والأعمال هنا مطلقة، فقد حليت بالألف واللام للاستغراق، وقيل: إن المقصود من ذلك الأعمال التي هي قربة؛ فإنها لا تعتبر إلا بنياتها، ولا يعول عليها إلا بنياتها، وكل عمل فيها لا بد فيه من نية، وإذا خلا من النية فإنه لا عبرة به، والنية تأتي لتمييز العبادات بعضها عن بعض، ولتميز العبادات عن العادات، ولتمييز العبادات عن العادات.
فمنهم من قال: إن المقصود به العموم، ويدخل في ذلك القُرَب وغير القُرَب، فأما القرب فأمرها معلوم، وأما غير القرب من الأمور التي يفعلها الناس -كالأكل والشرب والنوم والجماع وما إلى ذلك- إذا حسن المرء قصده فيها، ونوى بذلك التقوي على طاعة الله عز وجل فإن الله تعالى يأجره، كما جاء في الحديث: (وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم إذا لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟! قالوا: نعم. قال: فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر)، وقد جاء في ذلك حديث [ نية المؤمن خير من عمله ] ولكنه لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
و(النيات) جمع نية، والمراد بها القصد، والألف واللام في (النيات) بدل من الضمير (الهاء)، ومعنى ذلك أن أصل العبارة هكذا (الأعمال بنياتها)، أي: الأعمال معتبرة بنياتها. فحذف المضاف إليه -وهو الهاء- وأتي بـ(أل) مكانه، فصارت العبارة (الأعمال بالنيات).
وهذا الاختصار يأتي كثيراً في الاستعمال، ولا سيما في أسماء الكتب، فيقولون -مثلاً-: البلوغ. ويعنون (بلوغ المرام)، ويقولون: النيل. ويعنون (نيل الأوطار)، وهكذا، فيأتون بالمضاف ويحذفون المضاف إليه، ويجعلون (أل) قائمة مقامه، فالألف واللام هنا عوض عن المضاف إليه، فالمراد: الأعمال بنياتها.
فالمقدر الذي يتعلق به الجار والمجرور هو (معتبرة)، أي: الأعمال معتبرة بالنيات. فهي بدون نية غير معتبرة، فالإنسان إذا كان عليه غسل جنابة فاغتسل للتبرد أو للجمعة ولم ينو رفع الحدث فإنه باقٍ على حدثه، ولو صلى لم تصح صلاته، وعليه الغسل للجنابة وإعادة الصلاة ولو كان قد تنظف؛ لأن هذه عبادة، ولا بد في العبادة من نية، وليس المقصود مجرد النظافة فقط، بل هي عبادة تفتقر إلى نية.
إذاً: فالجار والمجرور متعلق بمحذوف، والتقدير: (معتبرة)، أو (نافعة)، أو (مقبولة) أو ما إلى ذلك من العبارات المناسبة.
قتيبة بن سعيد
عنمالك
عنأبي الزناد
عنالأعرج
عنأبي هريرة
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (النسائي
رحمة الله عليه هذه الترجمة وهي: باب الرخصة في السواك بالعشي للصائم، يعني: آخر النهار، بعد الزوال؛ لأن بعد الزوال اختلف فيه العلماء؛ منهم من قال: بأنه لا يستاك بعد الزوال، ومنهم من قال: بأنه يستاك، والذين قالوا: بأنه لا يستاك, استدلوا بأحاديث ضعيفة، واستدلوا أيضاً بالفهم من حديث صحيح؛ وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (النسائي
رحمه الله عقد هذه الترجمة وليس في الحديث ذكر الصيام, وإنما فيه ذكر الصلاة؛ لكن لما كان السواك مرغباً فيه عند كل صلاة, ومن الصلوات صلاة العصر التي تقع في العشي وبعد الزوال, فهي داخلة تحت هذا الحديث، فبعمومه يدل على أن الصائم يستاك في المساء، وأنه لا بأس به، وأنه لا مانع منه؛ مع عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (السندي
في حاشيته، وأن هذا فيه دقة فهم, وحسن استنباط. وقوله صلى الله عليه وسلم: (عائشة
رضي الله عنها وأرضاها لما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنابن جدعان
وكان يقري الضيف, ويكثر الإحسان, هل ذلك نافعه؟ قال: لا، إنه لم يقل يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدينمسلم
في صحيحه: (هو شيخ النسائي، وهو شيخ أصحاب الكتب الستة -كما ذكرت ذلك من قبل- روى عنه الجميع، وهو: قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف الثقفي البغلاني ، وهو من الثقات الحفاظ.
[عن مالك بن أنس].
هو إمام دار الهجرة وأحد الأئمة الأربعة المشهورين، والإسناد الذي يكون من طريقه عن نافع عن ابن عمر يقول فيه البخاري : إنه أصح الأسانيد على الإطلاق، فأصح الأسانيد عند البخاري : مالك عن نافع عن ابن عمر ، فهو إمام من أئمة المسلمين، وهو الذي كان في هذه المدينة المباركة، ويكنى بـأبي عبد الله .
وبالمناسبة: فإن الأئمة الثلاثة كلهم يقال لهم: أبو عبد الله؛ مالك، والشافعي، وأحمد، كل منهم كنيته أبو عبد الله.
[عن أبي الزناد].
أبو الزناد هذا قيل: إنه لقب على هيئة الكنية, وعلى صيغة الكنية، واسم صاحب اللقب: عبد الله بن ذكوان, وكنيته أبو عبد الرحمن ، وهو من الثقات.
[عن الأعرج].
الأعرج لقب، واسم صاحب اللقب: عبد الرحمن بن هرمز ، وهو أيضاً كذلك من رجال أصحاب الكتب الستة، وهو من الثقات الأثبات، وهو ممن اشتهر بلقبه، ويأتي أحياناً باللقب, وأحياناً بالاسم.
ومن المعلوم أن معرفة الألقاب مهمة لطالب العلم، وفائدتها: أنه إذا وجد الحديث من طريقين؛ مرة بلقب الأعرج , ومرة باسم عبد الرحمن بن هرمز لا يظن أن هذا غير هذا، وإنما يعرف أن هذا هو هذا، لكنه مرة يأتي بالاسم ومرة يأتي باللقب.
[عن أبي هريرة].
هو أحد الصحابة المكثرين، بل هو أكثر الصحابة حديثاً، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
وجاء في بعض الروايات: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) أي: عند الدخول فيها، وفائدة الاستياك عند كل صلاة: أن الإنسان يكون طيب الفم طيب الرائحة وهو يناجي الله عز وجل، وقيل: إنه عند كل صلاة سواءً كانت فريضة أو نافلة, فإذا كانت النافلة غير متصلة فإنه يستاك في بدايتها، أما إذا كانت النوافل متصلة فلا يحتاج الأمر إلى تكرار السواك بين كل ركعتين، وإنما يكون عند ابتداء الصلوات سواءً كانت فريضة أو نافلة.
قيل: وحكمته أن الإنسان يكون طيب الرائحة وهو يتلو القرآن في صلاته، ويناجي الله عز وجل في صلاته, ويكون على هيئة حسنة, وعلى هيئة طيبة.
وكما هو معلوم فالسواك جاء في مواضع كثيرة، بل الترجمة التي بعد هذا أنه في كل حين، وليس له وقت معين، وإنما الإنسان يتسوك متى شاء، وليس مقيداً بوقت معلوم؛ لكن ما جاء في تحديده في مواضع فإنه يتأكد في المواضع التي حدد فيها.
أخبرنا علي بن خشرم حدثنا عيسى وهو ابن يونس عن مسعر عن المقدام وهو ابن شريح عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (قلت لـ
هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب السواك في كل حين، يعني: أنه ليس له وقت محدد، أو أنه يمنع في بعض الأوقات، وإنما السواك في كل حين إلا في المواضع التي يؤمر الإنسان فيها بالإمساك، كالصلاة وكحال الخطبة، فهذه لا يستاك الإنسان فيها، وإنما يهدأ ويسكن، أما في غير ذلك فالأمر واسع. وكذلك في الأماكن القذرة والأشياء التي ما يتأتى السواك فيها، وإنما يستاك في غالب الأحوال ولا يمتنع منه إلا في بعض الأحوال، وهنا قال: باب السواك في كل حين، يعني: أنه لا يتقيد بوقت معين، أو أنه خاص بوقت معين، ولما ذكر الترجمة التي قبلها وهي: السواك بالعشي للصائم, وأنها تكون عند كل صلاة, وفيه التقييد بالصلوات؛ أتى بترجمة تبين أن الأمر ليس مقصوراً عند كل صلاة؛ بل يمكن أن يكون في غير أوقات الصلوات, وفي الأوقات الأخرى التي لم يأت ذكرها في هذا الحديث.
وأورد فيه حديث عائشة أن شريح بن هانئ سألها رضي الله عنها: (بأي شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ إذا دخل منزله؟ قالت: بالسواك) فهذا يدلنا على حرص سلف الأمة على معرفة أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته, وسؤالهم أمهات المؤمنين عن أعماله في بيته، وأنهن المرجع في ذلك.
وشريح يسأل هذا السؤال: (بأي شيء كان يبدأ إذا دخل منزله؟ قالت: بالسواك) فهو يدل على أن السواك يكون في كل حين، والرسول صلى الله عليه وسلم يدخل منزله في أوقات مختلفة، فيدل على فعله في أوقات مختلفة، ثم أيضاً يدل على مشروعيته, وعلى استحبابه عند دخول المنزل كما فعل ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا يمكن أن يقال: إنه من السنن المهجورة التي هجرها الناس, والتي غفل عنها الناس، وقد قال بعض العلماء: السواك عند دخول المنزل لا يكاد يذكر في كتب الفقهاء الذين عنوا بجمع المسائل المختلفة.
ومطابقة الحديث للترجمة من ناحية تكرر حصول دخول المنزل في أوقات مختلفة, وفي أوقات عديدة، في الليل والنهار، فأول عمل يعمله صلى الله عليه وسلم إذا دخل منزله أنه يستاك، وقد قيل في تعليل هذا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يصلي النوافل إلا في البيت، فإذا صلى بالناس خرج وتنفل في بيته، ويدخل منزله آتياً من الصلاة ومن غير الصلاة، وهذا هو الذي كان يفعله صلى الله عليه وسلم, فأول عمل يبدأ به إذا دخل منزله أن يستاك، وقيل: إنه ينزل عليه الوحي, وهو يريد إذا أتاه الملك ليتلو عليه القرآن، ولينزل عليه القرآن، ويقرأ القرآن مع الملك, أن يكون على هذه الهيئة الحسنة، قيل هذا, وقيل غير ذلك, والله تعالى أعلم؛ لكن يدلنا على أن هذا هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتكرر ذلك منه يدل على مشروعيته، وعلى أنه من سنة رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
هذا من شيوخ الإمام مسلم ، وروى عنه الإمام مسلم .
كلمة: (وهو ابن يونس) مثل ما تقدم في الأحاديث الماضية: أنه يأتي بها غير التلميذ من أجل أن يوضح؛ لأن تلميذه ذكر اسم شيخه غير منسوب، لكن من جاء بعده أراد أن يوضح هذا الشخص, فأتى بكلمة: (هو) حتى يتبين أن هذه النسبة زيدت ممن دون التلميذ لتوضيح هذا الشخص المهمل، ولم تضف بدون (هو), أو (يعني)؛ لأنها لو أضيفت لظن أن هذا كلام التلميذ، والتلميذ إنما أتى بالاسم دون النسب، فعندما يأتي من دون التلميذ بكلمة: (هو) يتبين أنه زادها من دون التلميذ للإيضاح والبيان, وذهاب الالتباس والاحتمال, وعيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، هو من الثقات الأثبات.
[عن مسعر].
هو: ابن كدام ، وهو من رجال الكتب الستة، وهو أحد الثقات الحفاظ المتقنين، وقد وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وقد أطلق هذا الوصف على جماعة منهم: الثوري ، ومنهم: مسعر بن كدام البصري .
هو: المقدام بن شريح بن هانئ وهو أيضاً من الثقات، روى عنه الإمام مسلم ، وهو يروي عن أبيه شريح بن هانئ ، وكذلك أيضاً روى عنه الإمام مسلم والأربعة، والبخاري في الأدب المفرد, وأيضاً عن أبيه مثله, وهو من المخضرمين؛ والمخضرمون هم: الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يروا النبي صلى الله عليه وسلم؛ أي: كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وما حصل لهم الشرف في لقيه وصحبته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فيقال له: مخضرم؛ لأنه أدرك الزمنين: زمن الجاهلية وزمن الإسلام, ولم يلق النبي عليه الصلاة والسلام، مثل: الصنابحي الذي كان وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم, ولما بلغ الجحفة وهو في الطريق إلى النبي صلى الله عليه وسلم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغه وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وما بينه وبينه إلا شيء يسير؛ فقالوا في ترجمته: كاد أن يكون صحابياً، فهو من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يلقوا النبي صلى الله عليه وسلم.
[قلت عائشة].
هي أم المؤمنين، وهي -كما عرفنا- الصحابية التي أكثرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي هي أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر