أخبرنا مؤمل بن هشام حدثنا إسماعيل حدثنا شعبة عن سليمان عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً) ].
قال النسائي : الرخصة في البول في الصحراء قائماً، وسبق أن مر أنه قال: ترك ذلك في البيوت، يعني: ترك البول قائماً، ولعل هذه الترجمة وهي قوله: (الرخصة في البول في الصحراء قائماً) يعني: أن هذا يكون في الصحراء، ويكون في غير البيوت، وأما البيوت فإن الإنسان يجلس فيها؛ لأن البيوت غالباً ما تكون الأماكن المعدة فيها صلبة، فقد يتطاير البول على الإنسان، وأما في الصحراء وفي الأماكن الخالية فالأرض تكون رخوة، والبول إذا وقع على الأرض الرخوة يكون آمناً مما إذا وقع على شيء صلب من حيث التناثر والتطاير؛ لكن إذا احتيج إلى ذلك في البيوت لا سيما في وجود المغسلات ووجود الأشياء التي يدخل الإنسان فيها, أو يأمن من أن يذهب شيء من بوله على ثيابه، فإنه لا بأس به.
وحديث حذيفة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً) يعني: أنه في غير البيوت، وطبعاً هو ليس في الصحراء، ولكنه خارج البيوت؛ يعني: وافق الصحراء بأنه خارج البيوت سواء كان قريباً أو بعيداً، ومعلوم أن سباطة القوم تكون قريبة من فناء القوم ومن دار القوم، والسباطة هي: محل الكناسة, أو هي: نفس الكناسة التي يخرجها أهل البيت ويضعونها في فناء دارهم، فأضيفت إليهم لإخراجهم إياها من بيوتهم، ولكونهم مختصين بها أضيفت إليهم إضافة اختصاص.
قال عنه الحافظ في التقريب: إنه ثقة، وخرج له البخاري, وأبو داود, والنسائي .
[ حدثنا إسماعيل ].
هو: ابن علية؛ لأنه يروي عن شعبة ، فـإسماعيل هو: ابن علية ، وابن علية سبق أن عرفناه وأنه ثقة، وهو: إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـابن علية، وهو من الثقات, الأثبات، وهو من رجال الجماعة، ولا يلتبس بابنه إبراهيم ؛ لأن ابنه إبراهيم من المبتدعة, وهذا من أهل السنة، وكل منهما يقال له: ابن علية، فإذا جاء ذكر ابن علية في أمور مبتدعة، أو في ذكر أهل البدع، أو في ذكر الأمور الشاذة في المسائل الخلافية فالمراد به: الابن إبراهيم ، أما إذا ذكر في أمور محمودة، وذكر في الحديث، وفي رجال الحديث وكذلك ذكر في أهل السنة فالمراد به: الأب الذي هو إسماعيل بن إبراهيم ابن علية .
و إبراهيم بن إسماعيل ترجم له الذهبي في الميزان, وقال: جهمي هالك، وفي مسائل الفروع يأتي ذكر ابن علية أيضاً، ففي مسألة حكم الإجارة ابن رشد في بداية المجتهد قال: وخالف فيها ابن علية, والأصم، فخالف فيها ابن علية وقال: الإجارة لا تجوز، وهذا شذوذ، والذي قال هذه المقالة هو هذا الابن الجهمي الهالك، المشهور بـابن علية. والأصم هو: أبو بكر الأصم ، وهو أيضاً من أهل البدع, وعندما يأتي ذكر الأصم فالمراد به: أبو بكر .
وهناك شخص مشهور بالاسم وهو أبو العباس من شيوخ الحاكم وهو من الثقات، فإذا جاء في شيوخ الحاكم الأصم فالمراد به: أبو العباس ، وإذا جاء في المبتدعة وفي أهل البدع من يقال له: الأصم، أو في المسائل الشاذة في مسائل الفقه، فالمراد به: أبو بكر ، وهو الذي أنكر الإجارة, وأنكر الشفعة أيضاً، وقال: الشفعة لا تجوز، حتى قال عنه بعض العلماء -ولا أدري من هو-: وأنكرها الأصم؛ لأنه عن فهمها أصم.
حدثنا [ شعبة ].
شعبة بن الحجاج أمير المؤمنين في الحديث، وصفه الثوري بأنه أمير المؤمنين في الحديث، والثوري أيضاً من أمراء المؤمنين في الحديث، وهذه الصفة من أعلى صفات التعديل؛ لأن من أعلى صفات التعديل هذا الوصف: أمير المؤمنين في الحديث، أو إليه المنتهى في التثبت، أو غير ذلك من العبارات، ولـمحمد الحبيب الشنقيطي منظومة في أمراء المؤمنين في الحديث، نظمهم في منظومة قصيرة مطبوعة، ومنهم: شعبة , وسفيان الثوري ، وهو ثقة, ثبت, حافظ, حجة، وهو من أئمة الجرح والتعديل.
[ عن سليمان ].
سليمان هو: سليمان بن مهران الأعمش ، يأتي ذكره باسمه كما هنا، ويأتي ذكره بلقبه كما مر بنا فيما مضى، فأحياناً يقال: سليمان ، وأحياناً يقال: الأعمش .
[ عن أبي وائل ].
أبو وائل هو: شقيق بن سلمة ، وشعبة من رجال الجماعة ، والأعمش من رجال الجماعة ، وأبو وائل من رجال الجماعة، وهو مخضرم كما سبق أن عرفنا ذلك، وأنه أدرك عشر سنوات من حياة النبي صلى الله عليه وسلم ومات في خلافة عمر بن عبد العزيز وعمره مائة سنة؛ لأنه ولد في أول الهجرة ومات عند نهاية القرن الأول، فالقرن الأول هو مدة حياته، وهو مخضرم؛ أي: أدرك الجاهلية والإسلام ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم.
[ عن حذيفة ].
وحذيفة مر ذكره، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحب السر رضي الله تعالى عنه.
هنا أتى النسائي بحديث حذيفة من طريق ثان، وهذا من الأبواب التي كرر فيها الحديث، وأتى فيها بأكثر من طريق، وكما قلت: الأكثر عنده أنه يأتي في الترجمة بحديث واحد، ولكنه في بعض المواضع يأتي بأكثر من حديث كما هنا، وكما سبق أن مر في الإبعاد عند قضاء الحاجة حيث ذكر حديثين: حديث عبد الرحمن بن أبي قراد ، وحديث المغيرة بن شعبة ، وهنا ذكر حديث حذيفة: ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً ).
قوله: [ أخبرنا محمد بن بشار ].
محمد بن بشار لقبه بندار ، وهو من شيوخ أصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة، وروى عنه النسائي أيضاً بواسطة كما سبق أن ذكرت ذلك عند ذكر ترجمة يعقوب بن إبراهيم الدورقي أنه شيخ لأصحاب الكتب الستة, ومات سنة مائتين واثنين وخمسين، ويماثله في الوفاة في هذه السنة وفي كونهم شيوخ لأصحاب الكتب الستة: محمد بن بشار الملقب بندار، ومحمد بن المثنى الملقب الزمن ، فكل من الثلاثة شيخ لأصحاب الكتب الستة، وكل منهم مات في سنة مائتين واثنتين وخمسين.
[ حدثنا محمد ].
المقصود به محمد بن جعفر الذي هو: غندر ، ومحمد بن بشار يروي عنه كثيراً، ومحمد بن جعفر أيضاً يروي عن شعبة كثيراً، وهو شيخه هنا، وكل من الاثنين: محمد بن بشار وشيخه محمد بن جعفر من رجال أصحاب الكتب الستة، وهما أيضاً من الثقات.
وبمناسبة ذكر محمد بن بشار البخاري لم يرو في صحيحه بلفظ المكاتبة عن شيخ من شيوخه إلا عن محمد بن بشار في موضع واحد، قال: كتب إلي محمد بن بشار.
و محمد بن جعفر الملقب غندر ، مر بنا ذكره بلقب غندر ، وهنا جاء ذكره باسمه غير منسوب ولكنه واضح؛ لأن تلميذه محمد بن بشار وشيخه شعبة ، وهذا مكثر في الرواية عنه، وهذا أيضاً مكثر في الرواية عن شعبة .
[ حدثنا شعبة ].
أمير المؤمنين في الحديث، وهو من رجال الكتب الستة، فـمحمد بن بشار من رجال الكتب الستة، ومحمد بن جعفر من رجال الكتب الستة، وشعبة من رجال الكتب الستة.
[ عن منصور ].
هو: منصور بن المعتمر ، وهو ثقة, من رجال الكتب الستة، وهو قرين لـسليمان ، ولهذا في الحديث الذي سيأتي جاء ذكر الاثنين: منصور , وسليمان ، منصور الذي هو ابن المعتمر ، وسليمان الذي هو الأعمش ، بينما في الإسناد الأول ذكر سليمان ، وهذا الإسناد ذكر منصور ، وفي الإسناد الثالث ذكر الاثنين: سليمان بن مهران الأعمش ومنصور بن المعتمر وهما قرينان في طبقة واحدة.
[ سمعت أبا وائل ].
أبو وائل الذي عرفناه في الإسناد الأول.
قال سليمان في حديثه: ومسح على خفيه، ولم يذكر منصور المسح ].
هنا ذكر النسائي الحديث من طريق ثالثة، رواها شعبة عن منصور بن المعتمر وسليمان بن مهران الأعمش ، فهنا قرنهما، ثم ذكر ما اتفقا عليه وهو: ( أن الرسول مشى إلى سباطة قوم فبال قائماً )، ثم ذكر أن سليمان الذي هو الأعمش عنده زيادة وهي: ( أنه توضأ ومسح على خفيه ), ولم يذكر منصور المسح، والإسناد كما عرفنا يلتقي بـشعبة ، وقبل شعبة سليمان بن عبيد الله .
قوله: [ أخبرنا سليمان بن عبيد الله ].
هو: سليمان بن عبيد الله بن عمرو الغيلاني، صدوق، روى له مسلم , والنسائي .
[ حدثنا بهز ].
هو: بهز بن أسد العمي، وهو من الثقات الأثبات، بل قال عنه الإمام أحمد: إليه المنتهى في التثبت، وهذه من أقوى صيغ التعديل، وتعتبر في الطبقة الأولى من صيغ التعديل؛ لأنه يدل على المبالغة في الوصف، لم يقل: ثبت فقط, أو: ثقة ثبت، بل قال: إليه المنتهى في التثبت؛ يعني: أنه في القمة، لا يسأل عنه؛ لأنه وصل القمة في التثبت، وهو من رجال الجماعة.
أخبرنا علي بن حجر أخبرنا شريك عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (من حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال قائماً فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا جالساً ) ].
ذكر النسائي هذه الترجمة وهي: باب البول في البيت جالساً، وكأن هذه الترجمة تقابل الترجمة السابقة: الرخصة في البول في الصحراء قائماً.
وأورد حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (من حدثكم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بال قائماً فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا جالساً)، وقيد الترجمة في البيت أو في البيوت؛ لأن عائشة رضي الله عنها وأرضاها إنما بينت ما كان معروفاً من عادته، وهي تعلم عادته في البيت؛ لكن غيرها علم ما لم تعلم، وهو حذيفة، حيث كان يمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم ( فأتى إلى سباطة قوم فبال قائماً ) فـعائشة نفت على حسب علمها، وكذلك أيضاً كلامها يفيد الملازمة والمداومة.
ومن المعلوم أن المعروف من عادة الرسول صلى الله عليه وسلم، والغالب على فعله هو الجلوس عند قضاء الحاجة، لا في الصحراء ولا في البيوت؛ لأنه كان عليه الصلاة والسلام يذهب إلى الصحراء ويبول جالساً، وكان يذهب إلى الخلاء، وأصحابه يذهبون معه, ويجلس ويقضي حاجته، ثم يأتي إليهم, ويتوضأ عليه الصلاة والسلام، وحذيفة رضي الله عنه وأرضاه رأى وشاهد هذه الحالة، فكلام عائشة محمول على ما تعلم، وعلى ما كان الغالب على عادته، ولهذا عبرت بـ (كان): (ما كان يبول إلا جالساً)، وما رواه حذيفة حالة نادرة, وحالة خاصة، وقد علم وشاهد ما شاهد، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيحمل ما جاء عن عائشة على أنه مبني على المعروف من عادته، وعلى ما يكون في البيوت، وأما بالنسبة للبول قائماً، فعلى ما كان نادراً من فعله وفي خارج البيت، ولهذا بوب في البول في الصحراء قائماً: الرخصة في البول في الصحراء قائماً، وهنا قال: البول في البيت, أو في البيوت جالساً.
هو: السعدي الذي سبق أن مر ذكره كثيراً، وهو من شيوخ مسلم الذين أكثر من الرواية عنهم.
وبالمناسبة: معرفة الرجال تثبت في الأذهان، عندما يتكرر ذكرهم, ويعرف حالهم, وما قيل فيهم، ويتكرر أن هذا في طبقة شيوخ النسائي, وشيوخ مسلم، وهذا في زمن متقدم، وهذا في طبقة التابعين، فعندما تتكرر الأسماء على الإنسان تثبت في ذهنه, وتعلق في ذهنه، ويعرف أن هذا متقدم, وهذا متأخر، وعلي بن حجر جاء ذكره كثيراً عند النسائي، وأكثر عنه مسلم في الرواية.
[ أخبرنا شريك ].
هو: شريك بن عبد الله القاضي النخعي، وهو صدوق، تكلم في حفظه لما ولي القضاء، وساء حفظه.
[ عن المقدام بن شريح ].
و المقدام روى له البخاري تعليقاً، ومسلم والأربعة؛ لكن مسلم روى له متابعة.
والحديث ليس ضعيفاً، فالحديث صحيح، وإلى الآن ما أتينا إلى أول حديث ضعيف عند النسائي، فكل ما مضى صحيح. وبالمناسبة: إذا قيست الأحاديث الضعيفة نجد أنها قليلة، وفي هذا المجلد الذي معنا ألف ومائة وسبعة وسبعون حديثاً، وإذا رجعت إلى كتاب الألباني صحيح سنن النسائي في هذا المقدار تجد الضعيف خمسين حديثاً في المجلد بأكمله.
إذاً: فالأحاديث الضعيفة قليلة.
والمقدام بن شريح بن هانئ سبق أن مر بنا هو وأبوه، وكل منهما يروي عن عائشة، فالحديث الذي مر بنا عن عائشة من طريق المقدام عن أبيه شريح، وشريح يروي عن عائشة، يقول: (سألت
[ عن عائشة].
عائشة هي أم المؤمنين، وقد عرفنا فيما مضى أنها أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر