إسلام ويب

شرح سنن النسائي - كتاب الطهارة - باب تيمم الجنب - باب التيمم بالصعيدللشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من فضل الله ورحمته بعباده أن جعل التراب يقوم مقام الماء عند تعذر وجوده، أو تعذر استعماله، والتيمم يرفع الحدث الأكبر والأصغر، ويكون بما صعد من تراب الأرض.

    1.   

    تيمم الجنب

    شرح حديث أبي موسى في صفة تيمم الجنب

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تيمم الجنب

    أخبرنا محمد بن العلاء حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن شقيق قال: (كنت جالساً مع عبد الله وأبي موسى رضي الله عنهما فقال أبو موسى: أولم تسمع قول عمار لـعمر: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء، فتمرغت بالصعيد، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: إنما كان يكفيك أن تقول هكذا)، وضرب بيديه على الأرض ضربة فمسح كفيه ثم نفضهما، ثم ضرب بشماله على يمينه، وبيمينه على شماله على كفيه ووجهه، فقال عبد الله: أولم تر عمر لم يقنع بقول عمار].

    يقول النسائي رحمه الله: باب: تيمم الجنب،مراده من هذه الترجمة كما هو واضح: أن التيمم يكون للحدث الأكبر ويكون للأصغر، وقد مرت أحاديث تتعلق بالتيمم للحدث الأصغر، وكذلك أيضاً مرت أحاديث تتعلق بالتيمم للحدث الأكبر، وذلك في الترجمة التي جاءت قبل ترجمة أو ترجمتين، وهي باب: التيمم في الحضر، فإنه جاء فيها التيمم للجنب والنسائي هنا أفرد هذه الترجمة لبيان التيمم للجنب، وأنه يكون من الحدث الأكبر كما يكون من الحدث الأصغر، لكن التيمم للحدث الأكبر محل خلاف بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فإن منهم من يرى أن التيمم يكون للحدث الأكبر كما يكون للحدث الأصغر، والدليل على ذلك ما جاء في آية التيمم.

    والمراد من تفسير ملامسة النساء: هو الجماع، وعلى هذا فيكون القرآن دل على التيمم للحدث الأكبر والأصغر، إلا أن بعض الصحابة يرون أن الملامسة ليس المراد بها الجماع، وإنما المراد بها: اللمس، وعلى هذا لا يكون في الآية دليل على التيمم من أجل الحدث الأكبر، ومن الذين ذهبوا إلى هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما، وقد حصل بين عبد الله بن مسعود وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما كلام حول تيمم الجنب، فكان عبد الله يرى أنه لا يتيمم للجنابة، وكان أبو موسى يرى أنه يتيمم للجنابة، وقد أورد أبو موسى على عبد الله حديث عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه، الذي فيه: أنه كان هو وعمر في مكان وأنه حصل لهما جنابة، فأما عمر فإنه لم يصل، وأما عمار فإنه تمرغ في التراب كما تتمرغ الدابة، ولما جاءوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام أخبروه بالذي حصل، فضحك رسول الله عليه الصلاة والسلام من فعل عمار، وهو كونه تمرغ كما تتمرغ الدابة، ثم قال له: (إنما كان يكفيك التيمم).

    وحديث عمار رضي الله عنه واضح في أن الجنب يتيمم، وأن الحدث الأكبر يرتفع بالتيمم كما هو ظاهر الآية من تفسير الملامسة بأن المراد بها: الجماع وحصول الجنابة، كما أن الحدث الأصغر يرفع بالتيمم. فلما حصل البحث بين أبي موسى وبين عبد الله بن مسعود استدل أبو موسى الأشعري رضي الله عنه على عبد الله بن مسعود بحديث عمار، عند ذلك قال له: (أو لم ترَ أن عمر لم يقنع بما قال عمار)، وهذه الكلمة التي قالها عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه لا تدل على أن عمر لم يقنع بقول عمار، وليست واضحة الدلالة على أنه لم يقنع، بل يحتمل أن يكون توقف في ذلك؛ لأنه حكي أن هذه قضية حصلت بحضوره، وكون عمر حصل له نسيان، وهو لا يتذكر ذلك الشيء، مع أن الواقعة حصلت له، وأنه حكى صنيعهما على رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال لـعمار: (إنما يكفيك هكذا)، فلا يدل على أن عمر لم يقتنع بقول عمار، وإنما رأى أنه قد يكون حصل له وهم، أي: لـعمار كما حصل له هو نسيان، وأن القضية كما يذكر عمار أنها كانت بحضوره، وأنه هو وإياه حصل لهما ذلك، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرهما بهذا الخبر، وكان ذلك بحضرة عمر، وعمر لا يتذكر من ذلك شيئاً، فخشي أن يكون حصل من عمار وهم، كما حصل له منه هو نسيان.

    ثم إن عمر رضي الله عنه، لما قال لـعمار: (اتق الله)، يعني: أنه يتحدث عن شيء حصل بحضرته وهو لا يذكره، ويريد منه أن يتثبت، فقال له: إن شئت لا أحدث بهذا بعد الآن، فقال: لا، يعني: لا يمنعه من التحديث بما عنده من العلم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكنه قال له: (نوليك من ذلك ما توليت)، أنت الذي تتولى ما علمته، وتنشره، وتبينه، والعهدة عليك أنت؛ لأن عمر رضي الله عنه، لا يذكر هذا الشيء، وهذا قد يفهم منه أن عمر رضي الله عنه، قد اقتنع بقول عمار، وأنه كان يفتي بعدم بالصلاة بدون تيمم، قبل أن يبلغه ذلك؛ ولكنه بعد ما بلغه ذلك فالأظهر أنه قبل هذا واقتنع به، ولكنه قال ما قال من أجل التثبت.

    مواقف لعمر تبين حرصه على التثبت من كل ما ينقل إليه من رواية عن النبي

    وكان عمر رضي الله عنه وأرضاه معروفاً بالحرص على التثبت في الرواية، والتثبت في حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل إنه كان يطلب في بعض الأحيان من الشخص إذا جاء بسنة، أو أخبر بسنة، أن يبحث عنه، أو أن يدلل على من يوافقه في ذلك، كما حصل في قضية الاستئذان، فإن هذا يدل على تثبته، لا على عدم اقتناعه بما يسمعه من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فإنهم كانوا يكتفون برواية الشخص الواحد، ويعولون على رواية الشخص الواحد، وهو نفسه عول على رواية الشخص الواحد.

    في قصة الطاعون لما ذهب إلى الشام في خلافته رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ولما وصل إلى مكان من أرض الشام لقيه أمراء الأجناد، وكانت الشام قد وقع فيها طاعون، فقال له بعض الصحابة الذين كانوا معه: كيف تدخل بأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام في بلاد موبوءة، فتعرض أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام للموت؟! فجلس واستشار الصحابة، فاستشار المهاجرين، ثم استشار الأنصار، ثم استشار مسلمة الفتح، ومنهم من يرى أنه يرجع، ومنهم: من يرى أنه يقدم، ولو كان فيها طاعون، ومن الذين كانوا يرون بأنه يدخل ولا يرجع أبو عبيدة، ولهذا لما استشار المهاجرين، واستشار الأنصار واختلفوا، يعني: بعضهم يقول: ادخل، وبعضهم يقول: ارجع، ثم في الأخير استشار مسلمة الفتح، فأشاروا عليه بالانصراف، فرجح ومال إلى هذا، وقال: إني مصبح على ظهر، يعني: في الصباح سيتجه إلى المدينة، ويترك دخول الشام، وقال له أبو عبيدة: نفر من قدر الله، قال: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نفر من قدر الله، إلى قدر الله، ثم إن عبد الرحمن بن عوف لم يكن حاضراً في ذلك الوقت الذي حصل فيه الكلام، ثم حضر وكان عنده حديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فجاء وأخبرهم بأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إذا وقع الطاعون وأنتم في بلد فلا تخرجوا منها فراراً منه، وإن وقع فيها فلا تدخلوها).

    فعند ذلك سر عمر بما قاله أو بما جاء به عبد الرحمن بن عوف، وكان اجتهاده رضي الله عنه مطابقاً لما جاء به هذا الحديث الذي رواه عبد الرحمن بن عوف.

    كذلك قال ما قال في حق عمار، ولا يعني أنه لم يقتنع بذلك، فيحتمل أن يكون عنده شيء من التردد، وسبب ذلك لأنه يحكي أن القضية حصلت بحضور عمر، وهو لا يذكر هذا الشيء بل نسي، فخشي أن يكون وهم عمار، كما حصل له أنه نسي، ويحتمل وهو الأظهر أن يكون قد اقتنع بقول عمار، ولكنه لا يحدث به، وإنما يحمل ويولي ذلك من عنده علم فيه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    قوله: [عن شقيق قال: (كنت جالساً مع عبد الله وأبي موسى، فقال أبو موسى: أو لم تسمع قول عمار لـعمر؟ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة، فأجنبت فلم أجد الماء، فتمرغت بالصعيد، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له)].

    وهذا الحديث يدل على ما كان عليه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام من البحث في مسائل العلم وإيراد الأدلة، والاستدلال بها لمن عنده ذلك.

    لأن البحث والمناقشة جرت بين أبي موسى وعبد الله بن مسعود، فـعبد الله يرى أن الجنب لا يتيمم، وأبو موسى يرى أنه يتيمم، واحتج أبو موسى بحديث عمار، ففيه حصول المناقشة في مسائل العلم، والبحث فيها بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وفيه: الاستدلال لمن عنده دليل أو سنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأن أبا موسى رضي الله عنه وأرضاه أورد له الحديث الذي رواه عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه، والذي أورده على عمر رضي الله عنه، وذلك في قصة اجنابهما، وكون عمار تمرغ كما تتمرغ الدابة.

    وفيه حصول الاجتهاد في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام، وأنهم كان يجتهدون في الأمور النازلة، وإذا لقوا الرسول عليه الصلاة والسلام أخبروه بالذي حصل فيخبرهم بما هو الشرع، وبما هو الحق والهدى، وذلك أن كلاً من عمر وعمار قد اجتهدا، أما عمر فإنه اجتهد فلم يصل وترك، وأخر الصلاة إلى أن يجد الماء، وأما عمار فإنه قاس ورأى أن التيمم ينوب عن الوضوء عند فقد الماء، وأنه يحصل به ارتفاع الحدث، فقاس حالة الجنابة على حالة رفع الحدث الأصغر، والرسول عليه الصلاة والسلام ضحك من صنيعه هذا، وبين له أنه يكفيه أن يتيمم بوجهه وكفيه، وأن حكم رفع الحدث الأكبر مثل الحدث الأصغر في التيمم.

    مشروعية القياس في الدين إذا كان معتبراً

    وفيه مشروعية القياس؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أقره على القياس في الأصل، ولكن الذي عيب عليه، أو الذي لم يوافق عليه: كونه قاس حالة التيمم على حالة الاغتسال، وأنه يعمم الجسد بالتيمم كما يعمم في الاغتسال، ولكن هذا القياس كما هو معلوم أيضاً غير واضح، من جهة أن رفع الحدث الأصغر ليس فيه استيعاب أعضاء الوضوء، وليس فيه استعمال التيمم في الرجلين، ولا في اليدين إلى المرفقين، وعلى الرأس، وإنما في الوجه والكفين فقط، فإذاً القضية ليست قضية قياس؛ لأنه لو كانت القضية قضية قياس، لكان التيمم لأعضاء الوضوء كلها، وعند ذلك يمكن أن يكون القياس صحيحاً في حق الذي فعله عمار، لكن الأصل المقيس عليه وهو التيمم الذي هو بدلاً عن الوضوء، ما كان التيمم لأعضاء الوضوء كلها، وإنما كان لبعضها.

    إذاً: يختلف حكم التيمم عن حكم الوضوء، فكذلك يختلف حكم التيمم عن حكم الاغتسال، وأنه لا يكون التيمم يوافق الاغتسال بحيث يعمم الجسد بالتراب كما يعمم الإنسان جسده بالماء.

    [فقال صلى الله عليه وسلم: (إنما كان يكفيك أن تقول هكذا)، وضرب بيديه على الأرض ضربة فمسح كفيه، ثم نفضهما، ثم ضرب بشماله على يمينه، وبيمينه على شماله على كفيه ووجهه].

    وكأن الأرض التي حصل فيها التيمم الذي كان للتعليم كان فيها غبار كثير، ولهذا نفض حتى يخف، وهذا مثل ما جاء في بعض الروايات من النفخ من أجل تخفيف ما علق باليدين من الغبار، وفي بعضها ذكر النفض، وفي بعضها لم يذكر شيئاً من ذلك، ويكون هذا محمولاً على ما إذا كانت الأرض فيها غبار كثير، وعلق باليدين، وأريد تخفيفه بالنفخ أو النفض، وإذا كانت الأرض ليس فيها شيء من ذلك؛ فإنه لا يحتاج الأمر لا إلى نفخ ولا إلى نفض، وإنما يحصل التيمم.

    فقال عبد الله مجيباً لـأبي موسى الأشعري، أو لم ترَ عمر لم يقنع بقول عمار، وكما ذكرت: ليس الأمر واضحاً في أن عمر لم يقتنع بقول عمار، بل إن قول عمار له: (إن شئت لا أحدث)، وقوله له: (لا، بل نوليك من ذلك ما توليت)، يدل على اقتناعه بما قاله عمار، وأن عنده سنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد عرفنا أن عمر رضي الله عنه اكتفى برواية الواحد، ولكنه كان معروفاً بالتثبت في الرواية رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي موسى في صفة تيمم الجنب

    قوله: [أخبرنا محمد بن العلاء].

    وهو محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي، وكنيته أبو كريب، وهو مشهور بكنيته، وأحياناً مسلم يروي عنه كثيراً ويأتي به بالكنية، ويسميه قليلاً، والبخاري بعكسه، فإنه يذكره باسمه ويكنيه قليلاً، والنسائي هنا ذكره باسمه ونسبه، وهو مشهور بكنيته، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكنيته توافق اسم جده؛ لأنه محمد بن العلاء بن كريب، أبو كريب.

    [حدثنا أبو معاوية].

    هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته، ويأتي ذكره باسمه، وذكره بكنيته.

    [حدثنا الأعمش].

    هو سليمان بن مهران الكاهلي، والأعمش لقبه، وهو مشهور بلقبه، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    ومعرفة ألقاب المحدثين مهمة، كما أن معرفة كناهم مهمة، وفائدة ذلك أن لا يظن أن الشخص الواحد شخصين، إذا ذكر مرة باسمه ومرة بكنيته أو مرة بلقبه، ومن يعرف أن هذه الكنية لفلان، مثل أبي معاوية، كنية لـمحمد بن خازم، والأعمش لقب لـسليمان بن مهران الكاهلي، فإذا عرفت الكنى وعرفت الألقاب؛ أمن كون الإنسان يظن الشخص الواحد شخصين، ومثل: ذلك محمد بن العلاء؛ لأن محمد بن العلاء ذكر باسمه، وكنيته أبو كريب، وهو مشهور بكنيته، فمن لا يعرف أن محمد بن العلاء كنيته أبو كريب، إذا رآه جاء محمد بن العلاء، ومرة أبو كريب يظن أن ذاك شخص وهذا شخص، لكن من يعرف أن هذه كنية لفلان الذي هو محمد بن العلاء يعرف بأن هذا شخص واحد ذكر مرة باسمه، ومرة بكنيته، فإذاً عندنا في هذا الإسناد شخص مشهور بكنيته، وذكر باسمه، وهو محمد بن العلاء.

    [عن شقيق].

    وهو شقيق بن سلمة، كنيته أبو وائل، وهو مشهور بكنيته أيضاً، وكثيراً ما يأتي في الأسانيد بكنيته أبو وائل، ولكنه جاء هنا باسمه، ويقال فيه ما قيل في الذين ذكرتهم وهم محمد بن العلاء أبو كريب، وأبو معاوية محمد بن خازم، والأعمش سليمان بن مهران، من أنه مشهور بكنيته ويأتي باسمه، ومعرفة كنى أصحاب الأسماء مهمة لما ذكرت، وشقيق بن سلمة ثقة مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والمخضرمون كما عرفنا هم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يروا النبي عليه الصلاة والسلام، أدركوا زمن الجاهلية وكانوا كباراً في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام، ولم يتيسر لهم أن يلقوا النبي عليه الصلاة والسلام ولو مرة واحدة، فلم يظفروا بشرف الصحبة، والمخضرمون هم جماعة، منهم: أبو وائل هذا، ومنهم: سويد بن غفلة، ومنهم: الصنابحي الذي كان قد جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام، ولما كان في الجحفة الذي هو ميقات أهل الشام، وهو قريب من موضع رابغ، فجاء من جهة اليمن، ليلقى الرسول عليه الصلاة والسلام، فمات رسول الله عليه الصلاة والسلام، فبلغه وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في الجحفة.

    جاء واحد يمشي على بعير وأخبره بأن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي، فقالوا في ترجمته: كاد أن يكون صحابياً، ما بينه وبين الصحبة إلا شيء يسير.

    فإذاً أبو وائل مخضرم من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، ولم يلقوا النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    إذاً فالحديث هو من رواية أبي موسى، ثم أيضاً يشعر بأن عبد الله بن مسعود عنده علم؛ لأنه قال: أو لم تعلم أن عمر لم يقنع بقول عمار؟! لكن الذي يروي ويحتج به هو أبو موسى الأشعري، على عبد الله بن مسعود، ويناظره ويبحث معه في مسألة التيمم للجنب.

    [عن أبي موسى الأشعري].

    وأبو موسى الأشعري رضي الله عنه، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره كثيراً، إذاً فرجال هذا الإسناد كلهم حديثهم عند أصحاب الكتب الستة، محمد بن العلاء أبو كريب، ومحمد بن خازم أبو معاوية الضرير، وسليمان بن مهران الكاهلي، الأعمش، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وأبو موسى الأشعري رضي الله عنه، هؤلاء الرواة الخمسة كلهم روايتهم عند أصحاب الكتب الستة.

    وأما الصحابة كما ذكرت ذلك مراراً وتكراراً لا يحتاجون إلى تعديل المعدلين وتوثيق الموثقين، فتعديل الله عز وجل لهم وتعديل رسوله عليه الصلاة والسلام، وثناء الله عز وجل وثناء رسوله عليه الصلاة والسلام كاف لهم عن تعديل المعدلين وتوثيق الموثقين، ولهذا الجهالة في الصحابة لا تؤثر وفي غيرهم تؤثر.

    1.   

    التيمم بالصعيد

    شرح حديث: (... عليك بالصعيد فإنه يكفيك)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التيمم بالصعيد

    أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن عوف عن أبي رجاء قال: سمعت عمران بن حصين رضي الله عنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معتزلاً لم يصلي مع القوم، فقال: يا فلان، ما منعك أن تصلي مع القوم؟، فقال: يا رسول الله! أصابتني جنابة، ولا ماء، قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك)].

    هنا أورد النسائي باب: التيمم بالصعيد، والمراد بالصعيد هو: ما يتصعد من الأرض على وجهها من التراب، بمعنى أنه يضرب عليه بيديه، ثم يتصعد على يديه شيء من الأرض فيمسح به وجهه وكفيه، فـالنسائي أورد هذه الترجمة باب التيمم بالصعيد.

    والحديث يدل على التيمم للجنابة، فهو دال على ما دل عليه حديث عمار، من التيمم من الجنابة.

    عمران بن حصين رضي الله عنه، يروي أن رسول الله عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً معتزلاً، يعني: جالساً في جانب، معتزلاً الناس، والناس يصلون وهو لا يصلي، فقال له: ما لك لم تصل مع الناس؟! فقال: إنني أصابتني جنابة ولا ماء، ففهم أنه يؤجل حتى يحصل الماء، يعني: مثل ما حصل لـعمر رضي الله عنه وأرضاه لما حصلت له جنابة ولم يصل انتظر لتحصيل الماء، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: (عليك بالصعيد فإنه يكفيك)، يعني: تيمم وصل ولا تؤخر الصلاة، فدل هذا على ما دل عليه حديث عمار من أن رفع الحدث الأصغر يكون بالتيمم، فكذلك يرفع الحدث الأكبر بالتيمم، ولا تؤخر الصلاة لعدم وجود الماء، بل التيمم يحل محل الماء فيأتي بدل الماء، سواء ذلك في رفع الحدث الأصغر أو الحدث الأكبر، كلها على حد سواء.

    وفي الحديث دلالة على أن من وجد منه ما ينكر فإنه يسأل وينبه حتى يتبين عذره، فإذا كان ذلك الترك لسبب؛ فإنه يبين له الحكم كما حصل من رسول الله عليه الصلاة والسلام من كونه رأى هذا الرجل المعتزل على جانب، والناس يصلون وهو لا يصلي، وسأله وأخبره بالذي حصل، مثل ذلك ما جاء في الحديث أنه كان يصلي بالناس الصبح في منى، ولما صلى وإذا برجلين جالسان في ناحية، فدعا بهما، فأتي بهما ترتعد فرائصهما، من الاضطراب، فهم خائفون، وقال: ما لكما لا تصليان؟ فقالا: إننا صلينا في رحالنا، يعني: جاءوا وقد صلوا، وكان الرسول ما صلى، وهم لكونهم قد صلوا جلسوا، فالرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إذا صليتما في رحالكما، وأتيتم والإمام يصلي فصليا معه، تكون لكما نافلة)، يعني: لا يجلس الشخص والناس يصلون، وإن كان قد صلى فإنما عليه أن يصلي مع الناس، فالإنسان إذا صلى ثم أدرك جماعة لا يجلس والناس يصلون، وإنما يصلي معهم تكون له نافلة، ولو كان هذا في أوقات النهي؛ لأن صلاة الفجر بعده وقت نهي، والرسول أذن لهما، بل أمرهما بأنهما إذا أدركا الإمام يصلي، فليصليا معه، وقد أنكر عليهما ذلك، لكونهما ما دخلوا معهم الصلاة، والصلاة صلاة الفجر، إذاً: فمعنى هذا أنهم يصلون الجماعة نافلة في وقت النهي، ولكنه رخص لهما في ذلك، فذلك من النفل الذي جاء به الدليل على أنه سائغ وجائز؛ لأن الحديث وقع في صلاة الفجر، وقال: (ما لكما؟)، وقالا: إنما صلينا في رحالنا، قال: (إذا أتيتما والإمام يصلي فصليا معه تكون لكما نافلة)، فهنا استفسر من هذا الرجل، وأخبره أنه كان على جنابة، وأنه لم يجد الماء، فقال عليه الصلاة والسلام: (عليك بالصعيد فإنه يكفيك).

    تراجم رجال إسناد حديث: (... عليك بالصعيد فإنه يكفيك)

    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].

    وهو المروزي، وهو ثقة، خرج حديثه الترمذي، والنسائي، وقد مر ذكره كثيراً.

    [حدثنا عبد الله].

    وهو عبد الله بن المبارك المروزي، ويذكر أحياناً عبد الله غير منسوب، وفي بعضها ينسبه، لكنه لا لبس فيه، وسويد بن نصر هو راويته، ويقولون في ترجمته: هو راوية عبد الله بن المبارك، ومعنى هذا إذا روى عن شخص وقال له عبد الله ولم ينسبه فهو عبد الله بن المبارك رحمة الله عليه؛ لأنه لا لبس فيه ولا يحتمل غيره؛ لأنه معروف بالرواية عنه، وكونه راويته، وعبد الله بن المبارك هو مروزي كما أن سويد مروزي، كلاهما من مرو، وعبد الله بن المبارك قد وصفه الحافظ في التقريب: بأنه ثقة، إمام، حجة، جواد، مجاهد، قال: بعد ما ذكر جملة من أوصافه، جمعت فيه خصال الخير.

    [عن عوف].

    وهو عوف بن أبي جميلة الأعرابي البصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور باسمه، وكذلك مشهور بنسبته: الأعرابي.

    [عن أبي رجاء].

    وهو عمران بن ملحان العطاردي، وهو مشهور بكنيته أبو رجاء، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن عمران بن حصين].

    وهو عمران بن حصين الخزاعي أبو نجيب، كنيته أبو نجيب، وهو من علماء الصحابة، وذكر في خلاصة تهذيب الكمال: أن له في الكتب مائة وثلاثين حديثاً اتفق البخاري، ومسلم منها على ثمانية، وانفرد البخاري بأربعة، وانفرد مسلم بتسعة، ومن مشهور حديثه: حديث الصلاة على حسب الاستطاعة، التي قال له النبي صلى الله عليه وسلم فيها: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)، يعني: أن الإنسان يصلي على حسب حاله، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا به ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه).

    1.   

    الأسئلة

    حكم المصافحة باليد واليدين

    السؤال: هل من السنة أن تكون المصافحة باليدين، وهل تكره بيد واحدة؟

    الجواب: المصافحة تكون بيد واحدة، أما أن تكون باليدين معاً فلا أعلم فيه شيئاً.

    مراد عمر من عدم تحديثه بحديث عمار رضي الله عنهما

    السؤال: فضيلة الشيخ! قلتم: بأن الأظهر في حديث عمار أن عمر رضي الله عنه اقتنع، ولكنه لا يحدث بذلك، فلماذا لا يحدث بذلك عن عمار؟

    الجواب: لأنه قال: (نوليك ما توليت)، يعني: أنه اقتنع؛ لأنه حكيت له السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن المعلوم أن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام هم السباقون إلى كل خير، والحريصون على كل خير، فالأظهر أنه اقتنع؛ لما لو كان ما اقتنع لما قال له: إن شئت لا أحدث، لوافقه على ذلك، لكنه قال: لا، يعني: لا أشاء أنك لا تحدث، وإنما نوليك من ذلك ما توليت، وأما عبد الله بن مسعود فقد فهم بأنه لم يقتنع بذلك، ولعله فهم كما ذكرت بأن عمر كما حصل له النسيان جوَّز على عمار الخطأ والوهم.

    معنى قول الحافظ في التقريب: (تمييز)

    السؤال: ما المقصود بقول الحافظ: (تمييز) في التقريب؟

    الجواب: قول الحافظ في تقريب التهذيب: (تمييز) يعني: أن هذا الشخص لا رواية له في الكتب الستة، ولكنه وافق هؤلاء الذين لهم رواية في الكتب الستة، فمن أجل أن ينبه عليه، وألا يظن ذاك الشخص الذي لا رواية له في الكتب الستة أن له رواية، يذكره، ويأتي بعده بكلمة: تمييز، يعني: ذكره ليميزه عن رواة الكتب الستة، وأنه لا رواية له في الكتب الستة، وحتى لا يلتبس بغيره.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767986408