أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان عن مسعر عن المقدام بن شريح عن أبيه أنه قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يناولني الإناء فأشرب منه وأنا حائض، ثم أعطيه فيتحرى موضع فمي فيضعه على فيه)].
يقول النسائي رحمه الله: باب: الانتفاع بفضل الحائض.
الفضل: هو الزيادة؛ وهو السؤر الذي يبقى في الإناء بعد استعمالها من ماء؛ حيث تشرب من الإناء فيشرب من الإناء الذي شربت منه، والذي بقي من شربها، وقد أورد النسائي فيه حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: إنها كانت تشرب من الإناء ثم تناوله النبي عليه الصلاة والسلام، فيشرب من ذلك الإناء -الذي شربت منه- بقية الماء الذي بقي من شربها، ويتحرى موضع فمها من القدح، فيضع فمه عليه الصلاة والسلام على موضع فمها رضي الله عنها، والحديث شاهد لما ترجم له المصنف؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام انتفع من الفضلة التي أبقتها من الماء؛ حيث شرب بقية الماء الذي شربت منه، والذي هو سؤرها الباقي من شربها، بل إنه عليه الصلاة والسلام يضع فمه على موضع فمها من الإناء، وهذا فيه دليل على حسن معاشرته لأهله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولطفه بهم، وإحسانه إليهم عليه الصلاة والسلام.
وهذا بخلاف ما كان عليه اليهود والنصارى الذين هم على طرفي نقيض؛ فإن اليهود إذا حاضت المرأة لا يؤاكلونها ولا يشاربونها ولا يجالسونها، والنصارى يجامعونها، ودين الإسلام جاء في التوسط بين هذا وهذا؛ بحيث تؤاكل وتشارب، ويؤكل مما تأكل منه، ويشرب مما تشرب منه، ويجلس معها، ويضطجع معها على الفراش، لكنها لا تجامع، فكان دين الإسلام وسطاً بين إفراط اليهود وتفريط النصارى.
سبق أن مر بنا: أن النسائي له شيخان كل منهما يقال له: محمد بن منصور؛ أحدهما: المكي الجواز، والثاني: الطوسي، والجواز يروي عن سفيان الغير منسوب، وهو: ابن عيينة؛ لأن: محمد بن منصور الجواز مكي مثل سفيان بن عيينة مكي، وسفيان الثوري كوفي، ومن المعلوم أن لقاء المكي بالمكي وكثرة اتصاله به وكثرة أخذه عنه، تختلف عما إذا كان من بلد آخر لا يصل إليه ولا يلتقي به إلا برحلة، والرحلة تكون مؤقتة، فالذي له به اتصال وله به علاقة، فإنه يحمل عليه المهمل، فيكون محمد بن منصور هو الجواز المكي، وهو ثقة، خرج له النسائي وحده، ولم يخرج له أحد من أصحاب الكتب إلا النسائي.
قوله: [حدثنا سفيان ].
هو سفيان بن عيينة وهو أحد الأئمة الثقات الأثبات العباد، المعروف بكثرة الرواية، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن مسعر].
هو ابن كدام، وهو ثقة ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة أيضاً، وقد مر ذكره قريباً.
[عن المقدام بن شريح عن أبيه].
هو المقدام بن شريح بن هانئ، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
وأبوه: شريح، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، فالذين خرجوا لـشريح هم الذين خرجوا لابنه المقدام بن شريح، فالمخرجون لهذا هم المخرجون لهذا، وهم: البخاري في الأدب المفرد، ومسلم في الصحيح، وأصحاب السنن الأربعة.
[سمعت عائشة].
هي عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق، وهي الصحابية الوحيدة التي لم يرو أحد من الحديث مثلما روت في الكثرة، وهي أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث؛ لأنهم سبعة؛ ستة من الذكور وواحدة من الإناث وهي عائشة، وهي معروفة بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يرو أحد من النساء مثلما روت رضي الله عنها وأرضاها.
إذاً: فإسناد الحديث محمد بن منصور ثقة، خرج له النسائي وحده.
وسفيان بن عيينة ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.
ومسعر بن كدام ثقة ثبت، خرج له أصحاب الكتب الستة.
والمقدام بن شريح وأبوه شريح كل منهما ثقة، وكل منهما خرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
وعائشة خرج حديثها أصحاب الكتب الستة.
إذا قال قائل: كيف عرفنا أن محمد بن منصور هو: الجواز المكي، وكيف عرفنا سفيان أيضاً؟
نقول: سبق أن ذكرت فيما مضى: أن محمد بن منصور يطلق على اثنين: الجواز المكي والطوسي، والجواز المكي يروي عن سفيان بن عيينة وسفيان الثوري، لكن كون محمد بن منصور الجواز مكي، وسفيان بن عيينة مكي، فبهذا يعرف أنه الجواز؛ لأنه له خصوصية بـسفيان بن عيينة، بخلاف الثوري فإنه كوفي، ومن المعلوم أن اتصال المكي بالكوفي لا يكون إلا عن طريق رحلة، وعن طريق مناسبة يحصل به لقاؤهما.
وإذا احتمل أن يكون سفيان بن عيينة أو أن يكون سفيان الثوري فالذي يروي عن محمد بن الجواز يحمل عند الإهمال على من له به اتصال، ومن له به علاقة وخصوصية. ومن المعلوم أن الاتصال والعلاقة والخصوصية إنما هي بين المكي الذي هو الجواز وبين سفيان بن عيينة المكي.
هنا أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وهو يتعلق بأكلها وشربها وأكل النبي صلى الله عليه وسلم من فضلها وسؤرها، فبالنسبة لشرب الماء فإنه عليه الصلاة والسلام كانت عائشة تشرب من الإناء فيشرب منه بعدها، ويضع فمه على موضع فمها من الإناء. وبالنسبة للأكل فإنها كانت تتعرق العرق؛ يعني: أنها تأخذ العظم الذي عليه بقية اللحم، فتأخذ منه بأسنانها وتأكله، ثم يأخذه النبي صلى الله عليه وسلم منها، فيأكل من موضع أكلها من العرق -الذي هو العظم- الذي عليه بقية اللحم. وكما عرفنا أن هذا دال على حسن معاشرته لأهله عليه الصلاة والسلام، ولطفه بهم، ومعاملته الطيبة لهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وهو أيضاً دال على ما ترجم له المصنف من الانتفاع بفضل الحائض، وهذا الانتفاع يتعلق بفضلها في المأكول والمشروب، وأنه يؤكل من حيث أكلت، ويمكن أن يوضع الفم على موضع فمها من الإناء، أو من العرق الذي عليه لحم.
محمود بن غيلان سبق أن مر ذكره في مواضع عديدة، وهو ثقة، خرج له البخاري، ومسلم، وخرج له الترمذي، والنسائي، وابن ماجه؛ يعني: خرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود فإنه لم يخرج له شيئاً.
[حدثنا وكيع].
هو ابن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة إمام، ومحدث مشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
مسعر هو: ابن كدام الذي مر في الإسناد الذي قبل هذا، وهو ثقة ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة. وسفيان هنا غير منسوب، فـوكيع روى عن سفيان الثوري وسفيان بن عيينة، لكنه مكثر عن سفيان الثوري؛ لأنه كوفي وسفيان الثوري كوفي، فهو معروف بكثرة التحديث والأخذ عن سفيان الثوري، ومقل في الرواية عن سفيان بن عيينة؛ لأن الثوري من بلده.
وهو عكس محمد بن منصور الجواز الذي مر؛ لأن محمد بن منصور الجواز مكي، وسفيان بن عيينة مكي، فعند الإطلاق والإهمال يحمل على من له به علاقة، ففي هذا الإسناد سفيان يحمل على من له به علاقة؛ وهي: كثرة الحديث عنه، وكثرة الأخذ عنه، وهو من أهل بلده الكوفة؛ لأن وكيعاً كوفي، وسفيان الثوري كوفي، وقد ذكر هذا الحافظ ابن حجر في فتح الباري وقال: إن وكيع بن الجراح معروف بكثرة حديثه عن سفيان الثوري، ومقل عن سفيان بن عيينة، فإذا جاء مهملاً، فالقاعدة: أنه يحمل على من له به خصوصية، والخصوصية إنما هي لـسفيان الثوري.
فإذاً: يكون هذا المهمل في هذا الإسناد يراد به سفيان الثوري، ولا يراد به سفيان بن عيينة، وهذا عكس ما جاء في الإسناد المتقدم بالنسبة لمحمد بن منصور الجواز وسفيان بن عيينة.
وسفيان الثوري ثقة ثبت، وإمام حجة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
قوله: [عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة].
هذا يتفق مع الإسناد الذي قبله، وقد عرفنا أن كلاً من المقدام وأبيه شريح ثقة، وكل منهما خرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد حدثنا هشام ح وأخبرنا عبيد الله بن سعيد وإسحاق بن إبراهيم حدثنا معاذ بن هشام واللفظ له حدثني أبي عن يحيى حدثنا أبو سلمة: أن زينب بنت أبي سلمة حدثته: أن أم سلمة رضي الله عنها حدثتها أنها قالت: (بينما أنا مضطجعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخميلة إذ حضت، فانسللت فأخذت ثياب حيضتي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنفست؟ قلت: نعم، فدعاني، فاضطجعت معه في الخميلة)].
هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي باب مضاجعة الحائض. يعني: الاضطجاع معها في فراش واحد، واتصال البشرة بالبشرة، ولمس البشرة للبشرة من غير جماع، فهذا هو المقصود بالترجمة، يعني: أن المرأة الحائض لها أن تضطجع مع زوجها في فراش واحد وفي لحاف واحد. وقد أورد النسائي رحمه الله حديث أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، واسمها هند بنت أبي أمية، أنها كانت مع رسول الله عليه الصلاة والسلام تحت الخميلة، وهي: غطاء فيه خمل وهو الهدب، وهي الأشياء البارزة التي هي ظاهرة منه، فكان ملتحفاً به ومعه أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، ففي أثناء اضطجاعها معه شعرت بأن الحيض جاءها، أي: فاجأها الحيض، وجاءها وهي في فراشها، ولم تكن في أول الأمر حائضاً، لكن الحيض داهمها وهي في فراشها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحصل منها الانسلال، يعني: أنها انسلت بخفية وبرفق؛ حتى لا تزعج الرسول صلى الله عليه وسلم، وحتى لا يشعر بها؛ لأنها ظنت أن الحائض لا تضطجع بجوار زوجها وفيها الدم، قالت: (فاضطجعت معه في الخميلة) يعني: تحتها، فالرسول صلى الله عليه وسلم لما شعر بها سألها عن الذي حصل لها، وقال لها: (أنفست؟ قالت: نعم، فدعاها) أي: أمرها أن ترجع، فدلَّ ذلك على أنه لا مانع ولا بأس من مضاجعة الحائض، وبقائها مع زوجها وهي حائض، وكذلك مس بشرته بشرتها وهي حائض، ولكن لا يجامع، وهذا الذي يدل عليه حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام هذا، حيث سوغ ذلك وأجازه، وأمرها بأن تعود وأن ترجع إلى فراشها معه، وأن ذلك لا يؤثر وهي معه.
وقوله: (أنفست؟) هو بفتح النون وكسر الفاء من الحيض. وبضم النون: من النفاس بعد الولادة؛ يعني: حصول الدم بسبب الولادة، وهو مأخوذ من النفس، والنفس تطلق بمعنى الدم؛ لأن النفس لها معان، ومن ذلك قولهم: (ما لا نفس له سائلة، لا ينجس الماء إذا مات فيه)؛ يعني: ما ليس له دم، وهذه الكلمة سبق أن ذكرت أن ابن القيم في كتابه: (زاد المعاد في هدي خير العباد) قال: إن أول من قالها إبراهيم النخعي، وعنه تلقاها الفقهاء من بعده، فالتعبير بما لا نفس له سائلة في الحشرات والحيوانات هي التي ليس فيها دم، مثل: الجراد، والذباب، وما إلى ذلك مما لا دم فيه.
إذاً: قوله: (أنفست) مأخوذة من النفس، والنفس هو الدم، يعني: أحصل لك دم الحيض؟ وخرج منك دم الحيض؟ هذا هو المقصود من ذلك، قوله: (قلت: نعم، فدعاني، فدخلت معه في الخميلة) أي: في ذلك الكساء الذي فيه خمل؛ وهو الهدب.
هو الجحدري، البصري، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا خالد].
هو خالد بن الحارث، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره كثيراً.
[حدثنا هشام].
هو أبو عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ح وأخبرنا عبيد الله بن سعيد وإسحاق بن إبراهيم].
قول النسائي: (ح) هذا هو التحويل من إسناد إلى إسناد وعبيد الله بن سعيد هو: السرخسي، وقد قال عنه الحافظ في التقريب: إنه ثقة، مأمون، سني، قيل له ذلك؛ لأنه أظهر السنة في بلاده سرخس، وحديثه عند البخاري، ومسلم، والنسائي.
و إسحاق بن إبراهيم هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي، وهو ثقة ثبت، محدث فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وقد خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .
[حدثنا معاذ بن هشام واللفظ له، عن أبيه].
قوله: (واللفظ له) يعني: لـمعاذ بن هشام، عن أبيه هشام. ومعاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وأبوه الذي هو أبو عبد الله واسمه شنبر، ومعاذ هذا صدوق ربما وهم، وقد خرج له الجماعة، فالإسناد الأول: إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا خالد، حدثنا هشام، والثاني: عبيد الله بن سعيد وإسحاق بن إبراهيم قالا: حدثنا معاذ بن هشام، عن أبيه، فالتقى الإسنادان عند هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو كما ذكرت ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى].
هذا غير منسوب، وهو ابن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وخرج حديثه الجماعة، وسبق أن مر بنا ذكره، وهو الذي ذكر عنه مسلم في صحيحه الكلمة المشهورة في الحث على طلب العلم والصبر عليه، وهو قوله: (لا يستطاع العلم براحة الجسم)، فهذا هو صاحب الكلمة العظيمة المشهورة التي رواها عنه مسلم بإسناده في الصحيح، وهو بصدد إيراد طرق حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في مواقيت الصلاة، فكان يسرد تلك الأسانيد في مواقيت الصلاة، فأتى بالإسناد إلى يحيى بن أبي كثير، فقال: (لا يستطاع العلم براحة الجسم).
قال النووي في شرحه: إن مسلماً أورد هذا الأثر في هذا المكان لما جمع هذه الطرق الكثيرة لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه في مواقيت الصلاة، وتحصيل هذه الطرق وتجميعها والوصول إليها ما حصل إلا بتعب ومشقة، فلعله تذكر هذا الأثر فأورده في هذا المكان؛ لينبه على أن تحصيل العلم والتوسع فيه والتمكن فيه لا يحصل إلا بالتعب والنصب وبالمشقة، فهذا هو يحيى بن أبي كثير اليمامي بالميم، وهذا قد يلتبس أحياناً فيأتي مصحفاً فيقال: اليماني؛ لأن اليماني واليمامي متقاربان في اللفظ، فأحياناً يأتي التصحيف فيقال: يماني بدل يمامي.
[عن أبي سلمة].
أبو سلمة يروي عنه يحيى بن سعيد الأنصاري، ويحيى بن أبي كثير، وهنا مهمل، وما ذكر نسبه، قيل: يحيى فقط، وما قيل: ابن أبي كثير، ولا قيل: ابن سعيد الأنصاري، فهو يحتمل هذا وهذا، لكن ذكر الحافظ في الفتح: بأن يحيى راوي هذا الإسناد هو: يحيى بن أبي كثير اليمامي.
وأبو سلمة هو: ابن عبد الرحمن بن عوف وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في سابع السبعة؛ لأن ستة من فقهاء المدينة المشهورين متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع اُختلف فيه، فعلى أحد الأقوال هو: أبو سلمة بن عبد الرحمن هذا، وأحد الأقوال أنه: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعلى أحد الأقوال: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
قوله: [أن زينب بنت أبي سلمة حدثته: أن أم سلمة].
زينب بنت أبي سلمة هي ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم -ابنة زوجته- وهي صحابية، حديثها عند أصحاب الكتب الستة، وأمها أم سلمة أم المؤمنين هند بنت أبي أمية وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.
هنا أورد النسائي رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تنام مع النبي صلى الله عليه وسلم وهي طامث في الشعار الواحد؛ يعني: في الغطاء الذي يلي الجسد؛ لأن الشعار هو الثوب الذي يلي الجسد، فيقال له: شعار، والذي وراءه وفوقه يقال له: دثار، فالشعار: هو ما يتصل بالجسد ويلاقيه؛ لأنه يتصل بالشعر ويلاقيه؛ ولهذا قيل له: شعار.
وقد جاء في الحديث: ( أن
إذاً: فقولها: (بالشعار) يعني: في الغطاء الذي يلي جسد رسول الله عليه الصلاة والسلام.
قول عائشة: (وأنا طامث أو حائض).
الطامث هي الحائض، فالكلمتان معناهما واحد، وإنما قيلت على سبيل الشك؛ يعني: أنها قالت: طامث، أو قالت: حائض؛ وهي واحدة من اثنتين، وهما بمعنى واحد.
وقول عائشة: (فإن أصابه مني شيء غسل مكانه ولم يعده وصلى فيه) أي: إن أصاب ذلك الشعار الذي يلي جسديهما شيء من الدم، فإنه يغسل ذلك الذي أصابه ولم يعده؛ يعني: لم يتجاوز ذلك، ويكتفي ويقتصر بغسل المكان الذي حصل فيه الدم، ولا يغسله كله، فإذا علم محل النجاسة فإنه يغسل وحده، ولا يلزم أن يغسل معه بقية الثوب، لكن لو جهل مكان النجاسة، أو عرف أن فيه نجاسة لكنه جهل ذلك فإنه يغسل كله؛ لأنه لا يتحقق إلا به، بخلاف لو علم مكان النجاسة، فإنه يغسل وحده ويكفي.
قوله: (ثم يصلي فيه) يعني: أنه يقوم ويصلي، ويستعمل هذا الكساء الذي كانا ملتحفين فيه، ثم يرجع ويلتحف به معها (فإن أصابه شيء) يعني: مرة أخرى غسله، (ولم يعده وصلى) يعني: لم يتجاوز ذلك المكان الذي فيه الدم، ولم يتجاوزه في الغسل إلى غيره، بل يكتفي بالموضع الذي أصابه الدم فيغسله، ولا يتجاوزه إلى غسل غيره.
والحديث دال على ما دل عليه الحديث الذي قبله من مضاجعة الحائض، وكونها تكون مع زوجها في لحاف واحد، وهو شاهد لما ترجم له المصنف من مضاجعة الحائض.
هو العنزي، الملقب بـالزمن، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة؛ فكل منهم روى عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو محمد بن المثنى رفيق محمد بن بشار بندار.
[حدثنا يحيى بن سعيد].
هو القطان، المحدث المشهور الناقد، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره كثيراً.
[عن جابر بن صبح].
هو جابر بن صبح، وهو صدوق، خرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، ولم يخرج له الترمذي، وما خرج له الشيخان.
[سمعت خلاساً يحدث].
هو خلاس بن عمرو ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكان على شرطة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو ثقة يرسل، وخِلاس بكسر الخاء.
[عن عائشة].
هي عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين، وقد مر ذكرها.
الجواب: إن الأئمة الأربعة: أبا حنيفة النعمان المتوفى سنة: (150هـ)، ثم بعده الإمام مالك المتوفى سنة: (179هـ)، ثم بعده الإمام الشافعي المتوفى سنة: (204هـ)، ثم بعده الإمام أحمد المتوفى سنة: (241هـ)، هؤلاء هم الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المشهورة المعروفة، الذين حصل لمذاهبهم من العناية ما لم يحصل لغيرها؛ وذلك لوجود أتباع لهم عنوا بكلامهم وبالتأليف فيه والعناية به، فاشتهرت هذه المذاهب وانتشرت، وإلا فإن هناك أئمة مثل هؤلاء الأئمة كانوا في زمانهم، وقبل زمانهم، وبعد زمانهم، وهم أصحاب فقه، لكنه ما حصل لهم كما حصل لهؤلاء من العناية بمذاهبهم وأقوالهم، وإلا فإنهم أئمة أجلة، مثل: إسحاق بن راهويه، ومثل: الأوزاعي، ومثل: سفيان الثوري، وغيرهم من العلماء الذين اشتهروا بالفقه والحديث.
وهؤلاء الأئمة الأربعة: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد أولهم أبو حنيفة والثلاثة الباقون بعد أبي حنيفة، والإمام أحمد تلميذ للشافعي، والشافعي تلميذ لـمالك، وهؤلاء الثلاثة أئمة معروفون بالفقه والحديث، ومشتهرون بالحديث ومشتهرون بالفقه.
أما أبو حنيفة فإنه مشهور بالفقه، ولكنه عند المحدثين فيه كلام من حيث الحديث، وأما من حيث الفقه فإنه فقيه مشهور، وإمام معروف، وفقهه حصل له كما حصل لغيره من العناية.
ومن المعلوم أن الفضل لا يستطاع تحديده بأن يقال: هذا أفضل من فلان، ولكن يمكن أن يقال: إن الثلاثة الآخرين كلهم متميزون بالحديث والفقه، بخلاف أبي حنيفة فإنه ليس مثلهم في الحديث، بل هو يقل عنهم بكثير، وأما تفضيل بعضهم على بعض فالله تعالى أعلم والله تعالى يقول: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، لكن كلهم أئمة وكلهم ثقات وكلهم محدثون فقهاء، لكن تمييز بعضهم على بعض، وتفضيل بعضهم على بعض فالله تعالى أعلم به.
الجواب: الذي ينبغي للإنسان ألا يسافر إلى بلاد الكفار إلا إذا كان مضطراً إلى ذلك، كعلاج بحيث لا يوجد في بلاد المسلمين، أو كان لدراسة لازمة ومتعينة ولا توجد في بلاد المسلمين، أو يسافر للدعوة إلى الله عز وجل مع كونه متحصناً ومتسلحاً بسلاح العلم والإيمان والمعرفة، فهذا هو الذي ينبغي له أن يسافر، أما كون الإنسان يسافر للسياحة وللتجوال فإن هذا قد يضر نفسه، ويحصل له ضرر بهذا السفر، وإذا أراد أن يسيح وأن يتجول فليتجول في البلاد والأماكن التي تكون السياحة فيها فائدة وفيها سلامة، وأما تلك فهو إن رأى مناظر لا يراها إلا بهذا السفر فإنه سيرى أموراً محرمة وأموراً منكرة، وقد يحصل له ابتلاء وامتحان فيقع في أمور محرمة، أقلها لو سافر بأهله أن يتكشف أهله، وأن يحصل لهم ترك الحشمة والصيانة وإبداء الزينة، وذلك محرم.
الجواب: من المعلوم أنه حصل توسع في استقدام الخدم واستقدام العمال لحاجة ولغير حاجة، وهذا من المعلوم أنه -وإن حصل فيه شيء من المنافع- يحصل به أضرار كبيرة، ومن المعلوم أن استقدام النساء فيه محاذير، منها: مجيئهن بدون محرم، وكونهن يكن في البيوت، وقد يكون لهن اتصال بالرجال بحيث يراهن الرجال، وهن يرين الرجال، فيترتب على ذلك فتنة، ويترتب على ذلك مضرة، وقد جاء في الحديث: ( أن الرسول عليه الصلاة والسلام جاءه رجلان يختصمان، فقال أحدهما: يا رسول الله! إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته ) يعني: كان أجيراً، وبسبب المخالطة والاحتكاك حصلت الفاحشة، فهو قال: (إنه كان عسيفاً) يعني: أجيراً، فما جاء وتسلق الجدار، أو كسر الأبواب وهجم على أهل البيت، واعتدى عليهم، لا، بل بالاحتكاك والاختلاط حصلت المضرة، ولهذا ينبغي الابتعاد عن ذلك، وإذا حصل اضطرار إلى الاستقدام فلتستقدم المرأة وزوجها؛ حتى يكون هو وإياها في مكان واحد، وحتى يعفها وتعفه، وحتى لا تتعرض المرأة للرجال من أهل البيت، ولا يتعرض الرجل للنساء من أهل البيت، وإنما يكون هو وإياها في مكان واحد، تفيده ويفيدها، وتستغني به ويستغني بها، ويسلم من الشر وتسلم هي من الشر، هذا إذا حصل الاضطرار إلى ذلك، وأيضاً حتى يحصل السلامة من الاستقدام بدون محرم، والجلوس بدون محرم، والتعرض للفتنة، فهذا هو الذي ينبغي أن يفعل.
وبالنسبة لاستقدام الخياطات فالناس كانوا مستغنين بدون وجود هذا الاستقدام الهائل، وكانت أمورهم جيدة، وكانوا يلبسون، وما جلسوا بدون لباس، وأمورهم تسير على السداد، لكن جاء الترف وجاء السرف وصار هذا الذي حصل، فإذا حصل الاستقدام فينبغي أن يكون بهذه الطريقة التي أشرت إليها؛ تأتي المرأة وزوجها حتى يستفاد منها، وحتى يبتعد من حصول الضرر منها ولها، وكذلك بالنسبة للرجل.
الجواب: إذا قيل: لا بأس به فإنه يحتج به، ومعناه: أنه حسن.
الجواب: هذا مما ابتلي به الناس في هذا الزمان، وهذا من الابتلاء الذي عم وطم، وخير لكل إنسان عاقل أن يشتغل بالجد ويترك الهزل، فافتتان الناس بالمباراة والتشجيع؛ هذا يشجع هذا، وهذا يشجع هذا، ويتألم ويطير عنه النوم إذا انهزم هذا الفريق، فهذا من السفه، وهذا من الأمور التي يجب على كل إنسان عاقل أن يحذر أن يبتلى بها، وعليه أن يشتغل فيما فيه جد وما فيه خير وما فيه سعادة الدنيا والآخرة، وكون الرجال والنساء يفتنون به ويهتمون به ويعنون به، فهذا لهو وتوسع فيه، وإذا كان هناك مباراة تجد الآلاف من الناس يذهبون ويصعدون على الجبال وعلى الجدران من أجل أن يشاهدوا، ولو سمعوا إعلاناً عن محاضرة فيها الدلالة على الخير، وفيها بيان الحق والهدى، ما يأتي لها إلا عدد قليل من الناس، هذا يدل على الانتكاس، ويدل على انعكاس المفاهيم، وأن الشيء الذي ينبغي أن يصار إليه وأن يحرص عليه يزهد فيه، والشيء الذي ينبغي أن يترك وألا يشتغل به هو الذي يفتتن به.
وحكم لعب الكرة إذا لم يحصل فيه افتتان ولم يحصل فيه انشغال عن أمور نافعة، وإنما يحصل في أوقات قليلة، ثم لا يكون فيه خصومات وحصول شحناء وعداوات وما إلى ذلك، فلا بأس به، لكن التوسع فيه والاشتغال به عما ينفع فهذا هو المحذور، وإلا فهو في حد ذاته إذا استعمله الإنسان في بعض الأحيان فلا مانع منه، ولا بأس به.
وإذا قال بعض الناس: أهذه من الأساليب المفيدة للدعوة إلى الله؟
نقول: أبداً، هذا كلام فارغ لا قيمة له، فالدعوة إلى الله لا تأتي عن طريق لعب الكرة أبداً، الدعوة إلى الله تأتي عن طريق الإخلاص والجد والحرص على نفع الناس، أما أن يأتيهم في الملعب ويدعوهم إلى الله فلا يسمعون له، ولا يقبلون منه.
الجواب: كون السجاد يكون من الأصل فيه علامات فلا بأس بذلك، لكن كون الناس يأتون يلصقون عليها لصق ويمدون عليها خيط هذا لا يصلح، لكن يقال: استووا، وهم يستوون، وكل ينظر إلى الذي بجواره.
وينبغي للناس أن يتعلموا تسوية الصفوف وأن يعنوا بها، ولا تكون القضية إذا وجد خط سووا الصفوف، وإذا لم يوجد خط اختلت الصفوف.
الجواب: البخاري ومسلم رووا عن جماعة رموا ببدع، لكن الحافظ ابن حجر ذكر في مقدمة فتح الباري الذين تكلم فيهم من رجال البخاري ببدعة أو بغير بدعة، وأجاب عن ذلك بأجوبة: وهو أن من عرف بشيء من البدعة، إما أن يكون ما ثبت عنه، أو يكون ثبت عنه ولكنه لا يؤثر؛ لأنه معروف بالصدق، ومعروف بالتثبت، فكونه حصل منه خطأ في أمر ولم يكن ذلك متعلقاً ببدعته، فهم الذين روى عنهم الشيخان، فالذي رواه الشيخان عن أناس تكلم فيهم لا يؤثر ذلك في روايتهم، إما أن يكون الذي تكلم فيهم ما ثبت فيهم الكلام الذي قيل فيهم، أو أنه ثابت ولكن ذلك لا يؤثر؛ لأن الذي رموا به لا يستحقون ترك حديثهم معه، بل تجنبوا الشيء الذي يحذر من روايتهم، والشيء الذي لا محذور فيه أخذوه عنهم، وكما قلت: الحافظ ابن حجر ذكر المتكلم فيهم من رجال البخاري، وذكر ما قيل فيهم من الكلام، وأجاب عن الإخراج لهم في صحيح البخاري.
الجواب: خلع المرأة ثيابها خارج البيت إذا كانت في بيت قريبتها -أختها أو صديقتها أو ما إلى ذلك- فلا بأس به، هذا إذا كان المقصود منها خلع اللباس الخارجي الذي هو مثل العباءة، والتي هي الثياب العالية التي هي فوق الألبسة الخاصة، فلا بأس بذلك، وهذا أيضاً إذا كانت تجلس مع النساء ولا يراها إلا النساء، والمهم ألا يراها رجال، وألا ترى هي الرجال.
الجواب: لا تكون الدعوة إلى الله عز وجل عن طريق التمثيل؛ لأن التمثيل هو كذب، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ويل لمن يكذب ليضحك القوم، ويل له ويل له)، ومن المعلوم أن التمثيل في الغالب يؤتى به من أجل إضحاك الناس، ويتأتى عن طريق الكذب، وليس حقيقة، فهو في حد ذاته منكر، فلا يستعمل في الدعوة إلى الله عز وجل؛ لأن الدعوة إلى الله عز وجل لا تأتي عن طريق التمثيل، فالتمثيل هزل، والدعوة إلى الله عز وجل تأتي عن طريق الجد والإخلاص، ومن المعلوم أن سلف هذه الأمة هم السباقون إلى كل خير، والحريصون على كل خير، وطرقهم معروفة في الدعوة إلى الله عز وجل، وهم الذين نجحوا في دعوتهم، وعم النفع بهم.
أما اتخاذ التمثيل وسيلة للدعوة إلى الله عز وجل كما يقال: إن أعداءنا عندهم سلاح فنأتي بسلاح مثل سلاحهم، هذا كلام غير صحيح؛ لأن عملنا يجب أن يكون في حدود ما هو مشروع وما هو سائغ، ولا نساير الناس فيما يفعلون؛ لأنهم ليسوا متقيدين بدين، وليسوا متقيدين بشريعة، ونحن يجب علينا أن نتقيد بما جاء في هذه الشريعة التي جاء بها رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فالدعوة إلى الله عز وجل لا تكون عن طريق التمثيل، وإنما تكون عن طريق الجد والاجتهاد، والنصح والإخلاص والصدق، وكون الإنسان يكون قدوة لغيره فيدعو الناس ويكون أسبق الناس إلى ما يدعو إليه، وهذا هو الذي فيه التأثير، كما يقول الشاعر:
وإنك إذ ما تأت ما أنت آمر به تلفي من إياه تأمر آتيا
الجواب: الزيت المستخرج من الحبة السوداء طبعاً ليس هو غير الحبة السوداء، فهو منها؛ لأن الزيت كما هو معلوم مستخرج من الحبة وليس غيرها.
الجواب: المال الذي تحصله عن الطريق المشروع هو حلال، وفعلها الذي هو السفر بدون محرم هو الحرام، وإذا كان أن هذا المال الذي تحصله ليس عن طريق اختلاط أو عن طريق رجال أو عن طريق التعرض لأمور محرمة، فليس فيه شيء وكونها اشتغلت بدون محرم هذا تأثم فيه، ومثل ذلك: ما لو حجت بدون محرم، فيصح حجها وتأثم بسبب سفرها بدون محرم.
الجواب: صوت المرأة ليس عورة بإطلاق؛ لأنه يمكن عند الحاجة الاستماع إلى صوت المرأة؛ مثل استفتاء، أو بيع أو شراء مع احتشام، أو ما إلى ذلك، فهنا لا بأس به، ولكن المحذور هو الاستمتاع بالصوت أو التلذذ به. إذاً: كونها تلين الصوت وتخضع بالقول فهذا هو الذي فيه المحذور، وأما مجرد الصوت من حيث هو فليس بعورة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر