل تأتي مراسيم تأمر بتعليقها في الدوائر، وتعليق صورة الحي إن كان رئيساً يقصد به تعظيمه وعبادته؛ لأنك عندما تعلق صورة شيخ لبركة وتعظيم فهذا من دواعي للشرك.
وأما عندما تعلق صورة الرقاصة لشهوة فهذا ليس من مظاهر الشرك، أي: أنت لا تفعل هذا لعبادتها إنما لشهوة خسيسة خبيثة، لكن عندما تعلق صورة إنسان مع أولاده وأحفاده, وقد مضى عليه من الموت مئات السنين وهو شائب ولحيته إلى صدره، فأنت إنما علقته لتعظيم.
فهذه من مظاهر الشرك الذي انتشرت في بلدان المسلمين، فهل هذا مستمد من الشريعة الإسلامية؟ ولو أن إنساناً مد يده إلى صورة لقطعت رقبته.
وحذاري حذاري أن يتلجلج في خاطرك جواز التبرك بصور الصالحين، فهذا من صور الشرك الذميم، واقتناء صورة الرقاصة للشهوة أيسر وأهون من اقتناء صورة الشيخ للبركة، ويستوي مع التبرك بصورة الشيخ والتبرك بقدره تعظيم صور الحكام، وتعليقها على الجدران، وتزداد الشناعة إذا كانت تلك الصور للميتين، فذلك يعدل تعظيم قبورهم وقبور الصالحين.
رزقنا الله التوحيد الخالص، وحفظنا من جميع أنواع الشرك بمنه وكرمه، إنه أرحم الراحمين, وأكرم الأكرمين.
وأنا أعجب مما جاء في هذه الصحيفة أيضاً من التعليق على حوادث في بلاد اليمن، وعجبي ليس إقراراً للشرك الذي كان هناك حول الأضرحة ثم أزيل، فالأضرحة والقباب على قبور العلماء والصالحين ممنوعة محظورة وهي شرك لا تجوز في الإسلام.
لكن أنا أريد أن أقول: هؤلاء عندما قاموا وهدموا، والدولة قالت: ليس من حقكم أن تفعلوا هذا ثم أصدرت عفواً عاماً عليهم، أنا أقول: لو أن مثل هذا جرى في بعض البلاد لعوقبوا ولما عفي عنهم إلا إذا رحم ربك ولطف.
يعني: لو أن واحداً قام ومزق صورةً من الصور في مطار فستطير رقبته.
فأنتم تكثرون اللغط من أجل ماذا؟ أريد أن أعلم، هل يقولون: شرك والدولة غضبت من أجل الشرك؟!
أي مكان يقبل بعد ذلك عندما تتصرف الرعية بنفسها؟ مع أنه عندما عمل تحقيق من بعض المسئولين هناك من أهل الخير قال: هذا ضلال ولا نقره، لكن ينبغي أن يأتي الناس الأمر من بابه، ونحن الذين سنزيله.
وأنا أقول: الأصل أنه ينبغي أن تزيلوه دون أن يعرض عليكم.
أن أقول: لماذا التعليق الفارغ الذي لا وزن له ولا اعتبار؟ ولماذا لا نعلق على أوضاعنا بشكل عام؟
هنا نقول: ما شهدت الجزيرة العربية عدلاً بعد عمر كما هو في هذه الأيام, رضي الله عن سيدنا عمر وعن غيره من الصحابة أجمعين.
وهناك نقول: الدولة تريد لمظاهر الشرك أن تتهادى معها أو تعيدها أو كذا، فلماذا هذا؟
طبعت الآن الأوراق النقدية وعليها صور هذا تقليد لمن؟ يعني: إذا تبعنا أمريكا هل يلزم أن نتبعها في كل شيء، حتى في أموالنا فنضع عليها صور الحكام، ألا يعتبر هذا تعظيماً؟ وهل يلزم المسلم أن يحمل في صلاته صورةً لعدد من الأشخاص لأنها في الفلوس؟ فهل هذا من نظام فلوس المسلمين أم من نظام فلوس من لعنهم رب العالمين؟ ثم بعد ذلك نقول: تحكيم الشريعة.
أي شريعة تقصدون؟ تريدون الشريعة التي أنزلها الله على خير خلق الله عليه الصلاة والسلام، والتي بيننا وبينها من المسافات ما لا يعلمه إلا الله، فنحن إذا لم نكن من الكافرين في هذا الحين فهذه كرامة لنا، أما النفاق والفسق والبدعة والضلال فنغوص به إلى آذاننا بلا استثناء من جميع جهات الرعية، اللهم إلا إذا كانت هناك فرقة وطائفة على الحق, لا تخلو الأمة منها.
نسأل الله أن يتوب عنا، وأن يعفو عنا، وكلنا ما بين كسير وعوير، وإذا كنا نريد وجه الله فلنتناصح, ولا داعي أن نتمادح, فكفانا تضليلاً على أنفسنا وغشاً وخديعة. فهل مثل هذه الأوضاع التي تشهدها البشرية يقال عنها بعد ذلك: تحكيم للشريعة الإسلامية؟
أنا أريد أن نتقي الله في أحوالنا، وأنا أعجب غاية العجب كيف صارت الحقائق الظاهرة خفية علينا؟ ووالله الذي لا إله إلا هو إن المنكرات التي عمت في الأرض لا تحتاج إلى وصف, وما تحتاج حتى أن نقول: يوجد كذا.
وبناء عليه؛ يوجد تقصير في التطبيق, ويوجد انحراف عن شريعة الله، ولا يحتاج هذا إلى بينة.
وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل.
وخلاصة الكلام: إن شريعة الرحمن لا تحكم على التمام في أي بلد كان، نعم إن البلدان تتفاوت بعد ذلك في الالتزام والنقصان، فمن أطلق وعمم فقد أصاب الحقيقة، ومن استثنى بلداً من ذلك فقد افترى على الشريعة.
ومن خص بلداً بالتقصير فينبغي أن يقال له: إنك صاحب قصور وتقصير، والمسلم البصير لا يرتاب في أن جميع البلدان في تقصير، وهم ما بين عوير وكسير، ومن سلم منهم من العمى فليحمد الله جل وعلا، وإياك ثم إياك أخي المسلم أن تتعصب بالباطل، فلن تضر إلا نفسك، وتأمل ملياً كلام ربك جل وعلا: أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ [القمر:43] .
ولذلك -كما قلت- والله إن الإنسان يقرأ ما جاء في هذه المقالات وقلبه يتقطع؛ لأن فيها إساءة إلى الشريعة الإسلامية، وإساءة إلى السلف الصالح.
والترجمة موجودة في الجزء الخامس صفحة اثنين وثمانين عند ذكر من اسمه محمد بن إسماعيل، فانظر لانحطاطنا في هذه الأيام، كانت الرسالة في التوحيد، وطباعتها جيدة، وعرضت علي للنظر فيها فقرأت ترجمةً من تراجم من يترجمه، فتمنيت لو لم أكن موجوداً أحسن من أن أقابل بهذه القاذورات.
يقول ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا: محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري شاب قدم بغداد، طالب حديث، على رأس خمسمائة، وكتب عن أصحاب علي بن شاذان .
قال أبو الفرج بن الجوزي وغيره: كان محمد ليناً، يعني: محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري هذا الذي بعده على رأس سنة خمسمائة، انتهى، هذا كلام الذهبي .
ونقل الحافظ ابن حجر في اللسان، بعد ذلك: عن ابن عساكر أنه قال: كان يذكر بالفسق والكذب.
يقول: حكى لي أبو القاسم السمرقندي أنهم كتبوا عليه محضراً بأنه كذاب، وقال: بلغني أنه قيل له: ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) وأنت تكذب؟
قال: أنا أكذب على الشيوخ، يعني: ما أكذب على النبي عليه الصلاة والسلام، بل أرتب الإسناد, وأكذب على الشيوخ.
يقول بعد ذلك وقد ذكر نحواً من كلام السلفي وزاد: رأيت المشايخ مجمعين على سوء صنيعه وخبث اعتقاده وكذبه، قال: وقد سرق كتب المصريين لما دخل بغداد، ومات بها على أسوأ حال ولم ينتفع.
يقول بعد ذلك: وما كان اسمه محمداً ولا اسم أبيه إسماعيل إنما هو اخترع ذلك تشبهاً بالإمام صاحب الصحيح، وذكر ابن عساكر نحو هذا، وختم ابن حجر ترجمته بذلك.
وهذا كحال صاحبنا في هذه المجلة، حيث يقول: إن إبراهيم بن إسماعيل بن علية قيل عنه: ضال مضل، ضال يضل الناس، ومع ذلك ابن حجر والذهبي أنصفاه، وقالا: هذا إمام معتد به، ثقة، يقبل حديثه.
هذه حياتنا التي نعيش فيها، ونسأل الله أن يحسن ختامنا بفضله ورحمته، إنه أرحم الراحمين, وأكرم الأكرمين.
وصلى الله وسلم على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر