أخبرنا سليمان بن داود والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكير: أن أبا السائب أخبره: أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب)].
فهذه الترجمة من الإمام النسائي رحمة الله عليه وهي باب: النهي عن اغتسال الجنب في الماء الدائم، المقصود بالماء الدائم؛ أي: الماء الواقف الساكن الذي لا يجري، وهذا هو المقصود بالترجمة، وذلك أن اغتسال الجنب به يعني يلوثه، وقد يجعل غيره يكره الاستفادة منه، وقد أورد فيه النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنبٌ)، وقد جاء في بعض الروايات أنه سئل أبو هريرة رضي الله عنه: (فماذا يصنع؟ قال: يغترف اغترافاً)؛ يعني: يتناول تناولاً من الماء الدائم ويغتسل، والسر في ذلك كما أشرت أن فيه تلويثاً له، وفيه تكريهاً له، فيمن قد يحتاج إليه لشرب أو لغيره، وهذا إذا كان الماء الدائم ليس كثيراً جداً، أما إذا كان كثيراً كماء البحر، أو غيره من المياه الكثيرة التي لا يؤثر الانغماس فيها، فهذا لا بأس به، وإنما المقصود من ذلك هو الشيء الذي يمكن أن يحصل فيه تلويث، وأن تكرهه النفوس بسبب الاغتسال فيه من الجنابة.
وسليمان بن داود وهو أبو الربيع المصري، وقد تقدم، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والنسائي.
وأما الحارث بن مسكين فهو أيضاً مصري، وهو ثقة، وقد خرج حديثه أيضاً أبو داود، والنسائي، إذاً: كل من شيخي النسائي في هذا الإسناد ثقة، وكل منهما خرج حديثه أبو داود، والنسائي، ولم يخرج لهما صاحبا الصحيح، ولا الترمذي، ولا ابن ماجه، وتبين من صنيع النسائي أنه عندما يقرنه مع غيره غالباً يجعل اللفظ الذي يسوقه له، فيقول: واللفظ له؛ أي: للحارث بن مسكين، هذا هو الغالب على استعمال النسائي، وعلى طريقة النسائي أنه عندما يقرن الحارث بن مسكين بغيره.
[عن ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري، هو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو محدث، فقيه.
[عن عمرو بن الحارث].
وهو أيضاً مصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن بكير].
هو بكير بن عبد الله بن الأشج، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي السائب].
أبو السائب، وهو مشهور بكنيته، وقيل: هو عبد الله بن السائب المدني أبو السائب مولى هشام بن زهرة.
وخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي هريرة].
وهو أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، وهو الصحابي الجليل، أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر السبعة حديثاً، إذ إنه لم يرو عن أحد من الصحابة أكثر مما روي عن أبي هريرة من الأحاديث رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ عن سفيان عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبولن أحدكم في الماء الراكد، ثم يغتسل منه)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: النهي عن البول في الماء الراكد والاغتسال منه؛ لأن الترجمة السابقة تتعلق بالنهي عن الاغتسال فيه من الجنابة، وهذه تتعلق بالنهي عن البول فيه والاغتسال منه، وذلك أن البول فيه يلوثه، ويقذره، ويجعله قذراً. ثم كون الإنسان يحتاج إلى أن يغتسل فيه، ومع ذلك هو يبول فيه، فإن هذا مما يزيده تقذراً، وإنما عليه أن يبول خارج الماء، وعند الاغتسال أيضاً يتناول تناولاً كما جاء ذلك عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في الأحاديث المتقدمة أنه سئل وقيل: (ماذا يصنع؟ قال: يتناول تناولاً)؛ أي: عندما يريد أن يغتسل، وهذا فيه النهي عن البول، وكذلك أيضاً كونه يحتاج إلى الاغتسال فيه، أو الاغتسال منه، هو يكون قد قذره على نفسه وعلى غيره.
وهذا الكلام إنما هو في الماء الدائم الساكن الذي لا يجري، وأما الذي يجري فإنه يتغير، ولا يسرع إليه الفساد مثل ما يحصل للماء الراكد الذي هو دائم، ولا يجري، ويتبدل، ويتغير، ويتحول من مكان إلى مكان، ومن حال إلى حال، فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم نهى عن البول في الماء الدائم وعن الاغتسال منه.
وهو محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ وهو ثقة، خرج له النسائي، وابن ماجه.
[عن سفيان].
وهو ابن عيينة، وقد سبق أن مر ذكره كثيراً، وهو ثقة، ثبت، إمام، حجة، حافظ، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزناد].
وهو عبد الله بن ذكوان، وأبو الزناد هذا لقب له على صيغة الكنية، وهو ليس كنية، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن موسى بن أبي عثمان].
وهو مولى المغيرة بن شعبة، ويقال له: التبان، وهو مقبول، خرج حديثه البخاري تعليقاً، والنسائي.
[عن أبيه].
أبوه هو أبو عثمان وهو التبان مولى المغيرة بن شعبة، وهو أيضاً مقبول، خرج حديثه البخاري تعليقاً، وأبو داود، والنسائي، والترمذي.
[عن أبي هريرة].
وهو صحابي الحديث الذي تقدم قبل هذا.
أخبرنا عمرو بن هشام حدثنا مخلد عن سفيان عن أبي العلاء عن عبادة بن نسي عن غضيف بن الحارث أنه سأل عائشة رضي الله عنها: (أي الليل كان يغتسل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: ربما اغتسل أول الليل، وربما اغتسل آخره، قلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة)].
أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: الاغتسال أول الليل. أي: من الجنابة؛ يعني: أن الترجمة معقودة للاستدلال على الاغتسال أول الليل، وأورد فيه حديث عائشة رضي الله عنها أن غضيف بن الحارث سألها عن اغتسال الرسول صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: إنه (ربما اغتسل أول الليل، وربما اغتسل آخره)؛ معناه: أنه يغتسل من أوله وآخره، فقال: (الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة)؛ يعني: ما دام أن الرسول صلى الله عليه وسلم اغتسل في أول الليل وفي آخره، ففي الأمر سعة، ويقول غضيف: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة؛ يعني: لم يجعل الأمر فيه ضيقاً، وفيه إلزام بوقت معين، بل الأمر في ذلك واسع.
وفي بعض الروايات أنه قال: (الله أكبر، الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة)، وفي ذلك، صنيع غضيف بن الحارث التكبير عند حصول الأمور المستحبة، والأمور السارة، وكذلك أيضاً الثناء على الله عز وجل، وحمده على تيسيره، وعلى تخفيفه، وكونه ما جعل على الناس في الدين من حرج، بل سهل ويسر وخفف، ولم يلزم بأن يكون الاغتسال له وقت معين لا يتعداه إلى غيره، فهذا يدل دلالة على أن المعروف عن السلف من الصحابة ومن بعدهم أنهم عندما يأتي أمر يسر، أو أمر يتعجب منه، أو أمر حسن فإنه يكبر الله عز وجل، ويظهر الفرح بالتكبير، والحمد لله عز وجل كما فعل غضيف بن الحارث في هذا الحديث.
وفي بعض الروايات عند أبي داود أنه قال: (الله أكبر، الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة)، وهذا فيه دليل على أن ما شاع في هذا الزمان وانتشر من حصول التصفيق عند ذكر أمر يسر أن هذا من الأمور المنكرة، والأمور المحدثة التي هي خلاف السنة، وإنما السنة هي حصول التكبير عند ذكر الأمور السارة، وقد جاء ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم في بعض الأحاديث، وكما حصل من البشارة التي حصلت من رسول الله عليه الصلاة والسلام، قال: (أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، أو ثلث أهل الجنة)، فعند ذلك يقول الصحابة: الله أكبر، سروراً وابتهاجاً وفرحاً.
وكذلك عمر رضي الله عنه لما جاء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام في قصة اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه، وما شاع من أنه طلقهن، وأن الصحابة تأثروا وحزنوا لما حصل، فجاء عمر إليه وهو في مكان قد جلس فيه، فسأله وقال: (يا رسول الله! طلقت نساءك؟ قال: لا، قال: الله أكبر)، فكبر سروراً وابتهاجاً، فهذه هي السنة التي جاءت بها الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والتي حصلت من أصحابه في حضرته، وأقرهم على ذلك، وأيضاً الذي فعله من بعدهم التابعون، وكما حصل لـغضيف بن الحارث في هذا الحديث الذي معنا، فإنه قال: (الله أكبر، الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة).
والحديث دال على ما ترجم له النسائي من الاغتسال في أول الليل من الجنابة، وهذا هو الأولى أن يكون الإنسان يغتسل أول الليل، ثم ينام وهو على طهارة، لكنه إن بقي وأخر ذلك إلى آخر الليل فلا بأس، لكن عليه أن يتوضأ؛ لأن ذلك فيه تخفيف الحدث، وإزالة التلويث الذي حصل بسبب الجماع.
هو عمرو بن هشام الحراني، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي وحده.
[عن مخلد].
وهو ابن يزيد القرشي الحراني، هو صدوق، له أوهام، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن سفيان].
وسفيان هنا غير منسوب، وهو يحتمل سفيان بن عيينة، وسفيان الثوري، لكن الذي ذكره المزي في ترجمة مخلد بن يزيد أنه روى عن الثوري، ولم يرو عن ابن عيينة، والذي روى عنه سفيان هو: أبو العلاء، وهو أيضاً برد بن سنان، ذكروا في ترجمته أنه روى عنه السفيانان؛ يعني: سفيان بن عيينة، وسفيان الثوري، لكن في ترجمة مخلد بن يزيد أنه روى عن سفيان الثوري فقط.
إذاً: فقد تبين بأنه سفيان الثوري، وليس سفيان بن عيينة، وهذا إنما عرف بالرجوع إلى ترجمة مخلد بن يزيد في تهذيب الكمال، فإنه ذكر أن من شيوخه سفيان الثوري، ولم يذكر من شيوخه الذي روى عنهم سفيان بن عيينة، وهذا مما يتبين به المهمل.
وسفيان الثوري هو ثقة، ثبت، إمام، حجة، وهو محدث، فقيه، وهو ممن وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل والتوثيق، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري.
[عن أبي العلاء].
وأبو العلاء هو: برد بن سنان، ويأتي أحياناً بكنيته كما هنا، وأحياناً باسمه كما في الإسناد الذي بعد هذا؛ لأنه أحياناً يذكر بالكنية، وأحياناً يذكر بالاسم، ومن يعرف ذلك لا يلتبس عليه الأمر، ومن عرف أن برد بن سنان كنيته أبو العلاء فإذا وجده في بعض الأسانيد أبو العلاء، وفي بعضها برد بن سنان يعرف أن هذا هو هذا، من لم يعرف يظنه أنهما شخصان، مع أنهما شخص واحد، فذكر مرةً باسمه، ومرةً بكنيته، وهذه من فوائد معرفة كنى المسلمين.
وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن عبادة بن نسي].
وعبادة بن نسي ثقة، فاضل، خرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
[عن غضيف بن الحارث].
وغضيف بن الحارث هذا مخضرم، وهو مقبول، خرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
[عن عائشة].
وهي عائشة رضي الله تعالى عنها، وهي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق، أكثر الصحابيات حديثاً على الإطلاق، ولم ترو امرأة من الصحابيات مثل ما روت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين زادت أحاديثهم عن ألف حديث، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.
أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي حدثنا حماد عن برد عن عبادة بن نسي عن غضيف بن الحارث قال: (دخلت على
أورد النسائي ترجمةً أخرى وهي: الاغتسال أول الليل وآخره. وهي تشبه الترجمة السابقة، لكن فيها زيادة آخر الليل؛ لأن الترجمة السابقة الاغتسال أول الليل، وهذه أول الليل وآخره، والمقصود من ذلك الاستدلال على آخر الليل، وكذلك على أول الليل، إلا أن أول الليل في الترجمة السابقة تخص هذا الموضوع، والمقصود من ذلك أن الاغتسال سائغ في أول الليل وآخر الليل؛ يعني: الاغتسال من الجنابة، وفيه ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ما كان عليه سلف هذه الأمة من الحرص على معرفة أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته، والتي يحتاج إليها وإلى معرفة مثل هذا الحكم الذي هو الاغتسال، وأن المرجع في مثل هذه الأحكام إلى أزواجه رضي الله عنهن وأرضاهن؛ لأنه من الأمور المتعلقة بالبيت، كالاغتسال من الجنابة، وما إلى ذلك من الأمور الخفية التي لا يطلع عليها في الغالب إلا نساؤه رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، وفيه الرجوع إلى من عنده علم، أو مظنة من يكون عنده علم في المسألة، وفيه أن الاغتسال من الجنابة سائغ في أول الليل وآخر الليل، لكن إذا أخر إلى آخر الليل، فينبغي أن يتوضأ ويخفف الحدث، وأيضاً يزيل ما هناك من تلوث بسبب الجماع.
وهو يحيى بن حبيب بن عربي، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وقد مر ذكره كثيراً.
[عن حماد].
وهو ابن زيد؛ لأنه ذكر في ترجمة يحيى بن حبيب بن عربي أنه روى عن حماد بن زيد، وأما في ترجمة برد بن سنان فقد ذكر أنه روى عنه الحمادان كما روى عنه السفيانان، وذكرت أن في الإسناد الذي قبل هذا أن سفيان عرف بأنه الثوري؛ لأن المزي لم يذكر أن مخلد بن يزيد روى عن سفيان بن عيينة، وإنما روى عن سفيان الثوري، فتعين أنه المهمل، كذلك هنا بالنسبة لـحماد؛ لأنه أُهمل هنا، وبرد بن سنان ذكروا في ترجمته أنه روى عن الحمادان: حماد بن زيد، وحماد بن سلمة، لكن في ترجمة يحيى بن حبيب بن عربي في تهذيب التهذيب قال: أنه روى عن حماد بن زيد، وما ذكر حماد بن سلمة.
وحماد بن زيد ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن برد].
وهو ابن سنان، وهو: أبو العلاء؛ لأنه هنا ذكر باسمه، وفي الإسناد السابق ذكر بكنيته، وهو مثل أبي وائل شقيق بن سلمة، فأحياناً يأتي شقيق بن سلمة، وأحياناً يأتي أبو وائل، وهو هو يذكر بكنيته أحياناً، ويذكر باسمه أحياناً، وكذلك برد بن سنان وبقية الإسناد هم رواة إسناد الحديث الذي قبل هذا.
الجواب: سعيد بن المسيب قيل عنه بالفتح، وقيل عنه بالكسر، والمعروف أنه بالكسر، وقد ذكر هذا السيوطي في الألفية، وسيأتي ذكر أن الأولى فيه الكسر؛ لأنه كان يغضب، وكان يكره أن يقال له: ابن المسيب، فهو ابن المسيب بالكسر، وهو يأتي ذكره هكذا وذكره هكذا، لكن الذي ينبغي أن يعبر عنه بالكسر.
الجواب: المضاعفة كما هو معلوم ما في شيء يدل على المضاعفة من ناحية العدد؛ لأن التضعيف من ناحية العدد ما جاء شيء يدل عليه، ومن المعلوم أن السيئة تكتب سيئة واحدة، لكن فرق بين السيئة في الأماكن المقدسة والأماكن الأخرى التي دونها؛ لأن من يعص الله في الحرم ليس كمن يعصيه في غير الحرم، ومن المعلوم أن مكة أفضل وأشرف، والأمر فيها أشد، والخطورة إنما هي بالكيف ليس بالكم؛ لأنه لا يقال: إن السيئة تضاعف سيئات، وأنها تكتب عليه عدة سيئات إذا أتى بسيئة واحدة، لكنها من حيث الكيف، ومن حيث الخطورة، لا شك أن المعصية في الحرم أشد وأعظم من المعصية في الأماكن الأخرى.
ومن المعلوم أن الزمان المقدس والمكان المقدس له ميزة، وله فضل، فالحسنات لها وزن ولها قيمة، ولها شأن، والسيئات لها خطر، وأمرها عظيم، وليس بالهين.
الجواب: نعم،، السبب في كون والدي الرسول صلى الله عليه وسلم أنهما في النار الكفر، بسبب كونهما ماتا كافرين، وقد جاء في صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كما في حديث أنس : (أن رجلاً جاء إلى النبي وقال: أين أبي؟ قال: أبوك في النار، فتأثر الرجل، فلما أدبر دعا به، وقال: إن أبي وأباك في النار)، وأما بالنسبة لأمه، فإن النبي عليه الصلاة والسلام جاء عنه في الحديث الصحيح: (أنه استأذن أن يزورها، فأذن له، واستأذن أن يستغفر لها، فلم يؤذن له)، وكونه استأذن ليستغفر لها فلم يؤذن له دل على أنها ماتت كافرة.
وما جاء عن بعض الناس من قولهم: إن الله تعالى أحياهما له، وأنهما أسلما، وأن هذه خصيصة، فهذا لو كان صحيحاً لكان له شأن ولنقل، ولجاء ذلك؛ لأن هذا من الأمور الغريبة العجيبة التي هي من أشد الخصائص، وأعظم الخصائص، وقد جاء عن بعض العلماء لكنه ليس بصحيح؛ لأنه ليس مبنياً على ما يدل على الثبوت، والصحيح أنه لم يثبت، ولم يأت ما يدل على ذلك، بل الذي جاء هو ما في الصحيح من أنهما في النار.
الجواب: ( كان النبي عليه الصلاة والسلام يعقد التسبيح بأصابعه )، يعني: يعد بأصابعه، والعقد هو: كونه يقدم، فهذا هو المقصود بالعقد، ومن المعلوم أن تمام المائة أن يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وعندما يأتي ذكر الله يمكن أن يشير بإصبعه، عندما يقول: لا إله إلا الله.
الجواب: الذي ينبغي هو السماع، والتعقل، والتأمل؛ لأن القراءة معه تشغل عن السماع، والتفكر، والتدبر، بل الإنسان عندما يسمع القراءة سواءً كانت من مسجل، أو من شخص مباشرةً بدون تسجيل فإنه يستمع للقراءة، وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا [الأعراف:204]، طبعاً الآية في الصلاة، لكن كذلك إذا كان الإنسان عنده قراءة قرآن لا ينشغل عنه، وإنما يستمع، إما أن يكون باقياً، فيستمع إذا كان القارئ يقرأ، أو إذا كان بتسجيل فإنه يستمع، وإذا أراد أن ينشغل فلا ينشغل، والقرآن يُقرأ، ويتشاغل عنه، وإنما يوقف التسجيل إذا كان بحاجة إلى الانشغال عنه، أما كون القرآن يقرأ وهو يتشاغل عنه فهذا لا ينبغي، ولا يصلح.
وإذا كان يريد أن يتعلم القراءة أو التجويد فيمكن أنه يقرأ معه من أجل أن يتعلم، لكن إذا كان ليس المقصود كون الإنسان يتعلم، وكونه يعود نفسه على القراءة، وكونه يمد كما يمد القارئ، ويرتل كما يرتل القارئ فإنه يسمع.
الجواب: التزاحم على مكان معين في المحراب الذي في الروضة، أولاً: الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان له محراب موجود بهذه الهيئات الموجودة الآن، وإنما كان له مكان يصلي فيه، ولا يعلم هذا المكان بالضبط أين هو؟ وإنما الذي جاء أن الروضة ما بين البيت والمنبر، وهي روضة من رياض الجنة، وهذا يدل على فضلها، وأما قصد المكان والتزاحم عليه فهذا لا ينبغي، وإنما الذي ينبغي هو أن يأتي الإنسان إلى الروضة حيث لا يكون هناك إيذاء لأحد بسبب الزحام فيصلي فيها ما تيسر له، ثم يقوم، وإذا كان عليها زحام لا يستمر في الصلاة فيها، وإنما يتركها لمن يريد أن يصلي، أما أن يبقى فيها، ويترتب على ذلك إيذاء، والناس يأتون ليصلوا فيها صلاة، ويدركون ذلك الفضل فهذا لا ينبغي للإنسان أن يبقى فيها ويلحق الضرر بالناس.
وإذا كان حكم السائل بأن هذا من الأمور المبتدعة؟ فنقول: نعم هذا من الأمور التي يخشى منها الوقوع في محظور.
الجواب: عمدة الأحكام كما هو معلوم أحاديث متفق عليها، وهي أكثر من ثلاثمائة حديث، قيل إن عدة أحاديثها عدة أهل بدر أو قريب من عدة أهل بدر؛ لأنها أكثر من ثلاثمائة حديث، وكلها من المتفق عليه، فإذا حفظها يكون قد حفظ أحاديث صحيحة متفقاً عليها، رواها البخاري، ومسلم، وإن كان المقدسي رحمة الله عليه حصل منه أحياناً عدم الالتزام بشرطه وهو: أنه يكون من المتفق عليه، فأحياناً يكون ليس على شرطه، وهذا قليل جداً، وقد نبه عليه العلماء من جهة أنه ليس متفقاً عليه، وهو ذكره بناءً على شرطه أنه متفق عليه، فهذا من أوهامه التي وهم فيها، لكن إذا حفظ الإنسان عمدة الأحكام يكون قد حفظ أحاديث صحيحة متفقاً عليها، رواها البخاري، ومسلم، وهذا أولى ما يكون للمبتدئ، ثم بعد ذلك يقرأ أو يحفظ بلوغ المرام الذي هو أوسع، والذي فيه متفق عليه وغير متفق عليه، وفيه صحيح وضعيف.
الجواب: حفظ المتون لا شك أنه مهم جداً لمن عنده قدرة؛ لأن الحفظ هو الذي يبقى مع الإنسان أينما ارتحل وأينما حلّ، حفظه معه، وعلمه معه في صدره، وفي محفوظاته، فهذا هو العلم الحقيقي الذي يكون مع الإنسان دائماً وأبداً، بخلاف العلم الذي يكون في الكتب فإنه يحتاج إلى مراجعة، لكن العلم الذي يكون في الصدر، فهذا ينفق الإنسان منه متى شاء، ويتمكن من الإنفاق منه، من البذل منه، فلا شك أن الحفظ، وحفظ المتون هي طريقة المتقدمين، وطريقة أهل التحصيل الذين يعنون بحفظ المتون فيستذكرونها، سواءً كان ذلك مثلاً في الحديث، أو في النحو، أو في المصطلح، أو في الفرائض، أو ما إلى ذلك من الفنون التي تحفظ فيها المتون نظماً ونثراً.
الجواب: ماء البحر واسع لا يخشون عليه التلويث، لكن الأولى أن الإنسان يعود نفسه ألا يبول في الماء الدائم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر