أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا النضر أخبرنا شعبة عن عطاء بن أبي ميمونة سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء أحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء فيستنجي بالماء)].
ثم أورد النسائي الاستنجاء بالماء؛ لأنه هناك ذكر الاستطابة، والاستطابة كما سبق أن عرفنا: هي إزالة النجاسة وتطهير محلها؛ يعني: بحيث يكون محلها طيباً بعدما كان فيه قذر ونجاسة.
وأما الاستنجاء فهو مأخوذ من النجو وهو القطع، ومن المعلوم أن الماء هو الذي يقطع النجاسة ويزيلها، بخلاف الحجارة؛ فإنها لا تقطع، ولكنها قد يُكتفى بها؛ وقد لا يكتفى بها، يعني: إذا تجاوز الخارج محل الخروج بأن انتشر البول على غير محله من الذكر فهذا لا بد له من الماء، وأما إذا كان مجرد مكان الخروج فإن الحجارة تكفي، أما الماء فهو الذي يقطع نهائياً ويزيل، ويغني عن غيره، ولا يغني عنه غيره في إزالة النجاسة كلياً، ولكن الحجارة قد تجزئ فيما إذا لم يتجاوز الخارج موضع العادة، كما في الترجمة السابقة: الاجتزاء في الاستطابة بالحجارة دون غيرها؛ يعني: دون الماء، لكن هذا ليس على إطلاقه، فإذا تجاوز محل الخروج فلا بد من الماء.
فالاستنجاء هو: من النجو وهو القطع، وهو قطع أثر الخارج بالماء، بحيث يكون طاهراً ونظيفاً، وخالياً من النجاسة.
ثم أورد النسائي حديث: أنس بن مالك وهو في الصحيحين -يعني جاء في الصحيحين وفي غيرهما- يقول: (كنت إذا دخل النبي صلى الله عليه وسلم الخلاء أحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء فيستنجي بالماء).
فقوله: (أحمل أنا وغلام نحوي)؛ يعني: مقارب لي، وكلمة نحوي؛ يعني: مشابه لي، ومقارب لي؛ يعني: أنه صغير مثله يقاربه في السن، والغلام قيل: إنه هو الصغير الذي يميز، وقيل: إنه إلى حد البلوغ، وقيل: إلى أن يلتحي؛ فهذه أقوال متعددة، ولكن قول أنس: (نحوي)، معناه: أنه مماثل له، ومعلوم أن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه لما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة كان عمره عشر سنوات، وقد خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنوات، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره عشرون سنة.
قوله: (غلام نحوي)؛ يعني: أنه في حدود هذه السن؛ قد يكون في آخر أمره، وقد يكون في أول أمره.
(إداوة)؛ يعني: إناء من جلد، أو وعاء من جلد.
(من ماء)، يعني: مملوء بالماء، أي: فيه ماء، (إداوة من ماء)؛ أي: وعاء من جلد فيه ماء.
(فيستنجي بالماء) هذا هو محل الشاهد؛ الاستنجاء بالماء، (فيستنجي بالماء)؛ يعني: يستعمله لإزالة ما يخرج، وما يحصل من أثر الخارج.
فالحديث فيه: الاستنجاء بالماء، وفيه: خدمة الأحرار؛ لأن أنس بن مالك وهذا الذي معه كانوا يخدمون النبي صلى الله عليه وسلم، وهم من الأحرار، ففيه: خدمة الأحرار.
إسحاق بن إبراهيم مر ذكره مراراً، وهو: إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المشهور بـابن راهويه، وقلت لكم: إن المحدثين يقولون: راهويَه، واللغويين يقولون: راهويْه؛ يعني: مختوم بويه، وهو من الثقات الأثبات، ومن الفقهاء، وهو من رجال أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه كما عرفنا ذلك فيما مضى، وقد رووا عنه مباشرة، فكل واحد منهم خرج حديثه، وكل واحد منهم يعتبر إسحاق شيخاً له.
فأصحاب الكتب الستة ما عدا ابن ماجه هم من تلامذته، أما ابن ماجه فلم يخرج له شيئاً، وذكرنا فيما مضى أن من عادته وطريقته: أنه يستعمل (أخبرنا) كما هو موجود هنا، فيقول: أخبرنا.
والنسائي هذه طريقته يقول: أخبرنا، وطريقة إسحاق بن راهويه كذلك يقول: أخبرنا؛ وهذه العادة ذكرها الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وقال: الذي عرف بالاستقراء أن من عادته أنه يستعمل أخبرنا، حتى إن الحافظ ابن حجر إذا روى ابن ماجه عن شخص اسمه إسحاق ولم ينسبه، يستدل على أنه ابن راهويه بتعبيره بـ(أخبرنا)، كما ذكر هذا في مواضع، أحد هذه المواضع كما في الجزء السادس صفحة أربعمائة وواحد وتسعين عند حديث نزول عيسى بن مريم من السماء؛ حيث ينزل حكماً مقسطاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ففي إسناد هذا الحديث ذكر الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث الذي جاء عن إسحاق غير منسوب، قال ابن ماجه : حدثنا إسحاق، وما قال: ابن راهويه، ولكن ابن حجر عندما شرح الحديث جزم بأنه ابن راهويه، وذكر الدليل على ذلك: أنه من عادته أن يستعمل أخبرنا، وذكر أدلة أخرى أيضاً تدل على أنه ابن راهويه، ولكن هناك بعض المواضع جاءت عنه -كما دونتها عندي- يقول فيها: (حدثنا) وهذا قليل ونادر، وأما الغالب عليه فهو استعمال (أخبرنا) كما ذكره الحافظ.
قوله: [أخبرنا النضر].
والنضر يأتي لأول مرة في رجال النسائي، والنضر يطلق على جماعة، ولكن المزي في تهذيب الكمال في الذين رووا عن شعبة ممن يقال لهم: النضر، لم يذكر إلا النضر بن شميل.
فإذاً: الراوي عن شعبة في هذا الإسناد الذي لم ينسب هو النضر بن شميل.
والنضر بن شميل ثقة ثبت، من رجال الجماعة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
ويطلقون على الرجل الذي يذكر ولا ينسب: المهمل، ومعرفة المهمل يكون بالرجوع إلى شيوخه وإلى تلاميذه.
وكما ذكرت: الحديث في سنن النسائي، ورجال النسائي وغير النسائي من أصحاب الكتب وهم موجودون في تهذيب الكمال، وتهذيب الكمال يذكر الشيوخ، والتلاميذ، ويستقصيهم على حروف المعجم؛ فيذكر الشيوخ على حروف المعجم، والتلاميذ على حروف المعجم في كل ترجمة، فعندما ذكر الذين أخذوا عن شعبة لم يذكر فيهم ممن يسمى النضر إلا النضر بن شميل.
فإذاً: النضر المهمل هنا هو النضر بن شميل، وهو ثقة ثبت، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة
[ أخبرنا شعبة].
وهو: ابن الحجاج الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من أئمة الجرح والتعديل، وقد سبق أن مر ذكره، وهو من رجال الكتب الستة، فكلهم خرجوا حديثه.
[عن عطاء بن أبي ميمونة].
وعطاء بن أبي ميمونة هذا من الثقات الأثبات، وقد خرج حديثه الجماعة إلا الترمذي فإنه لم يخرج حديثه.
وأما البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه فقد خرجوا حديثه.
إذاً: عندنا في الإسناد إسحاق روى له الجماعة إلا ابن ماجه ، وعطاء بن أبي ميمونة روى له الجماعة إلا الترمذي، والباقون خرج حديثهم أصحاب الكتب جميعاً.
[عن أنس بن مالك].
أنس بن مالك، هو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنه، وعن الصحابة أجمعين.
ثم أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، التي تقول فيه للنساء: (مرن أزواجن أن يستطيبوا بالماء؛ فإني أستحييهم منه، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله).
قولها: (إن النبي كان يفعله)؛ يعني: يستطيب بالماء، ويستنجي به، والمقصود من ذلك: إرشادها للنساء أن يذكرن أزواجهن بما هو الأفضل والأكمل، لا أن غيره لا يجزئ، بل إن هذا هو الأولى؛ الذي هو الماء، أما غيره فإنه يجزئ عنه، فهو يجزئ عن غيره، وغيره قد يجزئ وقد لا يجزئ، كما ذكرت ذلك من قبل فيما إذا تجاوز المحل الخارج فهنا لازم من الماء، وإذا لم يتجاوز فإنه تكفي الحجارة.
وقولها: (إني أستحييهم منه) يعني: أنها تستحي أن تتكلم معهم، وأن تبدأهم بمثل ذلك، لكن كونها تأمر النساء بأن يذكرن أزواجهن، وأن يتحدثن مع أزواجهن، وأن يروين عنها هذا الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله فليس فيه حياء، لكن ليس ذلك على سبيل اللازم، وأنه متعين، بل هو إرشاد إلى ما هو الأولى والأكمل.
قد مر ذكره قريباً.
[حدثنا أبو عوانة].
وأبو عوانة يأتي ذكره لأول مرة، وهو: الوضاح بن عبد الله اليشكري، وهو مشهور بكنيته، ويأتي ذكره كثيراً في الأسانيد بهذه الكنية: أبو عوانة، في الصحيحين وفي غيرهما، وهو ثقة، ثبت، من رجال الجماعة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكانت وفاته بعد المائة والسبعين؛ مائة وأربعة وسبعين أو خمسة وسبعين، وهناك شخص يقال له: أبو عوانة مشهور بهذه الكنية، وهو صاحب المستخرج، أو المسند أو الصحيح، يقال له: صحيح أبي عوانة، ومسند أبي عوانة، ومستخرج أبي عوانة، وقد طبع منه بعض الأجزاء، وهو مشهور بكنيته، وهو شخص آخر غير هذا، وهو يعقوب بن إسحاق الإسفراييني المتوفي سنة ثلاثمائة وستة عشر، وهو صاحب هذا الكتاب الذي له ثلاثة أسماء، يقال له: مسند؛ لأنه مسند؛ حدثنا فلان إلى آخر الإسناد، ويقال له: مستخرج؛ لأنه مستخرج على صحيح مسلم، ويقال له: صحيح؛ لأنه مبني على صحيح مسلم.
إذاً: أبو عوانة الذي معنا هو من طبقة شيوخ ابن ماجه، ومسلم، وهو من طبقة شيوخ شيوخهم؛ لأنه يروي عن قتيبة، عن أبي عوانة، فـأبو عوانة في القرن الثاني الذي هو اليشكري، وهو من رجال الجماعة، أما أبو عوانة الإسفراييني صاحب المستخرج، فقد توفي في القرن الرابع سنة ثلاثمائة وستة عشر.
ومعرفة الأسماء المتشابهة إذا تذكرها الإنسان يسلم من الخطأ الفاحش؛ لأن بعض الناس الذي لا يدري يمكن أن يقع في باله أبو عوانة الذي هو صاحب الصحيح، وصاحب الصحيح هو متأخر؛ يعني: وفاته كان في القرن الرابع الهجري بعد النسائي بثلاث عشرة سنة.
[عن قتادة ].
وهو: ابن دعامة السدوسي الذي سبق أن مر، وحديثه في الكتب الستة، وهو من الثقات الحفاظ.
[عن معاذة].
هي: معاذة بنت عبد الله العدوية، وهي ثقة، خرج حديثها أصحاب الكتب الستة، فهي من الراويات اللاتي خرج عنهن أصحاب الكتب، ولا نقول: من رجال الجماعة؛ لأنها امرأة، ولكن نقول: هي من الراويات اللاتي خرج لهن أصحاب الكتب الستة، وهي من الثقات، وهي التي جاءت في حديث في الصحيحين أنها سألت عائشة قالت: (ما بال الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة؟ قالت: أحرورية أنتِ؟ قالت: لا، ولكني أسأل)، وكانت السائلة هي معاذة العدوية التي سألت عائشة هذا السؤال، فهي تروي عن عائشة، وحديثها في الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة تقدم ذكرها مراراً.
يقول النسائي رحمه الله: النهي عن الاستنجاء باليمين.
وهذه الترجمة أوردها النسائي، وأورد تحتها أحاديث، ومقصوده من ذلك: بيان أن اليد اليمنى لا تستعمل عند قضاء الحاجة، وإنما التي تستعمل الشمال، فلا يمس الذي يقضي حاجته ذكره بيمينه، ولا يستنجي بيمينه؛ معناه: أنه لا يستعمل اليمين عند قضاء الحاجة، وإنما يستعمل الشمال.
وقد أورد النسائي حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه، الذي يقول فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في إنائه، وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه، ولا يتمسح بيمينه).
فقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في إنائه)، يعني: عندما يريد التنفس، يبعد الإناء عن فمه، ويزيحه عن فمه، ويتنفس خارج الإناء، وهذا من آداب الشرب: أن الإنسان لا يتنفس في الإناء، وإنما يشرب بدون تنفس يخرج على الماء، فإذا احتاج إلى التنفس فإنه يقطع الشرب ويزيل الإناء عن وجهه، ثم يتنفس، ثم يعود إلى الشرب.
وإنما نهي عن التنفس في الإناء؛ لأنه قد يخرج شيء من أنف الإنسان، فيكون سبباً في تقذره، وكذلك غيره إذا رآه يتنفس، ويخرج نفسه إلى الماء وهو بحاجة إلى الشرب بعده فإنه قد لا يقبل إذا حصل منه ذلك.
وكما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه)، اليمنى لا تستعملها عند قضاء الحاجة، لا للاستنجاء ولا للمس، بحيث تكون بعيدة عن مس الذكر، والاستنجاء عند قضاء الحاجة، وإنما جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين النهي عن التنفس في الإناء، وبين النهي عن مس الذكر باليمين، والاستنجاء باليمين؛ لأنه عليه الصلاة والسلام ذكر آداب الشرب، وذكر آداب الاستنجاء، فناسب الجمع بين هذه الأمور؛ لأنها عند دخوله وعند خروجه، وعند شربه لا يتنفس وهو عند الشرب، وعند خروجه لا يستعمل اليمين.
وإسماعيل بن مسعود هذا من شيوخ النسائي، وهو بصري ثقة، ويكنى بـأبي مسعود؛ يعني: وافقت كنيته اسم أبيه، ومن أنواع علوم الحديث: معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، والفائدة من معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه من الرواة هي كوننا نعرف الرجل إذا كانت وافقت كنيته اسم أبيه حتى لا يظن التصحيف؛ وسبق أن مر لهذا نظائر، مثل هناد بن السري وهناد أبو السري، وكذلك عدد كبير يأتي ذكرهم من الرواة، وافقت كناهم أسماء آبائهم.
وإسماعيل هذا من رجال النسائي فقط، خرج له النسائي وحده، ولم نخرج له أصحاب الكتب الباقين.
[حدثنا خالد].
وهو: ابن الحارث، وهو بصري ثقة، وهو من رجال الجماعة.
[عن هشام].
وهو: ابن أبي عبد الله الدستوائي الذي سبق أن مر بنا ذكره، وهو من رجال الجماعة، وهو ثقة.
[عن يحيى].
وهو: ابن أبي كثير الذي سبق أن مر ذكره، والأحاديث كلها وهذا الحديث تدور عليه؛ يعني: طرق هذا الحديث -الذي هو حديث النهي- من حديث أبي قتادة عن ابنه عبد الله، عن يحيى كلها تأتي عن يحيى بن أبي كثير وتتفرع عنه، وقد سبق أن مر بنا الحديث فيما مضى عن أبي معاوية، عن يحيى بن أبي كثير، وأما هنا عن هشام، عن يحيى بن أبي كثير.
ويحيى بن أبي كثير هذا ثقة من رجال الجماعة، وسبق أن ذكرت لكم أنه قال كلمة عظيمة في بيان طلب العلم، والحث عليه، والصبر عليه، قد ذكرها مسلم عنه في صحيحه، وهي قوله: لا يستطاع العلم براحة الجسد.
هذه كلمة جميلة من كلمات هذا الرجل الذي هو يحيى بن أبي كثير.
قوله: [ عن عبد الله بن أبي قتادة].
وعبد الله بن أبي قتادة، ثقة من رجال الجماعة، وسبق أن مر ذكره.
قوله: [عن أبيه].
وأبوه هو: أبو قتادة الأنصاري، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وسبق أن مر ذكره.
وعلى هذا؛ فإن رجال الإسناد كلهم من رجال الجماعة إلا إسماعيل بن مسعود شيخ النسائي؛ فإنه من رجال النسائي وحده، والباقون من رجال الجماعة، وكلهم من الثقات، إسماعيل بن مسعود، ثم بعده خالد بن الحارث، ثم بعده هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، ثم يحيى بن أبي كثير، ثم عبد الله بن أبي قتادة، كل هؤلاء من الثقات، وكلهم خرج حديثهم الجماعة، إلا شيخ النسائي؛ فإنه لم يخرج له إلا النسائي.
ثم أورد النسائي هذا الحديث؛ حديث أبي قتادة من طريق أخرى، إلى يحيى بن أبي كثير، وفيه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتنفس في الإناء، وأن يمس ذكره بيمينه، وأن يستطيب بيمينه ).
وهذه الرواية مطلقة؛ وهي قوله: (وأن يمس ذكره بيمينه)، ليس فيها: عند قضاء الحاجة، بخلاف الرواية السابقة، وكذلك الرواية التي سبقت فيما مضى.
ومن العلماء من قال: إن المطلق محمول على المقيد؛ يعني: معناه أن النهي إنما هو عند قضاء الحاجة، ووجه هذا: أن الأحاديث كلها تدور على يحيى بن أبي كثير، وكل الطرق تأتي عنه، والقصة واحدة، والحديث واحد، إذاً: فالتي فيها التقييد وأن النهي عن مس الذكر عند قضاء الحاجة، تقيد الرواية المطلقة، فيحمل المطلق على المقيد، فيكون النهي في هذا محمولاً على ما جاء من التقييد؛ لأن الحديث واحد، وهو جاء عن يحيى بن أبي كثير، عن ابن أبي قتادة، عن أبي قتادة.
وذكرت في ما مضى: أن السبب في هذا أن قضاء الحاجة تكون اليد اليمنى عرضة للنجاسة، ومن المعلوم أن الشريعة جاءت بأن تُستعمل اليمين في الأمور المحمودة، والأمور الطيبة، والشمال تستعمل بخلافها، فالنهي عن مس الذكر باليمين عند قضاء الحاجة؛ لما فيه من التعرض للنجاسة.
ومن العلماء من قال: إن النهي يكون على إطلاقه، وأنه إذا نهي عن مس الذكر باليمين عند قضاء الحاجة فهو عند غير قضاء الحاجة من باب أولى، وذكرت فيما مضى: أن هذه الأولوية ليست واضحة؛ لأن النهي عند قضاء الحاجة إنما هو لخوف النجاسة، وأما إذا لم يكن هناك قضاء حاجة فليس هناك ما يدل على الأولوية؛ يعني: أن مسه عند عدم الحاجة من باب أولى؛ لأن هناك مظنة نجاسة، وهنا ليس فيه مظنة نجاسة، ومن المعلوم أن الإنسان يستنثر بيساره، ولا يستنثر بيمينه؛ يعني: عندما يخرج ما في أنفه يخرجه باليسار، ولا يخرجه باليمين، لكن كونه يلمس أنفه بيمينه في غير حاجة الاستنثار ليس فيه مانع، فكذلك مس ذكره بيمنيه في غير قضاء الحاجة لا يكون ممنوعاً، فمن العلماء من حمل المطلق على المقيد، ومنهم من قال: إنه يكون مطلقاً، ويقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كما في حديث طلق بن علي سأله عن مس الذكر؟ قال: (هل ينقضه؟ قال: هل هو إلا بضعة منك)؛ معناه: أن اللمس كما يكون بالشمال يكون باليمين، وأطلق هنا في السؤال، وأطلق في الجواب.
وقوله: (وأن يستطيب بيمينه)؛ يعني: يستنجي بيمينه، أو يستجمر بيمينه، فكلها لا تكون باليمين، وإنما تكون بالشمال.
وعبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بصري، صدوق من رجال الجماعة إلا ابن ماجه ، فهو شيخ لأصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه ، يعني الخمسة رووا عنه مباشرة، وابن ماجه ما خرج له في صحيحه شيئاً.
[حدثنا عبد الوهاب].
هو: ابن عبد المجيد الثقفي، وهو من الثقات ومن رجال الجماعة.
[عن أيوب].
وهو: ابن أبي تميمة السختياني، وهو من الثقات الأثبات، ومن رجال الجماعة.
[عن يحيى بن أبي كثير].
وعند يحيى بن أبي كثير، التقى الإسناد مع الأسانيد السابقة ومع الطرق السابقة؛ لأنها كلها تدور على يحيى بن أبي كثير وهي أسانيد حديث أبي قتادة يرويه عن ابن أبي قتادة عبد الله، وعبد الله يرويه عن أبيه أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر