إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. عبد المحسن العباد
  5. سلسلة شرح سنن النسائي
  6. كتاب الصلاة
  7. شرح سنن النسائي - كتاب المواقيت - (باب أول وقت المغرب) إلى (باب تأخير المغرب)

شرح سنن النسائي - كتاب المواقيت - (باب أول وقت المغرب) إلى (باب تأخير المغرب)للشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من فوائد السنة النبوية أنها مبينة لما أجمل في القرآن، ومن ذلك أنها بينت أوقات الصلوات، فقد بينت أن وقت صلاة المغرب يبدأ من غروب الشمس إلى غياب الشفق الأحمر، إلا أنه كان من هديه صلى الله عليه وسلم التبكير بصلاة المغرب في أول وقتها.

    1.   

    أول وقت المغرب

    شرح حديث بريدة في أول وقت المغرب

    يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ باب أول وقت المغرب.

    أخبرني عمرو بن هشام حدثنا مخلد بن يزيد عن سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن وقت الصلاة. فقال: أقم معنا هذين اليومين، فأمر بلالاً فأقام عند الفجر فصلى الفجر، ثم أمره حين زالت الشمس فصلى الظهر، ثم أمره حين رأى الشمس بيضاء فأقام العصر، ثم أمره حين وقع حاجب الشمس فأقام المغرب، ثم أمره حين غاب الشفق فأقام العشاء، ثم أمره من الغد فنور بالفجر، ثم أبرد بالظهر وأنعم أن يبرد، ثم صلى العصر والشمس بيضاء وأخر عن ذلك، ثم صلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، ثم أمره فأقام العشاء حين ذهب ثلث الليل فصلاها، ثم قال: أين السائل عن وقت الصلاة؟ وقت صلاتكم ما بين ما رأيتم) ].

    يقول الإمام النسائي رحمه الله: باب أول وقت المغرب.

    هذه الترجمة معقودة لبيان أول وقت صلاة المغرب، كما هو واضح؛ لأن النسائي رحمه الله أراد أن يبين أول الوقت ويبين آخره، وقد فعل هذا في الأبواب السابقة، بالنسبة للظهر والعصر، وكذلك فعله بالنسبة للأوقات الأخرى.

    والمقصود من الترجمة هو الاستدلال على أول وقت المغرب، وأنه غروب الشمس، فإذا غربت الشمس دخل وقت المغرب، هذا هو المقصود من الترجمة، وقد أورد فيه حديث: بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله تعالى عنه، قال: (جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام وسأله عن الوقت)، يعني: سأله عن أوقات الصلاة، فالرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أمره بأن يصلي معهم يومين؛ وأن يبقى معهم يومين، ليعلمه بالفعل وبالمشاهدة والمعاينة، ونصلي في اليوم الأول الصلاة في أول الوقت، وصلى في اليوم الثاني الصلاة في آخر الوقت، ثم بعد ذلك قال له: الصلاة ما بين ما رأيتم، وفي سؤال هذا الرجل الرسول عليه الصلاة والسلام عن الوقت بيان ما كان عليه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنهم وأرضاهم من الحرص على معرفة أمور الدين، وعلى التفقه في أمور الدين، وأنهم يسألون عما يحتاجون إلى معرفته، فكانوا يسألون رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويجيبهم بالقول والفعل، أو بهما معاً كما حصل في هذا الحديث.

    وفي الحديث أيضاً دلالة على التعليم بالفعل؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام علمه بالفعل؛ حيث صلى في اليوم الأول الصلوات الخمس في أول وقتها، وصلى في اليوم الثاني الصلاة في آخر الوقت، فهذا فيه التعليم بالفعل، وفيه بيان أوائل أوقات الصلوات، وقد جاء في الحديث أنه أمر بلالاً فأقام عند طلوع الفجر، يعني: عند أول طلوع الفجر، وعندما دخل الوقت أمر بلالاً فأذن وأقام، وصلى الصلاة في أول وقتها، ولما زالت الشمس صلى الظهر في أول وقتها، ثم صلى العصر والشمس بيضاء في حال قوة حرارتها وشدتها، وذلك عندما كان فيء الشيء مثله، كما جاء في الأحاديث الأخرى التي تبين أول وقت صلاة العصر، وصلى المغرب حين غاب حاجب الشمس، يعني: عندما غابت كلها وذهب طرفها الأخير الذي يغيب أكثرها، ثم يبقى أقلها، فإذا ذهب هذا القليل ولحق بذلك الكثير، وتوارت عن الأبصار، وغاب القرص وزال بالكلية، فعند ذلك يدخل وقت المغرب.

    وهذا الحديث الذي أورده النسائي بطوله مشتمل على أوقات الصلوات الخمس، وهو أورده من أجل الاستدلال بهذا الموضع منه، أو بهذا الجزء منه الذي هو أول وقت المغرب، وأنه عند غياب الشمس وذهاب قرصها وزوال حاجبها الذي هو آخر ما يبقى منها، فإذا زالت بالكلية دخل وقت المغرب، ثم عندما غاب الشفق أمره فأقام للعشاء فصلاها.

    وبهذا يكون الرسول عليه الصلاة والسلام صلى في اليوم الأول الصلوات الخمس في أوائل أوقاتها، ثم في اليوم الثاني نور بالفجر، أي: أسفر بها جداً، والمقصود من ذلك أنه بين له أول الوقت ونهايته، وقد جاء في الأحاديث الأخرى ما يوضح نهاية الوقت، وأنه طلوع الشمس، ولكن الإنسان لا يؤخرها إلى آخر وقتها إلا في حالة الاضطرار، وأما في حال الاختيار فإنه يبكر بها، ويبادر بها، ويصليها بغلس، وكذلك أيضاً إذا تأخر قليلاً لا بأس، أما أن يؤخرها إلى طلوع الشمس اختياراً فإن هذا لا ينبغي للإنسان؛ لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ومن أخرها إلى آخر الوقت فقد ينتهي الوقت، ولكن في حال الضرورة فلا بأس بأن يكون الإنسان قد نام، أو حصل له نسيان، ثم تنبه ووجد أن الشمس قريبة من الطلوع فإنه يدرك الصلاة في وقتها، بل لو أدرك ركعة واحدة قبل طلوع الشمس فإنه يصليها ويصلي الركعة الباقية بعد طلوع الشمس، ويكون مدركاً للوقت ومؤدياً للصلاة في وقتها، ولكن كما ذكرت هذا إنما هو في حال الاضطرار، وأما في حال الاختيار فالإنسان لا يؤخرها، وإنما يبادر بها؛ لأن الصلاة في أول وقتها أفضل، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    ثم صلى الظهر بعدما كانت الشمس بيضاء؛ لأنه في اليوم الأول صلاها عندما زالت الشمس، وفي اليوم الثاني: عندما كانت الشمس بيضاء في حال قوتها وشدتها، وذلك عندما يكون فيء الشيء مثله، كما جاء مبيناً في بعض الروايات الأخرى.

    قوله: (ثم أبرد بالظهر وأنعم أن يبرد).

    (أبرد بالظهر) يعني: أخرها عن أول وقتها، (وأنعم أن يبرد)، يعني: أطال الإبراد، وأطال تأخيرها، كما يقال: أنعم النظر في كذا، أي: أمعن التفكر فيه، وأطال التفكير فيه، فأنعم بالإبراد، يعني: أبرد كثيراً، وأطال الإبراد، بمعنى: أنه أخر الصلاة.

    قوله: (ثم صلى العصر والشمس بيضاء).

    يعني: أنه عند نهاية وقت الظهر، وعندما دخل وقت العصر صلاها والشمس بيضاء، معناه: أنها في حال شدتها وقوتها لم يتغير لونها، بل هي في حال بياضها وشدة حرارتها.

    قوله: (ثم صلى المغرب قبل أن يغيب الشفق).

    معناه: في آخر وقتها؛ لأنه إذا غاب الشفق دخل وقت العشاء، فقبل أن يغيب الشفق لا يزال في وقت المغرب، فهو صلاها في آخر وقتها.

    قوله: (ثم أمره فأقام العشاء حين ذهب ثلث الليل فصلاها).

    وقد جاء في رواية أخرى: أنه عند منتصف الليل، وهذا هو آخر وقتها الاختياري، وأما الاضطراري فآخر وقتها طلوع الفجر؛ لأنه جاء في الحديث ما يدل على ذلك، وأن كل صلاة آخر وقتها بدء وقت التي تليها، ومنه ما هو اضطراري، ومنه ما هو اختياري، فمن منتصف الليل إلى طلوع الفجر هذا وقت اضطراري، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من يؤخر الصلاة حتى يأتي وقت الصلاة التي بعدها)، فهذا يدلنا على أن كل صلاة من الصلوات إن أخر وقتها إلى أول وقت التي تليها فهو مفرط إن كان بغير عذر، وهذا باستثناء الفجر، فإن الفجر آخر وقتها طلوع الشمس، والظهر أول وقتها زوال الشمس، فالمدة التي بين طلوع الشمس وبين زوالها ليست من أوقات الصلاة، لا وقتاً للفجر ولا وقتاً للظهر؛ لأن الفجر لا يجوز أن يؤخر عن طلوع الشمس، وإن أخرت فهي قضاء، والظهر لا يجوز أن تقدم قبل زوال الشمس؛ لأنها إن قدمت عن الزوال فإنها صليت في غير وقتها ولا تصح تلك الصلاة.

    إذاً: ثلث الليل -كما جاء في هذه الرواية، والرواية الأخرى فيها نصف الليل- نهاية الوقت الاختياري، فنصف الليل هو نهاية الوقت الاختياري، وطلوع الفجر هو نهاية الوقت الاضطراري.

    ثم قال بعد أن صلى الصلوات الخمس في يومين متتاليين، يصلي في أول الوقت ويصلي في آخر الوقت، قال: (أين السائل؟ ثم قال: وقت صلاتكم ما بين ما رأيتم)، يعني: ما بين الوقتين اللذين حصلا؛ في اليوم الأول، الصلاة في أول الوقت، وفي اليوم الثاني: الصلاة في آخر الوقت.

    تراجم رجال إسناد حديث بريدة في أول وقت المغرب

    قوله: [أخبرني عمرو بن هشام].

    وهو أبو أمية الحراني، وهو ثقة، خرج له النسائي وحده، ولم يخرج له أصحاب الكتب الخمسة الآخرون الباقون.

    [حدثنا مخلد بن يزيد].

    وهو القرشي الحراني، وهو صدوق له أوهام، وقد خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.

    [عن سفيان الثوري].

    وهو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، المحدث، الفقيه، الإمام، الحجة، الثبت، الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو وصف رفيع ولقب عال، لا يظفر به إلا النادر القليل من المحدثين، ومنهم: سفيان الثوري رحمة الله عليه، ومنهم: شعبة، ومنهم: إسحاق بن راهويه، ومنهم: الدارقطني، ومنهم: أناس آخرون قليلون.

    فـسفيان بن سعيد بن مسروق الثوري هو أحد هؤلاء، وحديثه خرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن علقمة بن مرثد].

    وهو علقمة بن مرثد الحضرمي الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن سليمان بن بريدة].

    وهو سليمان بن بريدة بن الحصيب الأسلمي، وسليمان بن بريدة هذا مروزي، وهو قاضي مرو، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة، إلا البخاري فإنه لم يخرج له شيئاً، وأخوه عبد الله بن بريدة خرج له أصحاب الكتب الستة، وأخوه عبد الله بن بريدة يروي عن أبيه أيضاً.

    [عن أبيه].

    أبوه هو: بريدة بن الحصيب الأسلمي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه خرجه أصحاب الكتب الستة.

    1.   

    تعجيل المغرب

    شرح حديث رجل من أسلم في تعجيل صلاة المغرب

    يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تعجيل المغرب.

    أخبرنا محمد بن بشار حدثنا محمد حدثنا شعبة عن أبي بشر سمعت حسان بن بلال عن رجل من أسلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (أنهم كانوا يصلون مع نبي الله صلى الله عليه وسلم المغرب، ثم يرجعون إلى أهاليهم إلى أقصى المدينة يرمون ويبصرون مواقع سهامهم) ].

    هنا أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: باب تعجيل المغرب. لأن الترجمة الأولى لبيان أول الوقت، وهنا لبيان التعجيل، وأنه يبادر بها في أول وقتها، وقد أورد النسائي هذا الحديث عن رجل من الصحابة من أسلم، قال: (أنهم كانوا يصلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب ثم يرجعون إلى أهاليهم فيرمون ويبصرون موضع سهامهم)، ومن المعلوم أن هذا لا يتأتى إلا إذا حصل التعجيل بالمغرب؛ لكونهم يصلون مع الرسول صلى الله عليه وسلم المغرب، ثم يرجعون إلى أهاليهم في أقصى المدينة، ثم يرجمون بسهامهم ويبصرون مواضع وقوع السهم أين يقع، وهذا يدل على التعجيل وعلى التبكير، ثم أيضاً يدل على أن المغرب يقرأ فيها بقصار السور؛ لأن هذا أيضاً لا يتأتى إلا بالقراءة بقصار السور؛ لأنه لو قرأ بطوال السور فإنه لا يتأتى ذلك، بل يشتد الظلام، ولا يحصل لهم أن يذهبوا هذه المسافة البعيدة، ثم يرمون بالسهام ويبصرون مواقع السهام عندما تقع في الأرض، أو في مكان يرسلونها إليه، والرسول عليه الصلاة والسلام كان يقصر وكان يطيل، وكان يقرأ فيها بقصار السور، وفي بعض الأحيان يقرأ فيها بطوال السور، وقد جاء أنه قرأ فيها بالأعراف، وهي جزء وربع جزء، يعني: طويلة، بل من أطول السور، فكان أحياناً يقرأ بقصار السور، وأحياناً يقرأ بطوالها كما جاء ذلك عن رسول صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولكن كونهم يصلون معه ويذهبون ويرمون ويبصرون مواقع السهام، هذا لا يتأتى إلا إذا عجل بصلاة المغرب وصليت في أول وقتها، وقرئ بسور قصار، فإن هذا هو الذي يتأتى منه حصول ذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث رجل من أسلم في تعجيل صلاة المغرب

    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].

    وهو بندار، لقبه بندار، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة كلهم، فقد رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري الذين ليس بينهم وبين وفاة البخاري إلا الشيء اليسير؛ لأنه توفي سنة: (252هـ)، والبخاري توفي بعد ذلك بأربع سنوات، يعني: سنة: (256هـ)، فهو من صغار شيوخه الذين أدركهم، وكان زمن وفاتيهما متقارب، بل أدركه أصحاب الكتب الستة كلهم حتى النسائي الذي هو آخر أصحاب الكتب الستة، فقد أدركه وروى عنه، وكانت وفاة النسائي سنة: (303هـ)، وكانت وفاة محمد بن بشار سنة: (252هـ)، ويماثله في هذا محمد بن المثنى المقلب بـالزمن أبو موسى، وهو مثل: محمد بن بشار، فقد اتفق معه في سنة الولادة واتفق معه في سنة الوفاة، واتفق معه في الشيوخ والتلاميذ، واتفق معه في كون كل منهما من أهل البصرة.

    قال الحافظ ابن حجر عنهما: وكانا كفرسي رهان، معناه: أنهما متماثلان لا يسبق أحدهما الآخر، وهو مشهور باسمه ومشهور بلقبه، يقال له: محمد بن بشار، ويقال له: بندار.

    ومعرفة ألقاب المحدثين مهمة؛ لأن من لا يعرف الألقاب يظن أن الشخص إذا جاء باسمه مرة، وبلقبه مرة أخرى يظن أن هذا شخص وهذا شخص، ومن يعرف أن هذا لقب لـمحمد بن بشار لا يلتبس عليه الأمر، ويعلم أن محمد بن بشار هو بندار، وبندار هو محمد بن بشار، يذكر باسمه أحياناً، ويذكر بلقبه أحياناً أخرى.

    [حدثنا محمد].

    ومحمد إذا جاء مهملاً غير منسوب، والراوي عنه محمد بن بشار، أومحمد بن المثنى، ويروي عن شعبة بن الحجاج، فهو: محمد بن جعفر الملقب غندر، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا شعبة] .

    وهو شعبة بن الحجاج، المحدث، الناقد، الذي وصف أيضاً بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو وصف عال، ولقب رفيع، لم يظفر به إلا النادر من المحدثين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [عن أبي بشر].

    وهو جعفر بن إياس أبو أمية بن أبي وحشية، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    وأبو بشر يطلق على عدد كلهم اشتهروا بكناهم، فيقال: أبو بشر، ومعرفة تعيين أحدهم إنما يكون بمعرفة الشيوخ والتلاميذ، يعني: يأتي الإنسان إلى ترجمة شعبة، وينظر شيوخه ممن يقال له: أبو بشر، وكذلك ترجمة حسان بن بلال الذي روى عنه، فينظر في تلاميذه من روى عنه، فيجد تسمية تلميذه الذي يروي عنه ممن يسمى بهذه الأسماء، أو ممن يعرف بهذه الكنية، وهو أبو بشر؛ لأن أبا بشر يطلق على عدد، فهو هنا: جعفر بن إياس أبو أمية بن أبي وحشية، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن حسان بن بلال].

    خرج له أصحاب الكتب الأربعة إلا أبا داود فإنه لم يخرج له شيئاً، ويغلب على ظني أنه قيل عنه: إنه صدوق.

    [عن رجل من أسلم صحب النبي عليه الصلاة والسلام].

    وهذا يقال له: المبهم، يعني: الذي يشار إليه ولا يذكر؛ بأن يقال: رجل أو امرأة هذا هو المبهم، وهو يضر في غير الصحابة، وأما الصحابة فإن المبهم منهم لا يؤثر، وإنما المهم أن يعرف أنه صحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وجهالته لا تؤثر ما دام أنه ثبتت له الصحبة، وأنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك كاف في التعويل على ما جاء عنه، وفي قبول ما جاء عنه؛ لأن الصحابة لا يحتاجون إلى تعديل وتوثيق بعد أن حصل ثناء الله عز وجل، وثناء رسوله عليهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فهم لا يحتاجون مع ثناء الله عز وجل وثناء رسوله عليهم إلى تعديل المعدلين، ولا توثيق الموثقين، وإنما يكفيهم شرفاً ويكفيهم فضلاً ونبلاً أن يقال عن الواحد منهم: إنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا فإن كل راوٍ من الرواة ما عدا الصحابة لابد من معرفته، وجهالته تضر وتؤثر، وأما الصحابة فإذا عرف أن الواحد منهم صحب رسول عليه الصلاة والسلام وإن لم يعرف اسمه، وإن لم يعرف شيئاً عنه فإن ذلك كافٍ في قبول ما يأتي عنه، وفي قبول ما يرويه؛ لأنهم عدول بتعديل الله عز وجل، وتعديل رسوله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

    1.   

    تأخير المغرب

    شرح حديث أبي بصرة الغفاري في تأخير صلاة المغرب

    يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تأخير المغرب.

    أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن خالد بن نعيم الحضرمي عن ابن جبيرة عن أبي تميم الجيشاني عن أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه أنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بالمخمص، قال: إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها، ومن حافظ عليها كان له أجره مرتين، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد، والشاهد النجم) ].

    هنا أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: باب تأخير المغرب. وأورد فيه حديث: أبي بصرة الغفاري رضي الله تعالى عنه: (أنه صلى العصر وقال: إن هذه الصلاة -أي: العصر- عُرضت على من كان قبلكم فضيعوها، فمن حافظ عليها كُتب له أجره مرتين، ولا صلاة بعدها -أي: العصر- حتى يطلع الشاهد، والشاهد النجم).

    فـالنسائي أورد هذا الحديث تحت هذه الترجمة ليستدل به على تأخير المغرب، وبعض العلماء يقول: إن هذا الحديث لا يدل على التأخير، وإنما المراد به: أن صلاة المغرب تصلى في أول وقتها، ولا تؤخر، وأنه ليس الحكم بأنه يتحتم تأخيرها، وإنما يجوز تأخيرها كما جاء مبيناً في الأحاديث التي تبين أول الوقت وآخره، فبعض العلماء يقول: إن المقصود بطلوع النجم هو كناية عن غروب الشمس، وليس المقصود من ذلك أنها تؤخر كثيراً، وإنما إذا غابت الشمس رؤيت النجوم المضيئة، أو شديدة الإضاءة؛ فإنها ترى بمجرد غروب الشمس، فالمقصود من ذلك هو غروب الشمس، وليس المقصود من ذلك التأخير؛ لأنه يكون معارضاً للأحاديث الأخرى التي تدل على الصلاة في أول وقتها، وهذا الحديث يدل ظاهره أنه لا يجوز أن تصلى الصلاة في أول وقتها، والنسائي استدل به على التأخير، ولكن الاستدلال به على التأخير ليس بواضح؛ لأن هذا يقتضي أنه لا يجوز أن تصلى المغرب إلا إذا طلعت النجوم واشتد الظلام، وهذا ليس بصحيح، وعلى هذا فلا تعارض بين الحديث وبين الأحاديث الدالة على أن الصلاة تصلى في أول وقتها.

    إذاً: فتفسيره وتأويله بأن المقصود من ذلك الغروب، وأن النجوم ترى عندما تغرب الشمس، وهذا هو الأولى، وهو أوضح مما ذكره النسائي في الاستدلال به على التأخير.

    والحافظ ابن حجر في (فتح الباري) أشار إلى ضعف الحديث، وقال عندما ذكر الأحاديث الكثيرة الدالة على الصلاة في أول وقتها، قال: واستدل بهذه الأحاديث على ضعف حديث أبي بصرة الغفاري أنه قال: (ولا صلاة بعدها -أي: العصر- حتى يطلع الشاهد، والشاهد النجم)، ولكن الحديث في صحيح مسلم، فالحديث كما رواه النسائي رواه مسلم في صحيحه.

    وتفسيره بأن المقصود منه الغروب، وأنه كناية عن غروب الشمس، أولى من تفسيره بالتأخير، ومن الحكم عليه بالضعف، بل الجمع بينه وبين غيره من الأحاديث هو الأولى، وتفسيره بهذا التفسير الذي أشرت إليه والذي ذكره السيوطي، وأن المقصود من ذلك غروب الشمس هو الأولى.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي بصرة الغفاري في تأخير صلاة المغرب

    قوله: [أخبرنا قتيبة].

    وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا الليث].

    وهو ابن سعد المصري المحدث، الفقيه، فقيه مصر، ومحدثها، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن خالد بن نعيم الحضرمي].

    الصحيح عن خير بن نعيم الحضرمي، وخالد هذا خطأ؛ لأن المعروف أنه خير، وفي كتب الرجال خير، وليس خالد، اسمه خير بن نعيم الحضرمي، وهو صدوق، فقيه، خرج حديثه مسلم، وأبو داود في المراسيل، وخرج حديثه النسائي.

    [عن ابن جبيرة].

    وهو ابن هبيرة، وجبيرة خطأ أيضاً، فهو: أبو هبيرة عبد الله بن هبيرة، فكنيته توافق اسم أبيه، فهو أبو هبيرة، وهو ابن هبيرة، فإذا جاء ابن هبيرة فهو صحيح، وإذا جاء أبو هبيرة فهو صحيح، وقد ذكرت فيما مضى أن من أنواع علوم الحديث: معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدة ذلك دفع توهم التصحيف؛ لأنه إذا كان معروفاً بنسبه، ثم ذكر بكنيته، فإن من لا يعرف يظن أن فيه تصحيف، وهو صواب. سواء قيل: أبو هبيرة، أو قيل: ابن هبيرة هو عبد الله بن هبيرة الحضرمي المصري، وهو ثقة خرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    [عن أبي تميم الجيشاني].

    واسمه عبد الله بن مالك المصري، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.

    [عن أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه].

    أبو بصرة الغفاري هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج حديثه البخاري في كتاب الأدب المفرد، وخرج حديثه مسلم، والنسائي، وابن ماجه، هؤلاء هم الذين خرجوا حديث أبي بصرة الغفاري، واسمه: جميل بن بصرة، وكنيته توافق اسم أبيه؛ لأنه أبو بصرة وأبوه بصرة.

    1.   

    الأسئلة

    اشتراط المكث في نفس المكان لتحقيق قول النبي: (من صلى الفجر ... الحديث)

    السؤال: قوله عليه الصلاة والسلام: (من صلى الفجر ثم جلس في مصلاه يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ثم يصلي ركعتين ... إلخ). هل يشترط أن يجلس في نفس المكان الذي صلى فيه، أم المراد بالمصلى جميع المسجد؟

    الجواب: أقول: لا ندري، لكن من جلس في المكان فهذا أمره واضح ولا إشكال فيه، وأما إذا تحول فلا أدري. الله تعالى أعلم.

    إجزاء ركعتي الشروق عن ركعتي الضحى

    السؤال: هل الركعتان بعد الشروق تغني عن صلاة الضحى، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال

    الجواب: نعم، تجزئ عن صلاة الضحى؛ لأن صلاة الضحى هي ركعتان بعد ارتفاع الشمس إلى الزوال، هذا وقت صلاة الضحى، فتجزئ عن صلاة الضحى؛ لأنها في وقت صلاة الضحى، وأما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه، والذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال)، يعني: هذا يبين أن صلاة الضحى الأولى أن تكون في وقت اشتداد الشمس، ووقت اشتداد الحرارة، ولكن لا يعني أنها لا تصلى في غير هذا الوقت، بل إنها من ارتفاع الشمس إلى الزوال، فكل هذا وقت لصلاة الضحى.

    الاغتسال للجمعة قبل صلاة الفجر

    السؤال: هل للإنسان أن يغتسل للجمعة قبل أذان الفجر بقليل؟

    الجواب: الذي يبدو أنه لا يجزئ؛ لأن هذا كما هو معلوم ليس في اليوم؛ لأن اليوم إنما يبدأ بطلوع الفجر، والذي ينبغي أن يكون الاغتسال عند الذهاب إليها، وعندما يريد أن يتجه إليها، وأما قبل طلوع الفجر، فهذا في الليل وليس في اليوم، وإذا كان سيذهب ويصلي الفجر، ويستمر بعد صلاة الفجر إلى الجمعة يجزئ في ذلك.

    الجلوس للعزاء

    السؤال: إذا مات لي قريب كالأب مثلاً وجلست في بيتنا، وجلس عندنا إخواني، وأتانا الناس في البيت ليزورنا، ثم ينصرفون، فهل هذا العمل جائز؟ مع التوجيه، بارك الله فيك.

    الجواب: الالتزام بالجلوس لا أعلم له وجهاً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767953055