وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله، نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فبادئ ذي بدء: يجدر التنبيه إلى أن الإعلام له أثره في حياة الأمم والشعوب:-
ولهذا نجد أن الدول بقدر ما عندها من التأثير وامتلاك وسائل الإعلام المؤثرة في العالم، فإنه يكون لها من أنواع الغلبة ما يكون.
وسلاح الإعلام؛ التأثير به ليس وليد الساعة، وحاضر اليوم؛ ولكنه قد استُثمر واستُغل منذ زمن بعيد، ففرعون على سبيل المثال كان عنده من يروج لما يطلقه ويزعمه أنه رب العالمين، ولهذا قال: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38]، وكان يستخف ويتنقص موسى عليه السلام: أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ [الزخرف:52] معيراً موسى بما كان عنده من الثقل في لسانه، أو من عدم الفصاحة والبيان، كما أشار هو عليه السلام أول ما ابتعثه رب العالمين.
ولهذا في نهاية الأمر أخبر الله تعالى عن فرعون أنه: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ [الزخرف:54].
وهذا الدور الذي مارسه فرعون هو الذي يُمارَس اليوم من الاستخفاف بالعقول، وترويج الأمور التي لا يمكن لعاقل أو أي شخص يحترم نفسه، ويحترم عقله، أن يصدق هذه الأمور التي تُرَوَّج عبر كثير من القنوات الفضائية.
ولم يزل التأثير بالإعلام مستمراً، ولهذا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما بُعث كان يغشى مجامعهم وأسواقهم، وكان عمه يمشي وراءه ويقول: لا تصدقوه، فإني عمه وأنا أدرى به.
فهذا نوع من الإعلام الذي كان يُستغل لصرف الناس عن دعوة الإسلام، وإلى زماننا هذا الذي استُغل فيه الإعلام على نحو سيئ لا يخدم ما فيه خير البشرية، وللأسف الشديد.
وإذا أردتم أن تعلموا مبلغ تأثير الإعلام فإن المتخصصين يذكرون أن هتلر أثناء حروبه قد كان هيأ وأنشأ وزارة للدعاية، وظيفتها بث ما يخدم منطلقاته ومبادئه، وما يريد أن يعمل وفقه.
وفي زماننا اليوم لما بدأ التنادي إلى البث المباشر الذي لا يعترف بالحدود، ولا يعترف بالوسائل التي تمنع انتقال البث من بلد إلى آخر تشوَّف الناس أن يكون لإعلام المسلمين ما ينفع وما يفيد، وما يكون منبراً للدعوة إلى الإسلام؛ ولكن كان الأمر وللأسف الشديد على الضد والنقيض من ذلك.
ولما بدأت علائم هذا البث المباشر تلوح منذ نحو ما يزيد على خمسة عشر عاماً أو أكثر كان مِن أهل الغيرة والفضلاء مَن حذَّر من أن يكون التأثير العظيم والسيئ في بلاد المسلمين، وخصوصاً في بلادنا هذه، وكان للشيخ الفاضل والعالم الجليل الدكتور ناصر بن سليمان العمر حفظه الله ووفقه يد سابقة في بيان هذا الأمر وتوضيحه عبر أكثر من محاضرة، وكتاب أصدره جزاه الله خيراً.
هذا أمر يحسن الإشارة إليه.
أمر ثانٍ وهو: أنه لدى الحديث عن هذا الموضوع الفضائيات وآثارها، يوجد من أهل الإسلام من يعيب الحديث عن مثل هذا الموضوع:-
يقولون: الكفار أو الغرب وصلوا إلى القمر، وأنتم مازلتم تقولون: هل الفضائيات حلال أو حرام؟! ... ونحو هذه العبارات.
ولا شك أن هذا الكلام إنما يصدر عن جاهل جهلاً مركباً، وحسبنا أن نرد عليه من خلال مؤتمرٍ للمعسكر الغربي النصراني دُعي إليه ثمانية آلاف منصِّر من أرجاء الدنيا، وكانت الورقة الأساسية التي يبحثها المنصِّرون هي: كيف تُستغل القنوات الفضائية والبث المباشر في تنصير المسلمين؟!
وأمر ثالث يجدر أن نقدم به أيضاً، وهو: أن القنوات الفضائية -الفضائيات وآثارها، الحديث هنا اليوم عن آثارها السيئة- عند النظر نظرة إنصاف لها آثار حسنة؛ ولكنها لا تعدل قطرة في بحر، فقد استفاد عدد من أهل الإسلام في غير البلاد الإسلامية من البث المباشر الذي أمكنهم أن ينتقوا من بعض القنوات الفضائية التي تُبَث من بلاد الإسلام: البرامج التي ينتفعون بها، ويستفيدون منها.
وقد بلغني أن بعض المسلمين في بعض الدول الأوروبية لشدة شغفهم وتعلق قلوبهم ببلاد الإسلام أنه إذا نُقلت الصلاة من المسجد الحرام في بعض القنوات الفضائية يصلون وراء الإمام وهم في تلك البلاد، وبالطبع الصلاة لا تصح على هذه الحال! وهذا الاقتداء لا يصح؛ لكن فيه دلالة: كيف أن عندهم هذا التعلق العظيم بالإسلام وشعائره، وأنهم متعطشون إلى مثل هذه المناظر وهذه البرامج التي لا يجدون لها نظيراً في تلك البلاد التي يقطنونها.
إذاً: الآثار الحسنة إنما هي في نطاق ضيق، خاصة وأن أهل الإسلام لم يستثمروا هذه القنوات الفضائية في خدمة دينهم.
فمما وقفتُ عليه من الآثار السيئة: هذا النموذج، وهو لفتىً يافع عمره نحواً من ثلاثة عشر عاماًَ:-
تُرِك ليتابِع أفلام الكرتون المعروضة عبر إحدى القنوات الفضائية، فيقول له الوالدان: لا تغير هذه القناة، ولما انصرفا عنه دفعه الفضول لأن يدير ويبحث حتى شاهد أشياء غير لائقة، ولم يزل يتابع، ويحاول أن يستخفي عن والديه في هذه المناظر، فماذا كانت النتيجة؟!
كانت النتيجة خلل في تصوراته، عبَّر هو عنه -كما يقول لي- بقوله: صرتُ أنظر إلى أي امرأة أمامي وكأنها بدون ثياب؛ حتى أمه وأخواته -نسأل الله تعالى السلامة-.
ولا شك أن هذا هتك لسياج العفة والفضيلة لهذا الفتى في بداية حياته.
نموذج آخر: هذا شخص اقتنى طبقاً فضائياً، وتركه في بيته، ولشدة تعلق امرأته به، وأنه لما أراد أن يخرجه قالت: إما أن تطلقني وإما أن تبقي الدش -الطبق- في البيت.
ولا شك أنها وقفت على ما جعلها تتعلق بما يُعرض هذا التعلق الذي يجعلها تفضل الطلاق على ما تشاهِد.
وأيضاً من الأشياء المؤسفة: أن إحدى الخادمات استطاعت أن تحضر بطاقة يمكنها من خلالها فك الشفرة، حتى وقفت على القنوات الإباحية، وكانت بصحبة إحدى فتيات البيت، ولم تزل تنظر يوماً بعد آخر، فلما أيقنت أنها قد أوقعت فريستها دعت زوجها وكان عاملاً أيضاً حتى وقع على هذه الفتاة بالفاحشة من غير مدافعة، نسأل الله تعالى السلامة والعافية.
وأحداث كثيرة جداً، وكل أحد ربما يختزل في ذاكرته شيئاً كثيراً من ذلك.
ومن الدلالات التي يحسن إيرادها في هذا المقام أيضاً: هذه الأرقام التي نشرتها جريدة المدينة، في إحصائية ضمن رسالة علمية حول السلبيات المنعكسة على الأسرة بسبب متابعتها للقنوات الفضائية:-
فجاء من ضمن ذلك:
-أن (85 %) من الفتيات -وكانت هذه الدراسة ضمن الطالبات الجامعيات- يحرصن على مشاهدة القنوات التي تعرض المناظر الإباحية.
- وأن (53 %) قلَّت لديهن تأدية الفرائض الدينية.
- وأن (32 %) منهن فَتَر تحصيلهن الدراسي.
- وأن (42 %) يتطلعن للزواج المبكر ولو كان عرفياًَ، والزواج المبكر مأمور به؛ لكن هؤلاء الفتيات بالنظر للاستفزاز العاطفي والجنسي الذي تعرضن له من خلال تلك المشاهد، صار عندهن قابلية لأن يسلكن مسلك الحرام -والعياذ بالله-.
- وتبيَّن أيضاً من خلال هذه الدراسة: أن (22 %) تعرَّضن للإصابة بأمراض نسائية نتيجة ممارسة عادات خاطئة، والعقلاء والكبار يدركون معنى هذه العبارة، وما تنطوي عليه من التعاملات التي تتعاطاها الفتيات بسبب تأجيج الغرائز من خلال مشاهدتهن لمناظر الفُحش والحرام.
ولا نبعد كثيراً حول المناظر، فمثلاً: مما تعود الناس أن يشاهدوه: منظر الرجل الشاب ويقابل الفتاة ويبادلها كلام الحب والغرام المحرم، ولا شك أن هذا يثير كمائن النفوس وكوامنها، ويحمل النفس على تعاطي الأمر المحرم.
هذه بعض الدلالات التي تبين أهمية دراسة مثل هذه الظاهرة.
والمتخصصون ومن يقفون على حفظ الأمن في هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأمن الأخلاقي، والأمن بشتى أصنافه وأنواعه، وهكذا الشرطة، وكذلك المتخصصون في التحقيق، وكذلك القضاة يدركون كم حدث من التغيُّر -خاصة عندنا في هذه البلاد- في المجتمع، وفي نوعية القضايا التي تعرض عليهم منذ دخلت القنوات الفضائية إلى بلادنا.
ولا أريد أن أفصح عن شيء من هذه القضايا حتى لا يكون في هذا ترويج واستساغة لسماعها ووقوعها؛ لكني وقفتُ على أشياء وأعداد من القضايا التي ما كان يُتَصوَّر أنها تقع في مجتمعنا أبداً؛ ولكن وقعت، وقد كان الحامل على وقوعها -مما فيها من الإخلال العظيم- كما اعترف مَن وقعوا، ومَن وقعن فيها، السبب في ذلك إلى حد كبير جداً: متابعة القنوات الفضائية.
فعند التأمل في الآثار الناجمة عن الفضائيات، وما تحدثه من الخلل في حياة المسلمين فإننا نقف على عدد من الأضرار:-
في جانب العقيدة .. في جوانب العبادة .. في جوانب أخلاق المجتمع، وأموره الاجتماعية .. أيضاً في الجانب الأمني .. وكذلك في الجانب الاقتصادي.
وفي واقع الأمر أن هذه القنوات الفضائية إن استمرت على ما هي عليه اليوم من هذا المسلك المُسِفّ فإنها سوف تغير وجهَ الأمة إلى حد كبير جداً.
ولهذا فإن القنوات الفضائية في واقع الأمر سارت في المسار الذي يخدم أهداف اليهود، الذين هم من أباطرة ومُلاَّك الإعلام على نطاق واسع في العالم كله.
وإذا ما أردنا أن نقف على مدى ما يؤثر به اليهود في تملكهم للقنوات الفضائية ووسائل الإعلام: فمما رصدتُه في ذلك: أن وكالات الأنباء التي من أشهرها: رويترز، أنها مملوكة لرجل يهودي:-
هكذا أيضاً الصحف والمجلات العالمية التي يقرأها الملايين في أقطار الدنيا، وخاصة في الدول ذات الثقل العسكري، مثل: أمريكا، ودول أوروبا، فنجد أن مثل صحيفة التايمز، والصاندي تايمز، و مجلة الديلي نيوز، وكذلك نيوز ويك، والتايم، وكذلك المجلة الفرنسية: ليفي قارو، وغيرها من هذه المجلات التي لها هذا الحضور، أنها راجعة إلى اليهود، وإلى مؤسساتهم.
ونلحق بهذا أيضاًَ القنوات الفضائية الأمريكية الشهيرة في الولايات المتحدة ، وأيضاً في عدد من الدول الأوروبية، إنما يملكها اليهود.
وإذا ما أردنا أن ننظر إلى أثر هذا التسلط اليهودي على وسائل الإعلام، فمنذ الأحداث التي وقعت من التفجيرات في أمريكا، وما أعقبها مما يسمى ويُزعَم من الحرب على الإرهاب، سواء كان ذلك في أفغانستان، وما تبع هذا الأمر مما يحدث اليوم في فلسطين.
كل هذا يُرَوَّج اليوم أنه تحت مظلة محاربة الإرهاب.
ولهذا فإن النظرة التي ننظرها نحن إلى هذه الأحداث في فلسطين، وأنها اعتداء سافر، الشعوب الغربية -في أمريكا على وجه الخصوص- وفي أوروبا تنظر إلى أن اليهود يدافعون عن أنفسهم، ولهذا لما وقعت أحداث التفجير في أمريكا، خرج الإعلام اليهودي في أمريكا يقول: يا شعب أمريكا! الذي تعانون منه من هذه التفجيرات التي وقعت يعاني منه اليهود منذ أكثر من خمسين عاماً في فلسطين.
ولهذا شُنَّت أنواع من الحملات على بلاد المسلمين، وعلى دين الإسلام، وعلى هذه البلاد على وجه الخصوص، بالنظر لما تمثله من الثقل في العالم الإسلامي؛ حتى إنه قد صدرت الدعوات إلى تغيير المناهج الدينية، وإلى إلغاء التميز الذي في البلاد الإسلامية، فمثلاًَ: يدعون إلى إجبار الحكام المسلمين على إلغاء الزكاة، لماذا؟ قالوا: لأنه يدعم الإرهاب!
ويدعون أيضاً إلى إلغاء المدارس التي يسمونها الدينية، قالوا: لأنها تفرِّخ الإرهاب.
ويدعون أيضاً إلى أن تُزال مظاهر التميز في بلاد المسلمين، فمثلاً: المرأة لما لها من الخصوصية في بلاد المسلمين، من جهة الاختلاط، والحجاب، والخلوة، والأشياء التي فيها حفظها وصيانتها، يدعون إلى تغييرها، قالوا: لأن هذا هو الذي يحمل على التطرف.
ولأجل هذا فقد استجابت عدد من الدول الإسلامية لمثل هذه الدعوات، وللأسف الشديد! فمثلاً: نجد في بعض البلاد الإسلامية أن الحجاب يُمنع في المدارس، وفي الجامعات والكليات، بل إنه في بعض البلاد الإسلامية لما طُرح مشروع لمنع الاختلاط في الجامعة انقسم البرلمان ومجالسهم البرلمانية في تأييد هذا أو رفضه.
وهذا لا شك أنه محادة لله تعالى، ولدينه سبحانه، وإلاَّ كيف يأتي أحدٌ ليرفع عقيرته وينادي ويدعو إلى فرض الاختلاط، وإلى جعله أمراً مسوَّغاً بالنظر إلى إيقاع العصر، ونحو ذلك من العبارات التي يطلقونها.
والمقصود: أن الإعلام العربي في خضم هذه الأحداث، بينما كان الغرب يحيك المؤامرات، ويلبس المسلمين لبوس الإرهاب، كان إعلام المسلمين بعامة يعرض ما يقدمه عباقرة أمة الإسلام اليوم ونجومها من أهل الفن والغناء والتمثيل.
فبينما تقدَّم الإحصاءات والأرقام والدراسات في القنوات الفضائية العالمية، نجد أن القنوات الفضائية العربية إنما تعرض على المسلمين أعطاف الراقصات، وكلام المجون من الممثلين والممثلات، ويقدمون المغنين والمغنيات على أنهم هم القدوة التي يجب أن تكرَّس صورتها وأن تُكرَّر أمثلتها في مجتمعات المسلمين.
فماذا قدَّم إعلام المسلمين غير هذا؟!
ولهذا الأمر نجد اليوم من الحملة الإعلامية، وما يتبعها من حملات اقتصادية وعسكرية على المسلمين مع وجود الظلم الصارخ البيِّن، ومع ذلك ما تزال معظم القنوات الفضائية الإسلامية والعربية في غيِّها وسدورها، وعرضها لمناظر الفُحش والبذاءة، نسأل الله تعالى لهم الهداية.
ومما يبين هذا الأثر السيئ: حتى في العبارات التي تطلقها وكالات الأنباء:-
مثلاًَ: مِن قبل كنا نسمع من يقول من الإعلاميين، سواء في التلفزة، أو الراديو، أو الصحف، من يقول: السيد بوش، والسيد شارون، يُنادى بأنه سيد، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، ومثلاً: كانوا ينادون اليهود بالعدو، وأما الآن فأصبحوا يقولون: دولة إسرائيل، فأُلغيت تلك العبارة التي كانت تبسق بتسمية اليهود بأنهم العدو، فقالوا: إنكم يا أهل الإسلام، وإنكم يا دول المسلمين، إذا قلتم هذا الكلام، تكرِّسون الإرهاب.
ولهذا -وأنا لا أذيع سراً- كما نقلت وسائل الإعلام، أن بوش الصغير حينما دعا إلى محاربة الإرهاب، قال: يجب على المسلمين وعلى الإعلام في البلاد الإسلامية أن يكف عن حملة التحريض ضد اليهود، لما فيه من المعاداة للسامية، ولما فيه من التحريض على الإرهاب. وقد استجاب -وللأسف الشديد- عدد من أهل الإسلام، حتى إنه لما كتبت إحدى الكاتبات ما يفرضه دينها والتزامها، ونقدت اليهود بما عندهم من العقائد الفاسدة، جاء من ينقدها، ويقول: إنها تكتب من أوراق صفراء، وأنها كذا وكذا، ويلمزها بأنواع اللمز.
المقصود أن إعلام المسلمين اليوم إنما هو تابع لإعلام الغرب، وكم أثَّر هذا في المسلمين! وغيَّر من أخلاقهم! وأثَّر في عقائدهم!
فنحن لا نجد البرامج التي تحمل على التربية، ورفعة الأمة، وتشييد عزها ورفعتها، بل إن مَن نظر فيما يُعرض، وكذلك إذا أردنا أن ننظر نظرة واسعة في عموم وسائل الإعلام؛ مقروءة، ومسموعة، ومرئية، فإنها في جملتها تكرِّس النظرة للحياة النظرة الشهوانية، التي يعيش من خلالها الإنسان بلا عقيدة ولا هدف.
ولهذا فإن البرامج، والمسلسلات، وما يُعرض من المواد الإعلامية دائر في هذا النطاق: الحب، والغرام، والعشق، وما يتبع هذه الأمور من مقدمات، وما يلحقها من مفاسد.
ولا شك أن الأمة إذا عاشت على هذا التصور من عبوديتها للشهوات فإنها لن يكون لها من مستقبل الأمر إلا مزيد من الضعف والهوان، وتسلط الأعداء عليها.
وعند النظر في حال أمة الإسلام اليوم فإن هذا التسلط الذي تسلط به اليهود والنصارى ليس وليد سنة ولا سنتين، وليس وليد سبب أو سببين؛ ولكنه في خضم عدد من السنين، وجملة من الأسباب حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من تسلط الكفار، وإذلالهم لأهل الإسلام.
ومن جملة الأسباب العظيمة: أن الإعلام هيأ الناس لهذا الضعف، والخور، وللتصورات السيئة من عدم الالتفات للعقيدة، وعدم التمسك بالدين.
فإن القنوات الفضائية العربية في جملة ما تعرضه: ما يدعو إلى حب الكفار، والإعجاب بهم، والتعلق بعاداتهم وأخلاقهم، وما هم عليه من مناهج في حياتهم.
ومن الأمثلة التي تبيِّن هذا في واقع الأمر:-
أن الفضائيات حينما تعرض -مثلاً- الأغاني لكافر من الكفار -وإن كان عربياً- فإن التعلق به يحصل من قبل الشباب والفتيات، وعموم أهل الإسلام، ولا شك أن هذا مما يخرم عقيدة الولاء والبراء.
ولهذا صرنا نشاهد -على سبيل المثال- أن عدداً من شباب المسلمين، حينما يفوز فريقهم يأتون إلى المدرب الكافر، ويحملونه فوق رءوسهم، وينسون أنه كافر؛ ولكن المناظر التي ألفوها من خلال متابعة البرامج الرياضية حينما يُحمل المدرب على الأعناق سوَّغت لهم مثل هذا الأمر، ونسوا أن رفعهم له فوق أعناقهم أمر عظيم، واستخفاف شنيع بما يجب من الولاء للمسلمين، والبراء من الكافرين.
ومن الأشياء المؤسفة: أن عدداً من الشباب يتصلون في عدد من البرامج -كما رصد ذلك عدد من المتخصصين- فيعبر بكلمات من العشق والغرام عن تعلقه بتلك المذيعة الكافرة:-
ولا شك أن هذا فيه خرم لعقيدة البراء من المشركين، ببغضهم، ومفاصلتهم، والتبرؤ منهم.
وهذا باب واسع، وللأسف الشديد دخل علينا من خلاله شر عظيم، والله جلَّ وعَلا قد حذَّر في كتابه الكريم من هذا المسلك، قال الله سبحانه: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] .
وثبـت في سنن أبي داود بسند جيد، وكذا مسند الإمام أحمد ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ومن تشبه بقوم فهو منهم).
والفضائيات بما تعرضه من مجون الشباب والفتيات الذي صار سمة لعدد من الفضائيات التي لها الرواج في عدد من بلاد المسلمين، بل في عامتها، تعرض المناظر التي تقود إلى التشبه بالكفار.
وإذا أردنا أن نضرب الأمثلة الواقعية فلنشاهد قصات الشعر التي يُقَلَّد فيها الكفار، حيث يُقَلَّد فيها المغنون، والممثلون، واللاعبون، من أهل الكفر والضلال، وهذا رائج وشائع بين الشباب والفتيات، والرجال والنساء.
ولهذا هذه المناظر التي نشاهدها لعدد من الشباب حيث يأتي شاب يلبس الملابس الغريبة في مجتمعه، فيلبس القصير؛ الشورت، والفنائل التي تُظهِر عضديه، وقد جعل عليها الوشم، وكلمات غريبة، تخالف المروءة التي ينبغي أن يتصف بها المسلم، هذا مظهر من مظاهر التأثير عبر باب التشبه بالكفار.
أيضاً: ما نشاهده من بعض الشباب: الرقص في الشوارع:-
فعندما تقف عند إشارة المرور، والسيارة تكاد تنفجر سماعاتها بصوت الموسيقى الغربية، والشباب الذين يرقصون فيها، مع أنهم من أبناء المسلمين، من أبنائنا وإخواننا؛ لكن من أين أتوا بهذا؟!
من خلال الفضائيات التي تشاهِد فيها مسرحاً كاملاً يرقصون فيه من أولهم إلى آخرهم، وتشاهد ربما هذه المسارح موجودة في لبنان وفي مصر والشام ، وتشاهد أصحاب العمائم والغُتَر حاضرين معهم، ويرقصون كرقصهم.
ولا شك أن هؤلاء إذا رجعوا إلى بلدانهم، فإنهم سينقلون ما شاهدوا، ويؤثر بعضُهم في بعض، وللأسف الشديد.
والمقصود: أن باب التشبه بالكفار مما أثرت به الفضائيات على أخلاق الناس.
وأما في جانب النساء فحدِّث ولا حرج، فأقول: إنه يوجد إلى حد كثير وكبير عدد من القنوات الفضائية العربية التي تخصص ما يُسمى برامج عروض الأزياء، وهذه لا شك أنها نقلت إلى نساء المسلمين أنواعاً من الفساد، حيث ينقل لنا النساء اللاتي يحضرن الزواجات والمناسبات عن الفتيات والنساء أشياء عجيبة، في ملابسهن، وتسريحاتهن، ونحو ذلك، وفي واقع الأمر أن هذه أُخذت من خلال الفضائيات وما تعرضه من هذه المشاهد المحرمة.
في إحدى المدارس اجتمع عدد من الطلاب، وأمسكوا بعصفور، ومدوا -بعد أن كان إما ميتاً أو أنهم قتلوه- جناحيه ووضعوا رأسه على خشبة على هيئة الصليب. فهذا المنظر لا شك أن له دلالته، وله تصوره، الذي يبين كم من عقيدة النصارى التي تسرَّبت إلى نفوس هؤلاء الشباب الذين فعلوا هذا الفعل.
من العقائد الفاسدة: أن الناس الذين يشاهدون هذه التمثيليات ليل نهار، سوف يتأثرون بالكلام الذي يدور في هذه البرامج وهذه التمثيليات:-
فالحلف بغير الله، ونحن نعلم -وهذا أمر يقيني- أن الممثلين والممثلات من الجهلة، الذين ليس عندهم أي تحصيل علمي، ولا ثقافة تفيد الناس والمجتمع؛ ولهذا يصدر عنهم من أنواع الكلام البذيء، والكلام المخل بالعقيدة -إن كانوا مسلمين- شيئاً كثيراً، مثل الحلف بغير الله .. الاعتراض على الله جلَّ وعَلا في قضائه وقدره .. سب الدين ولعنه، واستساغة مثل هذه العبارات التي قد يؤدي بعضها إلى خروج صاحبها من ملة الإسلام والعياذ بالله.
ومن العقائد الفاسدة: ما يؤثر على الأطفال الصغار:-
وأضرب لكم مثالاً من هذه الأمثلة التي توضح كم يؤثر على العقيدة من خلال الفضائيات، ومن خلال ما يُعرض عموماً عبر الشاشات.
فمن أفلام الكرتون التي تعرض على الأطفال: فيلم فيه: أن شجرة اخترقت أجواء السماء، وشقت السحاب، حتى وصلت فوق السحاب إلى قصر كبير جداً، ثم صعدت إليه هذه الشخصية التي في فيلم الكرتون، فنظرت فإذا فوق السحاب في هذا القصر الكبير رجل صاحب بنية قوية، ويدل على جبروت، ونحو ذلك.
فالطفل الصغير من أبناء المسلمين، ذو الأربع سنين، أو الخمس سنين، لو تسأله وتقول: أين الله؟ فإنه بفطرته سيقول: الله فوق. كما قال الله سبحانه وتعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54]، فالله جلَّ وعَلا في العلو، فإذا نظر الطفل صاحب الفطرة السوية السليمة إلى هذا المنظر فإنه سيربط مباشرة أن هذه الشخصية التي رآها في فيلم الكرتون هي: الشخصية التي استقرت في ذهنه بما فطره الله تعالى عليه من الاعتقاد الصحيح.
وهذا فيه إخلال بالعقيدة أيما إخلال.
وهذه الشخصيات التي يُرمَز بها إلى أشخاص مقدسة في دين الإسلام، لا شك أنها أثرت إلى حد كبير في معنويات المسلمين.
إذاً من جوانب الإخلال بالعقيدة: تصور هذا الطفل أن هذه الشخصية التي رآها في فيلم الكرتون تمثل الله رب العالمين، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
وأيضاً جانب آخر -وهذا له صلة في الأخلاق والانحراف السلوكي التي تؤثر به القنوات الفضائية- وهو: كم عُرضت ما يسمى: الأفلام التاريخية التي يظهر فيها الصحابي الجليل خالد بن الوليد ، أو سعد بن أبي وقاص، أو غيرهما من أبطال الإسلام! حيث يأتي هؤلاء المجرمون أهل التمثيل والغناء والفجور، يمثلون هذا الصحابي؛ أنه قبل أن يخرج إلى الجهاد في سبيل الله، يوقف الجيش، ويرجع إلى حبيبة أو عشيقة له، يودعها في قتاله هذا. فهنا لن يبقى لهذه الشخصية الفذة التي تمثل معاني النصر والعز في نفوس المسلمين إلا هذا المنظر، كيف أن هذا الصحابي يتعلق بهذه المرأة؟! وكيف أنه قبل أن يخرج إلى الجهاد يأتي ليتكلم معها.
ولهذا من رأى ونظر في هذه المسلسلات فإنه إذا ذُكرت شخصية معينة من شخصيات الأبطال والصحابة الكرام عموماً، فإنه مباشرة يعلق في ذهنه الممثل فلان، هذا الممثل نفسه يأتي في ليلة أخرى يمثل دور الماجن الذي يتعاطى الزنا والفجور، بكل أنواعه وسبله، وهذا لا شك أنه يلغي من نفوس المسلمين وتصوراتهم نماذج الأبطال، التي لا شك أن لها أثراً في حمل الناس على الاقتداء بهم، وصُنع مثلما صنعوا.
أيضاً: من العقائد الفاسدة التي تنشرها وتتسبب فيها الفضائيات: السحر:-
فكم من تمثيلية تظهر فيها المرأة التي أعرض عنها زوجها، فتذهب إلى ساحر وتطلب منه سحر العطف! أو تذهب امرأة أخرى تريد أن تفسد فتطلب منه سحر الصرف والتأثير ونحو ذلك!
ولهذا: أرقام المتعاطين للسحر في بلاد المسلمين اليوم -وهنا في بلادنا- كبيرة جداً، وأذكر لكم على سبيل المثال: أحد مراكز الهيئة في الرياض، في ليلة واحدة، عندما ضبطوا ساحراً، وجدوا عنده ثلاثمائة عقدة من عقد السحر، ثلاثمائة شخص ما بين رجل وامرأة، قد سُحروا من قبل هذا الساحر فقط.
وفي هذه المناظر ما يحمل الناس على تعاطي مثل هذه الأشياء، ولهذا أهل العلم يذكرون أن من ضمن الفتاوى التي تأتيهم: أن من النساء والرجال من يذهب إلى المشعوذين والسحرة ويستفتيهم ويطلب منهم التنبؤ بأشياء عديدة، مما فيه ربما خروج من دين الإسلام -والعياذ بالله-.
وقد حدَّثني بعض من شاهد إحدى القنوات الفضائية: أن إحداها تعرض برنامجاً مع أحد السحرة، وهو ساحر من العراق ، وقد رأيتُ صورته في تحقيق في إحدى الصحف، ويحتف به عدد من الممثلات والممثلين والمغنين والمغنيات، وهؤلاء كلهم الذين ذُكروا في هذا التحقيق الصحفي -وهم من المشهورين في شبكات التلفزة- تعاطوا السحر من هذا الرجل العراقي.
وهذا برنامج مباشر، حيث يتصلون عليه، فيقول: أنا وُلدتُ في برج كذا وكذا، وقد حدث لي كذا وكذا، ثم يبدأ الساحر يتنبأ له بما يريد.
ومما يؤسف له: أن كثيراً من الاتصالات كانت تأتي من مهبط الوحي، من هذه الجزيرة العربية ، وللأسف الشديد: اتصل شاب وقال: إني أريد أن أؤثر على فتاة؛ لأني متعلق بها. فماذا كان؟!
قال الساحر: هذا يحتاج إلى أن أقرأ حظك وبختك ونصيبك من خلال الخاتم البلوري، فأرسل لي خمسمائة دولار على حساب رقم كذا، وأرسل لك الخاتم، ثم أحدثك، وأقول لك: ماذا سيحدث لك!
ثم يأتي هؤلاء المغفلون ويفعلون ما أمر به هذا الساحر، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر: (أن من أتى ساحراً أو كاهناً فسأله فصدقه، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم).
وهذا خبر ربنا في كتابه العزيز: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102].
فهذا البرنامج يأخذ نطاقاً واسعاً لدى عدد من المسلمين، وللأسف الشديد! فهذا من جملة العقائد التي تسببت الفضائيات في نشرها وإشاعتها بين الناس.
وفي أيام مضت نقلت الفضائيات مراسم تشييع عدد من الذين توفوا من حكام العرب، فكان من جملة ذلك أنهم يضعون الجنازة، ويمرون عندها، ثم يقف وقفة معينة، وبعضهم -وللأسف الشديد!- ينحني، ثم يمر، ويقولون: هذه مراسم التشييع والدفن.
فكثير من الناس يجهل أن مثل هذا الأمر إنما هو بدعة في أقل أحواله، أما إذا انحنى انحناء تعظيم وتقديس، فهذا على خطر عظيم في دينه، نسأل الله تعالى السلامة.
فهذه المناظر حينما تنقلها الفضائيات لا شك أنها تؤثر بنشر البدع والضلالات مع قلة الزاد الذي عند الناس، إلى غير ذلك من أنواع البدع، التي يتصور عدد من الناس أنها من الدين وليست من الدين في شيء.
الشاب حينما يرى امرأة كاسية عارية، تتلفظ بكلمات المجون، أو ربما بما هو أكثر من ذلك، سيحمله هذا على أن يطبق ما رأى.
ومِمَّا يؤسف له: أنه ربما تعاطى هذا الأمر مع من هم قريبين منه في بيته، أو من قراباته، أو كلما لاحت له فرصة لتطبيق هذا الأمر.
وهذا أدى -وللأسف الشديد!- إلى فشو الفواحش.
فأرقام الجريمة لا شك أنها في تصاعُد، ومن أعظم أسباب وجود هذه الجرائم -ولا شك- القنوات الفضائية.
وقد أجرى أحد الباحثين وهو مدير شرطة محافظة عفيف، وأستاذ محاضر في كلية الملك فهد الأمنية بحثاً، أو قام ببحث لنيل درجة الدكتوراه، فوقف فيه من خلاله على الجرائم التي تسببت فيها القنوات الفضائية والإنترنت، وهو الدكتور عبد الكريم الحربي حيث ذكر أرقاماً عجيبة فيما تسببت فيه الفضائيات من أنواع الجرائم سواء في جانب الأعراض أو في جانب الأمن والإخلال به، فانتشرت الفواحش.
ولهذا نسمع بين حين وآخر من مثل هذه الأمور ما يؤسف ويحزن، فقد نشرت جريدة الرياض قبل أيام أن الإسعاف تلقى بياناً عن وجود طفل لقيط، أُتي به من طريق محرم في شمال الرياض، وفي اليوم نفسه في جنوب الرياض، وجد طفلان اثنان، أتي بهما من طريق محرم، ولا شك أن للقنوات الفضائية أثراً عظيماً في ذلك.
ويحدثني أحد الإخوة فيقول: إنه كان يمشي في إحدى الحارات، فإذا به يُفاجأ أن صندوق القمامة فيه حركة، يقول: ظننتُ أن فيه قطاً أو شيئاً، فنظرتُ فإذا هو طفل لا يزال بما حوله من مشيمته، مرمي في هذا المكان، وهو يرفس برجليه لتوه قد وُضِع. ولا شك أن هذا إنما حمل عليه وتسبب فيه شيء مما يؤجج هذه النفوس لتعاطي الفواحش.
وهذه المناظر تهيئ المجتمع إلى تعاطي هذه الأشياء، ولذلك لو ذهب أحد إلى سوق من الأسواق، فإنه يفاجأ بما يُشاهد من مناظر النساء في لبس البنطلونات الضيقة، وأنواع الزينة، وهي تتكلم مع البائع وكأنه زوج لها، بكلمات فيها من التغنج الشيء الكثير.
فالمجتمع هيئ لمثل هذه التصرفات بسبب تلك المناظر التي تعودوا عليها.
فمثلاً: وللأسف الشديد! بدأ فيما يسمونه الإنتاج المحلي- كأننا إنما نحن متخلفون في جانب أننا ليس عندنا مسارح- بعض الكتَّاب الذين عندهم خلل في التصور، نسأل الله لهم الهداية، يقول: عندنا خلل في مسيرتنا الثقافية؛ لأنه ليس عندنا مسارح، وليس عندنا المسلسلات التي يشارك فيها العنصر النسائي السعودي، فلماذا لا يشارك العنصر النسائي السعودي؟!
وإذا فُتح هذا الباب فإنه باب شر، نسأل الله تعالى أن يحفظنا والمسلمين منه.
فالناس يتعودون على أن يشاهدوا هذا الرجل على فراش الزوجية مع امرأة، وهذا يهتك الجو العام المحافظ الذي تعود عليه الناس؛ لكن حينما نجد الأسرة تجتمع على هذا المنظر: رجل وامرأة أجنبية عنه -يقيناً- على فراش، وبينهما من الكلام ما يدل على أشياء سيئة، فتحضر الأم وبجانبها زوجها والأبناء والبنات، وربما الخادم والخادمة، كلهم يتابعون هذا الأمر، ماذا سيحدث؟!
لا شك أنه يهيئ المجتمع لهذه النظرة التي تقوم على أن كل شيء إنما الحامل عليه الغريزة.
وبعض الذين عندهم ضعف في التصور وفهم مقاصد الشريعة، يقولون: أنتم دائماً تفترضون الخطيئة! دائماً تقولون: الفتنة! دائماً تقدمون الشك!
وهذا خلل، فهذا ليس شكاً، وإنما هو -كما قرر دين الإسلام- من باب سد الذرائع، حينما تجعل الفساد مهيأً والسبل إليه ميسورة لن نجد إلا الفساد.
مجموعة من الزملاء في عمل، يَحضُرون هم وزوجاتُهم؛ ثلاثة أو أربعة من الرجال مع زوجاتهم، لَهُم اجتماع دوري، فماذا حدث؟!
حدث بعد هذا جريمة زناً وقتل، والسبب: هذه النظرة التي عند هؤلاء الذين يقولون: أنتم تفترضون الفتنة التي ليس لها مكان.
فهنا حدث الزنا والطلاق، حيث صار كلامٌ بين أحد الحاضرين مع إحدى الحاضرات، ولم يزل يغويه الشيطان حتى وقع فيما وقع فيه -والعياذ بالله-.
زناً، وطلاقٌ، وقتلٌ! وهذا قد رصدته الجهات الأمنية، وليس بخافٍ على من له صلة بهذه الأمور.
ويُتصوَّر ما هو أعظم من ذلك، في كل حال تُخالَف فيها الشريعة، وتُنتهَك حدودها.
وأذكر من الإحصائيات في هذا المقام مما رصدتُه: أن أحد الباحثين في إحدى الدول الإسلامية أحصى عدد القضايا التي فيها إسقاط النسب، يعني: أن شخصاً يتقدم إلى المحكمة أن هذا الولد الذي وُلد له ليس له، أحصى في عام واحد اثنتي عشرة حالة، كلهم يتقدم لإسقاط هذا النسب، ناهيك عما يكون قبل هذا الأمر من قتل هذا الجنين إن وُلِد، أو إجهاضه إن كان لا يزال حملاً، أو غير ذلك مما يُلغى به هذا الأمر.
ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا المسلك؛ لأن التساهل به سوف يحمل الناس على تعاطيه من كل سبيل، فقد ثبت في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لتَتَّبِعُنَّ سَنَن مَن كان قبلَكم حذوَ القُذَّة بالقُذَّة، شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جُحر ضبٍّ لدخلتموه، قال الصحابة: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فَمَنْ؟!) يعني: فمن القومُ إلا هُمْ؟! جاء في رواية: (حتى لو كان فيهم من يأتي أمه علانية، لكان في أمتي من يفعل ذلك) نعوذ بالله من هذه الحال، ومن سوء المنقلب إليها.
فقد صار أمراً يعتاده الناس حينما يشاهدون في الفضائيات ما هو أفظع، فإذا كان الأمر أنه يُعرض النساء الكاسيات العاريات أو العاريات، فحين تخرج المرأة بلباس عارٍ ترى أنها أفضل من هذه التي شاهَدَتْها وأنها ما تزال متمسكة.
العزوف عن الزواج، والاكتفاء بالمناظر التي يتعودوا عليها من خلال ما يتابَع.
أيضاً: ممارسة العلاقات الزوجية على سُبُل محرمة، هذا مما تتسبب فيه الفضائيات.
يوجد بين الشباب من يتخلق بأخلاق البنات، ويتأنث، ويوجد من بين الفتيات -وهذا موجود ومشاهَد بين النساء- مَن تتعاطى أخلاق الرجال، فتكون في تصرفاتها امرأة فظة غليظة، تحاول أن تفعل وتتشبه بالرجال، وهذا مصداق ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، حينما أخبر باللعن على المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال.
اليوم عند الناس الممثل والمغني في أرقى مصاف الوظائف في البلاد العربية، وهذا هو الواقع، أن أشهر من يوجد في بلاد العرب والمسلمين هم إحدى فئتين:
- إما مغنٍّ أو ممثل.
- أو لاعب.
ومن المعلوم أن هؤلاء لا يبنون عزاً، ولا يشيدون مجداً، ولا يعيدونه لأمة الإسلام، ولهذا لما كثروا اليوم -نسأل الله أن يدلنا وإياهم على الهدى والحق- صار هذا حالنا، اليهود يقتلون في فلسطين ، وتأتينا الصحف أن الفريق البطل يعود بكأس كذا وكذا.
سبحان الله! هل بعد هذا من التهميش، وضياع الهوية، وفَقْد القدوة شيء؟!
لا أظن أن يحدث أعظم من ذلك.
وقد شاهدتُ في بعض الصحف بالخط العريض في أعلى الصفحة: الفريق البطل يعيد الكأس أو نحو هذه العبارة، بالبُنط العريض، وفي أسفل هذه الجريدة: مقتل عشرين فلسطينياً على أيدي اليهود!
فأي بطولة تكون مع وجود هذه الحال البئيسة التي لا تخفى على الجميع، وخاصة ما وقع في الأيام الماضية من القتل والبغي والظلم الذي حل بإخواننا في فلسطين ، نسأل الله تعالى أن يرفع ما بهم من الغمة.
فالمجتمعات الإسلامية اليوم لا شك أن هويتها مختلة، ونحن لا ننظر إلى شرائح محددة، فإن الخير باقٍ في هذه الأمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولكن نحن ننظر في الجملة: أن هناك إخلالاً بهوية الأمة، وضعفاً واضحاً أدى إلى تسلط الكفار، فأنت لا تفرق في عدد من مجتمعات المسلمين بين كونها مجتمعاً إسلامياً، أو أنها على منوال ما عند الكفار، نسأل الله تعالى الهداية والسلامة للجميع.
- كيف يمكن للشخص أن يصنع القنبلة.
- وكيف يمكنه أن يتحايل على رجال الأمن، وأن يغير معالم الجريمة.
- كيف يمكن أن يختطف: كيف يوقف السيارة .. كيف يكمم الضحية .. كيف يغطي على عيني هذا المخطوف أو المخطوفة .. كيف يمكنه إذا قتل أن يزيل آثار القتل.
- كيف يمكنه أن يسطو على البنوك، وأن يخدِّر أو يستعمل البخَّاخات التي يمكن أن تجعل الشخص يغيب عن وعيه فترة من الزمن، ثم يأخذ منه ما شاء.
فهذه -ولا شك- هيأت لاختلال الأمن في بلاد المسلمين.
والشاب والفتاة حينما يرون هذه المجرمة التي تستعصي على أهلها، أو هذا الشاب الذي يخطط للجريمة، كيف أنه يصَوَّر بمنظر البطولة، فهذا يحمله ويحملها على أن يتعاطيا مثلما فعل هذا الذي مثل أنه بطل في الفيلم.
وكنتيجة لهذا نشرت إحدى الصحف قريباً أن إحدى الفتيات في إحدى البلاد العربية الإسلامية كان أبوها يمنعها من أن تخرج في وقت متأخر من الليل، فإذا رجعت يسألها: أين كنتِ؟ فما كان منها إلا أن أعدت سماً ووضعته لوالدها الذي كان سبباً بعد الله في وجودها في الحياة، في كأس الماء، فشربه فمات، ولدى التحقيق الأولي معها قالت: إنه يتدخل في شئون خاصة بي، لا علاقة له بها.
فهذه الفكرة، ثم الإقدام على القتل، لا شك أنها نتاج ما تأثرت به هذه الفتاة من الإعلام والنظر في أفلام الجريمة.
والنظر المكرر لجرائم القتل والدم والبغي والانتهاك للحرمات؛ حرمات الأعراض والأموال والبيوت يهيئ الشخص لأن يكون على هذا المنوال.
فلا شك أن الفضائيات لها أثرها في الإخلال بالأمن.
ولهذا حينما يؤتى بفيلم يطارد فيه رجالُ الأمن شخصاً بسيارته، يأتي الشباب ليطبقوا مثل هذا الأمر، وكيف أن رجال الأمن يظهرون بمظهر الضعف والغباء وعدم الفهم أمام هذا المجرم الذي يُطارَد. وقد أشرتُ إلى الرسالة التي أعدها الدكتور الحربي ، وفيها تفصيل واسع حول هذه القضية من خلال الرصد والإحصاء في مجتمعنا.
ولهذا لما لاحت اليوم التوجهات لمقاطعة المنتجات الأمريكية كان هناك من العقبات أن بعض المنتجات لا ترتقي إلى المنتج الأمريكي الذي يأتي إلينا، أو الذي يُصنَّع هنا بوكالة من الشركات الأمريكية.
والإعلام يؤدي أثره في هذا ولا شك، فحينما تأتي الدعايات والإعلانات التجارية لهذه المنتجات تجعل عند الشخص عقدة نفسية أنه لا يمكن أن يعتمد إلا على هذا النوع، وهذا المنتج فقط.
ولهذا فإن الكفار كان عندهم من الدهاء الشيء العظيم حينما فكَّكوا أوصال المسلمين، ومنعوا أن يكون بينهم شيء من الوحدة الاقتصادية؛ لأن الاقتصاد -كما نعلم- له أثره العظيم على الشعوب، وعلى التأثير عليها في أمنها واستقرارها، وفي قراراتها، ولهذا استعمله المشركون مع النبي صلى الله عليه وسلم في أول بعثته، لما قاطعوه في شعب أبي طالب ، والمسلمون اليوم باستطاعتهم أن يكون عندهم التكامل الاقتصادي، فالخامات موجودة، ورءوس الأموال موجودة، والأيدي العاملة موجودة، والعقول المفكرة المنتجة المصنِّعة بإذن الله موجودة؛ ولكن -للأسف!- أهل الإسلام شُتِّتوا وقُطِّعت أوصالهم عن أن يكون بينهم مثل هذا التكامل.
ولهذا قبلَ نحوٍ مِن عشرين سنة لما أنشئت فكرة المصانع الحربية في مصر مع تمويل الدول العربية لها صار هذا المشروع اليوم أثراً بعد عين، لماذا؟ لأنه يؤثر على الموازين الاستراتيجية في الدول الإسلامية، وعلاقاتها مع غيرهم من الكفار.
ولا شك أن للإعلام أثره البالغ في هذا.
فحينما يُرَوَّج لمنتجات الكفار ويُبَيَّن أنها هي الأفضل والأحسن فإن ذلك يؤدي إلى اعتماد المسلمين عليهم، حتى إذا أرادوا أن يستغنوا عنهم لم يستطيعوا.
فعلى سبيل المثال: اليوم الدول الإسلامية ربما تقف عاجزة -بسبب عدد من الأمور ليس هذا مجال تفصيلها- أن تنتج اللقاحات الطبية، مع أنهم يستطيعون ذلك.
وقد تكون عاجزة إلى حد ما عن إنتاج الحليب المجفف للأطفال، الذي لَمَّا مُنِع عن العراق كان أعداد وفيات الأطفال بمئات الألوف، وللأسف الشديد!!
والأمثلة والوقائع على هذا واضحة لكل من تتبعها في طول بلاد المسلمين وعرضها، وهذا مما هيأ لوجوده الحرب الإعلامية، والتصورات التي تبثها القنوات الفضائية على اختلاف مشاربها.
فعُلِِم مما تقدم أن الفضائيات لها آثارها الكبيرة على المسلمين:
- في عقيدتهم.
- في أخلاقهم.
- في أمنهم.
- في اقتصادهم.
- في وجودهم وهويتهم في هذه الحياة.
ولا ريب أنه على الجانب الآخر إذا أمكن أن تسيَّر هذه الفضائيات إلى ما فيه الخير، وما فيه نفع المسلمين فلا شك أن هذا فيه من الخير ما الله به عليم؛ لكن ربما أنهم سيحتاجون إلى وجود مثل هذه الهمم، حتى تتغير هذه النماذج السيئة التي تتربع على هذه الفضائيات ممن قل علمهم، ودينهم وورعهم، وفهمهم وفقههم، وضعُفت ثقافتهم، وصارت تابعة للكفار ولتصورات الغرب.
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يرفع ويكشف الغمة عن إخواننا في فلسطين ، وفي كل مكان.
ونسأله جلَّ وعَلا أن يصلح ولاة أمور المسلمين، وأن يصلح بهم، وأن يفتح على قلوبهم، وأن يجعلهم رحمة على رعاياهم، ومفاتيح للخير، ومغاليق للشر.
ونسأله سبحانه أن يصلح القائمين على الإعلام في كل بلاد الإسلام، وأن يهديهم، وأن يجعلهم سبباً في الخير لأوطانهم وشعوبهم، وأن يكف يد وبأس كل من كان فيه شر على الإسلام والمسلمين، وأن يبدل من كان فيه فساداً وشراً بخير منه، وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها، إنه سبحانه خير مسئول، وأكرم مأمول.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر