أخبرنا إبراهيم بن الحسن المقسمي حدثنا حجاج قال ابن جريج: حدثني شيبة أن محمد بن علي أخبره قال: أخبرني أبي علي، أن الحسين بن علي قال: (دعاني أبي
يقول النسائي رحمه الله: باب صفة الوضوء.
وأورد فيه حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه من إحدى الطرق التي جاءت عن الإمام علي رضي الله عنه، والتي هي مشتملة على بيان صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الطريق التي أوردها النسائي هنا هي من طريق أهل البيت، وهي من طريق محمد بن علي بن الحسين أبو جعفر، عن علي بن الحسين عن الحسين بن علي، عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه.
والحسين بن علي رضي الله عنه وأرضاه يقول: إن أباه علي رضي الله عنه أمره: بأن يأتي له بوضوء، فجاء بالوضوء فأفرغ على يديه من الإناء ثلاث مرات، فغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثاً، ثم تمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وغسل يده اليمنى ثلاثاً، ثم اليسرى ثلاثاً، ثم مسح برأسه واحدة، ثم غسل رجله اليمنى ثلاثاً، ثم اليسرى ثلاثاً، ثم قام وطلب منه أن يناوله ما بقي من الماء، فشرب وهو قائم، فرآه الحسين، وظهر له منه التعجب من صنيعه، وهو أنه شرب قائماً، فقال: لا تعجب، فإن أباك النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وشرب قائماً، ويشير بذلك إلى صفة الوضوء، وإلى كونه شرب من بقية وضوئه قائماً ،ولكونه عليه الصلاة والسلام توضأ هذا الوضوء الكامل، الذي ثلث فيه الأعضاء، إلا الرأس فإنه جاء فيه أنه مسح مرة واحدة، ثم شرب وهو قائم، وقال: إن أباك النبي عليه الصلاة والسلام فعل مثل ما صنعت، مشيراً إلى فعله الوضوء، وإلى شربه قائماً بعد أن فرغ من الوضوء.
وهذه الكيفية التي جاءت عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، مشتملة على صفة الوضوء، وعلى أكمل صفاته، وهي التثليث في الأعضاء المغسولة من البداية حتى النهاية إلا ما يمسح فإنه أشار إلى مسحه مرة واحدة.
وهذه الصفة التي هي التثليث هي أكمل صفات الوضوء، ولا يزاد عليها، وإنما يقتصر على هذا العدد، ولا يتجاوزه بإضافة غسلات أخرى أكثر من الثلاث؛ لأنه هو الذي جاء في السنة.
ومما اشتملت عليه هذه الكيفية التي جاءت عن أمير المؤمنين علي، ويرويها عنه ابنه الحسين بن علي، وعلي بن الحسين يروي عن الحسين، وأبو جعفر محمد بن علي يروي عن أبيه علي بن الحسين، فهذا الإسناد الذي فيه أربعة من أهل البيت، ومن أئمة أهل البيت، علي، وابنه الحسين، وابن ابنه علي بن الحسين، وابن ابن ابنه محمد بن علي بن الحسين رضي الله تعالى عن علي ورحمة الله على الجميع، بهذه الكيفية مشتملة على أن علياً رضي الله عنه حكى كيفية وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك أنه غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاثاً، ورجله اليسرى بعد ذلك إلى الكعبين ثلاثاً، وحدد ذلك بالكعبين، وأن الرجل الواحدة لها كعبان، وهذا يدلنا على ما ذهب إليه أهل السنة قاطبة، من أن فرض الرجلين، إنما هو الغسل وليس المسح، بخلاف ما عليه الرافضة الذين يقولون: إن فرضهم المسح وليس الغسل، فهذا علي وأبنائه يروون عنه، مسلسل بأربعة من أهل البيت، فهذه هي السنة، وأن الرجلين مغسولتان إلى الكعبين، وحديث علي رضي الله عنه يقول: غسل الرجل اليمنى إلى الكعبين، ففيه أن لكل رجل كعبان، وأن نهاية الغسل إنما هو الكعبان، ففرض الرجلين هو الغسل إلى الكعبين، وليس المسح إلى كعب واحدة، وهي التي تكون في ظهر القدم.
وهذه الصفة كما يرويها علي يرويها غيره من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ويل للأعقاب من النار).
والأعقاب: هي مؤخرة القدم، حيث ينبو عنها الماء، فإنه رأى جماعة من أصحابه يتوضئون، وإذا ببعض الماء قد نبأَ عن أجزاء من العقب، فقال عليه الصلاة والسلام: (ويل للأعقاب من النار)، وهذا يدلنا على أن فرض الرجلين الغسل وليس المسح.
ثم أيضاً ما جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إن أمتي يأتون غراً محجلين من أثر الوضوء) يعني: هذا الماء الذي أصاب الأقدام، والأرجل، وأصاب الأيدي، يكون علامة لهم يوم القيامة يعرفون بها، والرافضة يخالفون هذه السنة، وهذا الفرض الذي رواه الإمام علي رضي الله عنه، ورواه غيره من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، ويقعون في ما حذر منه الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: (ويل للأعقاب من النار)، ويعملون على أن لا يكون الواحد منهم ممن يأتي يوم القيامة غراً محجلاً، وهي علامة أمة محمد عليه الصلاة والسلام، والتي يعرف أصحابه بها؛ ذلك لأنهم لا يغسلون أرجلهم.
ثم إنه ورد في بعض طرق الحديث: أن الرسول عليه الصلاة والسلام، يذاد عن حوضه أناس، فيقول: (أصحابي أو أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، ويجعلون هذا حجة في أن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من بعده ارتدوا، أو فسقوا، أو ما إلى ذلك مما يقولونه، وهم في الحقيقة حقيقون وحريون بأن يذادوا عن الحوض؛ لأنهم لا يغسلون أرجلهم، وليست فيهم علامة أمة محمد عليه الصلاة والسلام، وهي أنهم يأتون غراً محجلين من أثر الوضوء.
فهذا الحديث الذي جاء عن علي رضي الله عنه واضح الدلالة على ما كان عليه أهل الحق، أهل السنة والجماعة، المتابعين للنبي عليه الصلاة والسلام، والذين يحبون رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويحبون أصحاب رسول الله جميعاً، ويحبون من كان من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، من الصحابة، يحبونه لصحبته ولقرابته، وكذلك من كان من أهل بيته من الأبرار الأتقياء، يحبونه لتقواه، ولقربه من رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
أما من كان من أهل البيت بعيداً عن الحق والهدى؛ فإن هذا يدخل تحت قوله عليه الصلاة والسلام: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)، وهو حديث صحيح, رواه الإمام مسلم في صحيحه ضمن حديث طويل.
وهو إبراهيم بن الحسن المصيصي، ويقال له: المقسمي كما ذكره النسائي هنا، وقد تقدم ذكره مراراً، يروي عنه النسائي، ويقول فيما مضى: أخبرنا إبراهيم بن الحسن، وهنا زاد المقسمي، وهو المصيصي، وهو ثقة، خرّج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه في التفسير.
وحجاج هنا غير منسوب، وهو: حجاج بن محمد المصيصي، الذي سبق أن مر ذكره فيما مضى، في أحاديث يروي فيها إبراهيم بن الحسن عنه، والاثنان مصيصيان، فـإبراهيم بن الحسن المصيصي، وشيخه حجاج بن محمد أيضاً مصيصي، وهو ثقة خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ قال ابن جريج].
هو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، مشهور، وقد مر ذكره فيما مضى أنه يروي عنه حجاج بن محمد المصيصي، فـعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي هو أحد الثقات، وحديثه في الكتب الستة.
[ حدثني شيبة ].
وشيبة هذا غير منسوب، وهو شيبة بن نصاح المدني، وهو ثقة، لم يخرج له من أصحاب الكتب إلا النسائي، كما أنه لم يخرج له النسائي إلا هذا الحديث الواحد، فلا يأتي ذكر هذا الرجل في سنن النسائي إلا في رواية هذا الحديث عن علي في بيان صفة وضوء النبي عليه الصلاة والسلام، فهو ممن انفرد النسائي بالإخراج له.
[ أن محمد بن علي أخبره ].
وهو: محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو جعفر الباقر، وهو إمام من أئمة أهل السنة، وهو ثقة فاضل، مكثر من رواية الحديث عن رسول الله، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الأئمة الإثني عشر عند الرافضة الذين يبالغون في الغلو بهم، بل يرفعونهم فوق منازل الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين، وهذه المقالة ليست مما يضاف إليهم؛ يعني: مما أضيف إليهم، أو اُلصق بهم، وهم براء منه، فإنه موجود، فهذا الكلام موجود في كتاب زعيم كبير لهم في هذا العصر، هلك قبل ثلاث سنوات، وهو: الخميني، فإنه قال في كتابه: (الحكومة الإسلامية)، وفي صفحة (52) من نفس الكتاب، يقول: وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل.
فهذا كلام الخميني الموجود في كتابه الذي هو معروف ومشاهد، ومنتشر في أرجاء الأرض، فهذا الكتاب مشتمل على هذا الكلام الذي يرفع فيه الأئمة الإثني عشر فوق منزلة الملائكة والأنبياء، وإذا كان هذا كلام زعيمهم الكبير، ومرجعهم الأعلى، وآيتهم العظمى؛ فإذاً الأتباع تبعاً لهذا المتبوع الذي هذا كلامه، وهذا افتراؤه في غاية البطلان.
] أخبرني أبي علي [.
أبوه علي، وهو زين العابدين علي بن الحسين، وهو من فضلاء أهل البيت، ومن خيارهم، ومن زهادهم وعبادهم، وهو ثقة، وحديثه في الكتب الستة.
[ أن الحسين بن علي قال ].
وعلي بن الحسين يروي عن أبيه الحسين بن علي سبط رسول الله عليه الصلاة والسلام فهو أحد السبطين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (
وهو ابن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ابن بنته، وابن البنت ابن، وعلي رضي الله عنه قال له: إن أباك النبي صلى الله عليه وسلم، قال له لما رآه يتعجب من شربه قائماً، قال: إن أباك النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا، والحسين هو أحد الصحابة الكرام، والصحابة كما عرفنا لا يحتاجون إلى أن يقال في واحد منهم: ثقة، أو هو كذا، يكفيه شرفاً وفضلاً أن يقال: إنه صاحب رسول الله، وهذا جمع بين الصحبة والقرابة والبنوة من النبي عليه الصلاة والسلام، فهو صحابي، سبط، وهو ممن شهد له بالجنة.
[ دعاني أبي علي ].
وعلي أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وهو أفضل الصحابة بعد أبي بكر، وعمر، وعثمان، أفضل ممن مشى على الأرض بعد الأنبياء والمرسلين، ولهذا قالوا في ترجمته لما قتل في عام (40): وهو خير الأحياء من بني آدم على وجه الأرض؛ يعني: في زمان وفاته، وفي وقته الذي كان الخليفة فيه، لم يكن في زمان خلافته من هو أفضل منه، ممن هو على بني آدم؛ لأنه لا يسبقه بالفضل إلا أبو بكر، وعمر، وعثمان، وهو رابع الخلفاء الراشدين، وهو صهر رسول الله عليه الصلاة والسلام، وزوج ابنته فاطمة، وهو أول من أسلم من الصبيان، وترعرع في حضن الرسول عليه الصلاة والسلام، وتربى على يديه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله تعالى عن علي، وعن الصحابة أجمعين.
وهذا الإسناد كما ذكرت فيه أربعة من أهل البيت: علي رضي الله عنه، وابنه الحسين بن علي رضي الله عنه، وابن ابنه علي بن الحسين رحمة الله عليه، وابن ابن ابنه محمد بن علي بن الحسين بن علي رحمة الله عليه، فالإسناد فيه أربعة من أهل البيت، صحابيان وتابعيان، فالصحابيان هما: علي وابنه الحسين، والتابعيان وهما: علي بن الحسين، وابنه محمد بن علي بن الحسين، رحمة الله على الجميع.
فرضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين، ولهذا من عقيدة أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، فهم يحبونهم ويتولونهم جميعاً، وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل والإنصاف، لا بالهواء والتعصب، ومعولهم في ذلك كله على الأدلة الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي حية وهو ابن قيس قال: رأيت علياً رضي الله عنه توضأ فغسل كفيه حتى أنقاهما، ثم تمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وغسل ذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، ثم مسح برأسه، ثم غسل قدميه إلى الكعبين، ثم قام فأخذ فضل طهوره فشرب وهو قائم، ثم قال: أحببت أن أريكم كيف طهور النبي صلى الله عليه وسلم ].
أورد النسائي عدد غسلات اليدين، وأنها ثلاث على الصفة الكاملة، مورداً حديث علي رضي الله عنه في صفة وضوء النبي عليه الصلاة والسلام، ولكنه من طريق أخرى غير الطريق الأولى، وبهذا يكون النسائي قد أورد حديث علي من عدة طرق، فالطريق التي قبل هذه فيها أربعة من أهل البيت، وهذه الطريق ليس فيها رواية أهل البيت عنه، وإنما هي من الطرق الأخرى التي جاءت عن علي رضي الله عنه في بيان صفة وضوء النبي الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وهذه الطريق قال في آخرها: (أحببت أن أريكم، أو أعلمكم وضوء النبي صلى الله عليه وسلم)، وهذا يبين لنا ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من الحرص على بيان الحق والهدى، وبيان السنن للناس، وتعليمها للناس بدون سؤال؛ لأن علياً رضي الله عنه هو دعا بماء ليتوضأ، والناس يرونه، وقال: (أحببت أن أريكم كيفية وضوء النبي صلى الله عليه وسلم).
قوله: (رأيت
يعني قوله: (توضأ وغسل يديه حتى أنقاهما)، جاء في بعض الروايات: (أنه غسلها ثلاثاً)، يعني: أنه نظفهما, وصارتا نظيفتين نقيتين.
قوله: (ثم تمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً)، يعني: ذكر المضمضة أولاً، والاستنشاق ثانياً، فهذا من الأدلة التي يستدل بها على الفصل بين المضمضة والاستنشاق، وأن المضمضة والاستنشاق يمكن أن يكونا معاً من كف واحدة، ويمكن أن يفصل بينهما، بحيث يفرغ من المضمضة ثم ينتقل منها إلى الاستنشاق، يفعل ذلك ثلاثاً؛ لأنه جاء الوصل والجمع بينهما في غرفة، وجاء الفصل بينهما، وأن المضمضة تكون على حدة، والاستنشاق يكون على حدة.
وقتيبة بن سعيد هذا مر ذكره كثيراً، بل لعله أكثر من مر ذكره من شيوخ النسائي، والأحاديث التي مضت كثير منها هي من رواية النسائي عن شيخه قتيبة بن سعيد، وهو الذي روى عنه أول حديث في سننه.
] حدثنا أبو الأحوص[.
وأبو الأحوص يأتي ذكره لأول مرة، وهو سلام بن سليم الحنفي، وهو مشهور بكنيته أبي الأحوص، ولهذا يأتي ذكره كثيراً بالكنية، وهو من الثقات المتقنين، وحديثه في أصحاب الكتب الستة.
] عن أبي إسحاق .
هو: عمرو بن عبد الله الهمداني، فقد مر ذكره فيما مضى، وهو ثقة عابد، حديثه خرجه أصحاب الكتب الستة.
] عن أبي حية وهو ابن قيس الوادعي [.
أبو حية بن قيس الوادعي، يقال: إنه ليس له اسم، ولا يعرف له اسم، وإنما مشهور بكنيته، ومنهم من يقول له اسم، وذكروا كلاماً كثيراً في اسمه؛ لكن المشهور: أنه مشهور بهذه الكنية التي هي: أبو حية بن قيس، وقد قال عنه الحافظ في التقريب: إنه مقبول، وقد وثقه بعض العلماء، وحديثه عند أصحاب السنن الأربعة: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
ومن المعلوم أن حديث علي رضي الله عنه جاء من طرق عديدة، فهو على أنه مقبول، وأنه يحتاج إلى متابعة، قد جاء عن علي من طرق عديدة، ومن أقربها الطريق التي قبله، التي فيها رواية الحسين بن علي عن علي، فإن له متابعون كثيرون، رووا ذلك عن علي رضي الله عنه وأرضاه.
] رأيت علياً [.
وعلي رضي الله عنه ذكرتُ أنه رابع الخلفاء الراشدين، وأنه أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأنه صهر رسول الله عليه الصلاة والسلام، أبو الحسنين السبطين: الحسن والحسين، رضي الله تعالى عنهما، وله في الكتب خمس مائة وست وثمانون حديثاً، اتفق البخاري، ومسلم منها على عشرين حديثاً، وانفرد البخاري بتسعة، وانفرد مسلم بخمسة عشر حديثاً.
إن تحقيق المحبة إنما هو بالمتابعة، والسير على منهاجه، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وألا يعبد الله إلا بما شرع عليه الصلاة والسلام.
هذه هي المحبة الصادقة، وفي القرآن آية يسميها بعض العلماء آية الامتحان، وهي قول الله عز وجل: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31]، وهي أن من يدعي محبة الله ورسوله عليه أن يقيم البينة على محبته لله ورسوله، والبينة هي الطاعة والمتابعة، والاستسلام والانقياد لأمر الله، وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام، وأن يكون الإنسان موجوداً عند الأوامر يطبقها، وليس موجوداً عند النواهي يتلبس بها ويقع بها، وإنما هو ممتثل للأوامر، منتهي عن النواهي، منزجر عن المحرمات، وبعيد عن البدع والمحدثات، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه, فهو رد)، و(ومن عمل عملاً ليس عليه أمرنا, فهو رد).
ومن المعلوم أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يحصل منه أنه احتفل بمولده عليه الصلاة والسلام، ولا أرشد إلى ذلك، والخلفاء الراشدون مدة ولايتهم ثلاثون سنة، لم يحصل في تلك السنوات احتفال بمولده عليه الصلاة والسلام، وبعد ذلك في زمن بني أمية وبني العباس، حتى كملت ثلاثمائة سنة وزيادة، ولم توجد فيها هذه البدعة، ثلاثة قرون كاملة لا يعرف فيها احتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى جاء الرافضة العبيديون، الذين حكموا مصر ابتداء من القرن الرابع الهجري، فأحدثوا بدعة الموالد، فهم أول من أحدث هذه البدعة، كما ذكر ذلك المقريزي في كتابه: الخطط والآثار، فإنه قال: إنهم أحدثوا ستة موالد -وهم أول من أحدثها-؛ ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم، وميلاد علي، وميلاد فاطمة، وميلاد الحسن، وميلاد الحسين، وميلاد الحاكم الموجود في زمانهم، هذه ستة موالد أحدثوها، ولا أساس لها من الدين، وإنما هي بدعة رافضية، وأصل ابتداعها تقليدٌ للنصارى، الذين يحتفلون بعيد ميلاد عيسى، ونحن لا نحتفل بميلاد محمد عليه الصلاة والسلام.
والواجب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، واتباعه، وأن يبتعد عن كل ما لم يأت عنه عليه الصلاة والسلام من البدع والمنكرات والمحدثات، وكذلك عن كل ما جاء عنه من الأمور المحرمة التي نهى عنها حرمها؛ لأن هذا هو معنى أشهد أن محمداً رسول الله، وحقيقتها: أن يطاع فيما أمر، وأن يصدق فيما أخبر، وأن يجتنب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.
والعمل المقبول عند الله لا بد فيه من أمرين: أن يكون لله خالصاً، وأن يكون بسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم الموافقة، ولا يكفي في العمل أن يكون قصد صاحبه حسناً؛ لأن بعض الذين يعملون هذه البدعة يقولون: إن قصدنا طيب، ونحن ما أردنا إلا الخير، ونحن نحب الرسول!
نعم محبة الرسول متحتمة؛ لكن تكون باتباعه، وليست في الابتداع وإحداث ما لم يأذن به الله، وما لم يأتِ عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وقد جاء أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى جماعة متحلقين، وبأيديهم حصى، وفيهم واحد يقول: سبحوا مائة، هللوا مائة، كبروا مائة، فكل واحد يعد مائة حصاة، فوقف على رءوسهم، وقال: ما هذا؟ قال: أنتم واحد من الاثنين؛ إما أن تكونوا على طريقة أهدى مما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو أنكم مفتتحوا باب ضلالة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر