أخبرنا عمرو بن علي حدثني يحيى بن سعيد حدثنا سليمان التيمي حدثنا بكر بن عبد الله المزني عن الحسن عن ابن المغيرة بن شعبة ، عن المغيرة رضي الله عنه أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح ناصيته وعمامته، وعلى الخفين). قال بكر : وقد سمعته من ابن المغيرة بن شعبة عن أبيه].
يقول النسائي رحمه الله: [باب المسح على العمامة مع الناصية]، وفي الباب السابق المسح على العمامة، والفرق بين البابين: أن المسح على العمامة وحدها يكون فيما إذا كانت مغطية للرأس كله، بما في ذلك المقدمة التي هي الناصية، أما إذا كانت العمامة ليست ساترة لمقدم الرأس الذي هو الناصية، وإنما قد بدأ شيء من الرأس، فإنه يمسح على الناصية المكشوفة وعلى العمامة، بأن يجمع بينهما؛ لأنه جزء من الرأس, وهو -مقدمه الذي هو الناصية- مكشوف، وما وراء الناصية مغطى.
وقد أورد النسائي رحمه الله في هذه الترجمة حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه: (أنه رأى النبي عليه الصلاة والسلام توضأ ومسح على الناصية والعمامة وعلى خفيه)، يعني: فيكون جمع بين المسح على الناصية؛ لأنه قد كشف شيئاً من مقدم الرأس، وعلى العمامة التي غطت ما بعد الناصية، هذا هو الذي يدل عليه الحديث.
عمرو بن علي هو: الفلاس, وهو ثقة, حافظ، وهو من أئمة الجرح والتعديل الذين كثر كلامهم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وهو ممن خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل إنه شيخ لأصحاب الكتب الستة، كلهم رووا عنه مباشرة: البخاري, ومسلم, وأبو داود، والنسائي, وابن ماجه.
[ عن يحيى بن سعيد ].
وهو: يحيى بن سعيد القطان الإمام المشهور، المحدث, الناقد، وهو من أئمة الجرح والتعديل، وهو مكثر من الرواية، وهو ثقة, حافظ, متقن، وهو ممن روى له أصحاب الكتب الستة، فإذاً: كل من عمرو بن علي الفلاس ويحيى بن سعيد القطان ، كل منهما إمام من أئمة الجرح والتعديل.
[يروي عن سليمان التيمي ].
وهو سليمان بن طرخان التيمي ، يقال له: التيمي وليس من التيميين, وإنما نزل فيهم فنسب إليهم، وهو ثقة, حافظ، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أبو المعتمر الذي سبق أن مر بنا ذكره.
[عن بكر ].
وهو بكر بن عبد الله المزني، وهو ثقة, ثبت, جليل, كما قال الحافظ ابن حجر، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[ عن الحسن ].
ويروي عن الحسن ، والحسن هو: البصري، الحسن بن أبي الحسن ، وهو من الثقات، وهو يدلس ويرسل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، والذين لم يمر ذكرهم هم سليمان التيمي وبكر بن عبد الله المزني ، وأما الباقون فقد مر ذكرهم وهم: عمرو بن علي، ويحيى بن سعيد القطان، والحسن البصري .
[ عن ابن المغيرة].
وهو: حمزة بن المغيرة بن شعبة, وحمزة هذا خرج له مسلم, والنسائي, وابن ماجه، وهو ثقة.
[ عن أبيه].
ويروي عن أبيه المغيرة بن شعبة ، وهو الصحابي, المشهور, المعروف, رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وسبق أن مر ذكره، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
إذاً فرجال الإسناد كلهم وهم: عمرو بن علي الفلاس ، ويحيى بن سعيد القطان ، وسليمان بن طرخان التيمي ، وبكر بن عبد الله المزني ، والحسن البصري ، والمغيرة بن شعبة ، هؤلاء حديثهم عند أصحاب الكتب الستة، والسابع الذي هو حمزة بن المغيرة بن شعبة لم يخرج حديثه إلا مسلم, والنسائي, وابن ماجه، ولم يخرج له البخاري, ولا الترمذي ، ولا أبو داود .
ثم قال في آخره: قال بكر : (وقد سمعته من ابن المغيرة عن أبيه)، يعني: أن هذا الذي رواه عن ابن المغيرة بواسطة رواه عنه بلا واسطة، يعني: الطريق الأولى التي ساقها المصنف يرويه عن ابن المغيرة بواسطة؛ والطريق التي أشار إليها، وهي التي أيضاً ذكرها في الإسناد الذي بعد هذا، يروي مباشرة عن ابن المغيرة ، وعرفنا فيما مضى أن الراوي قد يروي الحديث بواسطة، ويرويه عن الشخص الذي رواه عنه بدون واسطة؛ وذلك لأنه لم يلق العالي فيرويه عنه بواسطة، فإذا لقيه رواه عنه مباشرة، فيكون رواه على الحالين: رواه بالواسطة، ورواه بغير الواسطة، وهذا لا تعل به الأحاديث؛ لأن هذا شيء معروف ومشهور، وبكر بن عبد الله المزني روى الحديث عن الحسن عن ابن المغيرة ، وقد سمعه من ابن المغيرة عن المغيرة ، فيكون الطريق الثاني عالياً، والطريق الأولى نازلة.
أورد النسائي حديث المغيرة بن شعبة من طريق أخرى، وهي مثل الطريقة السابقة، إلا أنه هنا يقول: إنه تخلف مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، يعني: عن الجيش, وذلك في غزوة تبوك، وقد سبق أن مر في الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لحقه وهو راكب, وقرع ظهره بالعصا، يعني: نبهه, فعدل وعدل معه، يعني: ذهب يميناً أو شمالاً، والجيش يمشي، فذهب لقضاء حاجته, ولحقه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، ولما قضى حاجته جاء إليه وقال له: أمعك ماء؟ فكان معه مطهرة، وهي الصفيحة، وهي: وعاءٌ من الجلد يكون فيه الماء، يعني: يكون جلدين يجمع فيما بينهما, فيقال له: صفيحة، وهنا قال: مطهرة، فأفرغ عليه منها ليتوضأ، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغسل وجهه، ولما جاء ليغسل اليدين فأراد أن يخرج الذراعين من كم الجبة التي عليه، فلم تخرج؛ لأن كم الجبة ضيق، فأخرج يده من الداخل, ونزع الجبة ووضعها على الكتفين، وغسل ذراعيه عليه الصلاة والسلام، ومسح على العمامة والناصية، ومسح على الخفين، وهنا أورده من وجه قوله: مسح على العمامة والناصية، وقد عرفنا أن المسح على العمامة والناصية فيما إذا كانت الناصية مكشوفة، أما إذا كانت مغطاة فإن المسح يكون على العمامة كلها.
وشيخ النسائي في الإسناد الأول هو عمرو بن علي، فهنا ذكره أيضاً مرة أخرى، وذكر معه أيضاً حميد بن مسعدة، وهو صدوق، خرج حديثه مسلم, وأصحاب السنن الأربعة.
قال في الإسناد: وهو ابن زريع ؛ لأن الراوي عنه، قال: يزيد : ولم ينسبه، فالذي هو دون التلميذ، إذا أراد أن يضيف شيئاً يوضح ذلك الرجل الذي لم ينسب، فإنه يأتي بكلمة (هو) أو بكلمة (هو فلان)، أو (ابن فلان)، أو (الفلاني)، أو ما إلى ذلك، وهنا قال: هو ابن زريع ، فكلمة (هو) دلتنا على أن الذي قالها هو من دون التلميذ، إما النسائي, وإما من دون النسائي، وأما التلميذ فلا يحتاج إلى أن يقول: هو، وإنما ينسبه كما يريد، ويأتي بنسبه وكنيته ولقبه على أي حالة يريد؛ لأن الكلام كلامه. ويزيد بن زريع ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حميد ].
هو: حميد بن أبي حميد الطويل، ويأتي ذكره لأول مرة، وهو ثقة, يدلس، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا بكر بن عبد الله ].
وهنا صرح حميد بالتحديث؛ لأنه قال: حدثنا، والمدلس إذا صرح بالتحديث، فإنه لا أثر لتدليسه، وإنما التدليس يخشى فيما إذا جاءت (عن) أو (قال) التي هي تحتمل الاتصال، وتحتمل أن يكون بينه وبينه واسطة، أما إذا صرح بالتحديث كما هنا، فإن الأمر لا إشكال فيه.
[عن حمزة بن المغيرة ].
هناك قال: حدثنا بكر بن عبد الله -الذي مر في الإسناد السابق الذي قبل هذا- عن الحسن عن حمزة، وهنا يسمى ابن المغيرة؛ لأن في الإسناد الأول قال: ابن المغيرة ، وهنا قال: حمزة بن المغيرة، فالإسناد متفق مع ما ذكر بعد الحديث السابق: أن بكر بن عبد الله سمع من ابن المغيرة؛ لأنه هنا يروي عن ابن المغيرة، يعني: ليس بينه وبينه واسطة، وإنما يروي عنه مباشرة، فالإسناد الأول نازل؛ لأن فيه واسطة، فيه زيادة رجل بين بكر وبين حمزة بن المغيرة ، وهنا ليس بينه وبينه واسطة، فصار الإسناد عالياً؛ لأنها قلت الوسائط فيه، وحمزة بن المغيرة هو الذي مر في الإسناد السابق، وذكر أنه من رجال مسلم, والنسائي, وابن ماجه .
[عن أبيه].
والمغيرة كذلك مر ذكره في الحديث الماضي.
أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا هشيم أخبرنا يونس بن عبيد عن ابن سيرين أخبرني عمرو بن وهب الثقفي سمعت المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (خصلتان لا أسأل عنهما أحداً بعدما شهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كنا معه في سفر، فبرز لحاجته، ثم جاء فتوضأ ومسح بناصيته وجانبي عمامته، ومسح على خفيه، قال: وصلاة الإمام خلف الرجل من رعيته، فشهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان في سفر، فحضرت الصلاة، فاحتبس عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأقاموا الصلاة، وقدموا
أورد النسائي هذه الترجمة وهي باب: كيف المسح على العمامة، بعدما ذكر حكم المسح على العمامة، ذكر كيفية المسح على العمامة، وأورد فيه حديث المغيرة بن شعبة أيضاً الذي يقول فيه: خصلتان لا أسأل عنهما أحداً بعد أن رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أولهما: أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ذهب إلى البراز، يعني: إلى مكان بارز، مكان بعيد عن الناس، وكان في سفر، يعني: ترك الجيش وذهب إلى جهة بعيدة عنهم، وقضى حاجته، ثم مسح على الناصية وجانبي العمامة وعلى الخفين.
والخصلة الثانية: صلاة الإمام خلف أحد من الرعية، وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام لما كان متخلفاً, ومعه المغيرة بن شعبة ليقضي حاجته، حانت الصلاة، وتأخر عليهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فقدموا عبد الرحمن بن عوف ليصلي بهم، فصلى بهم ركعة من صلاة الفجر، ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام، لحق بهم، وقد سبق أن مر أن المغيرة بن شعبة أراد أن يؤذن عبد الرحمن بن عوف , وأن يخبره بمجيء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فأمره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يدعه، وقال: دعه، يعني: يكمل الصلاة، ثم صلى وراءه النبي عليه الصلاة والسلام، الركعة التي بقيت من الصلاة، ولما سلم عبد الرحمن بن عوف قام النبي عليه الصلاة والسلام ومعه المغيرة بن شعبة، قضيا الركعة التي سبقا بها، فـالمغيرة بن شعبة ، يقول: خصلتان لا أسأل عنهما أحداً، أي: وجدت ما يشفي ويكفي مع رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأنه إذا وجد الحديث ووجد الحكم عن الرسول عليه الصلاة والسلام، فلا يحتاج إلى أن يسأل أحداً عن ذلك الذي وجد حكمه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
ومحل الشاهد هو ما في الخصلة الأولى: من أنه مسح على الناصية وجانبي العمامة، معناه أنه يمسح على الرأس كله، الناصية وجانبي العمامة؛ لأن الجانبين كما هو معلوم أن اليد تأتي على الرأس من الجانبين، فمعناه أنها استوعبت الرأس، وظاهر ما جاء في الحديث هنا أن المسح إنما هو مرة واحدة، مسح على الناصية وعلى جانبي العمامة، ومن المعلوم أن جانبي العمامة اليمين والشمال، فإذا ذهبت اليدان من الناصية إلى الخلف، فإنها تكون على جانبي العمامة، وأطراف الأصابع هي متلاقية في الوسط، فيكون المسح على الرأس كله على الناصية التي هي مقدم الرأس، وعلى العمامة التي هي مغطية ما وراء الناصية.
يعقوب بن إبراهيم هو الدورقي وهو ثقة، من رجال الجماعة، بل إنه شيخ لأصحاب الكتب الستة، كلهم رووا عنه مباشرة، يعني: مثل ما حصل بالنسبة لـعمرو بن علي الفلاس , الذي أشرت إليه آنفاً، حصل بالنسبة لـيعقوب بن إبراهيم الدورقي , وهو من الثقات الحفاظ.
[حدثنا هشيم ].
هشيم يأتي ذكره لأول مرة، وهو هشيم بن بشير الواسطي أبو معاوية ، وهو ثقة حافظ، ولكنه كثير التدليس والإرسال الخفي، والتدليس معناه كما مضى: كون الراوي يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم السماع منه بــ (عن) أو (قال)، أما إذا أتى بـ سمعت, أو حدثنا, أو أخبرنا, أو أنبأنا، فإن هذا لا تدليس معه.
أما الإرسال الخفي فهو: أن يروي عمن عاصره ولم يعرف أنه لقيه، سمي خفياً؛ لأن الشخص معاصر لمن أرسل عنه، أما إذا كان أرسل عن إنسان ما عاصره ولا أدرك عصره، فهذا إرسال واضح ليس بخفي، كأن يكون بينه وبينه عشرات السنين مثلاً، توفي قبل أن يولد، فالأمر هنا واضح أنه مرسل، فالفرق بين التدليس والإرسال: أن التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاؤه إياه، يعني: بلفظ موهم سماعه، ما لم يسمعه منه، أما المرسل الخفي فهو يكون في حق من عاصره ولم يعرف أنه لقيه. فـهشيم بن بشير الواسطي هو كثير التدليس، والإرسال الخفي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يونس بن عبيد ].
يونس بن عبيد هو ابن دينار البصري ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن سيرين ].
هو محمد بن سيرين ، الإمام المشهور الذي سبق أن مر ذكره مراراً، وهو ثقة، من رجال الجماعة.
[أخبرني عمرو بن وهب ].
عمرو بن وهب الثقفي هذا هو ثقة، خرج حديثه البخاري في القراءة خلف الإمام، وخرج حديثه النسائي ، وهذا الرجل الذي هو عمرو بن وهب الثقفي هو الرجل المبهم الذي سبق أن مر بنا ذكره في الحديث رقم اثنين وثمانين, الذي قال فيه: وعن ابن سيرين عن رجل، وذكرت فيما مضى: أن الرجل المبهم هو عمرو بن وهب الثقفي ، فهنا في هذا الإسناد جاءت تسميته، وهو الذي روى عنه محمد بن سيرين , فقال هنا: أخبرني عمرو بن وهب الثقفي ، وعمرو بن وهب الثقفي يروي عن المغيرة بن شعبة.
أخبرنا قتيبة حدثنا يزيد بن زريع عن شعبة (ح) وأنبأنا مؤمل بن هشام حدثنا إسماعيل عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: (ويل للعقب من النار)].
يقول النسائي : باب إيجاب غسل الرجلين. وغسل الرجلين هو آخر فروض الوضوء، وقد مر في الأبواب الماضية ما يتعلق بالفروض التي قبلها، ثم انتهى إلى ذكر التراجم المتعلقة بغسل الرجلين، وبوب له بلفظ الإيجاب، ونص عليه دون غيره مما تقدم، وإن كان كله واجباً، وفرضاً لازماً؛ لأنه لما عرف من بعض الفرق الضالة التي لا تقول بغسل الرجلين، وإنما تقول بمسحهما، ويكون ذلك إلى العظم الناتئ في ظهر القدم، وعندهم أن في كل رجل كعباً، وعند أهل السنة أن فرض الرجلين الغسل، وكل رجل فيها كعبان، وقد مر في حديث علي رضي الله عنه: (أنه غسل الرجل اليمنى إلى الكعبين، ثم اليسرى كذلك)، أي: أن فرض الرجلين الغسل إلى الكعبين بالنسبة لكل رجل، وهنا قال: باب: إيجاب غسل الرجلين. أي: أن فرض الرجلين الغسل، وأنه واجب، وأنه ليس فرضهما المسح، وهذا هو السر في كونه صرح هنا بالإيجاب، دون غيره مما تقدم من الأبواب.
وقد أورد النسائي تحت هذه الترجمة بعض الأحاديث الدالة على ما ترجم له، ومن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: (ويل للعقب من النار)، والعقب مفرد يراد به الجنس، وليس المقصود به الإفراد، وإنما المقصود به الجنس، وقد بينه الحديث الذي بعده وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (ويل للأعقاب من النار)، والمراد بالعقب: هو ما يكون في مؤخر القدم, مما يكون وراء الكعبين من المكان المنخفض الذي قد ينبو عنه الماء، فيكون خالياً من الماء، بحيث لا يصل إليه الغسل؛ وذلك لعدم الاستيعاب والإسباغ، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ويل للعقب من النار)، وقال ذلك على سبب بينه الحديث الذي بعده، وهو أنه عليه الصلاة والسلام رأى جماعة من أصحابه يتوضئون، وإذا أعقابهم تلوح، أي: أن الماء لم يصل إليها، فقال: (ويل للأعقاب من النار، أسبغوا الوضوء)، وهذا في حديث عبد الله بن عمرو الذي يأتي، وحديث أبي هريرة يقول: (ويل للعقب من النار).
إذاً: فلما كانت الأعقاب -وهي في مؤخرة القدم- ينبو عنها الماء، إذا لم يتحقق الاستيعاب، ولم يحصل العناية بالغسل، وقد جاء التوعد على ذلك بالنار، دل ذلك على وجوبه وتعينه؛ إذ لا يتوعد بالنار على أمر ليس بواجب؛ لأن التوعد بالنار يدل على الوجوب، وعلى أن من أخل به، ولم يحصل منه القيام بالواجب، فإنه يعاقب بهذه العقوبة التي هي النار.
وقوله: (ويل)، قيل: هي كلمة عذاب، وقيل: هي واد في جهنم، وهي تدل على الوعيد، وعلى التحذير من الوقوع أو فعل ما يوقع في ذلك العذاب الذي توعد عليه بالويل، وإنما خصت الأعقاب بهذا الوعيد؛ لأن عدم إيصال الماء إليها هو السبب في حصول العذاب، ومن المعلوم أن العذاب يكون لصاحبها، وإذا حصل العذاب على ذلك المكان، وخص به فإن جميع جسد الإنسان يناله العذاب، وقد جاء في الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فيما يتعلق بالحياة الدنيا أنه قال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)، وبالنسبة لأمور الآخرة فإن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر في الحديث الصحيح: (أن أخف الناس عذاباً عمه
قتيبة هو: ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني الذي جاء ذكره في سنن النسائي كثيراً، والذي قد ابتدأ النسائي بالإخراج له، فأول حديث في سنن النسائي شيخه فيه قتيبة بن سعيد ، وهو من الثقات, الحفاظ، وحديثه في الكتب الستة .
[حدثنا يزيد بن زريع ].
يزيد بن زريع هو أحد الثقات, الحفاظ، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره مراراً وتكراراً.
قوله: [عن شعبة ].
شعبة هو: ابن الحجاج , وهو أمير المؤمنين في الحديث، وهو أحد الأشخاص الذين وصفوا بهذا الوصف، وهو من أعلى وأرفع صيغ التعديل، وهو ممن خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ ح وأنبأنا مؤمل بن هشام ].
و(ح) هذه المقصود منها التحول من إسناد إلى إسناد، يعني: أنه عندما ساق الإسناد الأول أراد أن يرجع من أول, فيأتي بإسناد آخر جديد يلتقي مع الإسناد الأول، ومن فوائدها: أنها لو لم تأت، وركبت الأسانيد بعضها على بعض، لكان المتقدم يروي عن المتأخر، فيكون شعبة يروي عن مؤمل بن إسماعيل ، يعني: لو لم يتضح بهذه الإشارة، من لا يعرف عندما تسقط (ح)، ثم يأتي الإسناد الذي بعده أو الشخص الذي بعده تابعاً للذي قبله، يظن أن الذي قبله راو عن الذي بعده، وشعبة جاء بعده: [وأخبرنا مؤمل بن هشام ]، وشعبة متقدم ومؤمل بن هشام شيخ للنسائي، وقد ذكرت فيما مضى أن النسائي لا يكثر من التحويل؛ لأنه لا يحتاج إليه؛ بسبب أنه يكثر الأبواب، ويكثر من إيراد الأحاديث بطرق متعددة تحت تلك الأبواب، فلا يحتاج إليه، كـالبخاري الذي لا يحتاج إليه؛ لأنه يكثر التراجم فيولج الأحاديث تحت تلك التراجم المختلفة، بخلاف مسلم بن الحجاج رحمه الله لكونه يجمع الأحاديث في مكان واحد، فيحتاج إلى كثرة التحويل.
ومؤمل بن هشام هو مؤمل بن هشام اليشكري أبو هشام البصري، كنيته موافقة لاسم أبيه، وقد سبق أن ذكرت فيما مضى: أن من أنواع علوم الحديث: معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وقد مر بذلك نظائر، مثل: هناد بن السري أبو السري، وهنا مؤمل بن هشام أبو هشام، فوافقت كنيته اسم أبيه، والفائدة من وراء معرفة هذا النوع من أنواع علوم الحديث، حتى لا يظن التصحيف، لو ذكر مرة منسوباً، وذكر مرة بدل النسب كنية، فيما إذا لو قال: حدثنا مؤمل أبو هشام، الذي لا يعرف يظن أن الأب مصحفة عن الابن، لكن كل ذلك صحيح ولا تصحيف؛ لأنه هو أبو هشام، وهو ابن هشام، فإذاً جاء مرة بكنيته، ومرة بنسبه.
ومؤمل بن هشام أبو هشام هو من رجال البخاري, وأبي داود, والنسائي، ولم يخرج له مسلم, ولا الترمذي, ولا ابن ماجه.
[حدثنا إسماعيل ].
إسماعيل هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم بن علية، وعلية اسم أمه، اشتهر بالنسبة إليها، وأبوه إبراهيم، ولهذا إذا جاء ذكر نسبه, ثم ذكر نسبته إلى أمه التي اشتهر بها، فإنه يكون مرفوعاً لا يكون مجروراً تابعاً لما قبله، فيما إذا قيل: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم بن علية، ما يقال: ابن علية بكسر النون؛ لأن مقسم ليس ابناً لـعلية حتى يكون مثله مجروراً، وإنما ابن علية بضم النون، ترجع إلى إسماعيل، فيكون مرفوعاً؛ لأنه وصف لـإسماعيل، وليس وصفاً لـمقسم، أما إذا ذكر النسب، فإن وصف الابن يكون ما بعد تابع لما قبله من ناحية أنه يكون مجروراً.
حدثنا إسماعيل ابنُ.. التي هي الأولى تكون وصفاً لـإسماعيل، ثم ابن إبراهيم، فيكون إبراهيم مجروراً، فيأتي بعد ذلك ابن؛ لأنها وصف لـإبراهيم، فإذا جاءت ابن علية رجعت إلى الأول؛ لأنها ليست أماً لـمقسم، وإنما هي أم لـإسماعيل بن إبراهيم.
ثم أيضاً من ناحية الرسم والكتابة: (ابن) إذا كانت بين علمين متناسلين، تكون بدون ألف، لكن إذا جاءت وصفاً، مثل ابن علية، فإنها تأتي الألف قبلها، يعني: إسماعيل بن إبراهيم بدون ألف ابن، وإبراهيم بن مقسم أيضاً بدون ألف، أما إذا جاءت مثل هنا ابن، وترجع إلى الأول، فإنها تكون بالألف، وكذلك فيما إذا كان (ابن) جاءت في أول الكلام، مثل: عن ابن عمر، ما جاء عن عبد الله، فإن الألف التي هي همزة الوصل تكون موجودة قبل كلمة (ابن).
ومؤمل بن هشام يروي عن إسماعيل بن علية، وهو صهره، يعني: أن مؤملاً هو زوج ابنة إسماعيل بن علية.
وكذلك إذا جاءت (ابن) في أول السطر أو ليس قبلها علم؛ فإنها تثبت أيضاً بالألف قبلها، مثل: عن ابن عمر، أو قال ابن عمر؛ فإنه لا بد من ذكر الألف.
وحديثه عند البخاري, وأبي داود, والنسائي فقط.
[ عن شعبة ].
عن شعبة، وإسماعيل يروي عن شعبة، وهنا التقى الإسنادان: الإسناد الأول والإسناد الثاني، الإسناد الأول: قتيبة عن يزيد بن زريع عن شعبة ، والثاني: مؤمل بن هشام عن إسماعيل بن علية عن شعبة، فيكون الإسنادان تلاقيا عن شعبة ثم يتحد الإسنادان إلى نهايته, وشعبة خرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن زياد ].
محمد بن زياد هو: الجمحي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
أبو هريرة هو الصحابي الجليل الذي هو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
أورد النسائي: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما الذي يقول فيه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى جماعة من أصحابه يتوضئون، ورأى أعقابهم تلوح، يعني: ما جاءها الماء، أي: إذا كان عليها غبار أو كانت باقية على هيئتها، فالذي جاءها الماء تغير لونه، والذي ما جاءه بقي على حالته، فقال عليه الصلاة والسلام: ( ويل للأعقاب من النار، أسبغوا من الوضوء )، وكما أشرت في الحديث الأول: (ويلٌ للعقب) وهي للجنس، ولا تنافي بينها وبين الأعقاب؛ لأن الأعقاب جمع عقب، والعقب المراد به الجنس، فيكون متفقاً مع الجمع ولا تنافي بينهما، ويحصل نبو الماء عن بعض الأماكن، ولا سيما التي تكون فيها انخفاض، يعني: منخفض، مثل العقب الذي يكون وراء الكعب، مكان منخفض، إذا لم تصل اليد إليه بالدلك فإنه قد ينبو عنه الماء، فيكون على هيئته التي هو عليها قبل أن يمس الماء الرجل، فرأى أعقابهم تلوح فقال عليه الصلاة والسلام: ( ويل للأعقاب من النار، أسبغوا الوضوء ).
محمود بن غيلان سبق أن مر ذكره، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، إلا أبا داود، فإنه لم يخرج له شيئاً.
[ حدثنا وكيع ].
وكيع هو: ابن الجراح بن مليح الرؤاسي، وهو ثقة، حافظ، سبق أن مر ذكره، وحديثه في الكتب الستة.
[ حدثنا سفيان ].
سفيان هنا مهمل غير منسوب، والمراد به: الثوري، وقد روى وكيع عن ابن عيينة، لكن الثوري هو الذي عرف إكثار وكيع عنه، وأيضاً هو من أهل بلده، فله به اتصال وملازمة، فيحمل عند الإهمال على من يكون له به علاقة، وخصوصية، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري كما سبق أن نبهت عليه فيما مضى: أنه إذا جاء وكيع عن سفيان، فالمراد به: الثوري لإكثاره عنه، ولإقلاله عن سفيان بن عيينة، وإن كان وكيع روى عن هذا وروى عن هذا؛ لأن سفيان بن عيينة بمكة، وسفيان الثوري بالكوفة، ووكيع من أهل الكوفة، فهو على صلة به دائماً، وقد أكثر من الرواية عنه، أما ابن عيينة فإنه إذا قدم إلى مكة حاجاً أو معتمراً التقى به, وأخذ عنه.
[ (ح) وأخبرنا عمرو بن علي ].
قوله: ( (ح) )، يعني: تحويل كما في الحديث الذي قبل هذا. وعمرو بن علي هو الفلاس الذي يأتي ذكره كثيراً، والذي هو أحد أئمة الجرح والتعديل، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الرحمن ].
وعبد الرحمن هو: ابن مهدي، الثقة, الحافظ, العارف بالرجال والحديث، وهو من أئمة الجرح والتعديل كتلميذه عمرو بن علي الفلاس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[ عن سفيان واللفظ له].
وكلمة: (واللفظ له)، لأن الإسنادين تلاقيا عند سفيان، لكن يكون اللفظ لـسفيان من رواية عبد الرحمن عنه، وليس من رواية وكيع.
[ عن منصور ].
منصور هو: ابن المعتمر الكوفي ، وهو من رجال الجماعة، خرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن هلال بن يساف ].
هلال بن يساف بكسر الياء، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم, وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي يحيى ].
أبو يحيى اسمه: مصدع الأعرج، فهو أبو يحيى مصدع الأعرج، قال عنه الحافظ في التقريب: إنه مقبول، وحديثه عند مسلم, وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ].
عبد الله بن عمرو بن العاص يأتي ذكره لأول مرة، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة الذين هم من صغار الصحابة، والذين مر ذكرهم مراراً، وهم: عبد الله بن عمرو هذا، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، هؤلاء الأربعة يقال لهم: العبادلة، وفي الصحابة ممن يسمى عبد الله كثير، ومن أشهرهم عبد الله بن مسعود، وليس من العبادلة الأربعة؛ لأنه متقدم الوفاة؛ لأنه توفي سنة اثنتين وثلاثين، وأما هؤلاء فقد تأخرت وفاتهم بعده، وهم في عصر واحد، فأطلق عليهم العبادلة من الصحابة، رضي الله تعالى عن الجميع.
وعبد الله بن عمرو بن العاص قالوا في ترجمته: ليس بينه وبين أبيه سوى إحدى عشرة سنة, أو ثلاث عشرة سنة، يعني: أن عمرو بن العاص احتلم مبكراً, وتزوج مبكراً, وولد له وهو في سن الثالثة عشرة من عمره، أو الحادية عشرة من عمره، وهذا من النوادر التي تحصل في الرجال، وهو أن يولد له قبل الخامسة عشرة.
ومن الأشياء النادرة التي يذكرونها عن الشافعي أنه قال: إن جدة لها إحدى وعشرون سنة -أي: أن امرأة- تزوجت وهي في العاشرة، وولدت، ثم ابنتها بعد أن أكملت عشراً تزوجت وولدت، فصارت الأولى جدة وعمرها إحدى وعشرون سنة، وهذا أيضاً من الأشياء النادرة.
وعبد الله بن عمرو بن العاص حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وله فيها سبعمائة حديث، اتفق البخاري ومسلم منها على سبعة عشر، وانفرد البخاري بثمانية، ومسلم بعشرين حديثاً. وحديث العبادلة الأربعة كلهم حديثهم عند أصحاب الكتب الستة.
قوله: (أسبغوا الوضوء).
هذه اللفظة جاءت في حديث أبي هريرة مدرجة؛ لأنه جاء في بعض الطرق له قال: (أسبغوا الوضوء, فإن خليلي قال: ويل للأعقاب من النار)، ففهم أنها من كلام أبي هريرة، أما بالنسبة لحديث ابن عمرو، فلا أدري عن إدراجها، والأصل أنه من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا أن يتبين الإدراج.
[ قال أبو هريرة: قال أبو القاسم ].
أبو هريرة رضي الله عنه يأتي في كلامه تكنية الرسول صلى الله عليه وسلم، بأنه أبو القاسم، قال: (من صام اليوم الذي يشك فيه, فقد عصى أبا القاسم ) صلى الله عليه وسلم.
ويقول الحافظ ابن حجر في فتح الباري: إن ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم بكنيته حسن، وذكره بوصف الرسالة أحسن، إذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحسن من قول: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر