أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا سفيان حدثني منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يومئ إلى رأسه وهو معتكف، فأغسله وأنا حائض)].
هنا يقول النسائي رحمه الله باب غسل المرأة رأس زوجها وهي حائض. هذه الترجمة تتعلق ببعض الأمور المتعلقة في الحائض، وهي كونها تغسل رأس زوجها في حال حيضها، وأن ملامستها له بالماء وغيره أنه لا بأس به ولا مانع منه، وقد أورد النسائي رحمه الله عدة أحاديث، أولها: حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئ إليّ رأسه وهو معتكف، فأغسله وأنا حائض)، يعني: أنه يخرج إليها رأسه من المسجد وهي في الحجرة، وذلك في حال اعتكافه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فتغسله وهي حائض، وهو واضح الدلالة على ما ترجم له، وأن هذا العمل سائغ وجائز وأنه لا مانع منه، فقد كان عليه الصلاة والسلام يخرج رأسه إلى عائشة وهو في المسجد، وهي في الحجرة فتغسله وهي حائض.
هو عمرو بن علي بن بحر بن كنيز الفلاس، محدث، مشهور وناقد، كلامه كثير في الجرح والتعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو من الثقات، الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره كثيراً.
[أخبرنا يحيى].
وهو ابن سعيد القطان، وهو أيضاً محدث، ناقد، من أئمة الجرح والتعديل، وهو ثقة ثبت وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان].
وسفيان هذا غير منسوب، فيحتمل أن يكون الثوري ويحتمل أن يكون ابن عيينة، وفي ترجمة يحيى بن سعيد القطان في تهذيب الكمال يقول: إنه روى عن السفيانين: سفيان الثوري وسفيان بن عيينة، وفي ترجمة منصور بن المعتمر يقول: إنه روى عنه السفيانان: سفيان الثوري وسفيان بن عيينة، إذاً: فالاحتمال قائم؛ لأن كلاً من السفيانين روى عنهما يحيى بن سعيد القطان، وكلاً منهما رويا عن منصور بن المعتمر، ووجه الترجيح أو الذي يمكن أن يرجح به أحدهما على الآخر أن يقال: الأظهر أنه سفيان الثوري؛ لأن سفيان الثوري كوفي، ومنصور بن المعتمر كوفي، وسفيان بن عيينة مكي، ومن المعلوم أن ملازمة الكوفي للكوفي لكونه من بلده يكون له به خصوصية، بخلاف من هو في بلد آخر، فإنه لا يلتقي به إلا في رحلة وفي أوقات مخصوصة، وكونه في مكة يمكن أن يتم ذلك بحج أو عمرة أو رحلة لطلب الحديث.
إذاً: فكون سفيان الثوري كوفياً ومنصور بن المعتمر كوفياً يجعل جانب رجحان أن يكون سفيان الثوري أقرب من أن يكون سفيان بن عيينة.
وسفيان الثوري إمام محدث كبير مشهور، وقد وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، ولا تحصل إلا للقليل النادر من المحدثين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. وسفيان غير منسوب كما عرفنا، وهذا يسمى المهمل في علم المصطلح وليس المبهم، فإذا قيل: عن رجل، أو حدثني رجل، فهذا يقال له: مبهم؛ لأنه غير مسمى، وأما المهمل يسمى ولكن تهمل النسبة، ويعرف التمييز بالرجوع إلى الطرق المتعددة، وقد يسمى بها ذلك المهمل، أو بمعرفة الشيوخ والتلاميذ، فإنه يمكن بواسطة ذلك أن يعرف ذلك المهمل الذي هو غير منسوب.
[حدثني منصور].
هو منصور بن المعتمر ثقة ثبت، وهو كوفي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم].
وهو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي أيضاً، وهو ثقة وفقيه مشهور، معروف بالفقه ومعروف بكثرة الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن الأسود].
وهو ابن يزيد النخعي، وخاله هو إبراهيم النخعي، وهو مخضرم وثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، والمخضرمون هم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يروا النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يحصل لهم شرف الصحبة، وقد كانوا موجودين في زمانه ولم يحصل لهم شرف لقياه حتى يكونوا بذلك من الصحابة.
[عن عائشة].
وهي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكرها كثيراً.
إذاً: فهذا الإسناد رواته كلهم حديثهم عند أصحاب الكتب الستة: عمرو بن علي الفلاس، ويحيى بن سعيد القطان، وسفيان الثوري، ومنصور بن المعتمر، وإبراهيم النخعي، والأسود بن يزيد النخعي، وعائشة؛ سبعة رواة كلهم حديثهم عند أصحاب الكتب الستة، ومن دون الصحابية كلهم ثقات: الأسود بن يزيد، وإبراهيم بن يزيد، ومنصور بن المعتمر، وسفيان الثوري، ويحيى بن سعيد القطان، وعمرو بن علي الفلاس، فكل هؤلاء من الثقات.
وهنا أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها من طريقٍ أخرى، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إليها رأسه من المسجد وهو مجاور له، فتغسله وهي حائض، (ومجاور) يعني: معتكف، وهو مثل الذي قبله، بل هو موضحٌ للذي قبله؛ لأن كلمة: (يومئ) تفسرها هذه الرواية وهي: يخرج (ويومئ) يعني: يخرج، فالرواية الثانية هذه مفسرة للرواية الأولى.
وهو المرادي المصري، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، فخرج له مسلم وثلاثة من أصحاب السنن الأربعة، وهم من عدا الترمذي.
[حدثنا ابن وهب].
وهو عبد الله بن وهب المصري، الثقة الفقيه، المكثر من الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا عمرو بن الحارث وذكر آخر].
يعني: أن عبد الله بن وهب المصري روى عن عمرو بن الحارث وهو أيضاً مصري، وهو ثقة ثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، أعني عمرو بن الحارث، والرجل الآخر هنا لم يسم فهو مبهم، والمبهم هو الذي لم يذكر اسمه بأن يقال: رجل، وأما إذا سمي كالذي مر في الإسناد الذي قبل هذا وهو سفيان، لم يقل: الثوري ولا ابن عيينة، فهذا يقال له: مهمل، يعني: مهمل النسبة، وأما هذا فيقال له: مبهم، والمبهم لا يؤثر إلا إذا كان وحده في الإسناد، أما ما دام قد ذكر مع غيره ممن هو ثقة فالعمدة على غيره، وهذا وجوده كعدمه لا يؤثر، سواءً ذكر أو لم يذكر، عرف أو لم يعرف؛ لأن العمدة على المسمى وهو ثقة، وهو عمرو بن الحارث المصري، وهذا الرجل الذي لم يسم الأظهر أنه عبد الله بن لهيعة؛ لأن النسائي تجنب حديث عبد الله بن لهيعة وأعرض عنه، وقد ذكروا أن ذلك من انتقائه، وأن حديث عبد الله بن لهيعة عنده ويعرفه حديثاً حديثاً، ومع ذلك لم يخرج في سننه عن عبد الله بن لهيعة؛ لأنه صدوق، احترقت كتبه فترك، ولم يأخذ عنه بعض العلماء، ومنهم من أخذ عنه وروى عنه، لكن النسائي تجنب حديثه، فلعله يعنيه؛ لأنه جاء في الإسناد: عن عمرو بن الحارث، ورجل آخر، فيحتمل أن يكون ابن لهيعة ولكنه لم يسمه؛ لأنه ما أراد الرواية عنه، وقد تجنب حديثه، وهو عمرو بن الحارث في طبقةٍ واحدة، وهما مصريان، وعبد الله بن وهب مصري، فالأظهر أنه عبد الله بن لهيعة، لكن كما قلت: لا يؤثر عدم تسميته؛ لأنه ليس عليه اعتماد، فوجوده كعدمه؛ لأن الاعتماد على المسمى وهو عمرو بن الحارث، وعمرو بن الحارث كما ذكرت هو ثقة ثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الأسود].
وهو محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي، المشهور بلقب (يتيم عروة)، وقيل له: يتيم عروة؛ لأن أباه أوصى به إلى عروة، فصار يقال له: يتيم عروة، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو مدني.
[عن عروة].
وهو عروة بن الزبير، وهو أحد الفقهاء السبعة المشهورين في عصر التابعين في المدينة، وهو من الثقات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
يروي عروة عن خالته عائشة رضي الله عنها؛ لأن أمه أسماء بنت أبي بكر، هي أخت عائشة، فهو يروي عن خالته عائشة رضي الله تعالى عنها، وقد مر ذكرها في الحديث الذي قبل هذا.
إذاً: فهذا الإسناد رواته كلهم من الثقات، وكلهم خرج له أصحاب الكتب الستة إلا شيخ النسائي: محمد بن سلمة المرادي، فإنه لم يخرج له البخاري ولا الترمذي، والباقون خرج لهم أصحاب الكتب الستة.
وفي الإسناد: محمد بن سلمة المرادي، وعبد الله بن وهب، وعمرو بن الحارث، وهؤلاء مصريون، وأما يتيم عروة الذي هو أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، وعروة، وعائشة فهم مدنيون، فنصف الإسناد مصريون، ونصفه مدنيون، وكل الرواة ثقات الذين هم دون الصحابية، وأما الصحابة فلا يقال عن الواحد فيهم: ثقة، وإنما يكفي أن يقال عنه: صحابي كما عرفنا ذلك فيما مضى، فالصحابة لا يحتاجون إلى تعديل مع تعديل الله لهم وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يحتاجون إلى تعديل المعدلين وتوثيق الموثقين.
وهنا أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت ترجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حائض، وترجله يعني: تسرحه، والترجيل هو: تسريح الشعر، وهذا يدل على أن كون المرأة تغسل شعر رأس زوجها أو ترجله وتسرحه في حال حيضها أنه لا بأس بذلك ولا مانع منه.
وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، الثقة الثبت، والذي خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد جاء ذكره كثيراً في سنن النسائي، بل هو أول شيخ روى عنه النسائي في سننه.
[عن مالك].
وهو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه الإمام، صاحب أحد المذاهب الأربعة المشهورة، وهو من أئمة الحديث في الفقه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام بن عروة].
وهو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وأبوه عروة، وعروة يروي عن عائشة، وقد مر ذكرهم في إسناد الحديث الذي قبل هذا.
وهنا أورد النسائي طريقاً آخر أو طريقين آخرين من النسائي، وكلها تلتقي عند مالك.
والنسائي ما ذكر المتن، ولكنه أحال إلى المتن الذي قبله، وقال: (مثل ذلك)، يعني: ذلك الحديث المتقدم، وهو أن عائشة قالت: (كنت أرجل شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض)، فالمتن في هذا الإسناد مثل المتن السابق، وقد ذكرت سابقاً أن التعبير بمثله يقتضي المماثلة في المتن، بخلاف التعبير بنحوِه؛ فإن هذا يقتضي الاتفاق في المعنى وإن حصل اختلاف في بعض الألفاظ، فهذا يقال فيه: نحوه، وأما إذا كان المتن مطابقاً للمتن فيقال: مثله.
وهو مماثل للإسناد الذي قبل هذا.
[(ح) وأخبرنا علي بن شعيب].
ثم أتى بـ (ح) التحويل فقال: وعلي بن شعيب وهو السمسار البغدادي، وهو ثقة، وخرج حديثه النسائي وحده، ولم يخرج له الباقون من أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا معن].
وهو معن بن عيسى، وهو ثقة ثبت، وقال أبو حاتم: هو أثبت أصحاب مالك، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره فيما مضى.
[عن مالك].
مالك هو الذي مر في الإسناد الذي قبله.
وعلى هذا فالإسنادان: الإسناد العالي، والإسناد النازل كلاهما إلى مالك؛ لأن بين النسائي وبين مالك في الإسناد الأول قتيبة بن سعيد، وفي الإسناد الثاني بينه وبين مالك شخصان وهما: علي بن شعيب ومعن بن عيسى، فالإسناد الثاني يعتبر نازلاً بالنسبة للإسناد الأول، والإسناد الأول يعتبر عالياً بالنسبة للإسناد الثاني.
[عن الزهري].
وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وقد مر ذكره كثيراً، وهو فقيه محدث جليل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
وقد مر ذكرهما في الأسانيد السابقة.
إذاً عندنا الأسانيد العالية والنازلة؛ فالأسانيد العالية: هي التي يقل فيها الرواة، فمثلاً: النسائي أعلى الأسانيد عنده الرباعيات، والبخاري أعلى الأسانيد عنده الثلاثيات، ويقال: إن أنزل الأسانيد عنده التساعيات، يعني: تسعة أشخاص بين البخاري وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، والبخاري عنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثيات، وعنده أحاديث أسانيدها ثمانيات وسباعيات وسداسيات، لكن عنده تساعيات، ويقال: إنها أنزل شيءٍ عنده، أو أطول شيءٍ عنده التساعيات، وأما النسائي فلا أدري ما هو أنزل شيء عنده، لكن عنده عشاريات، يعني: بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أشخاص.
أخبرنا قتيبة حدثنا يزيد وهو ابن المقدام بن شريح بن هانئ عن أبيه عن شريح عن عائشة رضي الله عنها قال: (سألتها: هل تأكل المرأة مع زوجها وهي طامث؟ قالت: نعم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوني فآكل معه وأنا عارك، وكان يأخذ العرق فيقسم علي فيه، فأعترق منه، ثم أضعه فيأخذه فيعترق منه، ويضع فمه حيث وضعت فمي من العرق، ويدعو بالشراب فيقسم علي فيه قبل أن يشرب منه، فآخذه فأشرب منه، ثم أضعه فيأخذه فيشرب منه، ويضع فمه حيث وضعت فمي من القدح)].
وهنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب مؤاكلة الحائض والشرب من سؤرها، وأورد فيه حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يكون الطعام بين يديه، فيأخذ العرق وهي طامث أو عارك، والطامث والعارك هي: الحائض؛ يقال لها: طامث، ويقال لها: عارك، وقد جاء في الحديث هذا ذكر عارك وطامث والمراد به أنها حائض، فكان رسول الله يأخذ العرق ويعطيه لـعائشة قبل أن يأكل منه ويحلف عليها أن تتعرق، ثم تأخذه وتتعرقه، وإذا وضعته أخذه وأكل من حيث أكلت، يعني: المكان الذي كانت تضع عليه فمها، يضع فمه عليه عليه الصلاة والسلام.
والعرق: هو العظم الذي عليه بقية من اللحم بعدما يخفف، فيتناوله الآكل ويأكل منه، يعني: لا يأخذه وهو كثير، وإنما يخفف ما عليه من اللحم حتى يبقى عليه قليل من اللحم فيتناوله الآكل، فيتعرقه يعني: يأخذه بأسنانه، وكان عليه الصلاة والسلام يقسم على عائشة ويحلف عليها أن تأخذه وأن تأكل قبله فتأكل، ثم يأخذ فيأكل من حيث أكلت، وكان يدعو بالماء فيؤتى به فيقسم عليها أن تشرب قبله، فإذا شربت أخذه ووضع فمه على الناحية التي وضعت فمها عليها من القدح فيشرب منه وهي حائض، والحديث دال على ما ترجم له المصنف من جهة مؤاكلتها والشرب من سؤرها، وهذا الحديث واضح الدلالة عليه.
وفيه أيضاً: بيان أن الدين الإسلامي وسط بين ما كان عليه اليهود والنصارى، فإن اليهود إذا حاضت المرأة لا يجالسونها، ويتجنبونها ويبتعدون عنها، والنصارى يجامعونها، فعندهم إفراطٌ وتفريط، والدين الإسلامي وسطٌ بين ما كان عليه اليهود وما كان عليه النصارى؛ لأنها تؤاكل ويجلس معها، لكن لا تجامع.
وهذا الحديث فيه ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من كمال الأخلاق وحسن المعاشرة لأهله عليه الصلاة والسلام، ولطفه بهم ومؤانسته إياهم، فإنه كان كما ذكرت عائشة يعطيها العظم الذي عليه لحم ويحلف عليها أن تأكل قبله، ثم إذا أكلت أخذه منها ووضع فمه حيث وضعت فمها من العرق، فيأكل من بقية ما أكلت، ويؤتى بالماء فيحلف عليها أن تشرب قبله، وإذا شربت أخذه منها ووضع فمه على حافة الإناء في الجهة التي وضعت فمها عليها، فهذا من حسن معاشرته لأهله، ولطفه بهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قد مر قريباً.
[حدثنا يزيد وهو ابن المقدام].
وهو يزيد بن المقدام بن شريح، وهو صدوقٌ، وخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الثلاثة: أبو داود والنسائي وابن ماجه.
[عن أبيه].
وأبوه هو المقدام بن شريح، وهو ثقة، وخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[عن شريح].
يعني: المقدام يروي عن شريح، وهو: شريح بن هانئ، وهو ثقة، وخرج حديثه مسلم، والبخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن عائشة].
وهي أم المؤمنين، وقد مر ذكرها في الأسانيد الماضية.
وهذا الحديث يعتبر من روايات من روى عن أبيه عن جده؛ لأن يزيد يروي عن المقدام عن شريح، فـيزيد يروي عن المقدام، والمقدام يروي عن شريح، فهي رواية ابن عن أب عن جد.
وهنا أورد النسائي حديث عائشة من طريقٍ أخرى، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع فمه على موضع فمها من الإناء الذي شربت منه، فيشرب من سؤرها وهي حائض، وهو دالٌ على ما ترجم له المصنف، وهو مثل الذي قبله، ويدل على ما دل عليه الذي قبله.
وهو أيوب بن محمد الوزان، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجه .
[حدثنا عبد الله بن جعفر].
وهو عبد الله بن جعفر الرقي، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبيد الله بن عمرو].
وهو الرقي أيضاً، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش].
وهو سليمان بن مهران الكاهلي، والأعمش لقب له، وهو مشهور بلقبه، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن المقدام بن شريح عن أبيه].
وقد مر ذكرهما في الإسناد السابق.
الجواب: الإنسان لا يحلف بالطلاق، لكن إذا كان الذي حصل عليه الحلف مطابقاً للواقع وما حصل، ليس عليه شيء، لكن لا يجوز له أن يحلف إلا بما يحلف به، فلا يحلف بالطلاق ولا بغيره، وإنما يحلف بالله.
الجواب: لا أعرف أن التلميذ يختار كنية، وإنما الشيخ يعرف بكنية أو يشتهر بها، فيكنى بما هو معروف به، أما كون التلميذ يكنيه بشيء فلا أعرف عنه شيئاً، هل حصل هذا؟ يمكن أن يكني ويشتهر؟ لكن هل يكنيه من تلقاء نفسه ويأتي بشيء من تلقاء نفسه؟ فكونه يكنى أو أحد يكنيه ثم يشتهر بهذه الكنية، يعني: الكنية لا تلزم أن تكون عن الأولاد؛ لأن الكنية تكون بدون ولد، والصغير يكنى، مثل ما جاء في الحديث: (يا
الجواب: هدم المساجد إذا كان هدمها لأمر يقتضيه كأن تكون على قبور فجائز وإن لم ينو إعادة بنائها؛ لأن إعادة بنائها في نفس المكان لا يجوز، وكذلك إذا هدم المسجد لكونه قريباً جداً من مسجد آخر، يعني يهدم ولا ينوى إعادة بنائه؛ لأنه قريب من مسجد.
الجواب: من المعلوم أن السهر حتى لو كان سليماً فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يكرهه؛ كما جاء في الحديث: (كان يكره النوم قبلها، والحديث بعدها) أي: صلاة العشاء، لكن إذا كان سهره لأمور نافعة وأمور تنفع المسلمين، أو ينتفع بها الإنسان ولا يؤثر ذلك على التخلف عن صلاة الفجر، فإنه لا بأس به، أما كون الإنسان يقضي وقته بالسهر واللعب، وقد يكون اللعب في أمور محرمة، فلا شك أن الابتعاد عن ذلك متعين ولازم؛ لأن هؤلاء الذين يشغلون أوقاتهم باللعب وقد يكون اللعب في أمور محرمة يجمعون بين مصائب؛ كونهم يقضون أوقاتهم في أمر محرم، وكونهم يتأخرون عن صلاة الفجر أو ينامون عنها، فيكونون قد جمعوا بين مصيبتين وبين بليتين: انشغال في أمر محرم، وفوات صلاة الفجر عليهم.
الجواب: هو محتمل، لكن فهمنا أنه من كلام النسائي؛ لأنه كان متجنباً الرواية عن حديث ابن لهيعة، فهو إذا جاء في إسناد واحد فلا يأتي بالإسناد إذا كان ليس فيه إلا ابن لهيعة، فيتجنبه، لكن إذا كان فيه غيره فهو يأتي بذلك الغير ويحافظ على ما كان موجوداً فيبهمه، وهذا يحصل من بعض العلماء عندما يكون لا يروي عن شخص، ولكن الطريقة أنه جاء مقروناً بغيره وهو لا يريد أن يذكره فيبهمه، يعني: عبد الله بن وهب طبعاً ما يحتمل أن يكون منه؛ لأنه هو سماه عبد الله بن وهب، فما بقي الاحتمال إلا لـمحمد بن سلمة والنسائي، أما ابن وهب فما يحتمل فيه؛ لأن ابن وهب ذكر اسمه، وإنما الذي دونه هو الذي قال: ورجلٌ آخر، فلم يبق إلا محمد بن سلمة والنسائي، وكونه النسائي فهو أقرب؛ لأنه معروف أن النسائي تجنب حديث عبد الله بن لهيعة.
الجواب: أبداً، بل كل ذلك جائز، يصلي على الأرض، أو يصلي على الفراش، كل ذلك سائغٌ وجائز، والذي يصلي على الفراش أو على سجادة أو ما إلى ذلك لا يقال: إنه خالف السنة، بل الأمر فيه سعة.
الجواب: الصلاة على السجادة إذا كانت على البلاط ويريد أن يضعها من أجل تجنب البرودة فلا بأس به، أما كون الإنسان يأتي بسجادة معه فيتعب بنقلها، ثم يأتي ويفرشها على فراش، نقول: هذا لا وجه له ولا حاجة له.
الجواب: وهو كون أصحاب القبور يدعون ويستغاث بهم فهذا هو الشرك، وإذا لم يكن هذا هو الشرك فما هو الشرك؟ فكونه يقال: إن فلاناً شارك الله في خلق السموات والأرض إذا دعا غير الله عز وجل، وسأل غير الله مما لا يسأل إلا منه سبحانه وتعالى، كسؤال الأموات ونداء الملائكة أو الجن والاستغاثة بهم، وسؤال الغائبين فيما لا يقدرون عليه، وما لا يجوز أن يسأل مثل الغائب، وأن الغائب يمكن أن يسأل وكأنه حاضر مثل الذي عن طريق التلفون، كل ذلك كفر وشرك أكبر، وصاحبه قد أتى ما يقتضي الكفر، ولكن وجود ذلك من بعض من ينتسب للإسلام، اختلف في ذلك: هل يعذر بالجهل أو لا يعذر؟ فمنهم من قال: إنه لا يعذر، ومنهم من قال: يعذر حتى تقام عليه البينة، فإن قامت عليه البينة واستمر فإنه لا يعذر.
الجواب: شهيد المعركة في الجهاد في سبيل الله عز وجل في قتال الكفار لا يغسل؛ لأن تغسيله يزيل الدم، والسنة جاءت بأنهم يكفنون في ثيابهم ولا يغسلون؛ لأن التغسيل يذهب معه أثر القتل، وهو يأتي يوم القيامة والدم يخرج منه، اللون لون الدم والريح ريح المسك، ويكون ذلك شهادة له بأنه قتل في سبيل الله، فكونه يخرج الدم منه يوم القيامة على هذه الحال، فهذه علامة على كونه قتل في سبيل الله.
وأما الصلاة، فإنه يمكن أن يصلى عليهم، وإذا تركت الصلاة عليهم فلا بأس بذلك، لكن إن صلي عليهم فالصلاة عليهم سائغة وجائزة؛ لأنها دعاءٌ لهم، وإن لم يصل عليهم فهو سائغ، وأما التغسيل فإنهم لا يغسلون؛ لأن التغسيل يزيل أثر الشهادة الذي هو القتل في سبيل الله عز وجل.
الجواب: هناك سنن شرعها رسول الله عليه الصلاة والسلام، مثل: ما يتعلق بالصلاة وسنن الصلاة وأحكام الصلاة، فهذه يقال لها: سنن مشروعة، وهناك أفعال فعلها رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهي من أمور العادات، مثل: اللباس، يعني: يلبس كل اللباس بشرط ألا يوافق الكفار، وألا يكون فيه مشابهة وتقليد لهم، فسواءً لبس قميصاً على أي حالة، أو لبس إزاراً ورداءً، أو لبس ثوباً فضفاضاً، أو لبس أي لباس، فكل هذا سائغ وجائز، ولا يقال: إن من ترك ذلك اللباس ترك السنة، فكون الرسول كان يلبس العمامة فلا يقال: من لا يلبس العمامة على الهيئة التي لبسها الرسول صلى الله عليه وسلم مخالف للسنة؛ لأن أمر اللباس أمره واسع، فكان يلبس القميص، وكان يلبس الإزار ويلبس الرداء، والذي منع منه هو مشابهة المشركين والكفار، فهذا هو الذي يمنع منه.
وهناك أمور جبلية من فعله عليه الصلاة والسلام، مثل: القيام، والقعود، وما إلى ذلك، فهذه أمور جبلية، يعني: لازمة للإنسان.
الجواب: الوقف لا يغير ولا يبدل ولا يملك، بل منافعه تصرف في الجهة التي عينها الواقف، فإذا كان الوقف صحيحاً مشروعاً فإنه يصرف في مصارفه، وليس لأحد أن يبدل الوقف بغيره، بحيث يأخذ شيئاً من ماله فيجعله بدل الوقف، فهذا لا يجوز، وإنما الوقف على ما هو عليه، ولا يتصرف في الوقف ببيع ولا بهبة ولا بتبديل ولا بغيره.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر