إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. عبد المحسن العباد
  5. سلسلة شرح سنن النسائي
  6. المقدمة وكتاب الطهارة
  7. شرح سنن النسائي - كتاب الطهارة - (باب التوقيت في المسح على الخفين للمقيم) إلى (باب صفة الوضوء من غير حدث)

شرح سنن النسائي - كتاب الطهارة - (باب التوقيت في المسح على الخفين للمقيم) إلى (باب صفة الوضوء من غير حدث)للشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من يسر الشريعة أنها أباحت المسح على الخفين؛ لكي لا يلحق المسلم مشقة في نزعها، وقد وقت النبي صلى الله عليه وسلم المسح للمقيم يوماً وليلة، والمسافر ثلاثة أيام بلياليهن.

    1.   

    التوقيت في المسح على الخفين للمقيم

    شرح حديث علي في التوقيت في المسح على الخفين للمقيم

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [التوقيت في المسح على الخفين للمقيم.

    أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا الثوري عن عمرو بن قيس الملائي عن الحكم بن عتيبة عن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانئ عن علي رضي الله عنه أنه قال: (جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، ويوماً وليلة للمقيم، يعني: في المسح)].

    هذه الترجمة تتعلق بتوقيت المسح على الخفين في حال الإقامة، وقد سبق أن مر في الترجمتين السابقتين ترجمة مطلقة, وهي تتعلق بالمسح على الخفين وليس فيها ذكر الحضر ولا السفر إلا في بعضها، وهي تتعلق بإثبات المسح على الخفين، أما الترجمة التي قبلها -وهي الثانية- فهي تتعلق بالتوقيت في المسح في حق المسافر، وأنه يمسح ثلاثة أيام بلياليها، وهذه الترجمة تتعلق بالتوقيت في حق المقيم، وأنه يمسح يوماً وليلة، وهي أيضاً مشتملة على ما يتعلق بالمسافر، ولكن كما عرفنا من طريقة النسائي أنه يورد الحديث الذي يدل على الترجمة وإن كان مشتملاً على الدلالة على موضوع آخر أو على أمور أخرى غير ما ترجم له.

    وقد أورد في هذه الترجمة حديث علي رضي الله تعالى عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام جعل للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وجعل للمقيم يوماً وليلة، يعني: في المسح)؛ أي: جعل للمسافر ثلاثة أيام ولياليها يمسح في هذه المدة، وجعل للمقيم الحاضر يوماً وليلة يمسح فيها، فهو يدل على التفريق بين الحاضر والمقيم، وأن مدة المسح بالنسبة للمقيم يوم وليلة، وبالنسبة للمسافر ثلاثة أيام بلياليها.

    وهذا التفريق الذي حصل بين حال المسافر وحال المقيم؛ لأن المقيم لما كان في حال الإقامة وأمره فيه سعة، جعل له يوم وليلة، أما المسافر الذي هو بحاجة إلى التخفيف وأنه يمكن أن يكون عليه الخفاف هذه المدة، فيمسح عليها ولا يحتاج إلى الخلع، فجاءت السنة بالتفريق بين الحالين: حال المسافر طولت المدة، وحال المقيم جعلت المدة على الثلث من ذلك؛ أي: يوم وليلة في حق المقيم، وثلاثة أيام بلياليها في حق المسافر.

    تراجم رجال إسناد حديث علي في التوقيت في المسح على الخفين للمقيم

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].

    إسحاق بن إبراهيم هو: الحنظلي المعروف بـابن راهويه ، وهو محدث فقيه مجتهد حافظ، وقد مر ذكره مراراً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه وهو: مروزي من أهل مرو.

    [ أخبرنا عبد الرزاق ].

    عبد الرزاق هو: ابن همام الصنعاني الإمام المشهور, المحدث, وهو من اليمن، ورحل إليه المحدثون في اليمن لأخذ الحديث عنه، وهو صاحب مصنف عبد الرزاق المعروف المشهور، وهو كتاب كبير مشتمل على كثير من الآثار، وهو من المظآن التي توجد فيها الآثار عن السلف، فهو كتاب كبير وصاحبه إمام مشهور، وهو الذي جاءت عن طريقه صحيفة همام بن منبه؛ لأنها من رواية عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة، وهي مائة وأربعون حديثاً تقريباً، وكلها بإسناد واحد، فهو محدث مكثر من رواية الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورحل إليه العلماء في اليمن، وأخذوا عنه حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من الثقات الذين خرج حديثهم أصحاب الكتب الستة.

    [ أخبرنا الثوري ].

    الثوري هو: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، وهو إمام محدث فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث -كما ذكرت ذلك من قبل- وهذه من أعلى صيغ التعديل وصيغ التوثيق، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [ عن عمرو بن قيس الملائي ].

    عمرو بن قيس الملائي هو كوفي، وهو ثقة متقن عابد, كما قال ذلك الحافظ ابن حجر، روى له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم, وأصحاب السنن الأربعة، ويقال له: الملائي نسبة إلى الملاء؛ وهي نوع من الألبسة كان يبيعها فنسب إليها, فيقال له: الملائي، ويؤثر عنه كلمة جيدة نقلها في تهذيب التهذيب، كان يقول: إذا كسد السوق إنني أرحم هؤلاء المساكين، يعني: أهل السوق الذين يبيعون ويشترون، يقول: لو أن الواحد منهم إذا كسدت الدنيا ذكر الله عز وجل لتمنى يوم القيامة أن يكون أكثر أهل الدنيا كساداً؛ لأنه نشأ على كونه يذكر الله عز وجل ويتنبه، ويستذكر الله عز وجل فيذكره ويعظمه ويثني عليه، لكان ذلك سبباً في تحصيله الخير، لكن إذا جمع بين مصيبتين: الدنيا ما حصلها، ولم يحصل على الآخرة، فما كان ذاكراً لله وما كان رابحاً الدنيا، فيكون قد خسر الدنيا والآخرة، ويقول الشاعر:

    ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل

    فهو في هذه الكلمة العظيمة يقول: إنني أرحم هؤلاء المساكين، يعني: أهل السوق الذين تكسد تجارتهم، فلا يذكرون الله عز وجل ولا يتنبهون لذلك، فلو أن الواحد منهم إذا كسدت تجارته ذكر الله لتمنى يوم القيامة أن يكون أكثر أهل الدنيا كساداً؛ لأنه نتج عن ذلك كونه يذكر الله عز وجل، ونتج عن ذلك كونه يتنبه ويذكر الله عز وجل، وأن كل شيء بيده وبمشيئته وإرادته، فهو المعطي المانع، وهو النافع الضار، وهو الذي بيده ملكوت كل شيء، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.

    فهذا الرجل الذي هو عمرو بن قيس الملائي الكوفي ثقة متقن عابد، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [ عن الحكم بن عتيبة ].

    هو: الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي، وقد تقدم ذكر هذا الرجل، وهو ثقة وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [ عن القاسم بن مخيمرة ].

    القاسم بن مخيمرة كوفي أيضاً، نزل الشام, وهو ثقة، وحديثه عند البخاري تعليقاً، وعند مسلم وأصحاب السنن الأربعة، والبخاري خرج له في الأدب المفرد، لكن جرت العادة أنه إذا خرج له في الصحيح ولو تعليقاً لا يذكرون شيئاً غير ما في الصحيح، وإلا فإنه -أي: القاسم بن مخيمرة- خرج له البخاري في الأدب المفرد، والحديث رقم خمسمائة من الأدب المفرد في إسناده القاسم بن مخيمرة.

    إذاً: إذا كان الرجل له رواية في الكتب الستة ولو تعليقاً عند البخاري فإنهم لا يذكرون غير الكتب الستة، ويكتفون بما في صحيح البخاري ولو تعليقاً، وإن كان عنده شيء، أو خرجوا له في خارج الكتب الستة، إلا أنهم يذكرون ما يتعلق بالأصول أولاً ولو عن طريق التعليق، فإذا ما وجد في الكتب الستة شيء فعند ذلك يذكرون ما عنده في غير الكتب الستة.

    [عن شريح بن هانئ].

    شريح بن هانئ أيضاً كوفي, وتقدم ذكره فيما مضى، وهو مخضرم وثقة، وحديثه عند البخاري في الأدب المفرد، وعند مسلم, وأصحاب السنن الأربعة.

    [ عن علي ].

    علي بن أبي طالب هو رابع الخلفاء الراشدين، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وهو أبو الحسنين، وهو زوج فاطمة ابنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عن علي وعن الصحابة أجمعين، وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومناقبه كثيرة جمة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وقد مر ذكره، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    وهذا الإسناد الذي هو: إسحاق بن إبراهيم يروي عن عبد الرزاق، وعبد الرزاق يروي عن سفيان الثوري، وسفيان الثوري يروي عن عمرو بن قيس الملائي، وعمرو بن قيس الملائي يروي عن الحكم بن عتيبة، والحكم بن عتيبة يروي عن القاسم بن مخيمرة، والقاسم بن مخيمرة يروي عن شريح بن هانئ، وشريح بن هانئ يروي عن علي بن أبي طالب، إسناده مكون من ثمانية أشخاص، وهو من الأسانيد الطويلة عند النسائي ، وعنده ما هو أطول من ذلك.

    وأقصر وأعلى ما عنده من الأسانيد: الرباعيات؛ لأنه ليس له ثلاثيات، فأعلى ما عنده وأقصر ما عنده في الأسانيد الرباعيات، يعني ما بين النسائي وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام أربعة أشخاص، والذي عنده ثلاثيات البخاري، والترمذي عنده ثلاثي واحد, وابن ماجه عنده خمسة أحاديث ثلاثيات, أما مسلم فعنده رباعيات، والنسائي عنده رباعيات وليس عنده ثلاثيات، وأبو داود كذلك عنده رباعيات، أما النسائي فأعلى ما عنده الرباعيات؛ أعلى وأقصر، وأقصر معناه: الرجال القليل، وأعلى معناه: أنه في علو، فالقصر من حيث قلة الرجال، والطول من حيث كثرة الرجال، فأعلى أسانيده الرباعيات، وعنده ما هو أطول من ذلك، بل عنده عشاريات -مكون من عشرة- كما سيأتي، لكن هذا الذي معنا -وهو ثمانية- من أطول ما يكون من الأسانيد؛ لأن الأعلى أربعة، وهذا ضعفه، وكانت وفاة النسائي ثلاثمائة وثلاث، فأعلى ما يكون عنده أربعة أشخاص بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ومن أمثلة الأسانيد العالية ما سيأتي بعد هذا الحديث بعشرة أحاديث؛ وهو الحديث مائة وثمانية وثلاثين، فهذا مائة وثمانية وعشرين ثماني، والحديث مائة وثمانية وثلاثين رباعي، وهو من أعلى ما يكون عنده, وهو الحديث الذي يرويه عن محمد بن منصور، عن سفيان بن عيينة عن ابن المنكدر عن جابر، فأربعة أشخاص بين النسائي وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام.

    قد يقول قائل: المصنف ما الفرق بينه وبين الجوامع المصنفات؟

    المصنف هو مثل الجوامع، من حيث أنه مكون من كتب وأبواب، فهو على طريقتها من حيث أنه مبوب ليس مسنداً؛ يعني: أنه مبني على مسانيد الصحابة، فهو قريب منها في الطريقة، إلا أن المصنفات في الغالب يكون فيها كثرة الآثار، ولهذا مصنف عبد الرزاق ومصنف ابن أبي شيبة هي المراجع التي هي مظنة الآثار عن الصحابة ومن بعدهم.

    شرح حديث علي في التوقيت في المسح على الخفين للمقيم من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا هناد بن السري عن أبي معاوية عن الأعمش عن الحكم عن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانئ قال: (سألت عائشة رضي الله عنها عن المسح على الخفين فقالت: ائت علياً فإنه أعلم بذلك مني، فأتيت علياً فسألته عن المسح فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن يمسح المقيم يوماً وليلة, والمسافر ثلاثاً)].

    هنا أورد النسائي أيضاً حديث علي رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه أن شريح بن هانئ سأل عائشة فدلته على علي، فسأل علياً فأخبره ( بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا إذا كنا في سفر ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام بلياليها، وفي حال الإقامة يوماً وليلة ).

    وقوله: (يأمرنا) معناه: يرشدهم؛ لأن هذا الأمر ليس أمر إيجاب؛ فلا يجب عليه لأن هذه رخصة، يعني: من لبس فله أن يمسح، ومن لم يلبس فعليه أن يغسل، فهذا الأمر ليس المقصود به الإيجاب، وإنما المقصود به الإرشاد وبيان الحكم والترخيص لهم هذه المدة, وإذا أرادوا أن يخلعوا قبل ذلك فلهم أن يخلعوا؛ لأنه لا يتعين عليهم، لكن من استمر على اللبس لا يجوز أن يمسح فوق ثلاثة أيام ولياليها، ولا يجوز له أن يبقيها عليه أكثر من ذلك، فإذا انتهت المدة يجب عليه أن يخلع وأن يتوضأ إذا مضت المدة المحددة -وهي ثلاثة أيام بلياليها للمسافر، ويوم وليلة في حق المقيم- ولو صلى ماسحاً بعد يوم وليلة في حق المقيم وثلاثة أيام بلياليها في حق المسافر فإن عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة التي صلاها بعد تلك المدة؛ لأنه لم يرخص في المسح إلا مدة معلومة، فلا يجوز تجاوزها وتعديها والمسح فيما وراءها.

    تراجم رجال إسناد حديث علي في التوقيت في المسح على الخفين للمقيم من طريق أخرى

    قوله: [ أخبرنا هناد بن السري ].

    هناد بن السري هو كوفي، وكنيته أبو السري ، وهو ثقة، وحديثه عند البخاري في خلق أفعال العباد، وعند مسلم, وأصحاب السنن الأربعة.

    [ عن أبي معاوية ].

    أبو معاوية أيضاً مر ذكره، وهي كنية اشتهر بها محمد بن خازم بالخاء المعجمة والزاي، وهو: محمد بن خازم أبو معاوية الضرير ، وهو ثقة، وهو أحفظ أصحاب الأعمش لحديث الأعمش، وهو من رجال الكتب الستة، ويأتي بكنيته كثيراً، ويأتي باسمه أحياناً.

    [ عن الحكم ].

    الحكم بن عتيبة مر ذكره، وهو كندي كوفي من رجال الكتب الستة.

    [ عن القاسم بن مخيمرة ].

    القاسم بن مخيمرة هو الذي مر في الحديث الذي قبل هذا، وهو ثقة، وحديثه عند البخاري تعليقاً، وعند مسلم, وأصحاب السنن الأربعة.

    [ عن شريح بن هانئ ].

    شريح بن هانئ أيضاً مر، وحديثه عند البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.

    [سألت عائشة].

    عائشة هنا ليست من رواة الحديث، يعني: لا تعتبر من الرواة؛ لأنها واسطة دلت عندما سألها، فقالت: ائت علياً فإنه أعلم مني، فالإسناد سباعي لا ثماني، فالحديث من رواية شريح عن علي ، وليس من رواية شريح عن عائشة عن علي ؛ لأن عائشة ما روت الحديث عن علي وأعطته لـشريح بن هانئ ، فالحديث سباعي ليس كالذي قبله ثماني، وذكر عائشة، جاء للدلالة.

    إذاً: فالحديث من رواية شريح عن علي ، وليس من رواية شريح عن عائشة عن علي ؛ لأن عائشة ليست راوية في هذا الحديث، ولكنها دالة لـشريح على من عنده علم في هذا الحديث.

    وفي دلالة عائشة لـشريح على علي وإحالتها إياه إليه، دلالة على أن من سئل عليه أن يرشد من سأله إلى من عنده علم في المسألة؛ لأن عائشة رضي الله عنها أحالته على علي وأرشدته إلى علي ، وإنما أرشدته إلى علي رضي الله عنه؛ إما لكونها تعلم أن عنده علم في ذلك، أو لكونه كان يسافر مع النبي عليه الصلاة والسلام فيكون مشاهداً لأحواله في سفره، وأن الحاجة تدعو إلى ذلك، أو أن استعمال الخفاف يكون أكثر في حال السفر وإن كان يوجد في حال الإقامة كما هو معلوم، وحكمه معروف، إلا أنها أرشدته إلى علي لملازمته للرسول صلى الله عليه وسلم في السفر، ولكونه قد يكون عندها علم بأن عنده علم في ذلك فأرشدته إليه، فدل هذا على أن من سئل فإنه يرشد غيره إلى من يكون عنده علم بما سأل عنه ذلك السائل، وهو من الإعانة على الخير والدلالة على الخير، ومن التعاون على البر والتقوى.

    وفيه أيضاً معرفة عائشة رضي الله عنها لفضل علي وعلمه، ودلالتها عليه يدل على ذلك رضي الله تعالى عن الجميع؛ فإن كونها ترشد إلى علي وتدل عليه، ففي هذا اعتراف بعلمه وبفضله ونبله رضي الله تعالى عن الجميع.

    ثم هذا الإسناد كله كوفيون؛ لأن عائشة -كما هو معلوم- ليست من الرواة في الإسناد، لكن السبعة الذين هم رواة الإسناد كلهم كوفيون؛ لأن هناد بن السري كوفي، وأبو معاوية كوفي، والأعمش كوفي، والحكم بن عتيبة كوفي، والقاسم بن مخيمرة كوفي، وشريح بن هانئ كوفي، وعلي كوفي؛ لأنه انتقل من المدينة إلى الكوفة ومات بها رضي الله عنه، فهؤلاء السبعة كلهم كوفيون، فهو مسلسل بالرواة الكوفيين، من هناد بن السري إلى علي رضي الله تعالى عنه، كلهم من أهل الكوفة، وعلي كان في المدينة وانتقل إليها في زمن خلافته، فبعدما بويع ذهب إليها واستقر هناك ومات بها رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    إذاً: السبعة كلهم كوفيون: هناد, وأبو معاوية, والأعمش, والحكم, والقاسم بن مخيمرة, وشريح بن هانئ, وعلي.

    1.   

    صفة الوضوء من غير حدث

    شرح حديث علي في صفة الوضوء من غير حدث

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [صفة الوضوء من غير حدث.

    أخبرنا عمرو بن يزيد حدثنا بهز بن أسد حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة قال: سمعت النزال بن سبرة قال: (رأيت علياً رضي الله عنه صلى الظهر ثم قعد لحوائج الناس، فلما حضرت العصر أتي بتور من ماء، فأخذ منه كفاً فمسح به وجهه وذراعيه ورأسه ورجليه، ثم أخذ فضله فشرب قائماً، وقال: إن ناساً يكرهون هذا، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله، وهذا وضوء من لم يحدث)].

    هنا أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: صفة الوضوء من غير حدث؛ الذي هو تجديد الوضوء؛ يعني: كون الإنسان على طهارة ولكنه يتطهر مرة أخرى يسمى تجديد الوضوء، ويقال له: الوضوء من غير الحدث، فهو وضوء على وضوء، من غير أن يكون الدافع على الوضوء الحدث، وإنما الدافع عليه تجديد الوضوء.

    وأورد فيه النسائي حديث علي رضي الله تعالى عنه: أنه صلى بالناس الظهر ثم جلس لحوائج الناس، يعني: يراجع الناس في حوائجهم؛ لأنه إمام المسلمين وأمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فكان يجلس للناس بعد الظهر إلى العصر يراجعونه في حاجاتهم، فلما جاء العصر أتي بتور من ماء -التور: وعاء فيه ماء- فأخذ منه كفاً ومسح وجهه به، ثم مسح يديه ورأسه ورجليه.

    والمقصود أنه أخذ كفاً فمسح وجهه؛ يعني: غسلها، والمسح يطلق على الغسل الخفيف الذي هو دون الغسل فيقال له أيضاً: مسح، فهنا المراد بذلك الغسل الخفيف، فقوله: (مسح وجهه) يعني: غسل وجهه غسلاً خفيفاً بكف واحدة.

    ثم قال: (وذراعيه ورأسه ورجليه) يعني: أنه مثل ذلك، وليس المقصود أنها كف واحدة مسح بها وجهه ويديه إلى المرفقين، ومسح رأسه ومسح رجليه كلها، فإن هذا لا يتأتى من كف واحدة أو من غرفة واحدة يغرفها بيده؛ فلا يمكن أن يحصل ذلك، وإنما المقصود أنه أخذ كفاً واحدة ومسح بها وجهه؛ أي: غسله غسلاً خفيفاً، ثم مثلها في يديه وكذلك لما وراء ذلك.

    والمقصود من ذلك: أنه مرة مرة ولكنه غسل خفيف، وأطلق عليه مسح مع استيعاب العضو؛ لأن هذا لا يقال له غسل، ولا يقال له وضوء إلا مع الاستيعاب.

    فإذاً: الكف الواحدة ليست لأعضاء الوضوء كلها، وإنما هي للوجه، والمراد بالمسح هو الغسل الخفيف، ولهذا قالوا في قوله سبحانه وتعالى: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ [المائدة:6] في قراءة الجر أن المقصود به الغسل الخفيف؛ يعني: أن المسح في حقها، إذا عطفت على الرءوس، المقصود من ذلك: الغسل الخفيف، الذي هو ليس المسح الذي مثل مسح الرأس، فيصيب ما يصيب ويترك ما يترك، وإنما هو مسح بمعنى الغسل الخفيف الذي يستوعب فيه العضو إلى الكعبين.

    فالمسح يطلق ويراد به الغسل الخفيف, وهذا منه؛ ولهذا سماه وضوءاً، ومن المعلوم أن الوضوء إنما هو الغسل، ولكنه غسل خفيف أطلق عليه مسح؛ لأنه غسل خفيف، والكف هي التي أخذها وغسل بها وجهه، ثم ذراعيه ورأسه ورجليه ومثل ذلك.

    وقوله: (منه) يعني: من الماء الذي في التور، وليس من هذه الكف الواحدة يغسل بها وجهه ويديه ويمسح رأسه ورجليه، فإن هذا لا يتيسر ولا يتأتى أن يتم ذلك وأن يحصل ذلك بالنسبة لجميع أعضاء الوضوء.

    هذا هو معنى هذا الحديث، يعني: أنه غسل غسلاً خفيفاً أطلق عليه مسح، والغسل الخفيف يطلق عليه أنه مسح، وهنا من هذا القبيل، يعني: هذا الذي معنا ذكر المسح، يعني: معناه أنه كف واحدة يغسل بها وجهه، وكف يغسل بها يديه، ثم كذلك يمسح رأسه ورجليه، وليس المقصود أنه من كف واحدة فعل بها هذا كله؛ لأنه سبق أن عرفنا ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد, ويغتسل بالصاع ).

    قال: (ثم أخذ فضله فشرب قائماً، وقال: إن ناساً يكرهون هذا، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله، وهذا وضوء من لم يحدث).

    قوله: (ثم أخذ فضله) يعني: فضل هذا الماء الذي في التور، يعني: بعدما توضأ منه وضوءاً خفيفاً قام قائماً وشرب فضله؛ يعني: الباقي، وقال: (إن ناساً يكرهون هذا), فأردت أن أبين ما فعله رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأنه شرب وهو قائم، فأراد أن يبين أن ذلك جائز وأنه سائغ، وقد سبق أن مر ذلك فيما مضى في حديث علي، وكونه توضأ وشرب فضل وضوئه، وقال: إنه فعل كما فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام.

    وقد جاءت أحاديث في النهي عن الشرب قائماً، وأحاديث في جواز الشرب قائماً، والجمع بينها بأن الأولى والأفضل أن يكون الشرب عن جلوس، ويجوز الشرب قائماً، وما جاء من النهي عن الشرب قائماً فإنه يكون للتنزيه، وأنه خلاف الأولى، وأن الأولى هو أن يكون الإنسان جالساً، ولو قام وشرب قائماً فإنه لا بأس بذلك.

    ثم قال: (وهذا وضوء) يعني: الفعل الذي فعله، من كونه غسل غسلاً خفيفاً، (وضوء من لم يحدث) الذي هو تجديد الوضوء، ومن المعلوم أنه أيضاً يجوز للإنسان أن يتوضأ إذا جدد الوضوء, ولا يلزم أن يكون بهذه الطريقة، لكن إذا توضأ بهذه الطريقة فقد جاءت السنة بذلك، لكن كونه لا يجوز للإنسان أن يغسل العضو مرتين أو ثلاث وإن كان تجديداً فليس هناك ما يمنعه، لكن الحديث الذي معنا دل على أن الإنسان له أن يجدد الوضوء، وأنه يمكن أن يكون ذلك بمرة واحدة.

    1.   

    الأسئلة

    كيفية المسح على الجوربين والنعلين

    السؤال: ما هي كيفية المسح على الجوربين والنعلين؟ وهل نمسح على النعلين على حدة وعلى الجوربين على حدة؟

    الجواب: إن النعلين لا يمسح عليهما على حدة، وإنما المسح على الجوربين على حدة، ويمسح عليهما إذا كانا في نعلين على حدة؛ لأنهما مثل الخفين ساتران للمفروض، فلا فرق بينه مع الخفين إلا أن الخف من الجلد، وهذا من الصوف أو من القطن أو من القماش، فكل منهما ساتر، فيمسح على الجوارب مستقلة، ويمسح عليها إذا كانت أيضاً مع نعلين، ولا يمسح على النعلين مستقلين.

    ولا يمسح النعلان, ممكن أن ينزعها، وممكن أن يمسح عليهما.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767954715